نشأت الموسيقى مواكبة للفطرة الإنسانية في الانسجام مع الإيقاعات والأنغام. وتطورت من خلال ارتباطها بالسحر والمعابد القديمة٬ واستخدامها في تلك المعابد على نطاق واسع لتأدية الطقوس الدينية المختلفة. وكانت تؤدي دورا هاما في جمع القبائل ، وظبطها وانسجامها . ولكي تؤدي هذا الدور سُخّرت لها الثقافات والإمكانات خلال كل الحضارات منذ فجر التاريخ البشري٬ومن المعابد إلى القصور٬ إلى كل شرائح الحياة الاجتماعية. وعرف الشرق القديم تطور هذا الفن في سومر وبابل وأوغاريت وحلب ومصر القديمة. ونحن نذكر اورنينا في حضاراتنا العريقة٬ كما نذكر المغنية المصرية تنتنوت التي جاءت مع فرقتها إلى بلاد الشام وذهبت فرقة من بلاد الشام لتغني في مصر وذلك حوالي 1600 ق.م وهذا أمر بالغ الدلالة والأهمية. وفي الجزيرة العربية تروي لنا الدراسات التاريخية أخبار "جرادتي عاد" اللتين كانتا تغنيان لمعاوية بن بكر من ملوك العماليق ،وكذلك جرادتي أمية بن أبي الصلت ، وعرف العرب في باديتهم ، الحداء والأرجاز والسناد والنص ، وحينما هاجر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، إلى المدينةالمنورة استقبلته فتيات بني النجار وهن ينشدن: نحن جواٍر من بني النجار يا حبذا محمد من جاٍر إلى جانب إنشاد النسوة والصبية للأنشودة المعروفة: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا االله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع كانت سيرين جارية حسان بن ثابت الأستاذة التي تتلمذت عليها عزة الميلاء في المدينةالمنورة. وفي المدينةالمنورة تطور فن الموسيقي والغناء على يد عزة الميلاء وجميلة وسائب خاثر وابن سريج ومعبد وابن محرز والغريض وسواهم. إلى درجة أن زرياب عندما فتح معهد لتدريس الموسيقى في قرطبة سماه "دار المدنيات". واشتغل كثير من الخلفاء وأبنائهم بالموسيقى – كما يروي الأصفهاني في كتابه الأغاني- من أمثال: عبد الملك بن مروان وسليمان وعمر بن عبد العزيز والهادي والواثق وابراهيم بن المهدي وعلية بنت المهدي. كما شهد منتدى سكينة بنت الحسين نشاطاً أدبياً وموسيقياً رفيعاً. وعرف العرب التأليف الموسيقي أيام الأمويين على يد يونس الكاتب الذي ألف كتاب النغم وكتاب القيان. وتطور التأليف الموسيقي في بغداد والأندلس على يد الأصفهاني وإبراهيم الموصلي وابنه اسحاق وزرياب والكندي والمسعودي وابن سينا والأرموي واخوان الصفا٬ وفي حلب الفارابي لدى سيف الدولة. ومقدم بن معافر وابن قزمان وعبادة القزاز في الأندلس. وخلال هذا الطور عرف العرب عددا من الآلات مثل: القانون والعود٬ والرباب والكمنجة٬ والقيثارة والطنبور٬ والناي٬ والراح٬ والكنارة٬ والدف والصنج٬ والكاسات٬ والطبل٬ والقصعة...إلخ