الزعيم علال الفاسي رحمه الله، استهل كتابه الفريد " النقد الذاتي" بالحديث عن الأنانية المتواجدة في جميع البشر و بدرجات متفاوتة. فهو لم يتحدث عن الفساد و لم يتحدث عن الانتهازية و الوصولية، و لكنه اعتبر أن الأنانية هي أصل الداء. فالأنانية في أن أرى مصلحتي و أتغافل عن مصلحة الجماعة و الأمة. الأنانية هي أن أرى الأمور من زاويتي الخاصة الضيقة مغيبا نظرة كل من حولي. الأنانية هي أن أقوم بتضخيم مشاعري و وجداني على حساب مشاعر الآخر. الأنانية هي ألا أعترف بمن حولي إلا إذا داروا في فلكي. فالأنانية و حب الذات و تضخيمها هو أصل الشرور في المجتمعات. و عليه فالزعيم علال الفاسي يرى بأن الحزب عليه أن يقوم بتأطير الأنانية المتأصلة في النفس البشرية و توجيهها إيجابيا لخدمة الأمة. فالزعيم علال الفاسي رحمه الله، لم يدعي بأن الحزب جاء ليقضي على أنانية الأفراد، أو ليقف ضد طموحاتهم الشخصية و نزعاتهم الفردية، و لكنه أراد تأطيرها في إطار حزبي ذو فكر شمولي يضمن المصلحة العامة للأمة. و لهذا فحزب الاستقلال لم يتعامل مع الأفراد بمنطق التقديس أو الشيطنة و لكنه تعامل معهم بمنطق البشر الخطاء و خير الخطاءون التوابون. و إني لأذكر و قد كنت حديثة العهد في الممارسة السياسية، و أثناء اجتماع حزبي تطرق أحد المناضلين بأن الحزب يدعم الفاسدين و يفتح أبوابه لمن خانوه و رحلوا إلى أحزاب أخرى و عادوا بعد أن لفظتهم تلك الأحزاب، فكان جواب المبعوث الحزبي بأن الحزب بكله و ليس ببعضه و أن الحزب هو لجميع المغاربة و لا يميز بين الصالح و الطالح. ذلك الجواب لحظتها صدمني. في 10 أكتوبر 2015، أثناء حضوري للمؤتمر الوطني الموسع لجمعية لا هوادة، أثارتني كلمة القيادي الاستقلالي "محمد الخليفة" و هو يشبه حزب الاستقلال بالشمس التي تضيء على الجميع، لا تستثني لا عاص و لا بار، لا ضعيف و لا قوي. هذا التشبيه، جعلني أفكر في الشمس لو حجبت أشعتها على الطغاة و الفاسدين؟ و في خالق الكون لو استثنى من رحمته السفاحين ؟ و في الوطن لو تنكر للجاحدين و قطاعي الطرق ؟ و في الطبيب لو رفض معالجة المجرمين؟ و في المعلم لو رفض التدريس للمشاغبين؟ و للمحامي لو رفض الدفاع عن المذنب؟ و ما ذا لو الرسول صلى الله عليه لم يرسله الله سبحانه و تعالى رحمة بالعالمين و جعل اعتناق الإسلام خاص بقبيلة دون أخرى؟ فحزب الاستقلال لم ينعت من فراغ بضمير الأمة، و بأنه ليس حزبا في أمة و لكنه أمة في حزب. فحزب الاستقلال و هو يدافع على مصالح الطبقة البورجوازية سيجعلك تعتقد أنه حزب البورجوازية. ولو رأيت الطبقة النخبوية في حزب الاستقلال فإنك ستأكد أن حزب الاستقلال حزب نخبوي. و لو صادفت حزب الاستقلال يدافع على مصالح الموظفين، فإنك ستعتقد بأنه حزب يستمد قوته من الإدارات. و إذا تأملت ارتباط ساكنة العالم القروي بحزب الاستقلال فإنك ستجزم أن حزب الاستقلال هو حزب الأعيان أو أنه حزب يستمد امتداده من البوادي. و إذا رأيت المناضلين الوطنيين البررة في حزب الاستقلال فإنك ستقتنع أنه حزب وطني. و إذا اصطدمت مع الوصوليين و الانتهازيين في الحزب فإنك ستنعته بحزب الفساد. و إذا رأيت دفاع و استماتة الحزب على المؤسسة الملكية فإنك ستعلن أن الحزب ملكي. و إذا رأيت بعض المناضلين و هم يتحدثون ببساطة عن تعاملهم مع المخزن فإنك ستدعي أنه حزب مخزني. و إذا لامست نضال حزب الاستقلال من أجل العروبة و حقوق الإنسان، فإنك ستجزم أنه حزب حقوقي و قومي. و إذا سمعت حزب الاستقلال و هو يدافع على الهوية و اللغة و الدين الإسلامي ستعتقد أنه حزب محافظ. و إذا تذكرت حزب الاستقلال و هو يدافع على حقوق المرأة منذ الخمسينات و حقها في التمدرس و العمل ستعتقد أنه حزب حداثي. و إذا رأيت نضال الشباب و تكوينهم السياسي فإنك ستعتقد أنه حزب الشباب. و لكن في جوهره، حزب الاستقلال ليس لا هذا و لا ذاك. بل هو كل هذه الأشياء مجتمعة. فهو حزب لا يؤمن بالتصادم بقدر ما يؤمن بالتجاذب. و لا يؤمن بالعنف بقدر ما يؤمن بالحوار. و لا يؤمن بالخلاف بقدر ما يؤمن بالاختلاف و التكامل. و ما قرصنة حزب الاستقلال في السنوات الأخيرة إلا دليل على ذلك. فلم يعرف المجتمع المغربي صراعا و احتقانا كما عرفه مؤخرا. فلغة الكراهية و العنف هي السائدة بين الأفراد و الجماعات أينما ذهبت و ارتحلت سواء في الشارع أو البرلمان أو الملاعب أو حتى المؤسسات. فما أحوج المغرب و المغاربة إلى حزب الاستقلال الأصلي و ليس المقرصن! أمل مسعود