هلال: الجزائر تعاني من فصام سياسي مزمن .. وتغذي الإرهاب في المنطقة    حقوقيون ينشدون العفو عن النقيب زيان في عيد الأضحى    جلالة الملك يهنئ عاهلي المملكة الأردنية الهاشمية بمناسبة ذكرى استقلال بلادهما    غارات إسرائيل تخلف 8 قتلى في غزة    الجامعي: المغرب يعيش تراجعا حقوقيا تقوده عقلية إدارية مُمخزنة بائدة لا تستحق الثقة ولا الاحترام    سوريا تلتزم بالبحث عن أمريكيين    انقطاع الكهرباء يعزل نيس الفرنسية    ريال مدريد يعلن تعيين تشابي ألونسو مدربا جديدا للنادي الملكي لثلاثة مواسم    حرارة مرتفعة.. هذه توقعات الأرصاد لهذا اليوم الأحد    المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي يظفر ب"السعفة الذهبية" في مهرجان "كان"    ضبط عوامل الخطر لدى مرضى ضغط الدم يقلل خطر الوفاة    أسوشيتد برس: قادة في جيش إسرائيل يأمرون باستخدام فلسطينيين دروعا بشرية    المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة يحتضن مراسم الاحتفاء بالشرطيات والشرطيين الموشحين بالأوسمة الملكية    عمر حجيرة يترأس ندوة علمية لرابطة المحامين الاستقلاليين بوجدة    وفاة طفل داخل سيارة نقل مدرسي بتاونات تستنفر النيابة العامة    "صحراويون من أجل السلام" ترد على ادعاءات البوليساريو: قرار انضمامنا للاشتراكية الدولية نهائي ولا رجعة فيه    أوجار: جو الأمان يدعم الديمقراطية ببلادنا وإنجازات الحكومة تجعلها الأنجح في تاريخ المغرب    فيضانات أستراليا تخلف خمسة قتلى وآلاف المنازل المتضررة    مدرب نهضة بركان يشدد على أهمية الحفاظ على التركيز أمام سيمبا التنزاني    تفائل كبير بمدينة الجديدة بعد تقديم الأسطول الجديد لشركة النظافة للسنوات السبع القادمة    فيدرالية الأحياء السكنية ومتطوعون ينظمون ورشا بيئيا بشاطئ الجديدة    باحثة ترصد تأثير تحولات الأسرة المغربية على السلوك الغذائي للأطفال    طنجة.. توقيف خمس فتيات من جنسية إيفوارية حوّلن شقة مفروشة إلى وكر للدعارة    الإيراني جعفر بناهي يظفر ب"السعفة الذهبية" في مهرجان كان    الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد بالقصر الملكي بالرباط    استمرار تأخر تعويضات تصحيح وحراسة الامتحانات يغضب رجال التعليم    المغاربة بعد الجزائريين أكثر المهاجرين في فرنسا    تعادل ثمين لبيراميدز أمام صن داونز    بركان يختتم التحضير لمواجهة سيمبا    "ماطا" تبعث برسائل السلم والتآخي والتعايش بين الأديان    البطولة: السوالم يقترب من ضمان البقاء عقب انتصاره على أولمبيك الدشيرة    خبيرة من منظمة التعاون الاقتصادي تحذر من مخاطر حوادث الذكاء الاصطناعي    مصب واد درعة بطانطان: مناورات عسكرية مغربية أمريكية واسعة النطاق في ختام تمرين "الأسد الإفريقي2025"    انخراط المغرب في الدينامية الأطلسية سيساهم في إعادة التوازن إلى خارطة الاقتصاد العالمي (ولعلو)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    عزيز كي يوقع عقد الالتحاق بالوداد    تصرف مفاجئ من لامين يامال تجاه النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي    كأس العرب 2025 ومونديال أقل من 17 عاما.. إجراء القرعة غدا الأحد بالدوحة    ارتفاع تهديدات اختطاف الأطفال من وإلى هولندا.. والمغرب في دائرة الاتهام    لكريني يرفض إساءة الجزائري بخوش    هونغ كونغ ترحب ب"الطلاب الممنوعين" في أمريكا    تداولات بورصة الدار البيضاء تتجاوز 2 مليار درهم في أسبوع    السغروشني: تموقع بلدنا غير بارز كفاية على مستوى الترتيب العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي    "استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي" شعار المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بسوس ماسة    مدينة العرائش تحتضن الدورة الثانية من ملكة جمال الفراولة    الجناح المغربي يتألق في مهرجان كان السينمائي    المعهد الموريتاني يحذر: صيد الأخطبوط في هذه الفترة يهدد تجدد المخزون البيولوجي    "Art du Caftan"يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفاهة في زمن كورونا
نشر في أزيلال أون لاين يوم 07 - 04 - 2020

عرف العالم، في السنين الأخيرة (أو في العقدين الأخيرين)، موجة غير مسبوقة من التفاهة غزت كل مجالات الحياة (السياسة والثقافة والفن والإعلام والقيم… وحتى الفكر) لدرجة أن الفيلسوف الكندي “ألان دونو” فكر أن يخصص لها جهدا فكريا وعلميا، فأثمر هذا الجهد كتابا بعنوان “نظام التفاهة” (la médiocratie).
وقد كان كافيا أن ينتشر فيروس كورونا (الذي يعتبره المختصون واهنا رغم خطورته عند انتشاره) لينهار نظام التفاهة على المستوى الدولي؛ فقد وقف العالم عاجزا أمام الجائحة. فلم تعد الشعبوية مفيدة ولا المزايدات صالحة ولا الهروب إلى الأمام صمام أمان ولا…ولا…لقد عرَّى هذا الفيروس هشاشة اقتصاد السوق وتفاهة النظرية السياسية والاقتصادية التي يقوم عليها؛ ومع انتشار الفيروس، ظهر الخصاص المهول الذي تعاني منه القطاعات الاجتماعية حتى في البلدان المتقدمة اقتصاديا. وظهرت معه الحاجة الماسة إلى الدولة حتى عند هذه البلدان.
أما عندنا، فالحاجة إلى الدولة بدت أكثر من ماسة، من جهة، بسبب الفقر والجهل والفوارق الاجتماعية والمجالية الصارخة؛ ومن جهة أخرى، بفعل تغلغل مظاهر التفاهة في مجتمعنا؛ خاصة مع تطور الإعلام الرقمي وانتشار المواقع الاجتماعية التي تروج التفاهة باسم “التوندانس” (tendance).
من حسن حظ بلادنا، أن رئيس دولتها، يمتلك نظرة استباقية للأشياء. وكما سبق لي أن نوهت بخطاب 9 مارس 2011 ونظرته الاستباقية التي جنبت بلادنا ما عرفته بعض الدول المغاربية والعربية من أحداث مأساوية، لا زالت تعاني من تبعاتها، فإني أنوه بنفس القدر بالتدخل الاستباقي للملك محمد السادس في شأن موضوع كورونا وأضع ترأسه لاجتماع أجهزة الدولة على اختلاف مراتبها ومسؤولياتها في الوقت المناسب من أجل اتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة بالحد من خطورة انتشار الفيروس، أضع هذا الاجتماع الاستباقي، أقول، في مستوى خطاب 9 مارس.
لا داعي للتذكر بكل الإجراءات الاحترازية التي تم الإقدام على اتخاذها. لكن، لنتصور ما ذا كان سيكون وضعنا، لو لم يتدخل الملك في الوقت المناسب، لا قدر الله، ونحن نعلم وضعية المنظومة الصحية ببلادنا وما تعانيه من هشاشة ونقص في المعدات والموارد البشرية، ونعلم ما يميز بعض أحيائنا الشعبية من اكتظاظ ومن غياب الوعي بمخاطر الوباء بسبب انتشار الدجل والفكر الخرافي!!!
ومن أجل الحد من الآثار السلبية لبعض الإجراءات الاحترازية (إعلان حالة الطوارئ، إغلاق المرافق والمقاولات غير الضرورية للمعيش اليومي…)، وكذا بهدف دعم القطاع الصحي بالتجهيزات الضرورية، أمر الملك محمد السادس بفتح حساب خاص بكوبيد-19، يُموَّل من ميزانية الدولة وتبرعات المواطنين.
وكم شعرت باعتزاز، أمام التجاوب التلقائي للمؤسسات والأفراد مع حملة التضامن التي استهدفها الحساب البنكي المذكور، وأنا أسترجع شعار اليوم الدراسي الذي نظمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حول النموذج التنموي الجديد: “دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن”!!! وهو نفس الشعار الذي يتصدر مذكرة الاتحاد بشأن النموذج التنموي، المقدمة إلى الجهات المعنية. ويمكن اعتباره خلاصة مركزة للمشروع المجتمعي الذي يقترحه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على الدولة والمجتمع المغربي.
ومصدر اعتزازي ليس الشعار في حد ذاته؛ بل الرؤية المستقبلية التي يتضمنها، والتي أجد فيها روح الاتحاد ومنهجه الفكري ورؤيته البعيدة ونظرته الثاقبة التي ميزته عن غيره عبر تاريخه النضالي الحافل، وعلى كل الواجهات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية…). فقناعة الاتحاد بأهمية قوة الدولة راسخة؛ لكن هذه القوة مشروطة بالعدل؛ فالعدل أساس الملك.
ولكي تكون الدولة قوية، لا بد لها من مؤسسات قوية؛ وقوة هذه (سواء كانت رسمية أو تمثيلية) تكمن في مدى قدرتها على خدمة مصالح المجتمع؛ ولتقييم هذه القدرة لا بد من تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وهنا، يأتي دور القانون. واحترام القانون مظهر من مظاهر الحداثة.
في ظل الوضع الحالي، يمكن أن نسجل عودة بعض الثقة إلى الدولة ومؤسساتها؛ الشيء الذي يعد بمغرب جديد بعد كورونا، مغرب الحداثة والتضامن، في ظل دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون؛ وهذا ما سيمكنها من القوة اللازمة، إذا ما استخلصت الدروس من الوضعية الكارثية التي آلت إليها القطاعات الاجتماعية.
ولا يفوتني أن أسجل، قبل أن أعود إلى الحديث عن التفاهة، حضور الإعلام الجدي والجاد إلى جانب المواطن، يمده بالمعلومة الصحيحة ويقدم له بعض المواد الترفيهية والتثقيفية بهدف التخفيف عنه من وطأة الحجر الصحي قدر الإمكان.
لكن ما ذا عن التافهين؟ التافهون صنفان: صنف أخرصه فيروس كورونا وصنف أنطقه هذا الفيروس.
لنبدأ بالذين أخرصهم الفيروس؛ ويحضرني، في المقام الأول، “الكذاب الأشر” الذي بارت شعبويته (أما شعبيته، فلا أدري) وكسد خطابه الذي كان يصم به آذاننا ويعكر به صفونا لتفاهته وضحالته، فاختفى عن الأنظار خوفا على 70 ألف درهم التي يتقاضاها شهريا دون استحقاق. في زمن كورونا، بلع لسانه ودخل إلى جحره…كأتفه مخلوق لا رأي ولا صوت له.
وفي نفس الصنف، هناك أصحاب “البوز” الذين يروجون “الفايك نيوز” (الأخبار الزائفة) بهدف الإثارة (المبتذلة، في الغالب) من أجل تحقيق نسبة مشاهدة عالية، إما للاسترزاق، وإما لأهداف أخرى. وقد أخرص كورونا هؤلاء، أيضا؛ ومن لم يفلح الفيروس في إخراصه، فالنيابة العامة له بالمرصاد، خاصة إن كان يروج إشاعات حول انتشار كورونا.
لا يجب أن ننسى، أيضا، المغنين التافهين الذين راهنوا على “البوز” لتحقيق أعلى نسبة مشاهدة وأكبر عدد من الإعجابات لفائدة بضاعتهم الفاسدة. وها هم قد اختفوا من المشهد بعد أن احتله الخبر، الصحيح أو الكاذب، عن كورنا.
أما الصنف الذي أنطقه كورونا، فسمته الأساسية الغباء والجهل، ومنهجه المتبع الدجل والشعوذة في لبوس ديني. ففي الوقت الذي يفتي فيه أهل العلم بضرورة حفظ النفس والأبدان باتباع الاحتياطات اللازمة، يطلع علينا معاتيه بشرائط فيديو كلها زعيق ونعيق ونهيق، منهم من يجعل الفيروس من جند الله، حتى وإن كان يعلم أن الصابون يقضي عليه؛ ومنهم من يقدم إليك دعاء، لا للاستعانة به بعد الأخذ بالأسباب واتقاء الإلقاء بالنفس إلى التهلكة؛ بل كوصفة تغنيك عن كل هذا.
فهل هناك أتفه من مثل هؤلاء الجهلة الأغبياء؟ فقد نجد العذر للتافهين الباحثين عن “البوز” في المجال الفني أو في مجال الأخبار الزائفة؛ لكن لا عذر لمن يدفع بالبسطاء السذج، وإن نالوا حظا لا بأس به من التعليم، إلى التهلكة باسم رب العباد!!!
مكناس في 6 أبريل 2020


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.