لماذا هذا المقال؟ هو محاولة أولى، للتفكير في قضايا ومشكلات واقعنا الاجتماعي والثقافي والسياسي، وفي الحقيقة هو رد على أولئك الذين يستغلون واقع ثقافة المجتمع في تحقيق أهدافهم غير المشروعة، عبر تجيش أنظمة التواصل ومحاصرة المتلقي في نسق اللا إثبات. إن نداء وشعارات الخطاب التعميمي متعددة وتتخذ صيغا متنوعة، وهي ليست مجرد شعارات وتنميقات خطابية بل خطابا ممنهجا لحشد الرأي العام وتوجيهه لخدمة مصالح فئات معينة. إن شعارا مثل الشعب يريد إصلاح الأستاذ فيه نوع من التوظيف المغرض وغير المتزن، بل هو تنميط وقولبة لشخص الأستاذ في قالب محدد، فإضفاء كل الصفات المتناقضة مع قيم المجتمع على شخص الأستاذ عبر استغلال بعض الحالات هنا وهنالك تعطي في الغالب مفعولها في ضرب وتشويه صورة الأستاذ الرمزية. إن مسلسلات الخطاب التعميمي متعددة في هذا المجال، فالكل في المجتمع أصبح بقدرة قادر أستاذ، ففي الأسواق الأسبوعية الكل ينادي من هب وذب باسم الأستاذ، وأصبح هذه الشخصية المفهومية محط التنكيت والسخرية، بل صوره المجتمع في كثير من الأحيان كغول لا يرحم، فهو المغتصب، والعنيف، والمستغل جنسيا وغيرها من الصفات القدحية التي لا تعبر عن حقيقة هذه المهنة الشريفة. وبالطبع، إن هذا الفكر التعميمي ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة عمل ممنهج دام لعدة سنوات لعبت في السلطة وجزء من السلطة الرابعة دورا محوريا، عبر طمس الحقيقة وإغراق المتلقي في أساليب البلاغة، أي فيما هو تافه، وكما كتب "أمبرتو إيكوU.Eco " إن المتلقي يمنح للكلمات، بثقة غير مبررة " التزاما عاطفيا أكثر مما يمنحها اتفاق عقليا"، وهكذا فبعض الصحافيين يحاصرون المتلقي بالعبارة الموزونة ويركزون على الجوانب العاطفية دون التفكير في الجوانب العقلية التي من شأنها وضع المتلقي في الصورة كما هي، وهم بذلك يستغلون بنية ثقافية تجعل من الإشاعة والحالات الخاصة مجالا للتعميم وخندقت الكل في قالب واحد. نعود مرة أخرى ونقول، إن الخطاب التعميمي ليس مسألة بسيطة كما يظنها البعض بل هي قضية محورية تستوجب محاربتها بكل الأشكال والطرق، وإستراتجية تنتج الواقع في غليانه، فالسلطة تجعل من التعميم آلية للتحكم في المجتمع وتقويض كل محاولة للتغير، فالمجتمع يعتبر الكل فاسد بما فيها الأحزاب، النقابات، الأساتذة، والجمعيات...، وهذا فيه نوع من الإحباط والتيئيس للمجتمع. تبرز خطورة الخطاب التعميمي كذلك في كونها آلية تخضع الفرد لمنطق الضمير الجمعي، فالفرد الذي يرفض تعميمات المجتمع يصبح محط شك، ومحط قهرية الظاهرة الاجتماعية، بل أنه بدوره يصبح ضحية للخطاب التعميمي، وهذا شكل أخر من الإقصاء التي يمارسها بعض رموز السلطة الرابعة، فهي تتحين الفرص وتصطاد في الماء العكر لإثبات أفكارها المغرضة. وثمة طريق أخرى لتسويق الخطاب التعميمي، فالإعلام الرسمي يشكل قاعدة ومنبرا لهذا الخطاب، ولنتأمل بنية خطاب كل الفاعلين السياسيين في المغرب، فهم عودونا على الحديث باسم الشعب وليس باسم الذين وضعوا فيهم الثقة ، ودائما تصادفنا كلمت الشعب المغربي يريد ويتفق ويجمع، وهذا في كثير من الإقصاء للآخر، أي الذين لم يصوتوا على اتجاه سياسي معين، وكذا الذين لم يشاركوا في الانتخابات. إن من يتحدث عن نفسه ونيابة عن غيره، لا يعدو أن يكون إلا دجالا محترف للكذب والمناورة والشعارات، بل أن الحديث باسم الآخرين لا تتضمن الشعارات الفارغة فحسب، بل تجسد سلسلة من الإقصاءات والتهميش والعنف، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار الفرق والتعدد والاختلاف. إن كرامة الصحافي و المثقف والفاعل السياسي تتجلى في الحديث فقط عن الحالات الخاصة وأن يتكلم باسمه الخاص، لأن الشعب لم يفوضه صفة الحديث باسمه، بحيث من ينتحل هذه الصفة لا يساهم في بناء المجتمع بالقدر الذي يساهم في طمس الحقيقة والتشويش المتعمد وذلك عبر التوجيه المغرض للرأي العام .