مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرؤية النصية القيمية للجماعات الاسلامية العربية وتضييع المصالح الاستراتيجية

نحاول في هذه الوجهة نظر، تتبع آثار التيار النصي القيمي في تضييع المصالح الاستراتيجية للامة العربية، دون الطعن في النيات، أو الاتهام المجاني بالعمالة والخيانة.... لأن قاعدة: كل من ساءت نيته فسدت أعماله غير منضبطة ولا مطردة بل حتى من صلحت نيته وساءت تقديراته وقلت حيلته وانتفت إمكاناته يزرع الخراب.
وخطاطة هذه الوجهة نظر كالآتي:
· من تمظهرات تغليب الرؤية النصية والقيمية على المصالح الحيوية:
· التيار النصي القيمي بين الاستنبات والتوظيف
1. آثار حراك التيار النصي القيمي في أفغانستان (النسخة العربية المعدلة وراثيا)
2. آثار حراك التيار النصي القيمي في الجزائر
3. آثار حراك التيار النصي القيمي في سوريا
4. آثار حراك التيار النصي القيمي في مصر
5. آثار حراك التيار النصي القيمي في تونس
6. آثار حراك التيار النصي القيمي في المغرب
7. خاتمة مع معادلات مساعدة للفهم
- من تمظهرات تغليب الرؤية النصية والقيمية على المصالح الحيوية:
إن كثيرا من حركات الإسلام السياسي العربية، لازالت في تدافعها المحلي والإقليمي وحتى الدولي تحكم الرؤية القيمية النصية البعيدة كل البعد عن الرؤية المقاصدية الحاضنة للمصالح الاستراتيجية لكياناتها وأمتها، وفق تراتبية المصالح والمفاسد جلبا ودفعا على مقياس الجهد والإمكان. ومن جملة تمظهرات ذلك:
الاستحضار المكثف للنص في منطقة العفو التشريعي ومجال الترجيحات. وإسقاط الثابت أبديا(دائرة التوقف حتى ايراد الدليل) على المتحول والمتطور والمتجدد زمانا ومكانا (الأصل فيه الإباحة).ثم الانشداد الكبير إلى منطق الدعوة، الذي يفرض آليات محددة. في حين أن منطق الأمة والدولة يستدعي سياسات تدبيرية ومخططات اقتصادية واجتماعية تنموية ،تؤمن للناس كل الناس مهما اختلفت عقائدهم ومواقعهم وأجناسهم، تأمينهم على نفوسهم وأرواحهم،وأموالهم، وعقولهم الذاتية والمعنوية (الملكية الفكرية) وأعراضهم، ودياناتهم، وتلك هي المقاصد أو الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية لحمايتها كما حددها شيخ المقاصد الشاطبي في كتابه"الموافقات" . وجسدها يوسف عليه السلام حيث جنب البلاد في ظل حكومة ونظام مناقض لدينه انهيار الدولة ومضار والكوارث المتوقعة في السبع السنين العجاف (الجفاف) .فكان رحمة لمصر ودول الجوار الذين يؤتونه فيمدهم بحاجياتهم الضرورية. وعليه كانت السياسة الاقتصادية مدخلا لولوج الناس إلى منطقة القناعة بالثابت اعتقادا وتربية وسلوكا.
1. استحضار مكثف للبعد القيمي الأخلاقي ضد المخالفين تعبأة وحشدا. بل و اعتباره نقطة القوة في صراع الإرادات بين الشرق والغرب، وبنظرة اختزالية للبعد نفسه.فهي لا تبحث عن موطء قدم وسط التحالفات القوية، أو القراءة العلمية لموازين القوى على مستوى واقعها الوطني أو الإقليمي أو الدولي ومحاولة الاستفادة أو التأثير فيه: فأمريكا عدوة الشعوب، والسوفيات سابقا وروسيا لاحقا محضن الإلحاد. والأنظمة فاسدة وعميلة ، والشيعة شر قادم ،والأحزاب علمانية ذات تاريخ أسود ....وفي النهاية عندما وصل بعض الحركات الاسلامية المعتدلة إلى الحكم وجدت نفسها أمام حتمية التحالف مع بعض هؤلاء . وجند هؤلاء جميعهم كل أسلحتهم للترويض أوالإرباك، أو الاستئصال حتى من داخل تحالفاتهم مع الإسلاميين... كما يقوم النصيون بإرباكها ،وجرها إلى الخلف.
2. ضعف وضمور البحوث والدراسات التحليلية الميدانية،مقابل إغراق عالم القراءة بكتب تكرس النصية القيمية ومختصرات في فقه المعلوم من الدين بالضرورة (صلاة ، صوم ، تيمم،رقائق، أخلاقيات ...) وفي البلدان العربية يتم اعتماد دور القرآن ذات الصلة بالدولة الخليجية الراعية، و بعض الباعة المتجولين أتباع الطيف النصي القيمي آليات التوزيع والنشر.
3. طرح الذات كبديل قيمي أخلاقي كوني ريادي مناقض للكل، قادر على اجتثات الفساد والمفسدين والمتجبرين والمستكبرين والطواغيت دون امتلاك أدنى مقومات ذلك، مع التشبت المستميت باقرار المرجعية الدينية للأمة المسلمة ،دون بلورة وتجديد آليات التعايش المشترك ورعاية المصالح والدود عن الحقوق الانسانية، بما تمليه المستجدات والتطورات الكونية. أي العيش ماضويا على فقه الخلافة الاسلامية القوية الأركان، وإسقاطه على كيانات التجزيء والضعف والصراع والارتهان بالآخر المتفوق حضاريا .
4. التماهي مع المزاج الشعبي غير المنضبط والمؤسس على الأبعاد القيمية والأخلاقية . والمستحضر لها في كل معاركه الفردية والجماعية وإن كان منسلخا منها في مناحي مهمة. مما جعلها مكبلة إلى حد ما بهذا المزاج، أو موظف ضدها تعبئة وحشدا في عملية حثيثة لترصد أخطائها أو"سقطاتها". إذ نلاحظ كثافة الانتقادات (مثلا)التي توجه إليها بخصوص تحالفاتها مع بعض القوى، التي يكون مبعثها أخلاقي وليس جيوسياسي.
صحيح أن الحركات الاسلامية العربية ليست نمطا، ولا نسخة واحدة، وأن عددا منها أسس رؤاه وتصوراته بقراءة متأنية للواقع وانهال من منهل المقاصدية. لكن قواعدها لازالت متشبعة بالنظرة النصية القيمية المغرقة في المثالية، تستدعي جهدا مضنيا (في الفعل السياسي) للقيادات في شرح مجموعة من المواقف والخيارات، خاصة التي تتبنى الشورى والديمقراطية الداخلية. مما يؤثر سلبا على ديناميكية المبادرات ، وحجم مساحة الحرية في اتخاذ القرار ،في واقع لا مكان فيه للبطء والانتظارية. الآخر أكثر تحررا، بل ليس له قيود.
التيار النصي القيمي بين الاستنبات والتوظيف:
إن عملا استخباراتيا قويا(تعتبر دولة خليجية قطب الرحى فيه) يعمل على تقوية تيار نصي قيمي بإنتاجه وتصديره إلى الخارج وتوظيفه.هذا التوظيف قد لا يأخذ أي شكل من الارتباط التنظيمي بأية غرفة مغلقة، ولكن يتم التحكم فيه أساسا بتوجيه بوصلته التصورية والخيارات المعرفية،بالمنتوج المقروء كما أسلفنا أوالمشاهد والمسموع ،وليس من غريب الصدف أن تخرج قناة "دينية" من تحت عباءة شبكة روتانا ROTANA ، ولا خيار لك فأنت مقتول، على أية حال، إما تفسيخا أو تحنيطا في قوالب جامدة .ومن خلال المعرفة المسبقة بردود أفعال ذلك التيار تجنى الثمار. ثم تناسلت قنواة الرؤية النصية القيمية، تدور في نفس الإطار المرسوم ،وتتم مستحضرات الفتوى على الهواء مباشرة.
1.التيار النصي القيمي عينة معدلة وراثيا ومزروعة عربيا في أفغانسان :
ومن جني الثمار مثلا قد تكون فكرة التفجير في 11 سبتمبر بأمريكا،انطلقت من كهف بأفغانستان، لكن السؤال: من أطلقها ؟ ثم إن حجمها والوسائل المستعملة وحجم اللوجستيك وآثارها ليس في حجم الدمار والقتلى ،ولكن في حجم التمكين لمخطط معد سلفا في رسم خريطة شرق أوسط جديد. وفي تسهيل إحكام الأنظمة العربية قبضتها على الحركات المعارضة ومنها الإسلامية، إذ جاءت قوانين الإرهاب على عجل تحبس الأنفاس حتى جاءت الثورات العربية لترمي تلك القوانين جانبا. كل هذا وغيره أحسبه أكبر من عمائم أفغانستان كلها !!!
من حق الأفغان وتنظيماتهم وغيرهم مقاومة أي احتلال،لكن هنا أناقش عينة فكرية عقدية معدلة وراثيا دخلت الخلايا الجدعية للأفغان .ثم نمت أكبر من أفغانستان ومحيطها الإقليمي. هذه العينة التيار عملت كطيف فكري، ليس له ارتباط تنظيمي، إلا في الآونة الأخيرة ،على التعبئة للجهاد ضد مايسمونه "الكفار الروس"، وبرز التجنيد داخل الدول العربية فيما يسمى " المجاهدون العرب" رغم أنها ذات الحساسية الأمنية المزمنة ومن السبع المستحيلات أن يكون ذلك في غفلة من استخباراتها التي وصفها الشاعرأحمد مطر بقوله:
فحيثما سرت مخبر يلصق بي كالنملة
يبحث في حقيبتي يسبح في محبرتي
يطلع لي في الحلم كل ليلة
واستغلت الروح المعنوية القتالية الجهادية (الشهادة أو النصر التي لا تتوفر في جنود أمريكا وحلفائها) واحترافية الشعب الأفغاني للقتال لتركيع السوفيات وإسقاطهم، فتم التمكين لمشروع الحلف الأمريكي. وفي طريق إنهاء المهمة تم اغتيال الجنرال ضياء الحق، الذي رفض أن يكون ورقة في يد الأمريكين. وبعد انتهائها تم اغتيال شاه مسعود قاهر الروس في وادي بانشير وعبد الله عزام المحنك الكبير في ضبط التوازن بين الكيانات الجهادية .تم الاغتيال حتى لا تخرج الأمور عن التوجيه والتحكم. وفي لمحة البصر تم تعزيز صفوف "القاعدة" كتوجه نصي قيمي، نواته الصلبة من "المجاهدين العرب" بخريجي المدارس القرآنية بباكستان فيما اطلق عليه حركة طالبان. فحوكمت البلاد بتيار نصي قيمي مزدوج يهتم باللحى واللباس وتحطيم صنم بوذا أكثر من تكوين الكفاءات في مختلف الميادين لبناء "إمارتهم" على الأقل على أسس قوية ومتينة. وماكانت مواقف وأعمال القاعدة تصب في خدمة مصالح الأمة العربية والاسلامية .أنا لا أطعن في النوايا، فقد تكون الأصدق، ولكن الأعمال وآثارها ليست في الاتجاه الصحيح ومدمرة.
2.التيار النصي القيمي في الجزائر:
وينشط التيار نفسه في الجزائر من داخل جبهة الانقاذ، ولم تستطع تيارات الإعتدال والوسطية والمقاصدية داخلها، كبح جماح النصية والإندفاعية والاكتساح. كان المهندس عبد القادر حشاني رجل المرحلة في جبهة الإنقاذ بعد اعتقال القيادات.كانت تصريحاته على قدر كبير من الوعي والرؤية الثاقبة. حاول وتياره تصحيح الأمور.اغتيل الرجل ولازال صاحب الخطابات النارية بجبهة الإنقاذ حرا طليقا. قد نتركك تصرخ عاليا وعميقا لأن صدى صراخك يمتعنا إذ يكسبنا أكثر. كانت المأساة بالجزائر كبيرة ولا زالت تلقي بظلالها على "المشروع الاسلامي" والأمة الجزائرية إلى اليوم.
ومنها تم تصدير التيار نفسه إلى بلدان الصحراء والساحل ، تمكينا لاستعمار جديد الأسلس تدخلا والأيسر توغلا لأنه لايواجه شعبا بأكمله فقد تم تحييده، بدعوى أن التدخل الدولي غايته مواجهة كيان هلامي له ارتباط بالقاعدة !!! وتكون بوابته مالي المغلوبة على أمرها ....
3.التيار النصي القيمي في سوريا:
في سوريا تنشط عينات من هذا التيار وتستولي على مساحات وتعزز بالأسلحة والإمدادات وتربك عمل الجيش الحر والقوى الوطنية المعارضة. وتساهم في إضعاف قوة الأسد، حتى تدمر سوريا بالكامل وببرودة دم ولا غالب ولا مغلوب، في انتظار توفير البديل المثالي لأمريكا واسرائيل ودول الخليج. نعم لإسقاط الأسد لا للإسلاميين كبديل. ومن ثنايا هذه المعادلة، يموت الأبرياء قصفا وتدميرا. تقصف الغوطتين بالكيماوي وتنتشر جثث الأطفال والنساء، لإلهاء الرأي العام عن جرائم الإنقلابيين بمصر وإعطاء الوقت الكافي لفك الطوق الإخواني المحتمل على اسرائيل، وإرجاع مصر إلى مربع دول عربية حامية لأمن اسرائيل ومصالح أمريكا . ويفشل اوباما في حشد الدعم لضرب الأسد !!!ولم يعد الكيماوي خطا أحمر بل أسود يغطي أجسام الثكالى من السوريات تتسع رقعته ليل نهار.
وإذا كانت إدارة استراتيجية عدم السماح بالتقارب بين اليساريين والإسلاميين تدار من ثنايا أحداث أفغانستان والشيشان، فإن استراتيجية عدم السماح المطلق بالتقارب السني الشيعي يدار من ثنايا أحداث لبنان ،و العراق ، وسوريا. وانبرت قنوات خليجية تتبع عورات الشيعة، وتنقب على "مخازيهم" حتى في الزمن الغابر... في اتجاه تعميق الهوة، فتستعمل سلبيات الماضي لقتل الحاضر والمستقبل. وهنا لا أدعو إلى الارتماء في أحضان الشيعة، وإنما إلى تأسيس مرجعية استراتيجية لتقدير الأمور.
لماذا اصطفت الحركات الاسلامية العربية السنية في مواقفها، بشكل أوتوماتيكي أو حسب نظرية بافلوف التحدي والاستجابة، في ثنائية الحامض واللعاب ضد النظام السوري ؟؟؟
هل هذا خيار استراتيجي أم مزاجي ؟؟ أنا لا أدعو إلى النظر بثنائية الأسود والأبيض فلست أدعو إلى الوقوف ضد المعارضة، لكن يمكن أن نرى من زاوية أوسع {فأصلحوا بينهما} الآية. لماذا لم تتجه الجهود قبلا لردم الهوة بين النظام السوري والمعارضة وعلى رأسها "الإخوان المسلمين"؟؟ لماذا أبقي على الجرح غائرا رغم تسلم الإبن مقاليد الأب، فاستتثمر ذلك الجرح في قتل الشعب وتدمير مقومات الدولة ونشر الخراب؟؟؟ من الرابح من تدمير العراق ،سوريا ،ومصر في الطريق... وحتى في ظل الصراع ألا يمكن ايجاد حل سلمي ديبلوماسي، فإن ضاعت أرواح الحاضر وهدمت الدور، فلا نضيع المستقبل بما فيه؟؟ إننا نتقن بفنية عالية الاصطفاف التلقائي وتبريره، ونملك حاسة كبيرة للاسترخاء والتفرج .
4.التيار النصي القيمي في مصر :
وفي مصر تم إعداد الكيانات النصية القيمية، للخروج من كونها أطياف فكرية عقدية تؤمن بمقولة الرسالة الجامعية التي أعدها أحدهم" القول السديد في أن دخول المجلس النيابي ينافي التوحيد" إلى أحزاب سياسية مهيكلة، حتى تستطيع مواجهة أعرق الحركات الإسلامية وأكثرها إنتاجا فكريا وعلميا، والأقوى فاعلية وحركية والأكبر عمقا شعبيا. أربكت تلك الكيانات من داخل الأغلبية ومن خارجها الرئاسة الإخوانية مرارا. وعندما لم تفلح في الريادة من صناديق الإقتراع، وما بعدها، تحالفت مع صقور العسكر والداخلية ووفرت المسحة الدينية لهم لضرب الإخوان ظاهرا، وخدمة أجندة أكبر من توقعاتها وتفكيرها، بدأت تتشكل بعض ملامح المشروع مع مرور الأيام...
وظهر للعيان المستور: الإسناد من الدول الخليجية المعلومة وعلى المكشوف، إسنادا سياسيا وماليا وديبلوماسيا لأن التلاميذ لم يكونوا نجباء إلى الحد المطلوب.
وها هو الجيش الثالث بالمنطقة يدخل (بضم الياء) في متاهات الاستنزاف والانهاك والتحطيم للأسف. وهاهي العساكر تخرب بيوتها بأيديها وأيدي مسلحين يراد لهم أن يكونوا أشباحا على خط التماس مع اسرائيل في صحراء سيناء. إنه نفس مصير جيش العراق وسوريا،وربما الأسوء ولمصلحة من تدمر ثلاث من أقوى الجيوش بالمنطقة ؟؟!!!
5.التيار النصي القيمي في تونس :
لم يكن له أثر يذكر في فترة نظام بن علي ، لكن بعد مجيء حكومة النهضة خرج بقوة ،يحرك تظاهرات. ويخلق إرباكا أمنيا. يصدر فتوى بقتل رجل أمن ويوزع الغنائم مما استولى عليه منه !!! لكن الرئيس المرزوقي والجيش التونسي وحركة النهضة وحلفائها أبانوا عن قدر كبير من ضبط النفس، وتقدير المصلحة العليا للبلد إلى حد الآن. رغم أن الاحتجاجات المغلفة بالمطالب الخبزية تكاد تعصف بالتوازنات لصالح التشدد والتطرف وانسداد الأفق . إن الغرائزية لتعمي الأبصار.
6.التيار النصي القيمي في المغرب :
تنشط في المغرب عدة أطياف من تيار النصية القيمية، يرتبط بعضها عقديا وفكريا ولوجستيكا بالدولة الخليجية المعلومة. وظفت(بضم الواو) تلك الأطياف لمواجهة الحركات الاسلامية المؤمنة بالمشاركة السياسية وفق الضوابط الدستورية للدولة ومؤسساتها، والنابذة للعنف. إلا أن المتغيرات الدولية في محاربة الارهاب،جعلتها تتلقى عدة ضربات في أحداث 16 ماي،ثم في حملات استباقية استخباراتية ضد ما يسمى بالخلايا النائمة. وإغلاق مجموعة من دور القرآن .
وقبل هذا وذاك تبقى طبيعة الملكية بالمغرب، التي ظلت مستقلة حرة منذ نشأتها ولم تكن يوما سابحة في فلك أية خلافة عباسية أو عثمانية فهي العريقة حضورا وتقاليد. والمتمرسة سياسيا، والقوية فاعلية، والمحافظة على التوازنات وطنيا ودوليا، ذات المبادرة الاستباقية في تدبير عدة أمور: إدخال المعارضة اليسارية للحكم، الإنصاف والمصالحة معهم، تبني المطالب الأمازيغية، القبول بالاسلاميين في الحكم. عدم جنوحها إلى استئصال المخالف المشاكس، وقد عزز كل هذا الطابع العائلي البعيد عن الاصطفاف الايديولوجي والتخندق في سراديب الخلايا الحزبية، فهي تحتاج الجميع والجميع يحتاجها، هذه الملكية بهذه الطبيعة كانت صمام آمان ضد تيارات التطرف والنظرة الأحادية والتوجهات الشاذة في تاريخ المغرب.
ثم إن طبيعة الشعب المغربي المقدر بشكل كبير لسلطته المركزية، رغم تباين التلوينات الإثنية والفكرية والسياسية، والميال إلى عدم الإغراق في الاصطفاف الفئوي عامل مساعد في هذا الاتجاه.
ثم لا ننسى نضج حركات إسلامية، تجمعت فيما يسمى اليوم حركة التوحيد والإصلاح، إذ ساهمت في تهذيب أفكار وضبط قدر كبير من المزاج الشبابي للمتدينين.
اتخذت الوسطية والاعتدال منهجا، والتعاون مع الغير على الخير مبدأ. كل ذلك اعتمادا على ما اعتمدته أوراقها المرجعية منها الميثاق. كما أنها في رؤيتها السياسية تعتبر السياسية مدخلا من مداخل التغيير ووسيلة من وسائله، وليس غايتها المثلى.
التحق أعضاؤها ذوي الميول السياسي بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية الذي سمي فيما بعد بالعدالة والتنمية، واحتفظت لنفسها بالمساحة الأكبر للعمل: التربية والتكوين والدعوة، كوظائف أساسية.
توغل شريكها الاستراتيجي حزب العدالة والتنمية، برفق في المشهد السياسي: الدخول في عباءة حزب له شرعية قانونية وحضور باهث، وضبط إيقاع المشاركة السياسية الانتخابية(من 07 برلمانيين ثم ترج لسنوات ليصل إلى107مؤخرا)، حتى لا يفاجئ بواقع أكبر من قدراته، أو ينمو جسمه نموا مختلا يخيف المتدخلين وطنيا ودوليا. مع تشديده الدائم على إرسال رسائل التطمينات للجميع.
ثم تشكيله للأغلبية بعد فوزه في الانتخابات مع ليبرايين و محافظين ويساريين، أخرجه من الغربة، إلى استئناس كثيرين من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين بهذا الوافد الجديد ذو المرجعية المغايرة.
واليوم النجاح في ترميم الأغلبية فيما يسمى الحكومة الثانية والتي نالت ثقة جلالة الملك يوم 10.10 2013 هو تأكيد على التميز والاستثناء والنبوغ المغربي ،لأنه إعلان عن فشل مسعى البعض إلى مصرنة المغرب وإذكاء التطاحنات الداخلية لتحطيم الدولة برمتها ،فلأي أجندة يعملون؟؟؟ لا نريد مصرنة، أو أفغنة، أوصوملة أو أخونة أوخولجة المغرب،فالمغرب متميز منذ القدم وعقلاؤه من كل الأطياف قادرون على الحفاظ على هذا التميز. وإن ضيعوه لا قدر الله "فذلك هو الخسران المبين.
وإذا كان البعض يلعن التقطيع الانتخابي على أساس أنه آلية من آلية التحكم ، فإنه. "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" إذ أنه فرامل ضد الاكتساح الشامل، من أي تيار كان. وتعزيزا لمنحى التدبير التشاركي الحكومي كخيار، الذي وجب تعزيزه وتقويته على أسس دستورية وقانونية، وعلى الفرقاء السياسيين أن يكونوا في مستوى التحديات وأن ينتصروا للمصلحة الفضلى والعليا للوطن.
وختاما
هذه بعض الخواطر المبنية على الربط بين مجموعة من الأحداث والوقائع ،استخلصت منها عددا من الاستنتاجات، ترسم معالم تضييع التيار النصي القيمي للمصالح الاستراتيجية للأمة.
إننا نخسر يوميا الموقع تلو الموقع:اسقط صدام ودخل شيعة حوزات قم (تلاميذ الخميني،الذي شيطن أمريكا) على دبابات أمريكا لحكم العراق. إن حجم التعاون الايراني أكبر من الشيطنة وإعلان المعاكسات. لن استغرب يوما أن يحكم الشيعة دولا خليجية .لأنهم الأقدر على تحقيق النجاح الديبلوماسي في حماية وتحقيق المصالح الاستراتيجية، ونحن لا نبرح الدائرة الأخلاقية في مواقفنا فمثلا موقفنا من"حزب الله " في معاركه بسوريا ، إلا أن موقفه مصلحي استراتيجي وليس أخلاقي. إنهم يعرفون ما يفعلون.
وقد كان سلفنا أكثر إدراكا لما يتطلبه عالم التدافع في دفع المفاسد وجلب المصالح ،وأكثر تحررا من اختزال الوجود كله في توليف أخلاقي .سئل أحدهم :مع أيهما تقاتل ،قائد فاجر (بعد أخلاقي) قوي(بعد مهني) أم قائد ورع ( بعد عقدي أخلاقي)ضعيف(بعد مهني) فأجاب : مع القوي الفاجر ،لأن فجوره على نفسه وقوته للمسلمين ،أما الضعيف الورع ،فورعه لنفسه وضعفه على المسلمين.
معادلات مساعد للفهم :
كان التحالف سابقا في العراق : امريكا ودول الخليج ومعظم الدول العربية والعراق ضد ايران
ليصبح لاحقا : امريكا ودول الخليج ومعظم الدول العربية و ايران ضد العراق
في سوريا: امريكا و دول الخليج ومعظم الدول العربية ضد نظام بشار وحزب الله وايران
في مصر: أمريكا ودول الخليج (تم تغيير مفاجئ في الإمارة والخارجية في قطر)، ومعظم الدول العربية، ونظام بشار، وحزب الله وايران ضد نظام مرسي وإخوانه
في أفغانستان :أمريكا و دول الخليج و ايران ضد الطالبان والقاعد
إيران تعزز موقعها في تقاطعات تحالفها مع أمريكا، ونحن نفقد عمقنا الإسلامي والعربي يوما بعد يوم. وقد نصير يوما أنظمة وشعوبا سلعة بين بائع أوالمشتري أو تنتقل الوصاية علينا من وصي إلى آخر ونحن غارقون في توجسات بعضنا من بعض ؟!!
عزيز المردي: رئيس الرابطة الوطنية للنساخ القضائيين بالمغرب
بني ملال
بتاريخ: 08 ذو الحجة 1434ه / 14/10/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.