البي جي دي اتاهم الأحرار بتسخير السماسرية فالانتخابات الجزئية فدائرة فاس الجنوبية وكيطالب بخطة لتكريس الحياد الإيجابي    عملية إحصاء المغاربة اللي يمكن استدعاؤهم للتجنيد قريب تسالي    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    قرصنة شبكات الاتصالات الوطنية ورط شخص فطنجة.. ها اش لقاو عندو    عملية لبوليس أكادير طيحات مروجين ديال الغبرة والحشيش بينهم مراة    البرلماني السابق البوصيري جابوه اليوم من حبس بوركايز لغرفة الجنايات الاستئنافية ففاس بعدما تحكم ابتدائيا ب5 سنين نافذة ديال الحبس    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    صديقي : المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب فرصة للترويج للتجربة المغربية    جنيف .. تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء والشفافية محاور رئيسة في السياسة التجارية للمغرب    نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي تجدد التأكيد على موقف بلادها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        تفاقم "جحيم" المرور في شوارع طنجة يدفع السلطات للتخطيط لفتح مسالك طرقية جديدة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    حيوان غريب يتجول في مدينة مغربية يثير الجدل    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    جماهري يكتب.. 7 مخاوف أمنية تقرب فرنسا من المغرب    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    المنتخب الوطني الأولمبي يخوض تجمعا إعداديا مغلقا استعدادا لأولمبياد باريس 2024    مفوض حقوق الإنسان يشعر "بالذعر" من تقارير المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اتجاه إلى تأجيل كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025 إلى غاية يناير 2026    انتقادات تلاحق المدرب تين هاغ بسبب أمرابط    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    أساتذة جامعة ابن زهر يرفضون إجراءات وزارة التعليم العالي في حق طلبة الطب    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    بنموسى…جميع الأقسام الدراسية سيتم تجهيزها مستقبلا بركن للمطالعة    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخشين محمد يكتب : النسائية في فكر ابن رشد؟
نشر في شمال بوست يوم 28 - 12 - 2018

يطرح الموضوع هذا الإشكال الآتي: ما النسائية؟ وهل يمكن اعتبار ابن رشد مفكرا تنويريا؟ أو إلى أي حد يصدق مفهوم الأنوار على العقلانية الرشدية؟ وهل هناك عصر من عصور الفلسفة يسمو على العصور السابقة عنه،أم يجب النظر إلى عصور التاريخ البشري بعين مساواتية؟وما هي أسس فلسفة ابن رشد؟وما هي سمات التصور الرشداني حول المرأة وحول المساواة بين الجنسين؟
بصدد مفهوم النسائية :
أعرف أشخاصا كثيرين ضد النسائية بالنظر إلى اعتقادهم بأنها تتعلق بمسألة السلطة بين الجنسين. وفي الوقت الراهن يبدو بأن مفهوم النسائية ينطوي على حمولة سلبية، بحيث أنه يتحدد بتعريفات مغلوطة، وذلك حينما تلحق به صورة متطرفة، وأحيانا كاريكاتورية من خلال تبسيط وتشويه معناه. وهناك الكثير ممن يؤكد بأن النسائية لا تتطلع إلا إلى النساء بوصفهن الأصلح لممارسة السلطة، وهو ما يفترض أن النسائية ليست حركة مساواتية تسعى إلى تحطيم الأساطير الاجتماعية، بقدر ما هي تيار فكري يهدف إلى تحويل البطريركية le patriarcat إلى الأموسية matriarcat بغاية قلب الأدوار وإعطاء السلطة “للجنس الضعيف”على حساب “الجنس القوي” ، ومن هنا يتضح بأن هذا التعريف لا معنى له.
من أجل رفع كل لبس أو غموض عن مفهوم النسائية، يمكن أن نقاربه من خلال بعض النقاط الرئيسة، لكي نرى فيما إذا كانت النسائية حاضرة في الخطاب الفلسفي لابن رشد أم لا :
النسائية ليست طائفة أو تجمعا سريا ينزع إلى إقصاء الرجال للاستيلاء على سلطة ما،فهي لا تتطلع إلى الهيمنة النسائية على العالم،كما أنها ليست نزعة تدعو إلى كراهية الرجال،فلا علاقة لها بأن تكون النساء ضد الرجال،بل هي حركة تسعى إلى المساواة بين الجنسين،وهو ما ليس له
أي ارتباط بالبداهة بكراهية الجنس الذكوري.
وإذن يتعلق الأمر بتيار إنساني وثوري حارب بدون هوادة أحكاما مسبقة وأشكالا من اللامساواة بغاية تحسين حياة النساء في عدة مجتمعات عبر العالم. وبحكم ذلك فهو يستحق أن نحمل تاريخه ومقاصده على محمل الجد.
وهكذا، فإن النسائية تثمن المساواة وإنصاف الجنسين، وهي لا تسعى إلى جعل النساء متفوقات على الرجال،بل تريد فقط استفادة النصف الآخر من المجتمع من نفس المزايا والامتيازات لتحقيق مجتمع مزدهر بإمكاناته الكاملة.
يترتب عما سبق أن النسائية تحلل الشروط الواقعية والراهنة للنساء وتتساءل من بين ما تتساءل حوله عن قلة النساء في دوائر صنع القرار، وعن اللامساواة في الأجور، وعن ظروف الحياة غير المقبولة التي تعيشها النساء، وحول اللامساواة الاجتماعية وعن الصور النمطية المستمرة.
إن النسائية ليست شأنا خاصا بالنساء والفتيات،ومدلولها لا يقصي الرجال، بل تطمح بالأحرى إلى انضمام هؤلاء أيضا إلى النضال والكفاح الذي تقوم به. وبالتالي فهي شأن الجميع. فإن وجدنا اقتاعا عند ابن رشد بوجوب معاملة الرجال والنساء بشكل متساو في كل الميادين الاجتماعي،فإن ذلك يجعله منتميا إلى هذه الحركة النسائية.
حول “تنوير”و”حداثة”ابن رشد:
هناك عدد من المختصين في الرشدية، مثل ألان دو ليبرا الذي ساهم في قيادة مشروع إعادة ترجمة كتب فيلسوفنا الأندلسي ابن رشد، ممن أشادوا بمظاهر حداثة وتنوير سابقين عن الأوان في عقلانية هذا الفيلسوف القروسطوي. وأما القضية الأساسية في فكر ابن رشد فهي مكانة الفلسفة ووضعها القانوني في المجتمع المسلم، وهو مشروع يفهم بالنظر إلى الأسئلة التي كانت مطروحة قبله حول ما دعاه هو نفسه علاقة الحكمة بالشريعة، وقد انتظم تصوره حول هذه العلاقة وفق مفهومين هما الاتصال connexion و الاستمرارية continuité ، وهما ليسا مترادفين من طبيعة الحال، لكنهما يفترضان ضرورة التقارب وضرورة التمييز بين الفلسفة والدين.
يعتبر دو ليبرا بأن ابن رشد فيلسوف غربي ما دام أنه أندلسي،مبينا بأنه كان مطلعا على أعمال سلفيه ابن باجة وابن طفيل التي عالجت هذه مسألة مكانة الفلسفة في بلاد الإسلام،وفي إجابة ابن باجة نستشف خيبة أمله في أن يكون للفلسفة شأو داخل هذه البلاد،ذلك أنه في مؤلفه”تدبير المتوحد” ينصح الذين يريدون أن يكون لهم وجود فلسفي أولا وأخيرا بالانسحاب والعزلة بالنظر إلى كون المجتمع عدائيا وبحكم أن المناخ السياسي والديني الذي يعيش فيه الفيلسوف قد يصلح لأي شيء آخر عدا استعمال العقل خلال هذه الحقبة.لا يتعلق الأمر بأن يهيم الفيلسوف على وجهه في الصحراء،وإنما بمعنى شبه باسكالي بأن يغلق على نفسه في غرفة.
الإجابة الثانية ما قبل الرشدية كانت لابن طفيل الذي ألهم أعمالا رئيسة في الأدب الأوروبي أهمها : “روبنسون كروزو” لدانييل ديفو Daniel Defoe،ويمكن أن نملك فكرة صغيرة كما يمكن أن تتضمنه أطروحته من خلال رواية فلسفية من المحتمل أن تكون الأولى من نوعها التي تم تحريرها في “الغرب” على حد قول دو ليبرا وهي “رسالة حي بن يقظان”،وهي قصة رضيع ألقي به في تابوت بنهر حتى جره التيار إلى جزيرة غير مأهولة بالسكان. وقد أصبح الرضيع فيما بعد فيلسوفا فقط بفعل ملاحظة ظواهر الطبيعة وبفضل اعتماده على عقله الطبيعي الحر،فأعاد وحده فقط بناء العلم البشري كله. وفي الجزء الثاني من الرسالة يأتي شخص إلى هذه الجزيرة ويرافق حي بن يقظان إلى جزيرة مأهولة، وهنا بدأ كل شيء يسوء. فهي جزيرة يسكنها مسلمون وتحكمها سلطة سياسية ودينية قوية. فكانت الخلاصة كما يقول دو ليبرا فولتيرية: “كي نكون سعداء، لنعش مختبئين”. ولذلك يرجع ابن ويقظان ومرافقه إلى جزيرتهما لإعادة بناء مجتمع مصغر بعيد عن التعصب الديني وعن اللاتسامح، ولم يكن الأمر يتعلق سوى بإنقاذ حياتيهما.
لقد انشغل ابن رشد بالحكمة والشريعة مركزا على تحديد شروط استقلال البحث الفلسفي مقيما تصوره على نظرية وحدة الحقيقة، فلا وجود لحقيقتين متضادتين متعارضتين هما الحقيقة الفلسفية والحقيقة الدينية، “فالحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له”، فإذا كانت الحقيقة واحدة فإن طرق بلوغها متعددة،وباختصار،ثمة ثلاثة طرق، اثنتان تقودان نحو الحقيقة، والثالثة تسعى إلى ذلن لكنها تنأى عن هدفها. فالطريق الذي يقود عامة الناس إلى الحقيقة هو الوحي، والسبيل الخاص بقلة من بينهم فقط هو الفلسفة. وهناك شبه طريق إلى هذه الحقيقة وهو الذي يتبعه المتكلمون، أي علماء الكلام.
إن مشروع ابن رشد طبقا لما هو معروض في الكثير من كتبه هو إظهار كيف أن هذين الطريقين للحقيقة كلاهما ضروري للانسانية، وأن بإمكانهما أن يتعايشا في تناغم، شريطة محاكمة الطريق الثالث للحيلولة دون سيطرة الفقهاء المتزمتين على العامة وتعبئة الناس ضد الفلاسفة بحجة مروقهم وزندقتهم.
لكن مع هذا كله ليس من المناسب اعتبار ابرشد حداثيا أو تنوريريا قبل الحداثة والأنوار، لأن عصر الأنوار هذا لا يمكن أن يعد مثاليا بالقياس إلى أي عصر آخر، سابق أم لاحق عنه.
في هذا الإطار حرر هردر”فلسفة أخرى للتاريخ من أجل المساهمة في تربية الإنسانية “Une autre philosophie de l'histoire pour contribuer à l'éducation de l'humanité ، وهو عمل هام يمكن اعتباره كواحد من المصادر الكلاسية للتاريخانية، وفي هذا العمل عارض هردر اعتقاد فلاسفة الأنوار مثل فولتير واسحاق إيزولان Isaac Iselin في تفوق عصرهم “المتنور “على كل العصور الأخرى للتاريخ .وقد وضع هردر النقط على الحروف حول المساواة في قيمة العصور الماضية، وبشكل خاص العصر الوسيط، مشيرا إلى أن لكل عصر وكل أمة فردية خاصة، يجب أن يكون الحكم عليها بحسب المعايير الخاصة بذلك العصر وبتلك الأمة.
في قضية المرأة ومساواتها بالرجل:
قال ابن رشد في كتاب جوامع سياسة أفلاطون، وهو من كُتُبه المفقود أصلها العربي، وَصَلَنا عنه تلخيصٌ للمفكر الفرنسي إرنست رينان (1823-1892) في كتابه ابن رشد والرشدية. ورأي ابن رشد في المرأة هو رأي المعاصرين من غلاة أنصارها، نقتبسه بنصِّه كما أورده رينان مترجَمًا من اللاتينية إلى الفرنسية: “تختلف النساء عن الرجال في الدرجة، لا في الطبع. وهي أهل لفعل جميع ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن على درجة دون درجتهم، ويفقنهم في بعض الأحيان، كما في الموسيقى، وذلك مع أن كمال هذه الصناعة هو التلحين من رجل والغناء من امرأة. ويدل مثال بعض أمصار إفريقية على استعدادهن الشديد للحرب؛ وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم في الجمهورية [يشير إلى “جمهورية” أفلاطون]. أوَلا يُرى أن إناث الكلاب تحرس القطيع كما تحرسه الذكور؟”.
وإذن فالفروق بين الجنسين ليس مردها هو الطبيعة، بل هي ناتجة فقط عن أسباب اجتماعية تاريخية.ويبدو ابن رشد أكثر معاصرة بما يجعله في هذا التصور متجاوزا للأنوار نفسها. ذلك أن تصور ابن رشد حول أسباب تلك الفروق يتطابق مثلا مع أطروحة أورزولا شوي عن هذا الموضوع. وضرورة المساواة بين الجنسين في كل شيء، ما دامت النساء شقائق الرجال في الأحكام والمعاملات هي شرط لكل تنمية اقتصادية واجتماعية. ألم يكن الفقر في الأندلس نتاج اقتصار النساء على الوظيفة النباتية؟أستسمح العالم السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي باستعارة سؤاله عن ابن عرضون وتعميمه على ابن رشد،من يقول قولا أفضل من هذا القول اليوم ؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.