أمينة الدحاوي تتوج بذهبية التايكواندو    المنتخب المغربي الرديف يتفوق وديا على منتخب جيبوتي ب( 6-0)    حجز كميات قياسية من الكوكايين والشيرا بوجدة وتوقيف أربعة متورطين    أحكام ثقيلة في الحسيمة ضد متهمين بالاتجار في المخدرات القوية والاعتداء على موظفين عموميين    المحروقات للربع الثاني من 2025 .. الأسعار تتقلب وهوامش الربح تستقر    تطبيقا للقرار 2797.. واشنطن تدفع البوليساريو نحو مفاوضات على أساس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية    عمر هلال: الدبلوماسية المغربية تقوم على الفعل الملموس بقيادة جلالة الملك    الرميلي: الدولة الاجتماعية تتحقق على الأرض ونجاحات الجماعات الترابية بالبيضاء دليل على أن التنمية المجالية ممكنة    سيدات الجيش في نصف نهائي الأبطال    العلمي يهاجم "العقول المتحجرة" .. ويرفض توزيع صكوك الغفران السياسية    البرازيل تزيد تصدير اللحوم للمغرب    منعطف جديد في ملف أدم بنشقرون.. متابعة الأم بجنايات ثقيلة وإحالة الابن على المحكمة الابتدائية    المعتقل نبيل أحمجيق «بلبل حراك الريف» ينجح في مباراة ولوج سلك الدكتوراه    في ظرف ثلاثة أشهر .. أنترنت الجيل الخامس (5G) يغطي 60 مدينة بالمغرب    بعد افتتاحه.. صحيفة AS الإسبانية تشيد بملعب طنجة وتبرز أبرز ميزاته    فيروس "ماربورغ" يقتل في إثيوبيا    نشرة إنذارية.. زخات مطرية محليا قوية مرتقبة اليوم السبت وغدا الأحد بعدد من مناطق المملكة    "كاف" تثمن افتتاح ملعب طنجة الكبير    هجوم إلكتروني بالصومال.. بيانات آلاف الأمريكيين بقبضة مجهولة    المغرب... دولة الفعل لا الخطاب    رياض السلطان يقدم مسرحية الهامش وموسيقى لؤلؤة البحيرات العاجية ولقاء فكري حول ذاكرة المثقف    غزة: عشرات الخيام تغرق في مواصي خان يونس جراء الأمطار الغزيرة    نزاع حول أرض زراعية يخلف قتلى بالعراق    عامل العرائش و السلة الفارغة: كيف أنهى الأسطورة و تحققت نبوءة الانهيار!    ترامب: آمل بانضمام السعودية إلى "اتفاقات أبراهام" قريبا... وبن سلمان يزور واشنطن الأسبوع المقبل    ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي ما بين 6 و12 نونبر 2025    وليد الركراكي: علينا المحافظة على الثقة في هذه المجموعة ونحن نعرف كيفية تحقيق الفوز    ليكيب: المغرب يحطم رقمه العالمي في عدد الانتصارات المتتالية بفوزه على الموزمبيق    أمطار رعدية قوية... نشرة إنذارية تشمل طنجة وتطوان وعدة مناطق شمالية    الملك يجدد الدعم لحقوق الفلسطينيين    استفادة الجيش الصيني من "علي بابا" تثير الجدل    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    قمة متناقضة بين "الماط" المتصدر ورجاء بني ملال الأخير    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    الأستاذ اللبار يدعو إلى رفع مستوى العناية بذوي الاحتياجات الخاصة    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    محام: المحجوزات تتراكم في المحاكم    ترامب يلمح لقرار بشأن فنزويلا والجيش الأمريكي يبدأ عملية ضد تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    خطاب "العُكار": حين يفضح "أحمر الشفاه" منطق السلطة..تحليل نقدي في دلالات وأبعاد تصريح وزير العدل حول الفساد    طقس ممطر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    الجديدة تحتضن المؤتمر العام الإقليمي للاتحاد العام للمقاولات والمهن بحضور شخصيات وازنة    هل تستطيع الجزائر تفكيك سردية العداء لبناء وطنها المُتخيَّل؟ .    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    المسلم والإسلامي..    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثنائية الحب والموت وتجليات التجريب في مجموعة “خلف الباب أمنية” للكاتبة المغربية خديجة موادي
نشر في بيان اليوم يوم 09 - 11 - 2018

اشتغل الإبداع البشري على ثنائية “الحب” و”الموت” منذ القدم إلى الآن، وترسخت قصصه في الذاكرة الإنسانية. فهي تعكس في أغلب تجلياتها طبيعة الممارسة الثقافية للتجربة الإنسانية. وقد تختلف من مجتمع إلى آخر. فمثلا في المجتمعات العربية التقليدية المسيجة بالأعراف، يعتبر الحب – خاصة من جانب واحد وعلى غفلة منه- حادثة سير تؤدي بصاحبها إلى الموت وفي أحسن الأحوال إلى الطرد والتهميش وتصيبه لعنة المجتمع، وخاصة حينما نتحدث عن الإنسان في نوعه الأنثوي.اشتغل الإبداع البشري على ثنائية “الحب” و”الموت” منذ القدم إلى الآن، وترسخت قصصه في الذاكرة الإنسانية. فهي تعكس في أغلب تجلياتها طبيعة الممارسة الثقافية للتجربة الإنسانية. وقد تختلف من مجتمع إلى آخر. فمثلا في المجتمعات العربية التقليدية المسيجة بالأعراف، يعتبر الحب – خاصة من جانب واحد وعلى غفلة منه- حادثة سير تؤدي بصاحبها إلى الموت وفي أحسن الأحوال إلى الطرد والتهميش وتصيبه لعنة المجتمع، وخاصة حينما نتحدث عن الإنسان في نوعه الأنثوي.
1 تمثلات الحب والموت تيمة في المنجز القصصي
في تناولنا للمنجز القصصي الموسوم ب “خلف الباب أمنية”(1) للقاصة خديجة موادي، سنركز على تيمة الحب والموت، لكونهما يتقاسمان الفضاء التيمي ويهيمنان على المجموعة القصصية بطريقة تجعلنا نلمس تلازمهما حتميا، وإن اختلفت الشخوص والأحداث المشكلة لكل قصة على حدة.انطلاقا من هذا التلازم والتجادل، سنحاول القبض على ما لم تقله الكاتبة داخل البنى الثقافية التي انكتب بها العمل القصصي، أو عبر المتواليات السردية. بناء على ما سبق، يفتح المنجز القصصي أبواب القول حول تيمة الموت، بدءا من الإهداء باعتباره نصا موازيا يساعد على فهم وتفكيك الخطاب القصصي، ويجعلنا نحمل إليه توقعات تفيد أننا أمام مجموعة قصصية تتقصد مقاومة الألم والغياب لحبيب على القلب، تقول الكاتبة: “ما زال القلم بين أصابعي يئن وهو يلتقط صورا أخيرة لجسدك المسجى بسكون… فكيف نكتب غياب من نحب؟”.(2) بهذا المعنى ترسم الكاتبة للقارئ بوعي أو بلا وعي تيمة الاشتغال المحتفى به في المجموعة القصصية كقضية مركزية مؤطرة للحكي بأكمله. وتشتغل وفق رؤية مركبة تتوزع ما بين الفكري والفني. ومن هذه الزاوية، سنكتشف الموت الواحد المتعدد في شقه المادي والمعنوي في تجادله مع الحب وبطرائق تعبير سردية متنوعة. والناظم بين هذه الثنائية داخل القصص هو الطابع المأساوي الذي يربط بين إشكالية الحب من جهة، والنهاية المأساوية لشخوص وأحداث القصة من جهة أخرى. باستدعائنا لقصة “ساعة البحر تدق احتراقا” نكتشف حوار الجسد التواق إلى التحرر والامتلاء بالحب، إلا أن كوابح المجتمع تحد من هذا الوصل وتعطل العقل والقلب. قصة شابين يغرمان ببعضهما البعض، لكن ثقافة المجتمع التقليدية تكبل انطلاقة المرأة نحو مغامرة غير محسوبة من خارج مؤسسة الزواج، دافعها الخوف من العار والفضيحة. ومع توالي الود تجد نفسها موغلة في الرذيلة والخطيئة. تفاتح صديقها المتيمة به في النازلة، وعبر حوار مطول “متى ستقابل والدي؟/ ولماذا أقابله؟”(3) إلى آخر الحوار. نستنتج أن الخليل عازم على الهجر، وحيدة تتقاذفها أمواج التقاليد العاتية، تستسلم لضعفها وتلقي بنفسها في قاع البحر. وتنتهي القصة بشكل مأساوي. أما في قصة “دوار” فتحكي الساردة عن امرأة تعيش وسط دوامة الحياة. تعمل جاهدة لتلبية طلبات زوجها/ المثقف المنشغل بلقاءاته ومشاريعه الأدبية، وطلبات رئيسها في إنجاز التقارير وتسجيل الرسائل. وبين إرضاء حماتها التي كانت تطمح أن تزوج ابنها، ابنة الجيران لتفرخ له دزينة من الأولاد. وهي المرأة التي تتعايش مع مرضها وتقاوم قصور كليتها الوحيدة ولا من يشفق عليها، ويستمع إلى أنينها الصامت، ويريحها من تعب اليومي داخل البيت وخارجه. عزاؤها الوحيد حبها لابنها الصغير الذي تعتبره مصدر وجودها. ذات مساء وهي عائدة من عملها مثقلة بسلة الخضر، تتسلق أدراج السلالم، بالكاد تلج شقتها، ترتمي فوق سريرها إلى جانب ابنها، منخورة القوى، والألم يعصر جسمها. لم تقو حتى على الحركة لتناول دوائها، تتطلع إلى السماء، تكتم سرها وتستكين إلى السكون. بعد انتهاء مكالمة الزوج، يتفاجأ بجثتها الهامدة. صورة أخرى للموت المجاني للمرأة الإنسانة التي تكد في صمت، وتحت أنين الألم والمرض من أجل إرضاء حماتها وتوفير راحة زوجها المنتمي طبقيا إلى فئة (المثقفين) وصورة الموت، هذه صرخة في وجه تضخم الأنا للعقلية الذكورية سواء للرجل أو المرأة في شخص الحماة.وإذا انتقلنا إلى القصة الموسومة ب “سكر أسود”، نكتشف نوعا آخر من الموت يفوح من المتواليات السردية، وقد تداخل فيه التخييلي بالواقعي، سببه هو حب التحرر من سلطة القهر. الساردة تسلط الضوء على واقع المرأة البدوية التي لم تنل حظها من التعليم، وطبيعة الجهل المسيج لعقلها، سيدفعها إلى حيلة من كيد النساء ليصبح الرجل طيعا بين يديها. وما أكثر القصص والحكايات التي تناقلها المخيال الشعبي لموضوع التمائم التي تصنعها العجائز للسيطرة على جبروت الرجل. تلجأ الساردة إلى وصفة مي زهرة والمتمثلة في تهييئ قطع السكر ومزجها بزبد لعاب الحمار وتقديمها في كؤوس الشاي إلى الزوج ليحتسيها. بعدها تسترخي عضلاته، يستسلم للنوم، تحس بنشوة المفعول. تلبس أجمل ما عندها في الدولاب وتخرج لنشدان الفرح. بعد إحساسه بالألم في أحشائه بسبب جرعات الشاي الممزوج بالوصفة، ينادي زوجته بصوت خافت طلبا للمساعدة دون جدوى، ويستسلم لمصيره المعبر عنه بكلمة “يتلاشى” المرسومة بشكل متقطع، ( ي… ت… لا… ش… ى). وبين الحروف نقط الحذف، تاركة للقارئ إمكانية تصور الوضع الإنساني تحت وطأة الألم. تدفعنا هذه الصورة إلى الاندماج والتعاطف مع شخصية الرجل ضدا على شخصية المرأة. ونحن نتأمل هذا المقطع السردي، يخيل لنا أننا أمام الركح نتابع مشهدا دراميا. نتوتر، نتألم لنصل إلى تطهير الذات من هذه الشرور الناتجة عن مجتمع ينخره الجهل والأمية. وهذه الانفعالات تدفعنا إلى استحضار العقل لمعالجة مثل هذه القضايا، ونبذ الخرافة من أجل مجتمع متحرر من كل التقاليد المسيئة لقيم الإنسان في علاقته بذاته وبالآخر. أما قصة “أزهار تذبل قبل الأوان”، نص متمرد عن واقع التبعية للعقل الجمعي ويحاول فك الارتباط مع كل الأعراف والتقاليد المكرسة للهيمنة والتبعية. وهنا أستحضر المقولة الشهيرة للمفكرة الهندية غيارتي سبيفاك: “هل يستطيع التابع أن يتكلم”. بالفعل استطاعت الساردة أن تتعدى الكلام بالممارسة، حينما فكت الارتباط مع القبيلة واختارت طريق قلبها، رغم أنه محفوف بالمخاطر. وفي عنوان فرعي للنص المعنون ب “تنهدت الشاردة عن القطيع وحكت”(4)، يظهر جليا تعالق النص القصصي مع الفن في إشارة للوحة الشهيرة للفنان البولندي توماس كوبيرا الموسومة ب “الخروج عن القطيع”. فالقطيع في اللوحة يأخذ شكل طابور من البشر على شكل هيئات متجمدة، ويظهر في اللوحة شخص مندفع بقوة خارج القطيع محاولا الانسلاخ من الأسر، والقطيع يشده كي يبقى في الطابور. فالرسام بلوحته هذه كان يرمز إلى طغيان القطيع وجبروته على البطش بكل من يحاول الخروج عن الأعراف المستقرة والجاهزة. وهذا ما سيحصل للساردة التي تمردت على الأعراف، ستصرخ القبيلة في وجهها ضدا على احتجاجها وعصيانها. وسيتكلف “شرطي الدار أخوها كما تحب هي أن تسميه”(5) ليضع حدا لهذا التمرد وهذا الخروج. وكان الثمن حياتها. ويتم تداول الأمر بشكل بارد في قصاصة الأخبار “عن مقتل شابة في مقتبل العمر بسكين أخ الضحية… دفاعا عن (الشرف)!!(6) وعن أي شرف يتحدث مجتمع القطيع الذي يكبل كل فكر تواق إلى الانعتاق والاستقلالية.
2 تجليات الكتابة التجريبية في المنجز القصصي
يظهر أن سياق الكتابة القصصية عند خديجة موادي يدخل في إطار تجربة فنية، تبحث عن تيمات ودلالات لها راهنيتها، ومستوحاة من الواقع المعيش، مكسرة نمطية الكتابة التقليدية عبر استرجاع طرائق مغايرة للقول في السرد. وتتوسل بجرأتها في البوح منتقدة ومحتجة في نفس الآن عن كل علاقة لا متكافئة مع الآخر، كيفما كانت طبيعته رجلا، سلطة أو مؤسسة. وهي بذلك تفك الارتباط كتابة مع كل ممارسة سلطوية تسيج الجسد وتحاول أن تسترجع جانبا من إنسانية الإنسان/المرأة، وتنتصر لحريتها وهويتها ووجودها المتشظي وسط واقع تحكمه علاقات السيطرة والالتباس، للتعبير عن هذا التشظي في الواقع والوجود. تلجأ الكاتبة إلى تقنية التشذير في بعض نصوصها كخيار ابستمولوجي واع، باعتباره رؤية للعالم وللذات، بمدخل جمالي من جهة، ومن أجل تحقيق كينونة القصة في بعدها التجريبي كتقنية تخرج عن المألوف والنمطية، وتنشد التغريب والانزياح من جهة أخرى، وهو ما نظرت إليه كل اجتهادات الشكلانيين الروس. لتمثيل هذا القول، لا بد من الرجوع إلى النصوص لاكتشاف مظهر التشذير بوصفه ميسما يتسم به النص القصصي. يقوم النص القصصي المعنون ب “أزهار تذبل قبل الأوان” بتوزيع المقاطع السردية إلى ثلاثة عناوين فرعية وهي على التوالي: “تنهدت الشاردة عن القطيع وحكت”، “صرخت القبيلة في وجه الشاردة عن القطيع”، “قصاصة جريدة”. كل هذه المقاطع السردية تصب في العنوان الأصلي من أجل رفع اللبس وتفكيك الخطاب السردي، ليتمكن القارئ من فك شفرات المضمر من الخطاب. للإشارة، هذا النص سبق أن قمنا بدراسته وخلصنا على أنه نص يتسم بالصراع والتوترات الاجتماعية من أجل تحقيق الذات والكينونة. فواقع التشظي الذي اتسمت به الشخوص وشرنقة المجتمع التقليدي لا يمكن إلا أن يوازيه هذا الشكل من الكتابة، تعبيرا معرفيا وليس اعتباطيا. وتستمر الكاتبة في تنويع كتابتها بهذه التقنية مع القصة المعنونة ب “ساعة البحر تدق احتراقا” من منظور آخر أساسه شذرات سردية مرقمة. الشذرة الأولى تعرض فيها حالة هدوء الشخصية، بينما الشذرة الثانية يتنامى فيها الصراع النفسي وتشظي الذات إلى حد الانكسار، وفي قصة “رجل وعصافير” تبدع الكاتبة في التقنية وتشذر النص إلى ثلاثة شذرات، معنونة كل شذرة بحرف أبجدي تؤلف فيما بينها مجتمعة كلمة (لحن). وهو لحن الذات وانضباطها الذي كانت الشخصية تبحث عنه في ظل واقع اتسم بقلة اليد والتهميش من دورة الحياة. وعلى نفس النهج يمكن القول أن أسلوب الكتابة لدى خديجة موادي يطغى عليه روح الشعر واللغة الشاعرية المكتنزة بدلالات المساحيق البلاغية المتنوعة من تشبيه واستعارة ومجاز، مما يفتح شهية القارئ لسبر أغوار المتن لاكتشاف لذته ونكهته.
** إجمالا، يمكن اعتبار المنجز القصصي سردا تجريبيا، إن على مستوى الشكل أو المضمون، لأنه يرتكز على عنصر التجديد في جميع مستوياته اللغوية والتقنية ومن حيث رؤيته للعالم والذات والآخر. هوامش:
(1) خديجة موادي، خلف الباب أمنية، قصص قصيرة، مطبعة سليكي أخوين، طنجة، الطبعة الأولى نونبر 2015. (2) نفس المرجع، ص:3.(3) نفسه، ص:21.(4) نفسه، ص:75.(5) نفسه، ص:77.(6) نفسه، ص: 78


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.