مرة أخرى، فشلت وسائل الإعلام الاسبانية في أداء واجبها المهني المتمثل في تنوير الرأي العام وتقديم تغطية متوازنة وغير منحازة عن المغرب. فإذا كانت وسائل الإعلام الاسبانية قد اعتادت على مدى السنوات والعقود الماضية على تقديم تغطية منحازة ومشوهة عن المغرب في مجموعة من القضايا، سواء تعلق الأمر بالهجرة، أو تهريب المخدرات أو احترام حقوق الإنسان أو الديمقراطية في المغرب أو في مسألة الصحراء، فإنها هذا المرة خطت خطوة غير مسبوقة في تجاهلها التام للقواعد الأخلاقية والمهنية. يوم الاثنين 8 تشرين الثاني/نوفمبر، قررت الحكومة المغربية تفكيك مخيم غير قانوني كان يضم حوالي 12000 شخص (20000 حسب وسائل الإعلام الاسبانية والبوليساريو) كانوا يحتجون على تدهور أوضاعهم المعيشية وعدم توفرهم على سكن، وهو الحدث الذي تم تسييسه من قبل وسائل الإعلام الاسبانية وتقديمه باعتباره احتجاجاً لسكان العيون على الحكم المغربي في الصحراء. كما قد يحدث في أي بلد في العالم، واجه هذا القرار معارضة شديدة من قبل بعض العناصر، الذين تسللوا إلى المخيمات، وعقدوا العزم على مواجهة قوات الأمن المغربية، التي تلقت تعليمات بعدم فتح النار وتفكيك المخيم بطريقة سلمية. وللأسف، تسبب تفكيك المخيم في اشتباكات عنيفة بين الشرطة المغربية وبعض أولئك الذين كانوا في المخيم، مما أسفر عن عدد من الإصابات وعن مقتل عشرة من عناصر الأمن المغربي بشكل وحشي على يد عملاء البوليساريو. في وسط هذه الفوضى، كما هو الحال دائما في هذا النوع من الحالات، لا يمكن لأحد أن يعرف بالضبط عدد الضحايا على الأرض، لأن كلا الطرفين (جبهة البوليساريو والمغرب) كانا يقدمان روايتهما للأحداث. وفي هذه الحالة، يكمن دور وسائل الإعلام في إعطاء قراءة متوازنة وغير منحازة للأحداث والحرص على أن تكون تغطيتها نزيهة، وألا تؤيد وجهة نظر أي من الأطراف المعنية، بما أن الميل لأي طرف من الطرفين يعتبر غير أخلاقي ويضر بمصداقيتها. غير أن وسائل الإعلام الاسبانية اختارت ألا تلتزم بأي قاعدة أخلاقية أو مهنية في تغطيتها للأحداث الأخيرة التي اندلعت في العيون. ففي جهدها الرامي إلى خدش صورة المغرب وتغذية مشاعر الكراهية والسخط ضده بين الرأي العام الإسباني وإقناعه، مرة أخرى، 'بوحشية' الحكومة المغربية في تعاملها مع الصحراويين، قامت صحيفة 'الباييس' وصحيفة 'اي بي سي'، وكذلك وكالة الإنباء الاسبانية (إفي) وقناة التلفزيون (انتينا 3) بالترويج لصورة طفلين أصيبا بجروح خلال واحدة من الهجمات الإسرائيلية على غزة في حزيران/يونيو 2006، وزعمت بأنهما من بين ضحايا تفكيك المخيم والسلوك 'الهمجي' لقوات الشرطة المغربية. ولم تتوقف هذه التغطية الوقحة لوسائل الإعلام الاسبانية عند هذه الاتهامات الباطلة، إذ ذهبت قناة (أنتينا 3) إلى حد إظهار صورة لأسرة مكونة من أربعة أشخاص قتلوا في شهر كانون الثاني/يناير الماضي في الدارالبيضاء، وادعت، مرةً أخرى أنهم من بين ضحايا التدخل 'العنيف' لقوات الأمن المغربية في العيون. وفي الوقت الذي قامت قناة أنتينا3، بعرض صور كاذبة لإثبات ادعاءاتها ضد المغرب، بأن هناك عشرات من القتلى وأكثر من أربعة آلاف جريح، لم تقم بإظهار صورة واحدة لأفراد الشرطة المغربية الذين ذُبحوا من قبل بعض مثيري الشغب الذين تسللوا إلى المخيم لخدمة الأجندة السياسية للجزائر، وجزء من الرأي العام الاسباني همه الوحيد هو زعزعة الاستقرار في المغرب مهما كان الثمن. كما أنها لم تكلف نفسها عناء ذكر عدد القتلى والجرحى من بين قوات الأمن المغربية الذين شاركوا في تفكيك المخيم. صحيح أنه بعد الضجة التي أثارتها هذه الادعاءات الكاذبة في المغرب، قدمت وكالة الانباء الاسبانية (إفي)، اعتذارها عن عدم التحقق من مصادر معلوماتها، لكن، هل يمكننا أن نلتمس للوكالة العذر، ونفترض أنها كانت ضحية اندفاعها وتسرعها في تقديم صور وأخبار جديدة للرأي العام حول الأحداث الجارية في العيون؟ أم يجب أن نفترض بالأحرى أن الوكالة، بالإضافة إلى غيرها من وسائل الإعلام الاسبانية، عرضت هذه الصور مع سبق الإصرار والترصد، بهدف تشويه صورة المغرب على المستوى الدولي؟ مع الأخذ في الاعتبار الطريقة المنحازة التي تتعامل بها دائما وسائل الإعلام الاسبانية مع القضايا ذات الصلة بالمغرب (منذ عهد فرانكو وطوال الفترة الاستعمارية)، واستعداد الرأي العام الاسباني لقبول أي ادعاء حول المغرب باعتباره حقيقة مطلقة، ليس لدي شك في أن الفرضية الثانية تقترب أكثر إلى الحقيقة من الأولى. في الواقع، فإن الهدف الأسمى لأولئك الذين قاموا بإشاعة هذه الصور وتقديمها على أنها نتيجة الهجوم العشوائي لقوات الشرطة المغربية على سكان المخيم، هو بالضبط تشويه المغرب وتصويره على أنه دولة مارقة ليس لديها أي اعتبار ولا احترام لحياة وكرامة الإنسان. ولعل العقول المدبرة لهذه الدعاية وحملة التضليل المؤيدة لجبهة البوليساريو تدرك جيداً أن عدداً قليلاً جدا بين أولئك الذين يسمعون هذه الادعاءات الكاذبة، سوف يقومون بتغيير رأيهم بعد قراءة أو سماع أو رؤية أدلة دامغة ترفض تلك الادعاءات. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة ولاية أوهايو بعنوان 'من الصعب تبديد تصديق الشائعات' 27 تشرين الاول/ أكتوبر 2010، حول شائعات كاذبة في ما يتعلق بإنشاء المركز الثقافي الإسلامي بالقرب من مركز التجارة العالمي في نيويورك. فقد توصل كل من Erik Nissbet و Kelly Garret ، معدي الدراسة، إلى استنتاج مفاده أن 'أقل من ثلث الأشخاص الذين صدقوا من قبل واحدة من الشائعات الكثيرة حول المركز المقترح، غيروا رأيهم بعد قراءة أدلة دامغة ترفض تلك الشائعات'. كما كان الحال دائما عندما يتعلق الأمر بالتغطية المتعلقة بالمغرب، كان لوسائل الإعلام الاسبانية هدف واحد فقط، ألا وهو توجيه انتقاد شرس للحكومة المغربية، ونبذ المغرب باعتباره بلداً يؤوي نظاماً 'قمعياً وشمولياً ودكتاتورياً'، وتحقيق تضامن أوسع للرأي العام العالمي مع طرح جبهة البوليساريو. ولعل وسائل الإعلام الإسبانية اعتبرت أن تقديم اعتذار يعتبر الثمن التافه الذي يجب أن تدفعه في سعيها غير الأخلاقي وغير النزيه لإيذاء صورة المغرب. وأخذا في الاعتبار الوقع المروع الذي تركته هذه الصور في عقول الناس، فليس هناك شك في أن وسائل الإعلام الاسبانية قد وصلت إلى الهدف المنشود، ببساطة لأن الاعتذارات لن تجدي في محو تلك الصور من مخيلة الناس. ومما يعزز طرح التحيز الصارخ الذي اعتمدته وسائل الإعلام الاسبانية في ما يتعلق المغرب، النسيان الجماعي لمصير مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قائد شرطة البوليساريو، الذي بعد أن صرح في آب/أغسطس الماضي أثناء زيارة عائلية لأسرته في الصحراء، أن خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب يمكنها أن تكون الحل الأمثل لوضع حد لنزاع الصحراء، تم اعتقاله من قبل جبهة البوليساريو، بينما كان في طريق عودته إلى مخيمات تندوف. ولعل المرء يصاب بالذهول إزاء الصمت المطبق من قبل وسائل الإعلام الاسبانية حول هذا الموقف القمعي الذي اعتمده زعماء جبهة البوليساريو، والذي ندد به العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية. وتتناقض هذه الحالة بشكل صارخ مع الطريقة العدوانية التي غطت بها وسائل الإعلام الاسبانية قضية أمينتو حيدر، التي تم تجريدها من جواز سفرها المغربي وترحيلها إلى لاس بالماس في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بعد أن صرحت في مطار العيون أنها ليست مغربية وأن المغرب 'يحتل' الصحراء. مباشرة بعد هذا الحادث، لم تدخر وسائل الإعلام الاسبانية أي جهد من أجل التأكيد على عدم احترام المغرب لحقوق الإنسان في الصحراء وعدم شرعية وجوده في هذه المنطقة، مطالبين الحكومة الاسبانية والمجتمع الدولي بالضغط على المغرب من أجل قبول العودة غير المشروطة لأمينتو حيدر إلى المغرب ودفعه إلى الالتزام بالقانون الدولي في ما يتعلق بالنزاع حول الصحراء. ليس هناك شك في أن الصحافة العادلة وغير المنحازة، إلى جانب المغرب، هي أكبر ضحية لحملة التشويه المدبرة من قبل وسائل الإعلام الاسبانية التي أظهرت للعالم مدى افتقارها إلى الأخلاق المهنية واستهتارها السافر بالمعايير الحرفية في تغطيتها الإعلامية لجارها الجنوبي. سمير بنيس عن جريدة القدس العربي