حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    تتويج إسباني وبرتغالية في الدوري الأوروبي للناشئين في ركوب الموج بتغازوت    تشكيلة "أشبال المغرب" أمام كاليدونيا    المنتخب الرديف يدخل مرحلة الإعداد الأخيرة لكأس العرب بقطر..    هذه تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة لمواجهة كاليدونيا الجديدة في مونديال قطر    تشييع جنازة الراحل أسيدون بالمقبرة اليهودية في الدار البيضاء    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    نفاد تذاكر ودية "الأسود" أمام موزمبيق    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    توقيف شاب متورط في اختطاف واحتجاز وهتك عرض فتاة قاصر بالعنف    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخصيات من عالم السياسة والاقتصاد والفكر والثقافة والإعلام تشارك اسماعيل العلوي ليلة تكريمه
نشر في بيان اليوم يوم 18 - 03 - 2012

خصصت جمعية LA MINAUDIERE DES ARTS تكريما متميزا للمناضل اسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الخميس بالرباط.
وقد شكل هذا التكريم المتميز، بحضور شخصيات وازنة من عالم السياسة والفكر والثقافة والأعمال، لحظة استثنائية لرجل استثنائي، ولحظة التقاء طبيعي بين الأخلاق والسياسة، بين الإخلاص والتفاني في العمل والصدق فيه، والعطاء دون سخاء طبع مساره السياسي لما يزيد عن نصف قرن، ولا زال يواصل.
كان الحضور في مستوى اللحظة .. وفي مستوى الرجل الهامة الكبيرة.. وفي مستوى العلاقات المتميزة التي جمعته برجالات السياسية والفكر والثقافة والأعمال وكل أطياف المجتمع في مختلف تجلياته .. لحظة وفاء اجتمع فيها حوله زعماء الحركة الوطنية من أمثال أمحمد بوستة، وعبر الرحمان اليوسفي والمجاهد محمد بنسيعد أيت إيدر ومحمد اليازغي، ومحمد الأشعري ورفيقه في الدرب عمر الفاسي الفهري والمهدي بنشقرون الذين اشتغل إلى جانبهم في دروب النضال من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
هذا الحضور الذي اثثته شخصيات أخرى من أمثال المستشار الملكي أندري أزولاي، والرئيس السابق للتجمع الوطني للأحرار، والكاتب حسن أوريد الفنان محمود مكيري وأخرون التفوا حول اسماعيل العلوي لمقاسمة لحظة الاحتفاء، عرفانا له بعطاءاته وإسهاماته في مجال السياسة والفكر والعمل الميداني، حيث ظل ولا زال منشغلا بقضايا الإنسان المغرب، وبما يحمله من قضايا جوهرية تشكل الطموح الجماعي المشترك لكل المغاربة في رفع مظاهر الظلم والحيف، والتطلع للعيش في حرية وكرامة، وهي كلها مواضيع شكلت هاجسا لمولاي اسماعيل العلوي منذ التماس الأول مع السياسة في حضن الحزب الشيوعي المغربي.
هي لحظة حميمة في حضرة سياسي محنك «تستأنس به الأنفس، وترتاح إليه الأرواح لمجالساته الأنيقة، ومكاشفاته العميقة، وكلماته الرقيقة، إلى درجة الإحساس أنه فيها ذو روح صوفية صافية، حضرة ولغة ومقاما» على حد تعبير نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي أكد أن مولاي اسماعيل العلوي « قدم ويقدم صورة رمزية، مثالية، ونموذجية لما ينبغي أن يتحلى به المناضل المغربي القح، الذي يمارس السياسة بنفس أخلاقي، قد يطغى، أحيانا، حتى على البعد السياسي».
نبيل بنعبد الله: الرجل قدوة حقيقية في الاجتهاد الفكري المتواصل والعمل السياسي الدؤوب
الأصدقاء الأعزاء،
بداية، أنوه بهذه الالتفاتة الكريمة، وأحيي المبادرين إليها، بل وأهنئهم على تشرفهم بالتفكير في تكريم رجل يستحق، بكل المقاييس، أن يكون محور هذه الأمسية الرائعة، اعترافا له بجميل ما أسداه من خدمات جلية للوطن، و بما كانت له من أيادي بيضاء دفاعا عن قضايا الشعب.
لقد تعرفت على الرفيق اسماعيل العلوي في بداية مشواري الحزبي، أواخر سبعينيات القرن الماضي، وأنا طالب في باريس.
كنا آنذاك طلبة منتظمين في الهياكل الحزبية والاتحاد الوطني لطلبة المغرب. وكانت باريس محطة عبور، أو مسرحا لزيارات مبرمجة، في إطار مهام سياسية لأعضاء قياديين في الحزب من الرعيل الأول، أمثال المرحومين علي يعته، عبد الله العياشي، عزيز بلال، شعيب الريفي و شمعون ليفي، أو من الجيل الثاني، إن جاز التعبير، من قبيل الرفاق إسماعيل العلوي، عمر الفاسي وعبد الواحد سهيل، أطال الله أعمارهم.
كنا ننتظر مثل هذه الزيارات بشغف كبير، ونستعد لها بحماس منقطع النظير، ونعيشها بكل الجوارح كأحداث مميزة، نتعامل معها باعتبارها مصدر تحفيز، نستمد منها شحنات قوية من الحيوية، ونستقوي بها في نضالاتنا الطلابية، وصراعاتنا السياسية، ومواجهاتنا الفكرية والإيديولوجية.
في سياق هذه الزيارات، التي كانت تشكل، بالنسبة لرفاقنا، الطلبة وغير الطلبة، المقيمين آنذاك في الديار الفرنسية، نوعا من المنشطات السياسية ( دوباج)، تعرفت، عن كثب، إلى الرفيق اسماعيل العلوي، الذي حل بين ظهرانينا مرتين أو ثلاث. وأذكر أنني، منذ اللقاء الأول، وأنا أكن له احتراما وتقديرا خاصين، لما لمسته فيه من خصال رجل المعرفة وإنسان التواضع، ومن مزايا الحرص على الإنصات للآخر، والإصرار على النضال بتفان ونكران ذات.
وتدريجيا، توطدت علاقتي بهذا الرجل المناضل، الذي كان مثار إعجاب وتقدير، أيضا، لكونه آثر الإقدام على ما كنا نسميه آنذاك، ب « الانتحار الطبقي»، حيث كان بإمكانه، بحكم موقعه الاجتماعي وتحدره الأسروي، أن يسير في اتجاه آخر، لكنه اختار الطريق الأصعب، طريق الالتزام السياسي في خندق اليسار، طريق النضال في حزب لم يكن من السهل الانتماء إليه كعضو قاعدي، فأحرى تحمل مسؤولية في الجزء العلوي من هرمه القيادي .
فقد عرفت فيه الرجل الذي كان قدوة حقيقية في الاجتهاد الفكري المتواصل، والعمل السياسي الدؤوب، وكذلك في النشاط البرلماني الواسع، إلى جانب الرفيق علي يعته، حيث أبان عن قدرة هائلة في الإنتاج التشريعي، واستعداد قل مثيله للاهتمام بقضايا الناس، وطاقة كبيرة على تحمل أعباء متابعة مشاكل المواطنين، والسعي الحثيث إلى تحقيق مطالبهم بما ينصفهم. وهذا كله، كان مثار إعجاب كبير به، كإنسان وسياسي ومنتخب.
وبعد العودة إلى أرض الوطن، منتصف الثمانينيات، تهيأ لي أن أتقلد مسؤوليات حزبية و في إطار منظمة الحزب الشبابية، قبل أن يحصل لي شرف وتكليف الالتحاق بالديوان السياسي للحزب، خلال المؤتمر الوطني الخامس المنعقد بالرباط سنة 1995.
ولما مر الحزب من فترة الاضطرابات المرتبطة باحتمال مغادرة الرفيق علي يعته لقيادة الحزب في أفق انعقاد هذا المؤتمر، والتي استمرت حتى بعد تثبيت الأمين العام آنذاك في موقعه القيادي، وجدت نفسي ضمن الذين اصطفوا، عن وعي واقتناع، بشكل طبيعي وواضح، من أجل أن تؤول مسؤولية قيادة الحزب، خلفا لسي علي، إلى مولاي إسماعيل، الذي ظل ، من جانبه، في منأى عن أي مناورة أو تهافت، مستنيرا، على ما يبدو، بمقولة « لن نسلم أمرنا لمن يطلبه».
وبالفعل، لم أسمعه قط، ولم يتناه إلى سمع أحد، أنه أفصح، لا تصريحا ولا تلميحا، عن تحفزه لاحتلال قمة الهرم التنظيمي للحزب. كان يكتفي بوضع شخصه رهن إشارة الحزب، دون المطالبة بشيء، ويترك للحزب واسع النظر.
وبعد وفاة السي علي، رحمه الله، وقع الإجماع، بشكل تلقائي، حول مولاي اسماعيل. وتمت الخلافة، رغم ما شاب الأجواء من حزن على فقدان الزعيم التاريخي، بشكل سلس وعاد. وذلكم، لأن شخصية مولاي اسماعيل، الجذابة، كانت تفرض نفسها، وتجعل منه ملاذ الجميع، باعتباره كان على الدوام يسعى، وهذا من صميم شخصيته، إلى التجميع والتوحيد.
وهكذا مارس مسؤوليته الجسيمة على رأس الحزب في الفترة ما بين 1995 و2010، حيث استطاع أن يحافظ عليه، دون التفريط في هويته، ومتجاوزا، بأقل الخسائر، هزة فقدان القائد التاريخي للحزب. وتمكن الرفيق مولاي اسماعيل، بدعم من سائر الرفيقات والرفاق، ليس فحسب من أن يصون مكانة الحزب، بل وأيضا من تطوير تمثيليته، وتوسيع إشعاعه، و تكريس انفتاحه.
وقد قدر لي، في هذه الفترة، التي تقلص فيها طاقم الديوان السياسي للحزب إلى تسعة أعضاء، كنت أصغرهم سنا، بمعنى، ربما، أكثرهم مشاكسة، حتى لا أقول أقلهم حنكة وحكمة.. قلت : قدر لي أن أعيش وأعايش، إلى جانب الرفيق اسماعيل العلوي، ورفاق آخرين، اللحظات الحرجة التي مر منها الحزب، مما يؤهلني لأغتنم هذه المناسبة، لأقول للرفيق مولاي اسماعيل، مجددا، لكن علانية هذه المرة، بأن الحزب ممتن له أي امتنان، و بأن أسمه سيظل مقترنا باعتراف الحزب له بالجميل، على ما قدم وما لا يزال يقدم. وعندما أقول الحزب، أعني جميع الرفيقات والرفاق، لكن استسمح في أن يكون لي، شخصيا، مسوغ إضافي لهذا العرفان، بحكم أنه آلت إلي مهمة خلافته كأمين عام للحزب.
وهنا أود أن أستعير من أحد الرفاق، ممن توفقوا دائما في نحت مصطلحات جديدة ومجددة، تعبيرا قاله في حق الرفيق الفقيد علي يعته، ومفاده أن هذا « الرجل الذي كان رجلا»، على حد توصيف الملك الراحل الحسن الثاني، هو قائد « يخلف ولا يعوض». أكرر: يخلف ولا يعوض» ( بضم الياءين). وهذا بالذات ما ينطبق، تماما، على حالة الرفيق مولاي اسماعيل، الذي أؤكد، من موقع المجرب، أن خلافته ما كانت ولن تكون سهلة، لأنه، كمناضل من طراز رفيع، رفع سقف أدائه وتفانيه وتضحياته عاليا عاليا، ولأنه لم يتنح تحت أي ضغط، بل اختار ، طواعية، أن يفسح المجال ويفتح الآفاق، في بادرة نادرة ضمن مشهدنا السياسي، الحزبي على الخصوص، ما يفسر الترحيب الذي لقيته داخل الحزب وخارجه.
حقيقة، حصل، أحيانا، ووجهت له انتقادات، على اعتبار أن بعضا من الأمور الحزبية كانت تتطلب قرارات حازمة وصارمة. إلا أنني أدرك اليوم، بعد مرور مسافة زمنية كافية، ومن موقع المسؤولية التي أسندها إلي المؤتمر الوطني الثامن للحزب ( ماي 2010 ) ، بأنه شتان بين العضوية في طاقم الإشراف على تسيير رحلة سفينة الحزب نحو ضفاف التقدم والاشتراكية، وبين أن تكون الربان/المسؤول الأول، المؤتمن على اتخاذ قرارات تراعي آراء الجميع مهما كانت متباينة، وتحتضن اقتراحاتهم على تنوعها، وتنصت إلى انتقاداتهم البناءة حتى وإن كانت قاسية، دون أن تغفل ضرورة الحفاظ على مواصلة السير قدما، أيا كان اتجاه الرياح، من غير تعميق لأي خلاف أو اختلاف حول هذه المسألة أو تلك القضية.
أجل، إنني أحس بثقل المسؤولية وجسامة أخذ المشعل من يدي هذا الرجل، رجل الأخلاق الرفيعة ، رجل المبادئ السامية، رجل الوفاء في إطار التجديد، الرجل الذي، خلافا لما يقال من كلام كثير عن سياسيين كثر، دخل عالم السياسة مبكرا، ولا يزال سالما كما هو الآن، ولا أقول كما خرج منها، لأنه يبقى فاعلا فيها، من موقع آخر، وعلى طريقته المميزة، ودائما بما عهدناه فيه من نزاهة، ونبل، واستقامة ومصداقية.
ولعل أسطع دليل على ذلك، أن الرفيق مولاي اسماعيل لا يذكر إلا بخير، ولا أحد يتفوه في حقه بشر. وهذا وسام يستحقه، ويؤكد على المكانة المميزة التي يحظى بها ليس فقط داخل أسرته الكريمة، التي عانت الكثير من انغماسه الكلي في العمل السياسي على حساب الالتزامات العائلية، أو في الوسط الحزبي، أو ضمن الحقل السياسي عموما، بل وفي أوساط مختلفة، من أناس بسطاء، ومثقفين، وجمعيات مدنية، ومنظمات نقابية، وطلبة وفلاحين وغير ذلك من الشرائح الاجتماعية. وبكلمة واحدة ، أستطيع القول، بغير مجاملة زائدة ودون خوف من الجنوح إلى المبالغة، أن كل من عاشر الرفيق مولاي اسماعيل، من قريب أو بعيد، إلا ويشهد له، شهادة صادقة، ومن القلب نابعة، بأنه قدم ويقدم صورة رمزية، مثالية، ونموذجية لما ينبغي أن يتحلى به المناضل المغربي القح، الذي يمارس السياسة بنفس أخلاقي، قد يطغى، أحيانا، حتى على البعد السياسي.
الأصدقاء الأعزاء،
لا أخالكم إلا تشاطرونني المعاينة التالية: حيثما حل مولاي إسماعيل وارتحل، كانت طلعته مشرقة على كل الأعين، التي تشيد بدماثة أخلاقه العالية وسجاياه الرفيعة، ومتبسمة إطلالته البهية في جميع الأوجه، التي تشهد على حداثة طباعه المغربية الأصيلة.
وفي كل العيون، وأمام جميع الوجوه، لا يشاهد الرفيق مولاي اسماعيل إلا متهلل الأسارير، طلق المحيا، بشوشا ، متواضعا، بسيطا، سمحا، منفتحا، سخيا ونقيا، يدا ولسانا.
وكم تستأنس به الأنفس، وترتاح إليه الأرواح لمجالساته الأنيقة، ومكاشفاته العميقة، وكلماته الرقيقة، إلى درجة الإحساس أنه فيها ذو روح صوفية صافية، حضرة ولغة ومقاما.
ولا غرابة، فهو موسوعة ( انسكلوبيديا) معرفية وثقافية حية، جامعة بين العمق التراثي، والأفق الحداثي، والعشق الوطني، والصدق الإنساني، الذي تربى ودأب عليه منذ أيام الصبا، والنضال، والطلب الجامعي، والبحث العلمي الأكاديمي، الذي طالما ترحل فيه ما بين براري الجغرافيات البشرية وبحار التواريخ الإنسانية، المترامية الضفاف.
لقد أعطى الرفيق مولاي إسماعيل لحزبه ووطنه فوفى، ولا يزال الخير أمام .. لا يزال حيويا دائب النشاط والحركة، يشتغل في مجالات شتى، من تنمية الأرياف، والمجال الفكري، إلى الوسط الحزبي، خاصة من خلال مجلس الرئاسة.
وكأمين عام للحزب، أظل، كما في السابق، على اتصال دائم معه. واستمر، على نحو ما كان الشأن عليه قبل تحملي لهذه الأمانة، في الاستشارة معه، وطلب النصيحة منه، باعتباره أول من أفكر، تلقائيا، في اللجوء إليه عند الضرورة. إنه، باختصار، نبراس لنا .
أيها الرفيق الأعز، مولاي إسماعيل،
باسم جميع الرفيقات والرفاق، أتمنى لك العمر المديد، ومن البذل والعطاء المزيد، في سبيل وطن موحد، ديمقراطي ومتقدم، ومن أجل شعب حر سعيد.
باسمنا جميعا، واستئناسا بلغة شاعرنا الجميل، الحاضر الآن بيننا، قلبا وقالبا، نقول لك بلسان « مليان» بالوفاء والصدق: نحبك، نعزك، ونفتخر بك في كل وقت ..وحين.
كلمة وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي
حضرات السيدات والسادة،
أود بداية أن أتوجه إلى السيدة الفاضلة ثرية الهواري، رئيسة جمعية LA MINAUDIERE DES ARTS بصادق العرفان وعميق الامتنان على مبادرتها المؤثرة هذه التي مكنتنا من هذا اللقاء الرائع.
كما أهنئها على روح الإيثار ونكران الذات التي دفعتها للتبرع بهذا الفضاء، وبمجهود شخصي دون أي دعم، لفائدة الشأن الفني والثقافي.
بتنظيمها لهذا اللقاء مكنتنا السيدة ثرية الهواري من الحديث عن إحدى قمم الوطنية والتضحية والتفاني لخدمة شعبه ووطنه، الأستاذ والأخ والرفيق مولاي إسماعيل العلوي.
مولاي إسماعيل العلوي الوطني الفذ والتقدمي الصلب الذي آمن حتى النخاع بالقيم الإنسانية للفكر الاشتراكي،
مولاي إسماعيل العلوي، أحد رجالات هذا الوطن الذين ينبعث منهم بريق مشع ونور نهتدي به من أجل تقدم وعزة وكرامة هذا الوطن،
مولاي إسماعيل العلوي الرجل الذي صار مستودعا زاخرا بالقيم النبيلة وتجسيدا يمشي على الأرض لقيم ومبادئ التضحية والإيثار، عنوانا للأمانة السياسية.
تعرفت على مولاي إسماعيل العلوي في يوم من أيام صيف 1970 بمنزلنا العائلي بسلا ليصبح، بعد شهور قليلة، الأخ الأكبر، أرافقه هنا وهناك في اجتماعاته ولقاءاته ومواعيده، في تدخلاته لدى هذه الإدارة أو تلك للدفاع عن قضايا المواطنين، وهي الفترة التي سمحت لي بالتعرف عن الشخص عن قرب وبشكل عفوي وتلقائي، وقد أتيحت لي الفرصة فيما بعد لمعرفة أداء الرجل على المستويات العائلي والسياسي والتدبيري. هو من كان وراء تعرفي وأنا طالب على كتاب بارزين ك: Gabriel Garcia Markes الكاتب الكولومبي وYacher Kamal الكاتب التركي ونجيب محفوظ وإسماعيل كاداري الكاتب الألباني وآخرين.
وكانت إبداعات ومؤلفات هؤلاء الكتاب، التي تشكل لوحات تجسد مجتمعاتهم في تعقداتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وراء تقريبي من الاهتمام بالشأن الاجتماعي والسياسي. وفي نفس الوقت لم يسبق لمولاي إسماعيل العلوي أن عرض علي الانتماء لحزبه وحزبنا. وهذه قمة النضج الفكري والبيداغوجي التي تدعو الآخرين إلى فهم ما يروج حولهم بصفة تلقائية.
فهو بمثابة مدرسة للأخلاق والالتزام، رجل عفيف اليد لم يكف عن كسب حب الناس من خلال دفء وصدق مشارعه، يسعى دوما إلى تأليف الرأي والرأي الآخر، يصنع التوافقات بعيدا كل البعد عن كل حس أناني يدفعه إلى فرض رأيه.
لكن مولاي اسماعيل هو كذلك الإنسان البسيط والمتواضع إلى درجة العفوية أحيانا، الذي يجعل من احترام الآخر مهما كان شأنه وخاصة البسطاء والمستضعفين من الناس، قاعدة لا يحيد عنها.
وهو الوطني التقدمي حتى النخاع الذي لم تثنه الحملات القمعية ولا الممارسات التضييقية ولم تغره المناصب العليا ولا مواقع التشريف عن نضاله من أجل مغرب حر أبي وعادل تسوده المساوات والديمقراطية والكرامة.
فتحية إجلال وإكبار لك أيها الأخ والرفيق العزيز والله نسأل أن يمتعك بموفور الصحة والعافية. ودمت لنا نبراساً.
والسلام عليكم ورحمة الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.