بعد أن سئم من الوعود والانتظار، قرر المكفوف "يجيى بولمان"، القيام بوقفة احتجاجية أمام مقر جهة درعة تافيلالت قصد تحسيس المسؤولين والرأي العام الوطني لوضعه المزري. الوقفة التي نفذها يحيى، أمس الجمعة، لفتتلا انتباه المارة وكل من وفد على مقر الجهة كما عرفت تضامن كل من سمع لتظلماته وقصة حياته التي سردها عبر مكبر للصوت، فيما رفع العديد من اللافتات التي دون عليها مختلف مطالبه التي قال إنه وججها إلى المسؤولين منذ 2003 ولايزال ينتظر.. وسبق لنا أن أثرنا قصة المكفوف يحيى بولمان بعد رفضه من طرف مدير مدرسة "الإمام نافع للتعليم العتيق"، بقصر تيزوكاغين بالجماعة القروية فركلى السفلى (إقليمالرشيدية) القريبة لمدشر مروشة، لا لشيء سوى لأنه مكفوف.. وتطرقنا حينها، لوضع يحيى بولمان عندما كان يعيش بقرية "مروشة" بتنجداد، وكان يطالب بإنقاذه من غول الفراغ القاتل الذي يقول عنه الشاب "ان أصعب وأكبر مرض هو الفراغ..أنا اكره الفراغ" .. وكانت تلك الكتابات سببا في إنقاذه حيث نودي عليه وتم التكلف به في إحدى المدارس بالدار البيضاء، حيث تعلم لغة "براي"، واليوم عند عودته إلى بلدته وجد نفسه يعيش في مسلسل فراغ وعطالة اجبرته على تنظيم هذه الوقفة الاحتجاجية.. وفي ما يلي مقال سبق ان نشرناه يوم 8 دجنبر 2015، تحت عنوان "الشاب المكفوف "يحيى بولمان" ومعاناة البحث عن مقعد للدراسة"، لكي يلمّ القارئ بكل تفاصيل القصة:
تخيل(ي) معي أنكَ(كِ) وُلدتَ(تِ) في وضعية إعاقة ببلد كالمغرب. وهَبْ نفسك (فلتسمح لي النساء على أسلوب مخاطبة المذكر لا المؤنث الذي يتناقض مع فلسفة مقاربة النوع)، قلت هَبْ أن مسقط رأسك بقعة من المغرب العميق الذي يفتقر إلى أدنى شروط العيش بكرامة أحيانا. تم زد على ذلك، انك لم تعرف للمدرسة طريقا في يوم من الايام وانك اليوم بلغت ربيعك التاسع والعشرين وانت في عداد العاطلين (أو بالاحرى المعطلين) عن العمل؟ وبعد أن طرقت كل الابواب استكنت إلى السكوت والرضا بالقضاء والقدر ومكثت في قريتك تنتظر الذي يأتي ولا ياتي مثل "غودو"، وفي مواجهة الفراغ القاتل والضجر من تكرار نفس الحركات ونفس الأعباء اليومية قررت البوح بما يمور في دواخلك من أحاسيس وإفراغ مشاكلك وكل همومك، ترى ماذا كنت ستقول للناس وللمسؤولين الذين لا يأبهون بانشغالاتك وأوضاع أمثالك الذين يئنون في صمت؟ لا شك انك ستقتفي أثر الشاب "يحيى بولمان"، الذي لا يطالب سوى بكرسي للدراسة والتعلم سواء بطريقة "براي" او عبر السماع حتى. كل ما يريده يحيى، الذي يعيش بقرية "مروشة" بتنجداد، هو إنقاذه من غول الفراغ القاتل الذي يقول عنه الشاب "ان أصعب وأكبر مرض هو الفراغ..أنا اكره الفراغ" .. عندما دشن جلالة الملك، سنة 2009، المدرسة القرآنية "الإمام نافع للتعليم العتيق"، بقصر تيزوكاغين بالجماعة القروية فركلى السفلى (إقليمالرشيدية) القريبة لمدشر مروشة، استبشر يحيى خيرا بهذا الانجاز، فقصد المؤسسة للدراسة. وكم كانت مرارته كبيرة عندما رفض المسؤول عن المدرسة تسجيله بدعوى أن قبوله يستوجب وجود عشرة أشخاص مكفوفين أمثال يحيى لكي يفتح سعادة المدير أبواب المؤسسة أمامهم للدراسة. وعن هذا الحادث، يقول يحيى "إلا بغيت أنا نقرا خاصني حتى يعماو عشرة"، قبل أن يضيف "اقتنعت بهذا المبرر الذي تقدم به السيد المدير وتوجهت صوب مندوبية وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بالرشيدية، فقال لي السيد المندوب أن المدرسة ليست تابعة للاوقاف مائة بالمائة..وقد تتعرض لاعتداء من طرف تلاميذ المدرسة" .. تم انصرفت لحالي، يقول يحيى.. ولان يحيى يحب الحياة ويعشقها فإن طموحه لا تحده "عُكوسات" المسؤولين كما يقول، وبمجرد ما أتيحت له فرصة الذهاب إلى الناظور لزيارة أخيه الذي يشتغل هناك، حمل أغراضه وتوكل على الله، وتمكن من ولوج مدرسة عتيقة استطاع من خلالها حفظ ما تيسر من الذكر الحكيم.. إلا ان انتقال الأخ إلى مدينة أخرى وضع حدا لهذه التجربة، التي يذكرها يحيى بكل حنين لما لها من انعكاس إيجابي على تكوينه المعرفي والديني، ليعود من جديد إلى مسقط رأسه "مروشة" التابعة لدائرة ملعب بتنجداد على بعد حوالي 100 كيلومتر عن مدينة الرشيدية. وعاود الاتصال مرة أخرى بمدير مدرسة تزكاغين، بالجماعة القروية فركلى السفلى (إقليمالرشيدية)، إلا ان هذا الاخير رفض طلبه بحجة عدم توفره على الشروط المطلوبة، وكبر سنه، وفي هذا الاطار يقول يحيى :" إن أول آية نزلت على الرسول قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)" وكان سنه آنذاك اربعين عاما"، وذلك في إشارة مباشرة إلى أن سنّ الانسان ليست عائقا امام اكتساب العلم والمعرفة وأن ما يعيق ذلك هي بعض العقليات المتحجرة وبعض القوانين المتعلقة بحقوق الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة .. يحيى يناشد كل من يستطيع مساعدته للدراسة وحفظ القرآن بطريقة "براي" لكي يستعمل حاسة اللمس والسمع، من خلال الولوج إلى أي مؤسسة أو مدرسة وفي أي مدينة مغربية رغما بعدها، حيث أن يحيى لا يمل من تكرار الحديث النبوي: "اطلبوا العلم ولو في الصين." إنها أمنية يحيى، وهي أمنية بسيطة بالمقارنة مع مطالب الكثير من الناس الذين يتمتعون بنعمة البصر لكن تاج هذه النعمة لا يرونه إلا إذا افتقدوها، وفقا للمقولة المأثورة التي تقول إن "الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى"..