يصادف الرابع عشر من ماي من كل سنة، ذكرى احتفاء المسرحيين المغاربة بيومهم الوطني. والاحتفاء بهذا اليوم لا يتوخى فقط تعميم الفرجة المسرحية عبر مجمل تراب المغرب وتجسير اللقاء بين المبدعين المسرحيين والجمهور المغربي، بل من المفروض أن يكون محطة لتقييم الحصيلة، وطرح أسئلة يظل أغلبها معلقا، حول ظروف وشروط الممارسة المسرحية، بواعثها وجدواها والعراقيل التي تنتصب في طريقها وتحول دون بلوغها الاكتمال، والتساؤل أيضا حول وموقع الحركة المسرحية ضمن المشهد الثقافي العام في بلادنا. أكثر من عشرين عاما مرت، كان رابع عشر ماي من كل سنة اليوم الأوحد الذي يكون فيه المسرح هو الضيف وهو صاحب المكان في الوقت نفسه. لكن لحظات الاحتفال الجميلة تمضي سريعا لتتلوها أيام طوال تكشف مواطن خلل في قطار مسرح مغربي لم يكتب له أن يسير بالسرعة التي يرتضيها له فنانوه ومتتبعوه. مما لا شك فيه أن أسرة الركح كرست هذا اليوم للاحتفال سنويا بابي الفنون منذ سنة 1992، تاريخ أول مناظرة وطنية حول المسرح الاحترافي، وكان الهدف آنذاك إنصاف الفاعلين المسرحيين وخلق صناعة مسرحية مستقبلية تتوج تطورات المجتمع المغربي وتساير تحولاته الكبرى. وها نحن اليوم في قلب محطة احتفال جديدة، يقف المسرحيون المغاربة فيها وقفة تأمل وتقييم وهم يؤثثون فضاء عيدهم بأبهى الحلل الفنية وأجمل الإبداعات التي ترافقها جلسات نقاش لا نخاله سيبتعد كثيرا عن سابقيه. الكل يأمل أن لا يتحول الاحتفال باليوم الوطني للمسرح إلى شكل فلكلوري عابر يتوج بإصدار طابع بريدي أو بتكريم هذه الشخصية أو تلك، وبالتالي فهذا اليوم يجب أن يشكل فرصة للدفاع عن المسرح وممارسيه، وترويج مبادئ التربية الذوقية والجمالية للمواطن. وهو ما تشدد عليه النقابة المغربية لمحترفي المسرح التي أكدت غير ما مرة على ضرورة النهوض بالإبداع المسرحي وإحياء التقاليد العريقة لفن الركح، كما دعت إلى «خلق مؤسسة للرعاية الاجتماعية للفنانين؛ للسهر على العناية بشؤونهم المعيشية والأسرية»، حتى يتم حفظ كرامة الفنان بما يساهم في منحه «وضعا اعتباريا لائقا»، و»الإسراع بمراجعة قانون الفنان بما يفيد فاعليته في تأطير المسرح وفنون العرض بشكل يضمن كرامة الفنانين ويوفر لهم قواعد مهنية تناسب خصوصية اشتغالهم ويحمي حقوقهم المادية والمعنوية». نتمنى صادقين أن يسهم ما تقوم به النقابة والوزارة الوصية على قطاع الثقافة ببلادنا في تعبيد الطريق أمام مستقبل واعد للممارسة المسرحية، عبر إعداد وتهيئ خطة وطنية لتأهيل الممارسة المسرحية وجعل المسرح يتبوأ المكانة التي يستحقها في المشهد الثقافي الوطني من خلال المطالبة ببناء مسارح لائقة بممارسة أبي الفنون، وإحداث معاهد للفن الدرامي في كل جهات المملكة وتنظيم مهرجانات تكتشف المواهب الشابة في مختلف مهن المسرح وتكريم رجالاته في حياتهم قبل مماتهم٬ ناهيك عن بلورة سياسة ثقافية عامة للنهوض بهذا الفن الراقي وجعله رافعة تساهم في مسلسل التنمية التي انخرط المغرب فيها. لكن، إلى ذلك الحين، يبقى سؤال مستقبل المسرح المغربي مطروحا بحدة، وبحاجة إلى إجابات كفيلة بجعل الممارسة المسرحية ترتقي إلى مستوى طموح رجالها ونسائها. فمن العبث الاعتقاد أن العرض المسرحي مجرد فرجة، في الوقت الذي يشكل فيه المسرح من خلال مناهجه وبرامجه وما يقدمه من عروض مدرسة توعية ورقي اجتماعيين. ونحن نحتفل باليوم الوطني للمسرح يجب علينا استحضار المسرح كحاجة اجتماعية، تناصر المغلوبين، وتحارب التضليل والاتجاهات المتطرفة في السلوك والقول، وتسهم في التنمية. وهو ما يفرض جعل هذا اليوم احتفالا حقيقيا بالفنان، واهتماما فعليا بقوانينه وأوضاعه المهنية والاجتماعية والاعتبارية، وتفعيلا لإجراءات رعايته ولتدابير احترام إبداعه، وذلك بدءا بتفعيل مضامين الرسالة الملكية الشهيرة للمناظرة الوطنية التي باتت تبعد عنا اليوم بزمن فاق العشرين سنة، والتي بسببها وبفضلها أحدث هذا اليوم الوطني. وفي انتظار ذلك، نقول لأسرة الركح.. كل 14 ماي ومسرحنا المغربي وممتهنوه بألف خير وتقدم.