مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الخميس    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشريح الصورة في الخطاب المسرحي المرئي
نشر في بيان اليوم يوم 28 - 07 - 2019

لما كان العرض المسرحي بيئة محبوكة ومتكاملة متعددة العناصر والوسائل، فإن كل عنصر من عناصرها هو غني بالتحفيزات التفاضلية.
يشكل منطقة إبداع حر لبناء الصورة، إذا ما أحسن المخرج استخدامها، ولما كانت صورة المشهد تتأطر بتلك الكثافة الهائلة من العلاقات في الفراغ، فإن عوامل الربط المحكم بين الشكل المنجز والبناء التأويلي تستدعي التتابع المنطقي كما يرى هوكز، كونه استقصاء للمعنى وملاحقته واكتشاف الخلاصة المدججة بالتفصيلات التأويلية، وإن الذائقة الجمالية الخاصة خاضعة إلى نسبية التجربة والمعنى وفقا لعلاقات التفاضل لتعين قصدية المعنى داخل الصورة بوصفه الهيكل المصاغ للمعنى. ولعل هذه القصدية لا تأتي من فراغ، بل إنها تستند إلى عوامل عديدة لإخصاب الصورة واكتنازها بالمعنى بحسب (هوسرل)، ويمكن العودة ابتداءً إلى العوامل الاستنباطية المؤثرة في عملية تفسير خطاب النص، لإحالته إلى صورة مرئية على مفاصل عدة، كالعلة والمعلول ورسم المماثلات بين العلة كأساس استنباطي، وبين الصورة بوصفها تكوين انتهائي لتفسير ثيمات العرض المسرحي، ومحاولة إنشاء فضائل المدركات الحسية لتحقيق الصورة الذهنية ضمن محاولة ترجمة الكلمة إلى صورة، إذا كانت سلسلة من الكلمات لها معنى، فإن مقطعاً من الصورة له ألف معنى.
في الصوب الآخر فإن الفعل يشكل المنعطف الثاني لإنتاج الفكرة، لكن الفعل ليس هو الفكرة. إن الفكرة هي قاعدة الحدث أما الفعل فهو الحصيلة أو الأصح هو النتيجة التي تحكم عليه وتراقبه. لذا فإن إنتاج الفعل إن كان بصريا أو حركيا أو ضوئيا أو دلاليا بأي مخصب كان، فهو القادر على تفعيل دور الفكرة وبالتالي استخلاص المعنى.
ولعل سيمياء الصورة تشتغل ضمن محاضن إنتاج المعنى الدلالي، فجميع الأشياء عند وضعها على المسرح تتخذ نسقاً دلالياً، وفقاً لخواص الإبانة، وهي مادة غاية في التعقيد، كونها تتمحور حول إنتاج المعنى في المسرح، ولقد كانت سيمياء العرض قد أولت العلامة وتوابعها عناية فائقة كونها تستند إلى ضروب الدال التي يستخدمها المسرح لإنتاج المعنى.
للسبب ذاته، فإن اكتناز الصورة، يفترض مسبقاً وجود رؤية تحدد تفعيل عناصرها الدلالية، في تغيير قوانين المفهوم البصري، فأنت لا ترسم صورتك على الخشبة، إنما ترسم صورة الفكرة وجمالياتها المستنبطة من خطاب النص أو الذاكرة التصورية، سيما أن خطاب العرض متجدد على الدوام، يفترض أن تكون التفاعلات الدرامية محسوبة بدقة، كما يرى (فلتروسكي) بقوله: إن الصورة تشد الانتباه مؤقتاً أو طيلة مدة العرض على ديكور أو علامة أو إضاءة أو موسيقى وإن إعادة تشكلها ضمن خصائص العنصر العلامي يتغير شكل الصورة.
والمتلقي يرغب في تفكيك الصورة الخام بوصفها خطابا متفردا ذا معمارية خاصة، تجذب انفتاحه على لغة بصرية مؤطرة بالمعنى، والبحث عن المعنى هو ما يدفع الفرد أحياناً لشد الانتباه والمتابعة، فضلاً عن أن فكرة المخرج ينبغي لها أن تتأطر كلياً داخل الصورة، ولعل البساطة في التعبير هي الأقرب إلى عملية الفهم، قد يسهل على المتلقي فك الشفرات في حالة التعقيد. ويذهب (كير إيلام) إلى أن الصورة كلما قلت دلالاتها كلما أرادت لنفسها أن تكون لغة وللصورة في الدراسات السيميائية ثلاث أبعاد: الأولى هي الميتا لسانيات والثانية هي الميتا دلاليات والثالثة هي الميتا تداوليات ويمثل البعد الثاني، البعد الدلالي للصورة، وعليها يميل تحديد (لوجيزمان) كونها تتضمن مرجعية ضرورية إلى معطى خارجي، لأن الصورة الثانية، هي صورة الموضوعات، تعكس الصورة الأولى التي هي صورة الكلمات، وعليه ينبغي أن تشير الصورة هنا إلى وجود انزياح بين الصورة ودلالتها، بل إن الصورة جزء من صيرورة دلالة في تطور مستمر، تشير إلى فكرة التغيير والمشاركة.
فالخيال هو المنجز لماهيات الصورة وانثيالاتها وفق الذائقة الجمالية المستوفية على شرطين (الطابع المكتسب للشكل المثار في الإدراك الباطني)، والشيء الثاني في كيفية تكون النمط (المثل) في أذهاننا، والصورة البصرية الناتجة هي التي تصحح مفهوم النوع، وهو رمز ينقلنا إلى فهم وإدراك الصورة، كونه يمنحنا مضمون المعنى العام للصورة.
إن القيمة الجمالية تتوافر في كل تمفصلات الصورة بما يحتويه الفراغ بشقيه السلبي والإيجابي. وللسبب ذاته فإن المتعة الحسية والفكرية، ترتكز إلى القيمة الجمالية لتحقيق مبدأ اللذة. ويرى ( تالمي وسبنسر ) فق مصدر مفاهيمي مشترك هو بنية الفضاء، حين تستند إلى قوتين متعارضتين يلخصهماشكل الفضاء التوتري وتعديلاته، الهيئة التي يتم منها وحسب إجراءين مختلفين: ولادة التصييغ بالتحول من جهة، وولادة إظهار السير الزمني للحدث بالاستدعاء من جهة أخرى.
وبهذا تصبح الصورة ملغزة بالمعنى التأويلي أو الرمزي أو الدلالي.
الإحالة الصورية:
ترتقي الصورة أحياناً إلى توظيفها في الزمن الحالي (الآن وهنا ) أو الزمن المستقبلي أو الزمن الاستباقي، وأحياناً تعتمد الصورة الإحالة إلى زمن سابق سبق الإحداث. ولعل هذا المفهوم قد أستعير من السينما عن طريق (الفلاش باك)، وهي محاولة لإعادة صورة سابقة توتر الحدث ودعوة إلى المسببات والعلل التي قادت إلى تحديد المشهد الحالي، ولما كان المسرح قد سبق السينما، فإن مفهوم الإحالة قد فرضته سنن الرؤية الإخراجية وتأملات المتلقي المتعددة، فقد يرى المتلقي ربما في إحدى أمكنة المنظر زاوية تعيد ذاكرته إلى مرحلة الطفولة، وفق تلك المتشابهات في المنظر، وبين ما هو مخزون في ذاكرته، وهذا نوع من الإحالة تفرضها الصورة، وقد يكون اقتران المشهد الذي يروم المخرج إعادته للمتلقي في إحالة لاحقة، فيعمد المخرج إلى ربطه بموسيقى خاصة، تقترن به اقترانا ترابطياً.
وحينما يتم تقادم المشاهد اللاحقة، فإن إعادة الموسيقى السابقة في المشهد الحالي، يدفع المتلقي لتعايش الذائقة الجمالية نفسها والحالة النفسية والتعاطفية للمشهد القديم، وهو ما تحققه الإحالة بالموسيقى.
وقد تشكل الحركة أو الصوت أو الضوء واللون محاولات ترميزية للإحالة، إن للصورة محفزات بصرية وحسية نادرة على تحويل كم هائل من الإحالات بشتى صنوفها ضمن انسيابيتها إلى دلائل شاهدية أو إيقونية أو رمزية متفردة، تصلح كثيراً لقيام مبدأ الإحالة ضمن منطق الإحالة. في هذه العلاقة تقام التوليفات والتزامنات وفقاً لانثيالات الدال بين ما هو مرئي ومقروء وبين التأويل الصوري في المرافقة الدرامية حسيا، على اعتبار المعنى الظاهر هو محصلة العلاقة التبادلية بين وحدة التعبير ووحدة المحتوى.
كما أن الشكل ضمن إطار الصورة، يمكن أن يحيلنا إلى أمكنة حقيقية للمشاهدة العيانية، فالذهن يقوم بالإحالة وفق عدد الصور المخزونة في الذاكرة طويلة الأمد، مما يحقق متعة فريدة ومرافقة (زاوية من بيت تراثي، وحب ماء، وشناشيل) ويحدث في أكثر الأحيان أن يشم المتلقي روائح قديمة كانت مستقرة هي الأخرى في الذاكرة ضمن مبدأ الإحالة ( الرطوبة- والنتانة- والعطور )، إن الإحالة في الصورة المرئية تستوجب دراسة سماتها بدقة متناهية وصولاً لتحقيق الاستجابة الحسية، إن كانت ذوقية أو شمية أو لمسية أو سمعية أو بصرية، فجميع مستقبلات الإنسان الحسية يمكن تثويرها عن طريق الإحالة، كما تفترضها نظرية (بافلوف) في الاستجابة الشرطية.
وترى (كريستيان مثيز) أن الصورة آنية ومتجددة أبداً، وأن مفهوم الإحالة لا يؤثر على استمرارية الفعل داخل الصورة بل هي تفرض نفسها وتطمس كل ما عداها.
ويطالعنا (غريماس) بأن عملية التلقي مرتبطة بالبنى الأولية للتدليل أو الترميز (إننا ندرك الفروق بفضل الإدراك ويأخذ العالم شكله أمامنا وفق أغراضنا)، ولتحقق الإحالة ضمن منطق هذه العلاقة تقام التوليفات والتزامنات وفق تأسيسات المخرج والمصمم معاً عندما تترابط وحدة أجزاء الصورة في المقدمة مع ما يحققه البعد الفراغي لها في العمق، كون الفارق بين الصورتين مدمج ضمن الصورة الكلية، كما تتحسسه ذواتنا. ويتصدى (بونتي) لتفسير المرئي موضع بحثنا، ليقصد به الإدراك الذي يتحقق داخل ذواتنا، أما اللامرئي فهو قوة المرئي لدرجة الوضوح المتداخلة بين الصوت والمعنى.
إن العملية البصرية برمتها تخضع بالأساس إلى استخلاص اللامرئي من المرئي ، وفق حدس اللحظة وتوقد الذهن.
فلسفة الصورة:
ما من شك في أن فلسفة الصورة تخضع بالأساس
لفلسفة المخرج أو موقفه الفلسفي من الخطاب البصري أو مرجعياته الفلسفية التي يفرضها أحياناً على صورة العرض البصرية. كما قدم لذلك (أروين بسكاتور، و بروتولد برشت) في محاولة لإخضاع المشهد المسرحي لوجهة النظر الماركسية المستندة إلى المادية الديالكتيكية.
ويرسم برشت مشهده على قانون التغريب ( ألينة التسويم ) بحيث يجعله مغرباً عوضاً من أن يكون تلقائياً، وهي فكرة مقتبسة من الشكلانيين الروس في محاولة للفت الانتباه للفعل، فكل شيء مادي ومألوف قد ينقلب إلى شيء مميز ولافت للنظر. والموقف بالكلية يستند إلى المقولة الماركسية التي تؤكد على أن التراكم الكمي يولد وعيا نوعيا . في حين يطرح (جوته) موقفاً آخر بقوله، إن الرمزية تحول التجربة إلى فكرة وتحول الفكرة إلى صورة.
ما يعني أن الأفكار بجل تنوعاتها ومقولاتها يمكن للمسرح أن يحولها إلى صورة.
وترى الكثير من الآراء الفلسفية أنه عندما تترجم الفكرة إلى صورة في حالة الاستعارة أو الرمز، ستنفجر الفكرة بكل بساطة، وإن عملية التجريب في الصورة مع وسائل التعبير الأخرى بإدماجها مع عناصر العرض تفضي بالضرورة إلى المعنى الفلسفي التي يوفرها تراكب العناصر الأولية بوصفه خليطا مركبا. (فالقوة الدافعة للمدلولات المتغايرة تتلاقى في دال الصورة الذاتية المزاجية المفرطة في أحاسيسها.
كما يمكن للمسرح تحديد ماهية الصورة بالاستناد إلى الاستبدال الاستعاري المرتبط بالعلامة إذ كلاهما يقوم بمبدأ الشبه المفترض أو المجاورة المادية، وله القدرة أيضا على أن يقوم مقام الفعل، كونه رابطا بالمجاورة كاستخدام خيمة بدل سقف قاعة، ويرى (جاكوبسن) هذا النوع استبدالا معمولا به، استبدال الكل بالجزء وهو ضرب من ضروب المجاز.
إن تعددية المعنى كما تطرحها سيمياء المسرح هي عندما تمارس الصورة آلية تعويضية للمفهوم الفلسفي، كما هو الحال مع المفهوم الجمالي والفكري والعاطفي، فإن المضمون الفلسفي يفترض كما هو متداول خصوصية الكلمة بوصفها ناقلة للمعنى، لكن الصورة ضمن خصائص المنجز الإبداعي تمتلك القدرة الفائقة على تحول الكلمات إلى صورة مغروزة في اللاوعي، تفلسف مفهوم الصورة وقد تخضع الصورة فلسفتها للمنطق المادي أو المثالي أو الحدسي كما يطرح ذلك المسرح المعاصر في فلسفة ( نيتشه وكروتشة).
إن الاتجاه التداولي الذي استند إليه ( بسكاتور وبرشت ) لم يغادر هذا المفهوم في جل أعمالهم المسرحية، فالصورة شكل يمتلك معنى ويرتبط بمضمون، و(إذا كان لسلسلة من الكلمات معنى فإن مقطعاً من الصورة له ألف معنى). كما يرى ذلك جيرارد دولوا دل. أما (كانط) فيرى أن ذلك يقع تحت حكم الذوق بقوله: (إن الصورة الوسيلة الأولى لإرسال المعلومات من ذلك العصر إلى عصرنا هذا) . ذلك أن المسرحية بكل تمفصلاتها هي شيء فكري أولاً، ثم متعة حسية، والأدب كما هو معروف يحتاج إلى الفكر.
في قاموس الفلسفة الأيونية يشرح (أرسطو) الصورة بوصفها، إيقاعا علائقيا يتبادل أو يتمايز للأشكال المنظورة في نظام واحد (هو الصورة) في حين يتفق (ديمقريطس) مع رأي (أرسطو) بأن الإيقاع هو الصورة والترتيب المميز لها هو ترتيب الأجزاء في الكل).
غير أن الدراسات السيميائية ترى في الصورة مجموعة من الرموز العلاماتية، تتخذ شكلاً معيناً، توصف بأنها تمثلات.
والتمثلات علامات ترتبط بعلاقاتها مع الموضوع بواسطة علامة هي علامة المؤول. وتنطلق حركة تحليل العلامة من الممثل إلى الموضوع مروراً بالمؤول. يتضح أن تشكلات الصورة وماهيتها يمكن أن تخضع الفكر الفلسفي ضمن مخاصب الصورة المرئية، وأن ثبات الصورة أو حركتها لا يعيق طرح يعيق طرح المعنى الفلسفي بل إن الآلية التعويضية لترسبات الصورة عن طريق عناصرها الرئيسة لخليقة بإنتاج المعنى الفلسفي.
وله القدرة كذلك على تثوير الفكرة عن طريق التماهي والتماحك، كما يمكن أن يحققها خطاب العرض وفق مخاصب اللغة ودلالاتها. فقد طرح ( بيكت ) في مسرحية (في انتظار غودو ) تلك المفازات التي تجعل من كل مشاهدي العرض مهيئين لانتظار شخصية (غودو) ولم يصل (غودو) حتى النهاية. إنها فكرة الوجود والعدم التي أسست لها الفلسفة الوجودية عند ( سارتر ). كما طرح (غروتوفسكي) عن طريق تمرين العرض مبدأ ( النزعة الكاثوليكية ) في مسرحية (الأمير الصلب) حينما حاول البحث عن لغة رمزية وإشارية تدنو من كاثوليكية المذهب أو نمطية الاتجاه، ولسنا هنا ببعيدين عن (بيتر فايس)، فقد شملت أكثر نصوصه مفهوم ( التراكم الكمي يولد وعيا نوعيا )، ولعل فلسفة ( أوكست كوم) الوضعية قد أثرت هي الأخرى على تثبيت ركائز المسرح الواقعي عند ( أبسن وسكرايب ) بوصفها انعكاسا للواقع، وقد جاءت عروض المسرح المعاصر مستندة إلى أكثر من تيار فلسفي ( يونك .ليفي شتراوس . نيتشه وكروتشة ) في محاولة لتغييب العقل ووضع الحس بديلاً له، فاتخذت من مبدأ الهذيان وتجليات الروح للجسد والمبدأ التدميري كنتاج إدراكي لهذه الفلسفات. ولعل الأمر كما قدمنا له مرتبط بالتخطيط المسبق والتصورات الذهنية حول ماهية الصورة وتحولاتها بالولوج إلى عبقريتها في قول ما يمكن قوله.
ويرى هوسرل أن كل تأمل هو استحضار صوري، يتحرك شكله ووجودنا أو وجود العالم. ذلك كون العمل الفني تجسيد جمالي في وعي الفنان، والقصدية هنا موضوعية تضفي الانسجام والترابط.
ذلك أن التعبير عن الخبرة هي ثوابت أساسية لا تبتعد من حيث المبدأ عن هذا التحديد، كونها تستلزم تدقيق الحدث وتوثب المعلومات وإن ( الإفراط في التأمل، سيصبح درجة أعلى مقابل أعماق الفلسفة، بل سيصبح هو الفلسفة ذاتها). إذ أن فكر الوجود المرئي هو الذي يضع الفكر استناداً إلى خلفيات الصورة وهو تجلي للذات وانكشاف الحدث، حسب ما قررت الذاكرة الفردية إنشاء وتنامي صورتها الذهنية.
جماليات الصورة:
تعد القيمة الجمالية، أحد أهم المداخل الأساسية للفن، كما أنها المنتج الإبداعي لصناعة الجمال بأبهى صوره وبجل تمفصلاته، وصولاً للذة الجمالية بوصفها أهم المتع الحسية للفرد.
وتذهب الدراسات السيميائية إلى إن مخاصب (الدال) موضوع جمالي كامن في الشعور الجمعي تحت ثنايا العرض المسرحي الذي يحول بدوره جميع الأشياء والأجسام جذرياً نحو سميائيتها، ويمنحها قوة كانت تفتقر إليها، عن طريق شبكة العلاقات في العلامات والأنساق المتفاوتة. وعليه فإن تشكل الجمال في الصورة، يتطلب تواجد طرائق تقنية ومهارة فنية لتجسيدها ضمن (بيكتوغرام) كامل حامل للمعنى والقيم الجمالية. ولعل (أفلاطون) يتصورها بأنها (حلت بمحاولة جعلت الفن بذاته ممثلاً للأنا الفوقي، أداة نقل للأخلاق والقيم المثالية).
ويرى ( فرويد ) في نظرية التحليل النفسي بأنها ( دافع حسي، ذلك أن الصورة تستحوذ بجل تصانيفها على القيمة الجمالية التي تستطيع الحواس الارتقاء بها إلى مبدأ اللذة (الكانتي ) إلى أقصاه (والحكم الجمالي لا يستهدف سوى المتعة المباشرة، ويفترض تذوقك المباشر للأثر الماثل أمامك). كما يؤكد ذلك (جورج سانتيانا). ومن هنا صار للصورة بعد مهيب يستوفي شرائط قيامها الحسي والجمالي، كون الجمال ( دال )، أسهم في إنتاج المعنى، وقيمة تصل بنا إلى مفاهيم وانثيالات تستفرد بالإحساس والمسافة الجمالية، وهو نوع من التمني، إذ يتمنى المرء صورة كأن العالم على غرارها، إن الفنان سيتفرد بما خبأه من العناصر التي أنشأ منها صورته الخيالية أو تصوراته الذهنية، فالخطوط بتنوعها والضوءبشدته وانعكاساته وزوايا سقوطه والظل والظلال بأهميته وتجسيميته والألوان بتراقصها بين الحار والبارد وحركة المفردات بكل انسيابيتها والأنغام الموسيقية بكل تناغماتها وإيقاعاتها وأداء الممثلين بكل تألقهم الراقص داخل مجال المنظر الذي يشكل بيئة زمكانية للحدث، وأي صورة على الرغم من سيلانها فإنها تمنح المتلقي فرصة التذوق الجمالي المفعم بالحيوية والإحساس كما يرى ذلك ( هيجل ) إذ (يحتاج التشويق الفني كما هو أيضا شأن الخلق الفني، إلى طاقة وحيوية بحيث لا يعتبر الكوني حاضراً كقانون وحقيقة عامة، بل تأخذه العقول في وحدته مع الروح والانفعالات الشعورية. يتضح مما تقدم أن إنتاج الصورة المرئية الجمالية هو فن قائم بذاته يرتبط بقدرات الفنان التخيلية والتصورية المستنبطة من عمق التجارب المخزونة في الذاكرة (إن البعد الجمالي ينبغي أن يستند إلى نظام من القيم وصيرورة معرفية، وأن يأخذ على عاتقه الآثار التوترية والحسية، وإن التنظيمات المرتسمة بالفضاء التوتري تدخل الخطاب بفضل تكميم البنى الشكلية).
إذ لا بد أن تثير فينا متعة الإحساس بالجمال، ويرى سميرأوتوكاريز أن ( علم الجمال المسرحي يقوم على الصور).
من جميع النواحي على الإطلاق ، فالممثل يمثل الشخصية والمشهد يمثل المكان الذي تتكشف فيه القصة، والإضاءة تتقلب بين الليل والنهار وتدل الموسيقى على الحدث.
وينبغي أن تلعب التقنيات الفنية كحوافز تسهم في توكيد إنشاء الصورة، ولعل من الضروري إجراء عدة محاولات في أسلوب تجزئة فوتوغراف الصورة، في محاولة فصل الأجزاء لتطوير كل جزء ليليه تطوير جزء آخر حتى إتمام الصورة بكمالها، ولتغيير الحجم والمساحة داخل الإطار أو بدونه يجعلها تتوالد وتلغي كل تقييم هندسي للمسافات، وفق فلسفة المخرج وذائقته الجمالية في بناء شكل الصورة.
بقلم: حسين التكمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.