سيطرت أخبار «التشرميل» على عناوين الصحف في الأيام الأخيرة، وشاع الحديث بين مختلف فئات المجتمع حول الجريمة في الدارالبيضاء، وتولد إحساس عام كما لو أن كارثة أمنية أصابت البلد بأكمله، وفي نفس الوقت برز من ينبه إلى ضرورة توخي الحذر، والانتباه إلى كون أشياء غير مفهومة قد تكون وراء كل هذا الترويع «الفايسبوكي» للساكنة البيضاوية. فعلا، الدارالبيضاء تعاني من مشاكل عديدة على مستوى الأمن بكثير من أحيائها وشوارعها، وهذا كتبناه أكثر من مرة، وتكلم عنه كثيرون غيرنا، لكن ما يحدث منذ أيام، وتعمد البعض ممارسة نوع من التطبيع من أخبار «التشرميل»، يدفع إلى الاعتقاد كما لو أن في الأمر حكاية ما لا تروم الدفاع عن كازا وأهلها، وإنما قد يكون الهدف هو الدفع بهما وبالبلاد كلها نحو مآلات أخرى أكبر بكثير من «التشرميل» وصور فتيانه. إن مدينة ميتروبولية مثل الدارالبيضاء، وبلادا مثل المغرب يعيشان ضمن تحولات مجتمعية كبرى، ولا شك أن لذلك تداعيات ومخلفات على مستوى القيم والسلوكات والظواهر والعلاقات، ومن ثم، فإن تنامي الجريمة يتطلب اليوم انكبابا جديا وعميقا بغاية الفهم، ومن أجل بلورة مخططات ناجعة للمواجهة، ولتوفير الأمن والطمأنينة للسكان والزوار والمستثمرين والسياح. هنا، وبقدر ما أن التعاطي الأمني يبقى غير كاف، فإنه أيضا ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه، ذلك أن للمواطنات والمواطنين حقا على الدولة لأن تضمن لهم أمنهم بواسطة قواتها العمومية، وهذه الأخيرة يجب أن تكون شرطة قرب في علاقتها بالناس، ومنخرطة في عصرها وتتكلم لغة الأجيال الحالية، وتتمثل مختلف التحولات الجارية في المجتمع وفي العالم. لا بد أن تتعزز طبعا التغطية الأمنية على مستوى مختلف أحياء ومناطق الدارالبيضاء، ولا بد لعناصر الأمن الوطني أن تتوفر لهم الظروف المادية والاجتماعية والمعنوية التي تقوي كرامتهم وتحفظ هيبتهم واعتبارهم، ثم لابد أن تمتلك المصالح الأمنية كافة وسائل العمل والظروف اللوجيستيكية والمهنية الضرورية للقيام بأعمالها وتدخلاتها بنجاعة وحرفية، فضلا عن التكوين المناسب والمهارات التقنية والمعرفية الضرورية... وعلاوة على كل هذا، يجب تعزيز التخليق داخل الإدارة الأمنية، وفق مقتضيات مبدأ المسؤولية والمحاسبة، وتعزيز الانفتاح على المواطنين، والتواصل مع المجتمع، وذلك ضمن استحضار الأفق العام الذي كرسه الدستور الحالي، وتقتضيه دولة القانون والمؤسسات. التأكيد هنا على أهمية دور المصالح الأمنية ينطلق من الوعي بأن تحقيق الأمن لن يتم بالكلام، وإنما بواسطة الشرطة أولا، ولهذا يجب أن تتوفر لها الإمكانات للقيام بذلك، ولكن في نفس الوقت نحن لسنا من دعاة الدولة البوليسية المنغلقة، ونعتبر أن الانتصار في هذه المعركة يتطلب اعتماد الالتقائية، وتكامل السياسات العمومية، خصوصا ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن أهمية انخراط كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرة ووسائل الإعلام. اليوم صرنا نشاهد ونسمع كثير أشياء جديدة، حيث الجرائم ترتكب ببشاعة، وبواسطة سيوف الساموراي والسكاكين الكبيرة الحادة والعصي الكهربائية والبخاخات، كما أن الاعتداءات صارت تتم أيضا داخل المؤسسات التعليمية ضد المدرسين، وفي محيطها ضد التلميذات، وبين الأصول داخل المنازل، بل لقد استهدفت شاحنة لنقل الأموال في طنجة مؤخرا، وتم الاعتداء على مؤسسات بنكية ومصالح إدارية، وهذه كلها ظواهر لم تكن مألوفة من قبل في مجتمعنا. قد يكون الهدر المدرسي وتنامي أعداد العاطلين والمنحرفين والتفكك الأسري من ضمن العوامل المساعدة على تفاقم الظاهرة، وقد يكون لانتشار استعمال الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي دور أيضا، وقد نكون في حاجة لتسريع وتيرة إصلاح سياستنا الجنائية ومنظومتنا العقابية، وتطوير المؤسسة السجنية وإدماج السجناء في المجتمع، ولكل هذا، لابد اليوم أن تتدخل جهات أخرى للتشخيص الدقيق، ولاقتراح الحلول، مثل الباحثين الأكاديميين والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام، وذلك بغاية إعمال منظور شمولي وتكاملي للمعالجة، وحتى يتوفر لشعبنا الأمن، وأيضا حماية سلامته الشخصية وممتلكاته وحريته. أما ما يتعلق ب «التشرميل» فجميعنا في حاجة إلى تمتين يقظتنا وانتباهنا إلى ضرورة الدفاع عن صورة بلادنا واستقرارها العام، وعن صورة الدارالبيضاء ضد كل من يستهدفها حقيقة أو افتراضا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته