خلال هذه السلسلة الرمضانية سنحاول فهم السياق التاريخي المغربي وتطور الحياة السياسية، كما رصدها الكاتب الأمريكي الجنسية جون واتربوري، في كتابه “أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية المغربية”، والذي يعد وفق العديد من المؤرخين من أهم الكتب التي سلطت الأضواء على الحياة السياسية المغربية، وتناول بالدراسة المغرب منذ عهد الإدارة البدائية (المخزن) وحكم ما قبل الحماية إلى حدود نهاية سنوات السبعينيات. المخزن وائتلاف للمصالح عند نهاية الفصل الأول من الكتاب، أوضح واتربوري، أن المدن عجزت عن معارضة الحكم إذ لم تستطع أي فئة من المجتمع التقليدي أن تقف في وجه “المخزن” على المدى البعيد لكن مع تحَفُّظٍ له أهميته؛ يكمن في عدم استطاعة أي سلطان بأن يفرض سلطته على المدى البعيد ومهما كانت قوة أي مجموعة فلقد ظلت مراقبتها للحكم مؤقتة ولم ينجح إلا القليلون في دعم معارضتهم على قاعدة اقتصادية. وذكر الكاتب أن صراعات النفوذ والتناور على مستوى النخب “المخزنية” لعبت دورا لا يقل عن الدور الذي لعبته على مستوى مجموع المملكة، هناك استمرارية مثيرة بين الماضي والحاضر، مشيرا إلى أن الوصف الذي أعطاه هنري تبراس للعوائد السياسسية للمخزن لازال محتفظاً بكل قيمته والذي قال فيه “… لم يشكل المخزن سوى ائتلاف مصالح؛ إذ لم يكن يشكل فكراً بناء أو إرادة إيجابية موحدة؛ بل كان هدفه الأسمى ينحصر في البقاء لفائدة الجماعات والأشخاص الذين يكونونه”. “وكان يعاني في الوقت نفسه من أنانية أعضائه وعدم استقرارهم، وفي داخل (الجماعية المستفيدة) حيث تكفي حظوة السلطان لبلوغ الثروات الهائلة : أو السقوط في الإفلاس: كان على كل واحد أن يدافع عن حظه، وتحت غطاء اللطافة؛ كانت صراعات الأشخاص والمجموعات قاسية ودائمة ودون شفقة، وبالإضافة إلى ذلك فإن القلق حول المستقبل كان يزيد من احتدام الطموحات ومن إشباع رغبات اللحظة الآنية”. سياسة المخزن والمحافظة على سلطة السلطان لقد خضعت سياسة المحزن لمسألة حيوية؛ تكمن في المحافظة على سلطة السلطان وقليل من السلاطين الذين كانوا يطمحون إلى أكثر من ذلك، كما أن هناك عدداً قليلاً من المغاربة الذين كانوا ينتظرون شيئاً آخر من حكومتهم. ومازال الوضع المغربي المعاصر يخضع لهذه الظاهرة إذ لم يكن النظام الملكي الحالي ولا المغاربة قد تخلصوا نهائياً من هذا الموقف العتيق. وأبرز الكاتب أن الحماية الفرنسية، 1912 و1934، قضت على السيبة، وما بين سنوات 1912 و1955 تغير الإطار السياسي رأساً على عقب، كما قويت وتوسعت بنية المغرب الإدارية على حساب الزوايا والقبائل وتعرض الاقتصاد التقليدي لتغيير شامل، بينما غلبت الطبقة التجارية على أمرها بضع سنوات، حيث نشأت بسرعة طبقة عاملة حديثة.