بالصور: أمن القنيطرة يوقف قاصرا تورط في محاولة السرقة من محل تجاري تحت التهديد باستخدام طرد متفجر وهمي    شاب يفقد حياته بعد قفزة خطيرة من صخرة    دراسة: أجهزة السمع تقلل خطر الخرف لدى كبار السن بنسبة تفوق 60%    تقرير: ثلث شباب المغرب عاطلون والقطاع غير المهيكل يبتلع فرص الشغل    المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان غزة.. "مبادرة ملكية نبيلة ترسم معالم الطريق الواجب اتباعه" (أندرو موريسون)    إيران تصعد التهديد بصواريخ جديدة واستعداد تام لمواجهة إسرائيل    ثورة الملك والشعب : ترابط دائم وعهد متجدد    للمرة الثالثة: الموقف الياباني من البوليساريو يصفع الجزائر وصنيعتها.. دلالات استراتيجية وانتصار دبلوماسي جديد للمغرب    وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على خطة السيطرة على غزة    تورّط زوجة رئيس الوزراء الإسباني في قضية فساد جديدة    وفاة بورمانوف نجم البث المباشر بفرنسا بعد تعرضه للإذلال والعنف أمام الكاميرا.. النيابة العامة تفتح تحقيقًا    مدرب تنزانيا: مواجهة المغرب في الشان مهمة معقدة أمام خصم يملك خبرة كبيرة    شباب الريف الحسيمي يواصل تعزيز صفوفه بتعاقدات جديدة        جلالة الملك يهنئ رئيس هنغاريا بمناسبة العيد الوطني لبلاده            حملات أمنية مشددة ضد الدراجات النارية المعدلة بمختلف المدن المغربية    إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد        صفعة جديدة للانفصاليين .. اليابان تتمسك بموقفها الرافض للاعتراف بالكيان الوهمي    أمين عدلي ينتقل إلى الدوري الإنجليزي في صفقة ضخمة    عيد الشباب .. الاحتفاء بالالتزام الملكي الراسخ تجاه الشباب، المحرك الحقيقي لمغرب صاعد    تخليق الحياة السياسية في المغرب: مطمح ملكي وحلم شعبي نحو مغرب جديد.    إيزاك يخرج عن صمته: "فقدت الثقة بنيوكاسل ولا يمكن للعلاقة أن تستمر"    أمن طنجة يوقف مواطن دنماركي مبحوثا عنه دوليا        تمهيدا لتشغيل الميناء.. إطلاق دراسة لاستشراف احتياجات السكن في الناظور والدريوش    المغرب يعزز مكانته كقوة إقليمية في قلب التنافس الدولي بالصحراء والساحل        إدارة سجن طنجة 2 تنفي مزاعم تصفية نزيل وتوضح أسباب وفاته    ذكرى ثورة الملك والشعب .. جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 881 شخصا    مبابي يقود ريال مدريد لتحقيق أول انتصار في الموسم الجديد    المغرب يكرس ريادته الإنسانية والدبلوماسية عبر أكبر دعم إغاثي مباشر إلى غزة بقرار ملكي    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    حجز 14 طنا من البطاطس بتطوان قبل توجيهها للبيع لانعدام شروط النظافة والسلامة    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام يحمي حق الردة

ليس هناك مسألة أكثر التصاقا بقضايا الحرية الفردية من الحق في تغيير المعتقد، الذي يسمى في صيغته التراثية ب "الردة"، انطلق النقاش حول الموضوع بداية القرن المنصرم، ما بين مؤيد للإبقاء على الاجتهاد التراثي بخصوص الردة – وأغلبهم من التيار السلفي – ومناصر لإعادة الاجتهاد بخصوص هذا الحكم.
وإذا كانت المشاريع النهضوية في عالمنا الإسلامي قد جعلت من أبرز همومها ترقية هذه المجتمعات، ورفع منسوب الوعي بين أبنائها، فإن حدة الانقسام الذي قد يورثه اختلاف العقائد أو المذاهب، مما يعطل هذا الانبعاث المأمول، ومما يشكل عائقا دون الرقي والانعتاق من حالة التخلف والانحدار.
لتحديد الموقف من هذه القضية لا بد من تحديد المرجعيات المؤطرة لها، الحديث هنا عن حق الحياة، فلا يمكن إلا أن تكون المرجعية الإنسانية أحد العوامل المحددة للموقف، أقصد بالمرجعية الإنسانية تلك الفطرة السليمة والتفاعلات النفسية الخفية التي لا يمكن تجاهلها في بناء المواقف وتحديد الاختيارات، وهي التعبير عن التوق الطبيعي والتطلع المشروع للإحساس بالنفس وقيمتها في الحياة، وكل المرجعيات الموازية ملزمة بالاستجابة والتفاعل مع هذه الفطرة التكوينية.
أقول هذا لأنني حتى يوم كنت أسيرا للإسلام الفقهي والتاريخي، لم أستسغ نفسيا مثل هذا الحكم، لم أتقبل أبدا أن يفرض الإسلام على الناس ممارسة النفاق الاجتماعي والتمظهر بما لا يقتنعون به، وعشت صراعا نفسيا رهيبا بين ما أحسه وأعقله، وبين ما قيل لي أنه من المسلمات التي لا تقبل الجدال ولا النظر.
لكن التعامل مع قيمة أساسية مؤطرة للحياة الإنسانية، ومنظمة للعلاقات البشرية، يقتضي حين التعامل مع النصوص الدينية العودة للنصوص المؤسسة الواضحة الصريحة، من المصدر والمرجع الأول للأمة، وهو القرآن الكريم، بل وإعطاء الأولوية للنصوص التي تدل صيغها التركيبية، وسياقاتها البلاغية، على التأسيس والتنظير والعموم والإطلاق، وربط النصوص الأخرى بسياقات أسباب النزول والتاريخ والزمان والمكان.
ويقتضي حين التعامل مع السنة النبوية انتقاء ما يتوافق والنصوص المؤسسة، ويحال غير ذلك على السياقات التاريخية والإكراهات الزمكانية التي احتكت بها، وكانت فاعلا مؤثرا في كثير من التصرفات النبوية، والأخبار المنقولة، والتفريق بين التصرفات النبوية الصادرة باسم النبوة والرسالة، وبين ما كان منها على سبيل الإمامة والسياسة والإدارة والقضاء والتدبير، وهو تفريق قديم ذكره كثير من فقهاء المسلمين.
لا يظنن أي مدافع عن حرية المعتقد أنه يحتاج لمنهجية معاصرة للتعامل مع هذه النصوص الدينية المتعلقة بهذا الموضوع، لا يختلف التعامل معها عن غيرها من المواضيع، فإنه وإن كانت النتيجة مختلفة عما قرره جمهور الفقهاء، فإن المنهجية المعتمدة لا تختلف عن مناهجهم، ولا تستعمل أدوات أصولية خارجة عن مجمل ما هو مقرر في كتب الأصول والتقعيد والتخريج الفقهي، رغم كل ما عليها من ملاحظات، لكن القصد أن النتيجة المرجوة واحدة حتى باتباع المناهج التقليدية في استخراج الأحكام.
ليس هناك أصرح ولا أوضح من قول الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم).
الصيغة التي ورد بها النص لا تدع أي مجال لادعاء النسخ أو التخصيص، فهي وإن كانت بصيغة الإنشاء، إلا أنها خبر عن طبيعة الإنسان وتكوينه الذي لا يقبل الإكراه والإجبار، وهو أمر لا يقبل النسخ، كما أنها وردت بأعلى صيغ العموم، فكلمة (إكراه) نكرة في سياق النفي وفي سياق النهي، فالإكراه منفي وممنوع ابتداءً واستمرارا وانتهاءً.
صحيح أنه قد وردت عدة نصوص نبوية في قتل المرتد، كقوله "من بدل دينه فاقتلوه" وغيرها من الأحاديث الدالة على نفس المعنى، لكنها جميعها مخالفة لقاعدة القرآن القاطعة في عدم الإكراه، فكيف يمكن ترتيب الأحكام الكبرى على أحاديث آحاد ظنية الثبوت، لا تفيد القطع إطلاقا، بل ومعارضة القرآن بها.
ثم إن الردة وأحكامها كانت مرتبطة في الماضي بالواقع السياسي آنذاك، لقد كان الدين مرادفا لمعنى الوطنية، كانت الدولة ذات هوية دينية، وكان الولاء للدين قويا للغاية، فكل من اختار دينا ما يلتحق بالدولة التي يدين أهلها بذلك الدين، ويواليهم سياسيا وعسكريا، فكان الارتداد يشكل خطرا سياسيا على كيان الدولة، ولم يكن متصورا التحول من سيادة إلى أخرى دون تغيير الاعتقاد، وهي صورة مخالفة لما عليه الناس اليوم، من إمكانية تغييرهم لأديانهم مع احتفاظهم بهويتهم الوطنية وولائهم لبلدانهم.
إن قانونا كقانون الردة مفتاح لبذرة النفاق، وقاعدة رئيسية لمفهوم الإكراه والجبر، ومستودع لدولة الخوف، الدولة التي تكره مواطنيها على اعتقاد فكرة ما، وتنذرهم بأشد العواقب سوءا إن خرجوا عليها وإن حافظوا على ولائهم السياسي، لا يوجد أي عقل سليم يقبل هذا الوضع وينسبه للإسلام الذي طالما أكد على حرية الاختيار "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا".
ينبغي أن يضطلع العلماء والمؤسسات الرسمية بدور بالغ في ترسيخ نمط اجتهادي معاصر، وتطوير العدة التأويلية، عوض الانحباس غير المبرر في التراث قلبا وقالبا، أرى عشرات الكتب التي تطبع كل سنة لا تخرج عن تحقيق نصوص تراثية، أو تبسيط للمضامين التراثية، لكنه من النادر أن تجد كتابا فقهيا يعيد النظر في تلك الاجتهادات، ويشرح العوامل التي دفعت الفقهاء إلى الأخذ بذلك القول، ثم بناء محتوى اجتهادي يناسب الواقع المعاصر.
لكن هذا الأمر لا يمكن إلا عبر ترسيخ آخر لمفهوم الدولة الحديثة في وجدان الشعب، وتوضيح أسسها، ومبانيها، وبيان أنها مغايرة تماما لبنية الدولة التراثية، وعليه فأحكامها أيضا مغايرة لأحكام الدولة التراثية أيضا، حينها يمكن أن يفهم الناس دون أدنى تشنج أن الإسلام قد حمى حق المسلم في الردة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.