فاس.. انهيار مبنى من ستة طوابق يخلف قتلى وجرحى واستنفاراً واسعاً للسلطات    الزلزولي يهدي بيتيس أول نهائي قاري    أمن تيكيوين يوقف مروجي مخدرات    تأجيل قضية محاكمة ناشطين بحراك فجيج    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    المغرب يقود إفريقيا الأطلسية نحو نيويورك    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    اتحاد طنجة يضمن بقاءه في القسم الأول من البطولة الاحترافية    صدام إنجليزي في نهائي الدوري الأوروبي    فتح تحقيق في ممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    سعر الذهب يتأثر باتفاق تجاري جديد    الصين وروسيا تجددان تحالفهما عبر إعلان مشترك شامل    تطوان تُسجّل حالتين لوضع حد للحياة في يوم واحد    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية    أوروبا تكشف بضائع أمريكا المعاقبة    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    وزير الأوقاف المغربي يقيم مأدبة غداء تكريما لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة    في عيد ميلاده الثاني والعشرين: تهانينا الحارة للأمير مولاي الحسن    إنزكان : الجمارك تحجز أزيد من 12 طنا من الأكياس البلاستيكية    خبراء: انضمام المغرب ل"بريكس" غير مستبعد    مجلس تزطوطين يستقبل مسؤولي التطهير السائل ويصادق على جدول أعمال دورة ماي    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    المستشارون يدعون إلى تعديل خريطة الاختصاصات بين المركز والجهات    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    بعد إسقاط باكستان لرافال الفرنسية.. واشنطن تراقب أداء الطائرات الصينية المستعملة في الحرب مع الهند    ترامب يهنىء البابا: شرف كبير لأمريكا    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    زيان قبل الحكم: قول الحق صعب.. والحق لم يترك لعمر صديق    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوظيف السياسوي للدين في ثورات الربيع العربي
نشر في بيان اليوم يوم 03 - 04 - 2012

لا يوجد خطاب ايديولوجي عرفته البشرية، يمتلك حيوية وقابلية الانتشار والتوظيف الاجتماعي والسياسي والثقافي، ما تمتلكه الآيديولوجيا الدينية بشكل عام، والآيديولوجيا الدينية الإسلامية بشك خاص.
ويبدو أن معرفة هذه المسألة قد أدركها الغرب منذ بدء تحرك مشروعه الاستعماري وتوسعه في الشرق عموماً، والمشرق العربي، أو ما يسمى بالشرق الأوسط على وجه التحديد، الأمر الذي دفع القوى الاستعمارية أن تتكئ على مسألة الخطاب الديني لتحقيق مصالحها واستدامتها منذ بدء قيام عملياتها الاستعمارية حتى هذا التاريخ.
يرد في أحد التقارير التي تقدم بها موظف في الإدارة البريطانية إلى الحاكم العام البريطاني في الهند عام/1789/- أي فجر الاستعمار البريطاني للهند- أن هذا الموظف ينصح رئيسه بضرورة (تشجيع طقوس الديانة الهندوسية وتعاليمها العقائدية).
وبعد مئة عام من هذا التاريخ يذكر روسي مستهند، (مينايف)، في مذكراته حول نتائج استخدام مثل هذه التوجه قائلاً: (إن العمل الوحيد المستقل الذي يمكن للساكن الأصلي أن يقوم به في الوقت الحاضر، هو أن يصبح مؤسساً لطائفة دينية جديدة، فالحكام الإنكليز، لا يعارضون ولا يمنعون أحداً من أن يترأس حركة دينية، أما ما تبقى من مجالات النشاط فكلها مغلقة أمامهم). (راجع كتابنا الآيديولوجيا والوعي المطابق - دار التكوين - دمشق 2006 - ص173).
أما الجنرال الفرنسي (بيجو)، وهو احد القادة الفرنسيين في الجزائر، فنجده أيضاً يوجه أحد رجال الدين المسيحي الذين رافقوه في إحدى حملاته العسكرية على المدن والقرى الجزائرية كي (ينصر) أهاليها المسلمين قائلاً: (حاول يا أبتي أن تجعلهم مسيحيين، وإذا فعلت، لن يعودوا إلى دينهم ليطلقوا علينا النار.). (راجع كتابنا - التبشير بين الأصولية المسيحية وسلطة التغريب - دار المدى - دمشق - 2000 - ص17).
من هذا المنطلق نود الدخول إلى ثورات الربيع العربي، للنظر في الدور الذي يعوّل اليوم على الخطاب الديني فيها، ومحاولة تحويله إلى حصان طروادة، لخلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة، وهي المقدمة الأساس لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي راهنت كثيراً أمريكا والغرب على تحقيقه في المشرق العربي ولم تفلح حتى هذا التاريخ.
نعم ليس جديداً على تاريخ الشرق أن يستثمر الدين من اجل تحقيق أهداف سياسية تخدم المستعمر، فهذا تاريخ الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد، يذكرنا كيف اتكأ هذا السلطان على أبو الهدى الصيادي، كما تبين لنا أفغانستان كيف اتكأت أمريكا على طالبان من أجل القضاء على حومة (نجيب الله) الموالية للسوفيات آنذاك، وفي مصر، كيف اتكأ أيضاً الخديوي (إسماعيل) على الإخوان من أجل مساعدته كي يستمر في الحكم من جهة، وإمكانية تنصيبه خليفة على المسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية من جهة ثانية، وفي سورية لا تزال حوادث الثمانينيات من القرن الماضي طرية في ذهننا وهي تبين لنا كيف سخرت أمريكا وشركاؤها في المنطقة الإخوان لإنهاء النظام التقدمي في سورية...
نعم إن تاريخ المنطقة عموماً لديه الشواهد الكثيرة التي تدلنا على كيفية تحويل هذا الدين الحنيف إلى أداة من أجل تحقيق أجندات سياسية غالباً ما تمارس أعمالاً يندى لها الجبين باسمه، والدين منها براء.
مع سقوط الحرب الباردة، لم يعد للدين الإسلامي ذاك الدور الكبير الذي عوّل عليه أثناء الحرب الباردة، فما استغل من اجله قد انتهى آنذاك، وهو الاتحاد السوفييتي، فكان لا بد من الانقلاب عليه وتحويله إلى عدو يمارس العنف والإرهاب باسمه ضد المجتمع الإنساني، فكانت حوادث الحادي عشر من سبتمبر، تلك اللعبة الكبرى لتغيير مسار تاريخ الدين السياسي في منطقة الشرق، ومنه الشرق العربي، فاحتلت العراق وأفغانستان تحت ذرائع منها دعم الإرهاب، وكانت حرب لبنان /2006/ باسم الإرهاب، وهي الحرب التي بشرت (رايس) عند قيامها بولادة مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكذلك حرب غزة، إلا أن ذلك لم يحقق الأهداف المرجوة لأمريكا والغرب ومن يواليهم من دول الاعتدال، فظل مشروع الشرق الأوسط الجديد قائماً، إلى أن كانت بداية ما سماه الغرب (حراك الربيع العربي) الذي كانت بداية انطلاقته في تونس، ثم راح ينتقل إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين، والتحضير له في سورية بيضة قبان ميزان قوى الصراع في الشرق الأوسط.
أمام هذه التحولات السريعة والمفاجئة أخذت أمريكا تنسق مع تركيا وقطر وبقية المركب الرجعي من دول الخليج العربي من أجل احتواء هذا الحراك، وإمكانية تحويله لصالح أمريكا والغرب والصهيونية من جهة، والمركب الرجعي العربي (دول الخليج) من جهة ثانية.
هذا المركب الخليجي الرجعي الذي راح ملك السعودية يدعو إلى ضرورة توحده، وإمكانية إدخال من تبقى من هذا المركب في نسيجه.
ولكي ُيبعد هذا الحراك عن اتجاهه الصحيح، وعن حوامله الاجتماعية الحقيقية التي فجرته، بدأ المال الخليجي بشكل عام والقطري بشكل خاص يضخ إلى ساحات التحرير في دول هذا الحراك لقوى لم تبخل أيضاً أمريكا والحلف الأطلسي عن مساندتها دبلوماسياً ولوجيستكياً، ويأتي على رأس هذا التحالف (تركيا) التي تحولت إضافة لدعمها القوى الإسلامية في هذا الحراك، إلى رأس حربة حقيقي ضد سورية بشكل خاص.
أما القوى الرئيسة التي عوّل عليها لقيادة هذا الحراك وحرفه عن مساره الحقيقي في الداخل فهي جماعة (الإخوان المسلمين) في بداية المشروع، ثم الجماعات السلفية (الظلامية) بعد خروج أمريكا من العراق من جهة ثانية.
لقد عوّل دعاة مشروع الشرق الأوسط الجديد عالمياً وإقليماً وعربياً على تيار (الإخوان المسلمين) في قيادة مشروع الحراك وتوظيفه لمصلحتهم، وذلك بعد أن عملت قطر وتركيا على دفع الإخوان يساندهم (القرضاوي) ومن معه من مشايخ الناتو على تأهيل الإخوان فكرياً ونفسياً، لقبول الغرب وأمريكا والاعتراف بالكيان الصهيوني كمرحلة أولى مقابل دعمهم لاستلام السلطة في دول الحراك العربي، وهذا ما كان من خلال نشاط المعهد الإسلامي في لندن الذي يقوده صهر القرضاوي، كما عملت قطر وتركيا على تحقيق لقاءات بين قادة الإخوان هنا والمسؤولين الأمريكان من أجل مد جسور الثقة بين الطرفين، وهذا ما تم فعلاً مع قادة الإخوان في مصر وتونس وليبيا وسورية.
ونظراً لسرعة النجاح الذي حققه الإخوان في السيطرة على قيادة هذا الحراك بسبب الدعم المالي والديبلوماسي واللوجيستيكي الذي حصلوا عليه من أمريكا والغرب وتركيا ودول الخليج، وبخاصة الدعم الإعلامي اللامحدود لقنوات الجزيرة والعربية وbbc وفرانس 24، وغيرها من قنوات ووسائل إعلام، غير أن خروج أمريكا من العراق، وعصيان سورية على الاختراق، غير في موازين القوى، حيث وجدت بعض دول الخليج ومنها السعودية بشكل خاص، خطورة في هذا الحراك على مستقبل دولها للأسباب التالية:
1- إن بدايته في دولها قد انطلقت من البحرين، ولم تستطع السيطرة عليه بالرغم من إدخالها قوات درع الجزيرة، بل أن تأثيراته أخذت تمتد إلى السعودية (المنطقة الشرقية) وبعض الجامعات.
2- بدء تدخل القاعدة في هذا الحراك وخاصة في ليبيا وسوريا، وهي التي تعرف ماذا تعني القاعدة.
3- خوفها في النهاية من استلام الإخوان زمام السلطة في دول الحراك، ولها تجربة مرة معهم في برلمان الكويت، وهذا التخوف من الإخوان عبر عنه قائد شرطة دبي بكل وضوح.
4- هي تعرف أن أمريكا بشكل خاص ليس لها صديق، وبالتالي هي تخاف من أن تبيعها أمريكا للإخوان إذا ما استفحل نشاطهم السياسي وامتد إلى دول الخليج.
5- لقد شكل صمود سورية وكشفها لكل خيوط المؤامرة دوراً كبيراً في إعادة إحياء المشروع القومي ومسألة العروبة، حيث رحنا نسمع الكثير من الأصوات (فردية وحزبية) على وعبر وسائل الإعلام المختلفة تطالب بضرورة توحد قوى الممانعة العربية من اجل التصدي لقوى المؤامرة التي راح يوصف قادتها ب (العربان).
6- الموقف الممانع لروسيا والصين، وتصديهما للمشروع الأمريكي الغربي الخليجي التركي في المنطقة، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي لمس كل من روسيا والصين أن نتائجه السيئة سوف تنعكس على مصالحهما في المنطقة أيضاً.
أمام كل ذلك، بدأت ماكينة السعودية السياسية تشتغل بشكل علني -وهي الماكينة التي طالما اشتغلت لأكثر من نصف قرن من التخريب والدمار لكل حركات التحرر العربية بشكل هادئ وسري- على خلط الأوراق من خلال دعمها للقوى السلفية الظلامية في هذا الحراك، حيث قدمت الملايين من الدولارات لهذه القوى في مصر وتونس وليبيا وسورية، بل وحتى لقوى الظلام والفتنة في العراق اليوم، وذلك من اجل تحريك المشهد السياسي في هذا الحراك بالطريق الذي يضمن لها هي استقرارها وأمنها، وإعلان تحديها ليس لقوى التنوير والليبرالية فحسب، بل ولقوى الإخوان ذاتهم الذين صرحوا ولو بشكل علني بقبولهم للآخر والتعاون معه تحت سقف المواطنة.
وبموقفها الداعم هذا للقوى السلفية التكفيرية استطاعت في الحقيقة أن تعمل على خلق المقدمات الأساسية للفوضى الخلاقة في المنطقة العربية، التي عجز المعسكر الأطلسي والصهيوني على تحقيقها.
لذلك بدأنا نرى مشاهد من هذه الفوضى على المستوى الرسمي والشعبي في دول الحراك بسبب توجهات القوى السلفية إن كان في ليبيا أو تونس أو مصر أو سوريا... الخ.
وأخيرا يظل السؤال المشروع اليوم، والذي يطرح نفسه علينا بقوة هو:
هل سيعي الشعب العربي ما يحاك ضده اليوم من مؤامرات؟.
أعتقد أن ما يتعرض له شعبنا العربي اليوم هو مؤامرة كبرى لتدمير ما تبقى من وجوده، أخذت كل قوى الشر العالمي تعمل من أجل تحقيقها وعلى رأسها دول الخليج، وبخاصة قطر والسعودية.
لذلك أصبح من الواجب على كل قوى المقاومة والتحرر في الساحة العربية أن تعمل اليوم من أجل التصدي لمشاريع هذه الدول ومن يعمل معها في الداخل والخارج.
* كاتب من سورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.