لحسن أمقران – أنمراي / تنجداد بعد نيل حكومة العدالة و التنمية ثقة البرلمان المغربي و المصادقة على البرنامج الحكومي،تباشر السلطة التنفيذية الجديدة مهامها رسميا و تعمل على الوفاء بما قطعته على نفسها من تغيير و إصلاحات ينتظرها الشعب المغربي بشغف كبير،وذلك من خلال توجهات كبرى سطرها الحزب و حلفاؤه السياسيون.سنكتفي في هذا المقام بالتوجه الأول بحكم كونه الذي يهم موضوع الأمازيغية كإحدى القضايا الوطنية التي استأثرت باهتمام الرأي العام الوطني بل و الدولي. للتذكير، فالتوجه الأول هذا سمي ب"تعزيز الهوية الوطنية الموحدة و صيانة تلاحم و تنوع مكوناتها و الانفتاح على الثقافات و الحضارات".إذا، لقد كان تناول مسألة الهوية - كما هو معتاد- تناولا سطحيا يفتقر إلى الموضوعية و الجرأة اللازمة، و هو موقف غير جديد و عهدناه من "الإخوان"، فالهوية تتجاوز مسألة العرق و الدين و اللغة، والهوية الحقيقية هي هوية الأرض التي تأوي هذا الشعب أو ذاك بغض النظر عن الانتماءات و المحددات الأخرى. لم يفوت الفريق الحكومي الفرصة دون أن يذكرنا بمسألة التعدد الذي نعيشه قبل أن نسمع به، تعدد مكونات الهوية من عربية – إسلامية وأمازيغية و صحراوية حسانية، إضافة إلى الروافد الإفريقية و الأندلسية و العبرية. كل ذلك حق أريد به باطل و مجرد نهج ملتو في تحديد هوية المغاربة كما ينطق بها التاريخ و الجغرافيا. لا ندري إلى متى سنتخلص من الاستثناء المغربي الذي وشمنا به في كل شيء؟؟ فالنموذج المغربي للهوية كهوية مميزة و متعددة هو ما ستعمل حكومتنا على الحفاظ عليه و ضمان إشعاعه مع ضمان الوحدة و صيانة التنوع و ترسيخ القيم الوطنية، كلام جميل و معسول لكنه متشابه يحتمل التأويل و ينطوي كثير من التساؤلات و التفسيرات المتناقضة. في مسألة المرجعية الإسلامية للدولة، تلتزم الحكومة بصيانتها من خلال تشجيع القيم الأخلاقية من قبيل التسامح و الاعتدال و دعم الخطاب الديني و قيم المواطنة، لا بد من التذكير أن مسألة القيم و إحياءها حتمية لا تقبل المساومة أو التأجيل، فأزمة الأخلاق و القيم هي أول شبح يهدد استقرار المجتمعات، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفق خطة وطنية شاملة و واضحة المعالم تشارك في وضعها كل الأطياف المغربية و تتم بلورتها من خلال المؤسسات الرسمية دون مزايدات من أي طرف قد يزعم أحقيته أو أهليته للخوض في هذا المجال دون غيره. أما دعم الخطاب الديني فيجب أن يتم خارج العمل السياسي الضيق و وفق مقاربة تبسيطية تتغيى مساعدة المغاربة على فهم دينهم دون أي أيديولوجية لغوية أو عرقية منبوذة ،تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص واحتراما لقدسية الرسالة الربانية. في موضوع اللغة العربية، تتعهد الحكومة بتطوير و تنمية استعمالها مع وضع قانون خاص بها إلى جانب إرساء أكاديمية اللغة العربية و توفير شروط اشتغالها، كلها خطوات حميدة محمودة، فاللغة العربية في حاجة إلى تطوير حقيقي، علمي و أكاديمي. أما تنمية و تشجيع استعمالها بدلا عن لغات أجنبية فهو مطلب شعبي. إلا أن ما يتخوف منه الكثيرون، هو أن تكون هذه الإجراءات قد تتم على حساب اللغة الرسمية الأخرى أو عبر سن نصوص قانونية إجبارية تستهدف اللغة الأم للمغاربة في شخص الدارجة المغربية و اللغة الأمازيغية أو تجرم عدم استعمال هذه اللغة بدلا عن تلك. نثمن هذه الخطوات و نتمنى أن تلتزم بها الحكومة بعيدا عن كل المزايدات و المواقف الاقصائية و المتشددة. في باب اللغة الأمازيغية، تلتزم الحكومة المغربية بتفعيل طابع الرسمية عبر قانون تنظيمي يتناول كيفيات إدراجها في الحياة العامة و صيانة المكتسبات، كل ذلك وفق جدولة زمنية تراعي المجالات ذات الأولوية. هنا لامناص من التذكير أن ربط تفعيل رسمية الأمازيغية بقانون تنظيمي كان و لايزال محل تحفظ من جانب الفعاليات الأمازيغية لما ينطوي عليه ذلك من شرعنة لسياسة التسويف و التأجيل و المماطلة.فإدراج الأمازيغية لن يتم إلا بالتدرج، إلا أن خطوات بسيطة نعتبرها مجرد تعبير عن حسن النوايا لم تصدر عن حكومتنا لحد الساعة، و من ذلك علامات التشوير و كتابة واجهات المؤسسات العمومية و الخاصة باللغة الأمازيغية كخطوة لإعداد المواطن المغربي للتصالح مع لغته و تاريخه العريق، و المسألة لا تتطلب لا اعتمادات مالية كبيرة و لا إمكانيات تقنية هائلة. فيما يهم المجالات ذات الأولوية، يأتي قطاعا الإعلام و التعليم في المقدمة، يليهما قطاع العدل و الصحة، فالإعلام و التعليم هما السبيل الأسلم لتأمين انفتاح سلس للمجتمع المغربي على رسمية الأمازيغية و إنجاح هذا الورش المجتمعي الكبير. و لا حاجة أن نذكر أن الأمازيغية سواء في التعليم أو الإعلام سجلت تراجعات مهولة مردها غياب المراقبة و التتبع و التعاطي غير المسؤول مع المسألة مما يجعلنا ندق ناقوس الخطر في ما يخص التزام الدولة بما تعهدت به سابقا. إلى ذلك تلتزم الحكومة باعتماد منهجية تشاركية مما يحتم علينا تذكيرها أن الهم الأمازيغي تتقاسمه عدة جهات و لم يكن يوما امتيازا لطرف واحد و وحيد، فالهيئات و المنظمات و الجمعيات الأمازيغية من أهم الفاعلين في الساحة الأمازيغية و يملكون رؤى و أفكارا ثمينة حول الصيغ المثلى لإدماج الأمازيغية. أما فيما يخص تعزيز دور المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و مراجعة اختصاصاته في ظل الإحداث المرتقب للمجلس الوطني للغات و الثقافات،فالجميع يعلم أن المعهد رغم المجهودات الجبارة لأطره و الانجازات الأكاديمية الكبيرة لهم، يبقى بعيدا عن طموحات و انتظارات الامازيغ، و قد يكون العيب في اختصاصاته و المهام المنوطة به حيث أنه يعجز في كل مرة عن الإدلاء بمواقفه تجاه وضعية الأمازيغية في القطاعات ذات الصلة مما يستدعي مراجعة عاجلة لهذه الاختصاصات و منحه صلاحيات أكثر و استقلالية أكبر إن نحن أردنا السير بالامازيغية إلى الأمام. في شق النهوض بالثقافة و الإعلام و تقوية جهودهما في التنمية و التحديث، اعتبرت الحكومة هذا المشروع أولوية لتعزيز الهوية و الانفتاح و ذلك عبر نهج سياسة القرب و تعميم البنيات و صيانة التراث الثقافي و الطبيعي و من تم تعزيز حكامة الشأن الثقافي و تحديث تدبيره و مراعاة البعد الجهوي و العناية بالمبدعين و مرافقة الشباب و تشجيع الإنتاج الوطني، كلها أمهات أفكار تحتاج إلى كثير من العزيمة و الجرأة، فالمواطن المغربي لا يزال يحس بوجود مغرب نافع وآخر منسي، و الإعلام الوطني ينحصر داخل مثلثات و محاور معروفة لا داعي لذكرها، و التراث الثقافي يتعرض للفلكلرة و التبخيس و التهميش في مقابل تشجيع و تثمين مكون معين و جعله رمزا للمغرب في المحافل الدولية في تناقض صارخ مع "النموذج المغربي" في التعدد و التنوع. أما التراث المادي المغربي فهو آخر ما تفكر فيه الجهات الوصية ببلادنا، ها هي القصور و القصبات و المآثر التاريخية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، هاهي الحفريات و الحقول الاركيولوجية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ تتحول إلى مقالع للتزود بالحجارة. أما الشأن الثقافي فهو مجال ليس للموهبة و الإبداع بقدر ما هو ميدان للعلاقات و الولاءات، في حين يظل المبدع المغربي يعاني في صمت. أما مسألة الشباب فحدث و لا حرج، فالوزن لا يصنعه إلا الأنساب و الطبقة الاجتماعية في كثير من الأحيان. فيما يخص الإنتاج الوطني فلنقل بكل صراحة أن قنواتنا الوطنية لا نتعرف عليها إلا من خلال "اللوغوهات" من كثرة المنتوج الوافد. لنعد و نقل أن تعزيز الهوية في الإعلام الوطني لن يتأتى إلا من خلال المصالحة مع واقع و تاريخ المغاربة و ثقافتهم الشعبية و موروثهم الغني. فالمغاربة يستحقون إعلاما ديمقراطيا و مسؤولا يعكس التعدد و التنوع ويخدم الهوية المغربية و يكون سبيلا إلى التنمية المنشودة. في باب قطاع الاتصال، تلتزم الحكومة بتوفير حكامة جيدة و تشارك فعلي و تعميم التعاقد مع المؤسسات و تطوير قانون الصحافة علاوة على تطوير نظام الدعم للصحافة المكتوبة ثم تحسين الأوضاع المهنية للعاملين بالقطاع، إلى جانب مراجعة دفتر التحملات في قطاع السمعي-البصري و عقود برامجها و تنويع العرض عبر فتح قنوات جديدة مع ضرورة تصدير الإنتاج الدرامي الوطني و تطوير قطاع الإشهار. إن أزمة المؤسسة المغربية تتجلى في غياب الحكامة الجيدة، و نتمنى أن يكون إرساء هذه الحكامة أولوية في كل القطاعات بدون استثناء لكونها السبيل الوحيد نحو التغيير الذي ينشده المغاربة. فهذه اللفظة وظفت نظريا بما فيه الكفاية وليتها تطبق عمليا بالقدر نفسه. إن الإعلام الوطني في حاجة إلى تحرير حقيقي، تحرير المؤسسات من اللوبيات الضاغطة ثم تحرير العقليات من عقدها النفسية الكثيرة و التبعية العمياء عبر تكوين جيل جديد من الإعلاميين تتوفر فيهم قيم الحداثة و الجدية و المسؤولية و النزاهة. بالنسبة إلى الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة، نتمنى أن يشمل كل المنابر بدون استثناء أو تمييز على أساس المهنية و العطاء، مع ضرورة الأخذ بيد الصحافة الأمازيغية التي تعيش أزمة حقيقية خانقة بالنظر إلى ندرة المنتوج و الإمكانيات مما يفسر ضعف الجودة و فراغ الساحة إلا من اجتهادات شخصية لا تزال تقاوم .أما فتح قنوات جديدة، فالعبرة بالجودة لا بالكم. فالقنوات التي نتوفر عليها اليوم تكفينا لو استطاعت أن تنفتح على محيطها السوسيو-ثقافي و تعكس آمال و آلام المجتمع المغربي و تعود إلى رشدها في التعاطي مع اهتمامات المواطن المغربي. إن تطوير هذه القنوات و إعادة هيكلتها كفيل بالتعريف بالإنتاج الوطني و بالتالي تسويقه و تشجيع الإقبال عليه. أما في قطاع الإشهار، لا بد أن نذكر أن إدماج اللغة الأمازيغية و مراعاة الجانب الثقافي في المادة الاشهارية سيزيد من تفاعل المواطن المغربي معه، و تطوير هذا القطاع رهين بمدى جدية المسؤولين في المراقبة و التوجيه و حماية المستهلك. في قطاع السينما، يظل ترسيخ الهوية الوطنية هاجس الحكومة المغربية الجديدة و ذلك عبر تنظيم و دعم و عقلنة التدبير و غيرها من الإجراءات، و هنا لابد أن نذكر المسؤولين أنه آن الأوان أن يتم الدعم على أسس واضحة و شفافة بعيدا عن الو لاءات و المعارف التي سادت لمدة غير يسيرة، و يتوجب اليوم على الدولة المغربية مساعدة و دعم السينما الأمازيغية التي استطاعت أن تشق طريقها بمجهودات فردية لأشخاص تحدوا تجاهل المؤسسات الرسمية لأعمالهم الإبداعية، فنالوا ثقة أغلب شرائح المجتمع المغربي بعيدا عن الميزانيات الضخمة التي يتبرع بها المركز السينمائي المغربي على المحظوظين. باختصار شديد، يجب ألا تنسى الحكومة ما تعهدت به أمام الشعب المغربي، فها هي اليوم توضع أمام الأمر الواقع، و انتظارات الشعب المغربي لا تقبل التأجيل أو المزايدة، و الأمازيغية كخيار مجتمعي كبير يظل من أولى الأولويات التي يجب على الحكومة الحالية التعامل معه بكثير من الجدية و الحزم، يجب أن نقر أنه لا وجود لمنطقة وسطى بين الجد و الهزل، لقد آن الوقت أن تعطى الأمازيغية مكانتها التي تليق بها في وطنها و بين أبنائها.