وأنا أتجول بين مكتبات الأحباس بالدار البيضاء، أثارت انتباهي إحدى هذه المكتبات وقد علق صاحبها على الواجهة الزجاجية لافتة تحمل العبارة الآتية: لا نبيع الكتب المدرسية. وتساءلت حول السبب الذي حدا بصاحب هذه المكتبة إلى الامتناع عن المتاجرة في المقررات الدراسية، في الوقت الذي يتهافت فيه التجار هذه الأيام على عرض هذه السلعة، بالنظر إلى رواجها المضمون. العديد من المكتبات ودور النشر تعتمد بنسبة كبيرة على الكتب المدرسية للحفاظ على نشاطها التجاري. ومن المكتبات ما تعمد إلى إغلاق الجناح الخاص بكتب الثقافة العامة، بالموازاة مع الدخول المدرسي؛ مما يدل على أهمية هذا الموسم في الحفاظ على توازناتها المالية. لو اعتمدنا فقط على كتب الشعر والخواطر، لكنا قد أغلقنا الحانوت من زمان.. يقول أحد الكتبيين. لكن الكتبي الذي امتنع عن عرض المقررات الدراسية، يقدم دليلا على أنه ليس كل من يمارس التجارة، يسعى إلى الربح المادي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتجارة المنتوج الثقافي والمعرفي، غير أنه من المفروض أن يكون لديه مصدر عيش آخر للحفاظ على استمراريته. ولكن ما الذي حدا به إلى أن يمتنع عن عرض سلعة الكتب المدرسية، بالرغم من رواجها المضمون؟ هناك احتمالان: إما أنه لا يطيق صداع وزخم طلبات التلاميذ وأوليائهم التي لا تنقطع طوال فترة الدخول المدرسي، بمعنى: باغي التقار، حسب التعبير الدارجي، وإما أنه غير ملم بعالم الكتاب المدرسي وتقلباته. لنفرض أنه لم يضع تلك اللافتة التي تشير إلى أنه لا يبيع الكتاب المدرسي، كيف سيكون حاله؟ من دون شك أن الأسئلة ستظل تتقاطر عليه في كل لحظة وحين إلى حد البهدلة، وهو أصلا لا بد أنه لم يقرر أن يعلق تلك اللافتة إلا بعد أن عانى من ترديد الجواب ذاته: لا نبيع هنا الكتب المدرسية.. لا نبيع هنا الكتب المدرسية.. لا نبيع.. واش عندك مقرر السنة أولى كذا؟ لا ما كنبيعوش الكتب المدرسية.. واش عندك النشاط العلمي كذا.. لا لا مكنبيعوش الكتب المدرسية.. واش عندك رواية محاولة عيش لمحمد زفزاف.. لا مكنبيعوش الكتب المدرسية.. واش.. واش.. واش..وما إلى ذلك من الأسئلة الحائرة والقلقة. المخيف أن يأتي يوم نجد فيه على واجهات كل المكتبات، سواء خلال فترة الدخول المدرسي أو على امتداد الأيام والشهور، عبارة مضادة لتلك التي علقها ذلك الكتبي الذي لا يحب المتاجرة في الكتب المدرسية. عبارة واحدة: لا نبيع سوى الكتب المدرسية. أو بتعبير آخر: نبيع الكتب المدرسية فقط لا غير.