الخط : إستمع للمقال لا أحد يمكن أن ينسى المشهد القاسي، لرجل المطافئ الشاب وهو يتلقى الضربات بقضيب حديدي، من طرف المعتصم فوق شاطو الماء في بني ملال... للأسف كثيرون اهتموا بحكاية المنحرف المجنون، وسبب اعتصامه طوال أسبوعين، ولم يهتموا لمشهد الرجل التابع للقوات العمومية (الوقاية الأمنية تابعة لوزارة الداخلية كما نعلم)، وهو يؤدي مهمته ويؤدي ثمنها من باب تدبير الأزمات والحرائق البشرية. لقد واصل الرجل أداء المهمة بالرغم من العدوانية الواضحة لرجل فقد كل مقومات الإنسان السويِّ، ونقلت كاميرات الهواتف النقالة الضرب المبرح والحقود، الذي واجهه العنصر بروح عالية من الشجاعة والإقدام والابتعاد عن المعاملة بالمثل. وبقي في حدود مهمة الإنقاذ.. حتى وصل الأمر أن صار هو نفسه يستحق الإنقاذ من جنون المعتدي. ليست المناسبة هنا لطرح السؤال حول التدبير الذي قامت به الإدارة المحلية لهذا الموقف، فتلك ولا شك عملية ستأتي في سياق السُلَّم الإداري المعروفة، المهم في القصة هي الروح العالية التي تصرف بها الموظف الشاب.. وهو الأمر الذي لم تنتبه إليه «الحرْكة» الحقوقية (ونحن نميزها عن الحركة الحقوقية المسؤولة) التي كانت تسعى إلى تحويل المعتدي إلى ضحية وتجعل من التعامل معه عنوانا بالبنط العريض ل«انتهاكات« الحقوق الإنسانية والأعمال «القمعية» وكل ما اعتدناه من القواميس بالمناسبة. ولعل المشهد كان صورة مصغرة، مع الفارق طبعا، لما حدث في «أكديم ايزك» عندما تحولت بعض الفيالق الحقوقية الداخلية إلى طوابير لنصرة المجرمين الانفصاليين الذين استهدفوا رجال الأمن ! وفي الجهة المقابلة كانت مشاهد المسيرة النازلة من جبال الأطلس، من ارتفاع يفوق ألفي متر فوق البحر، من آيت بوكماز نحو عمالة أزيلال بدورها محط متابعة، غلب عليها النقد القوي والملاحظات الفاضحة لعيوب التسيير في الجماعات وفي علاقة هاته الجماعات الترابية بمجالس الأقاليم ومجالس الجهات وكل هاته المؤسسات بالسلطات المحلية .. الخ الخ. لكن الذي يثير الانتباه هنا كذلك، هو النضج الذي طبع التعامل الأمني مع مسيرة قطعت عشرات الكيلومترات، وهي تردد الشعارات وتطالب بالإنصاف. ولعل الربح والرأسمال معا، في التعامل الناضج والمسؤول من طرف كل أنواع قوات الأمن والقوات العمومية، لا يحسب فقط لأصحاب القرار الأمني في بلادنا، وهم يستحقون ذلك بل يحسب للوطن كله. ويستحق أن نقف عنده بدوره كذلك..! لقد تعودنا مرات عديدة أن تتحمل المؤسسات الأمنية قرار ضبط النظام العام والحفاظ عليه عندما تخرج الأمور عن نصابها، وبعد أن يكون السياسيون قد خلقوا كل شروط التوتر الشعبي والسخط وسط المواطنين، ونسوا أو تناسوا الاستراتيجيات الكبرى التي يسطرها عاهل البلاد في ما يخص معالجة مشاكل الجهات أو الأقاليم أو ما يخص الحاجيات الضرورية للناس والعمل بجدية لتوفيرها. وغالبا ما شهدنا من قبل، كما حدث في الريف واجْرادة وفي زاكورة وفجيج، والمناطق التي تعاني الكثير من المشاكل، كيف أن السياسيين يختفون، ويتركون للأمن مواجهة المعضلة لوحده. وقد أعطانا التعامل الذي تم في حالة مسيرة «بوكماز» صورة عن التدبير الجيد للاحتجاج عندما لا تكون وراءه الحسابات السياسوية الضيقة، التي تدفع نحو انفجار الأوضاع. وكيف يجد القرار الأمني الوصفة الناجعة لتدبير هاته التوترات.. وهوما يجب التأكيد عليه في معالجة الاحتجاجات السلمية ذات الطبيعة الاجتماعية عوض التغافل عن هاته النقط الإيجابية جدا لصورة البلاد ولصورة المؤسسات ! الوسوم آيت بوكماز آيت يوسف المغرب رجال الأمن رجال الوقاية المدنية