الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    كأس إفريقيا .. المنتخبان التنزاني والأوغندي يقتسمان نقاط المباراة    كأس إفريقيا .. لا غالب و لا مغلوب في مواجهة السنغال والكونغو الديموقراطية    كأس إفريقيا .. نيجيريا تفوز على تونس و تعبر إلى دور الثمن    مصرع عشريني في اصطدام مروّع بين دراجة نارية وسيارة بطنجة    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    أزيد من 2600 مستفيد من قافلة طبية متعددة التخصصات بخنيفرة    عدوان إسرائيلي على وحدة الصومال    زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب حتى الاثنين    "نسور" نيجيريا تنقض على تونس    تعادل مثير بين السنغال والكونغو الديموقراطية يبقي الصراع مفتوحًا في المجموعة الرابعة    كُرةٌ تَدُورُ.. وقُلُوبٌ تلهثُ مَعَها    العرض الرقمي الأول لفيلم عباسي    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام        اللجنة المحلية ل"كان 2025″ بأكادير تؤكد إلزامية التذاكر القانونية وتنبه إلى احترام القواعد التنظيمية    تعبئة استباقية وتدخلات ميدانية ناجعة بالجديدة لمواجهة التقلبات المناخية        أرض الصومال تعيش "حلم الاعتراف الإسرائيلي".. ودول إسلامية غاضبة    النيجر يعلن "التعبئة" ضد الجهاديين    "الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب" تطلب تدخّلًا أمميًا لحماية "استقلال المهنة وحصانة الدفاع"    لجنة الإشراف تراجع خطة العمل الوطنية للحكومة المنفتحة    القصر الكبير .. تنظيم ندوة فكرية هامة في موضوع "المدرسة المغربية وبناء القيم: الواقع والانتظارات"    ورزازات في الواجهة : العلامة الترابية "زوروا ورزازات" visit OUARZAZATE تتصدر مؤلَّفًا دوليًا مرجعيًا في إدارة العلامات التجارية بين الشركات    الخدمة العسكرية.. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة في ختام تكوينه الأساسي    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    بنين تحقق انتصاراً ثميناً على بوتسوانا بهدف نظيف    أمطار رعدية وثلوج مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    المسيحيون المغاربة يقيمون صلوات لدوام الاستقرار وتألق "أسود الأطلس"    الطقس يعلق الدراسة بإقليم تارودانت    فيضانات آسفي تكشف وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء وسط مطالب بإدماج مقاربة النوع في تدبير الكوارث    أوامر بمغادرة الاتحاد الأوروبي تطال 6670 مغربياً خلال الربع الثالث من السنة    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إخلاء عشرات المنازل في بلدة هولندية بعد العثور على متفجرات داخل منزل    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    انعقاد مجلس إدارة مؤسسة دار الصانع: قطاع الصناعة التقليدية يواصل ديناميته الإيجابية    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعد الاممي في شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي

تمر علينا هذه الأيام الذكرى الخمسين لرحيل محمد بن عبد الكريم الخطابي أو ما يعرف بمولاي موحند أو ميس نسي عبد الكريم بتعبير أهل الريف، انه مفجر الثورة الريفية ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي، وهي الثورة التي أصبحت فيما بعد والى اليوم مصدر الهام لكل الشعوب التواقة إلى الحرية و الانعتاق من قيود الاستعمار والعبودية. وبعد مرور أزيد من تسعة عقود على ملحمة حرب الريف التاريخية و مرور خمسة عقود على رحيل محمد بن عبد الكريم الخطابي. لازالت سيرته محط إعجاب وتقدير بالغين لدى كثير من الباحثين والمؤرخين على الصعيد العالمي، رفعوه لمقام الأبطال والقادة التاريخيين المشهورين. إلا أن المفارقة العجيبة تظل في كون سيرته وكذا التأريخ لحرب الريف لم يتم ايلاؤهما الأهمية الكافية من قبل الباحثين والدارسين المغاربة وتبقى الجهود المبذولة في هذا المجال نادرة، في مرحلة أضحت خلالها الهويات والثقافات المحلية مهددة في وجودها بفعل الانعكاسات السلبية للعولمة الليبرالية عليها. ولكن كما يقال التاريخ يعرف من يكتب ، فهو لا يكتب إلا العظماء الذين كانت لهم بصمة في هذه الحياة فيحولهم إلى الحاضرين بيننا بانجازاتهم وأفكارهم ومواقفهم رغم غيابهم المادي الجسدي ، هؤلاء العظماء هم الذين يخلد التاريخ ذكراهم، وتبقى سيرتهم منقوشة على صفحاته على مر العصور وتعاقب الدهور. فكم هم أولئك العظماء الذين مازالوا في الذاكرة ؟ مع انه مر على رحيل بعضهم مئات السنين لكنهم عرفوا كيف يأخذوا مواقعهم بين الشعوب والأمم. في تاريخ كفاح الشعوب ضد الاستعمار ونيل الحرية برز قادة وزعماء كثر، فهل هناك احد لا يعرف كيفارا وماوتسي تونغ وهوشي منغ ...؟ وكيف إذا عرفنا أن هؤلاء القادة أنفسهم ممن ألهمتهم تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي التحررية وتعلموا من مدرسته الثورية والنضالية دروس في الدفاع الشرعي عن الذات والهوية والوطن والإنسان، دروس في الحرب الشعبية التي تعتمد بشكل مطلق على الإمكانات الذاتية المبنية على الذكاء السياسي والجغرافي للمنطقة ولموازين القوى. فهذا القائد الثوري المعروف شيكفارا يعترف لمولاي موحند في زيارة له بالقاهرة بأنه اخذ خطة حرب العصابات من مشروعه التحرري. الزعيم الصيني ماوتسي تونغ قائد الثورة الصينية عندما استقبل وفد من حركة فتح الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات جاءوا يسألوه النصح والمشورة عن ماهية السبل الممكنة والرؤية الحكيمة للانعتاق من نير الاحتلال الصهيوني لفلسطين فأجابهم باستغراب كبير عن مجيئهم إليه للاستفادة من تجربته الثورية وهو الذي اخذ هذه التجربة من واحد من اكبر و أعظم الشخصيات في تاريخكم انتم المسلمين، مخاطبا وفد حركة فتح، واظاف أن أول درس تعلمه في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال و الكفاح التي قادها عبد الكريم الخطابي في الريف بالمغرب. لقد كان بحق محل تقدير من الحركات التحررية في العالم في أمريكا الجنوبية، أسيا وإفريقيا. ويحضرني هنا احد ابرز الكتاب والمفكرين الثوريين في القرن العشرين وصاحب كتاب "معذبو الأرض" انه فرانز فانون الأسود البشرة المدافع الشرس عن حقوق الشعوب المظلومة المضطهدة والمناصر للثورة الجزائرية والذي انضم إلى جبهة التحرير الوطني وكان محرراً في صحيفة «المجاهد» الناطقة باسم الجبهة رغم انه مواطن فرنسي. لقد تحدث فانون عن محمد بن عبد الكريم الخطابي كواحد من اكبر زعماء العالم الثالث التي تمثل شخصيته الفكرية والثورية الأنموذج الذي يجب أن تحتذي به هذه الشعوب لمقارعة كل أشكال الاستعمار والتمييز والعنصرية، لقد كان وهو يدون أطروحته الثورية للعالم الثالث يستحضر الأبطال التاريخيين لهذا العالم أمثال الخطابي وعمر المختار وكيفارا وهوشي منه ولومومبا...لان هؤلاء حسب فانون امنوا بقدرة شعوبهم على التحرر حتى لو كانت هذه الشعوب لا تملك شيئا غير إيمانها بعدالة قضيتها، واثبتوا بالملموس المادي والدليل القاطع أن الشعوب إن أرادت فعلت وان عزمت أنجزت، وفي هذا الإطار انتقد فانون الذي جمع بين التنظير والممارسة من خلال مشاركته في حرب التحرير الشعبية بالجزائر، العديد من يقينيات الماركسية اللينينية- رغم انه مفكر ماركسي- فمن خلال دراسته للبنيات الكولونيالية، تجاوز فانون ثنائية الاستعمار و الخاضعين للاستعمار، ورفض " الجدل" الذي اعتبر أن مرور دول العالم الثالث من الاستعمار ضرورة تاريخية لتحول مجتمعاتها نحو الحداثة والاشتراكية، فبالنسبة لفانون فان أحد هذين الطرفين زائد ويجب أن يزول. وهذا الزوال عليه أن يكون تاما و شاملا وبلا رجعة : " إن محو الإستعمار على أي مستوى درسناه هو إحلال نوع إنساني محل نوع إنساني آخر كليا شاملا مطلقا بلا مراحل انتقال" ويذهب فانون بعيدا في تحليله ليؤكد أنه لا وساطة بين طرفي العالم الكولونيالي، وأن الحدود الفاصلة بينهما هي الثكنات ومراكز الشرطة والدرك، لأن هذا العالم مطلوب منه أن يبقى منقسما إلى عالمين وإلا ما عاد عالما كولونيالي.
كما كان مولاي موحند محل تقدير من الحركات القومية العربية في كل من العراق ولبنان وسوريا وفلسطين إضافة إلى قيادة ثورة الضباط الأحرار بعد1952، في الوقت نفسه وظفت الحركات السياسية المغاربية شخصيته العالمية من اجل الترويج لنفسها عربيا ودوليا. وعلى الصعيد الغربي كان لكفاح الخطابي صدى كبيرا رغم الكتابات العنصرية والاستعمارية والتضليل الإعلامي الغربي والذي كان يصور الحاضنة الشعبية للمقاومة و المجاهدين الريفيين همجا معزولين ومجردين عن أي قيم حضارية وإنسانية. وقد تمكن مولاي موحند من ربط اتصالات عديدة بشعوب العالم وبمنظمات عديدة ساهمت بفعالية في التعريف بكفاح الريفيين، ويمكن الإشارة في هذا الصدد لجهود اليساريين الفرنسيين والإسبانيين والأممية الثالثة ، وكانت شعارات التضامن الأممي والحملة الأممية المناهضة لحرب الريف تتلخص في أربعة مبادئ أساسية أولا: السلم الفوري مع الريف، ثانيا: الجلاء عن المغرب، ثالثا: استقلال المغرب، رابعا: التآخي. وكانت وسائل هذه الحملة متعددة: كراسات وملصقات، ومناشير وإعلانات صغيرة وترويج عرائض تطالب بالصلح الفوري مع الريفيين، وكانت التجمعات تظل هي الشكل المفضل لدى الحركات اليسارية، هكذا تم إحصاء من 15 مايو إلى 15 أكتوبر 1925 مائة وخمسة تجمعا في المنطقة الباريسية وأربعمائة وثمانية وخمسين تجمعا في الأقاليم الأخرى. كما ساهمت النقابات العمالية بشكل كبير في هذه التعبئات كنقابة س.ج.ت الوحدوية. وتعددت المنابر الإعلامية اليسارية التي ساهمت في التعريف بنضال الريفيين ك"الاومانيتيه" و"الثورة البروليتارية". واخذ يتشكل في صفوف المثقفين تيار جديد معاد للاستعمار من خلال مجلات أدبية وفلسفية عديدة: مثل"الثورة السريالية" التي ظهر عددها الأول للوجود سنة 1924 و"فلسفة" مجلة طلبة السوربون وكذلك "كلارتي" التي رثت إحدى افتتاحياتها استسلام الخطابي معتبرة "انهيار الجبهة الريفية…هي هزيمة كبيرة للبروليتاريا الفرنسية". كما تم توظيف الأغنية من اجل نفس الهدف حيث ذاع صيت أغنية كانت متداولة بشكل كبير في أوساط العمال والشباب والجنود الفارين من الخدمة وهذه مطلع الأغنية:

تحت الشمس المغربية

نهلك جوعا وعطشا وبؤسا

لماذا المضي عند الريفيين؟

الذين هم في وطنهم، ولماذا شن الحرب؟

وبالتآخي سيتركون أخيرا

المغرب للمغاربة.....

من جهة أخرى كانت لدى القائد الخطابي رؤية واضحة للاستعمار فهو عنده مشروع تدميري استلابي للإنسان والوطن غير قابل للتجزيء. من هذا المنطلق دعا إلى التضامن مع كفاح شعوب العالم من اجل نيل استقلالها واتضح هذا بشكل جلي عندما وجه نداءه إلى شعوب المغرب والجزائر وتونس التي كان يجند المستعمر الفرنسي العديد من شبابها لمحاربة حركة التحرير في الهند الصينية قائلا: "إن واجبكم أيها الإخوان هو أن توفروا دمكم وأرواحكم، وان تحفظوها إلى غاية اليوم الذي لن يكون فيه مخرج آخر سوى أن نهب دماءنا للدفاع عن حريتنا ولاسترجاع سيادتنا، إن انتصار الاستعمار ولو في أقصى العالم، هو هزيمة لنا وفشل لقضيتنا، وانتصار الحرية في أية بقعة من بقاع العالم، هو انتصار لنا وعلامة على قرب استقلالنا. فكونوا إذن مع بلدكم ولا تكونوا عليه…"كما انه وجه عدة رسائل وخطابات لشعوب العالم من اجل التعريف بقضية الريف والحرب العادلة التي يخوضها رفقة شعبه، ومن ضمنها الشعب الأمريكي الذي خاطبه قائلا:" أحييك أيها الشعب -الأمريكي- المحترم، باسم الشعب الريفي الفتي والذي يعاني دائما من أهوال الحرب نتيجة إيمانه مثلكم بالحرية، إن الشعب الريفي يتمنى أن ينال يوما مكانة مماثلة لمكانتكم، والتي أحرزتموها نتيجة الجهود والتضحيات الضرورية من اجل تطلعاتكم، في فترة كنتم خلالها في كامل إيمانكم بها، كما كل الريفيين الآن".

ويمكن القول في الأخير أن استحضار شخصية الخطابي في سياقنا اليوم له أكثر من دلالة ورسالة. فالرجل بشخصيته الأممية و العالمية كما أثبتت الأحداث والوقائع، ساهم في تحرير الأمم من قيود الاستعمار وكان الحاضر الغائب بفكره ومدرسته الثورية في كل الحركات التحررية العالمية خلال القرن العشرين وكان وما يزال نبراسا للشعوب التواقة للحرية من أمريكا الجنوبية إلى أسيا وإفريقيا وكان شعاره أينما انتصرت الحرية فهذا مكسب لنا وأينما انتصر الاستعمار فهذه هزيمة لنا، وفي هذا جواب واضح على كل من يريد أن يختزل محمد بن الكريم الخطابي في شعار معين أو أيديولوجية معينة، فشعاره كان تحرير الإنسان بما هو إنسان و أيديولوجيته كانت هي من لا يكون شاهداً على عصره ، شاهداً على صراع الحقّ و الباطل في مجتمعه ، فلا يهم أن يكون "إسلاميا" أو يساريا أو قوميا أو أمازيغيا أو ريفيا أو حتى خطابيا، أو أن يكون في أي موقع و مكان واقفاً في محراب العبادة، أم جالساً على مائدة الخمر الأمر سيان.



باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
البعد الاممي في شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي









تمر علينا هذه الأيام الذكرى الخمسين لرحيل محمد بن عبد الكريم الخطابي أو ما يعرف بمولاي موحند أو ميس نسي عبد الكريم بتعبير أهل الريف، انه مفجر الثورة الريفية ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي، وهي الثورة التي أصبحت فيما بعد والى اليوم مصدر الهام لكل الشعوب التواقة إلى الحرية و الانعتاق من قيود الاستعمار والعبودية. وبعد مرور أزيد من تسعة عقود على ملحمة حرب الريف التاريخية و مرور خمسة عقود على رحيل محمد بن عبد الكريم الخطابي. لازالت سيرته محط إعجاب وتقدير بالغين لدى كثير من الباحثين والمؤرخين على الصعيد العالمي، رفعوه لمقام الأبطال والقادة التاريخيين المشهورين. إلا أن المفارقة العجيبة تظل في كون سيرته وكذا التأريخ لحرب الريف لم يتم ايلاؤهما الأهمية الكافية من قبل الباحثين والدارسين المغاربة وتبقى الجهود المبذولة في هذا المجال نادرة، في مرحلة أضحت خلالها الهويات والثقافات المحلية مهددة في وجودها بفعل الانعكاسات السلبية للعولمة الليبرالية عليها. ولكن كما يقال التاريخ يعرف من يكتب ، فهو لا يكتب إلا العظماء الذين كانت لهم بصمة في هذه الحياة فيحولهم إلى الحاضرين بيننا بانجازاتهم وأفكارهم ومواقفهم رغم غيابهم المادي الجسدي ، هؤلاء العظماء هم الذين يخلد التاريخ ذكراهم، وتبقى سيرتهم منقوشة على صفحاته على مر العصور وتعاقب الدهور. فكم هم أولئك العظماء الذين مازالوا في الذاكرة ؟ مع انه مر على رحيل بعضهم مئات السنين لكنهم عرفوا كيف يأخذوا مواقعهم بين الشعوب والأمم. في تاريخ كفاح الشعوب ضد الاستعمار ونيل الحرية برز قادة وزعماء كثر، فهل هناك احد لا يعرف كيفارا وماوتسي تونغ وهوشي منغ ...؟ وكيف إذا عرفنا أن هؤلاء القادة أنفسهم ممن ألهمتهم تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي التحررية وتعلموا من مدرسته الثورية والنضالية دروس في الدفاع الشرعي عن الذات والهوية والوطن والإنسان، دروس في الحرب الشعبية التي تعتمد بشكل مطلق على الإمكانات الذاتية المبنية على الذكاء السياسي والجغرافي للمنطقة ولموازين القوى. فهذا القائد الثوري المعروف شيكفارا يعترف لمولاي موحند في زيارة له بالقاهرة بأنه اخذ خطة حرب العصابات من مشروعه التحرري. الزعيم الصيني ماوتسي تونغ قائد الثورة الصينية عندما استقبل وفد من حركة فتح الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات جاءوا يسألوه النصح والمشورة عن ماهية السبل الممكنة والرؤية الحكيمة للانعتاق من نير الاحتلال الصهيوني لفلسطين فأجابهم باستغراب كبير عن مجيئهم إليه للاستفادة من تجربته الثورية وهو الذي اخذ هذه التجربة من واحد من اكبر و أعظم الشخصيات في تاريخكم انتم المسلمين، مخاطبا وفد حركة فتح، واظاف أن أول درس تعلمه في حرب التحرير الشعبية هو من تجربة النضال و الكفاح التي قادها عبد الكريم الخطابي في الريف بالمغرب. لقد كان بحق محل تقدير من الحركات التحررية في العالم في أمريكا الجنوبية، أسيا وإفريقيا. ويحضرني هنا احد ابرز الكتاب والمفكرين الثوريين في القرن العشرين وصاحب كتاب "معذبو الأرض" انه فرانز فانون الأسود البشرة المدافع الشرس عن حقوق الشعوب المظلومة المضطهدة والمناصر للثورة الجزائرية والذي انضم إلى جبهة التحرير الوطني وكان محرراً في صحيفة «المجاهد» الناطقة باسم الجبهة رغم انه مواطن فرنسي. لقد تحدث فانون عن محمد بن عبد الكريم الخطابي كواحد من اكبر زعماء العالم الثالث التي تمثل شخصيته الفكرية والثورية الأنموذج الذي يجب أن تحتذي به هذه الشعوب لمقارعة كل أشكال الاستعمار والتمييز والعنصرية، لقد كان وهو يدون أطروحته الثورية للعالم الثالث يستحضر الأبطال التاريخيين لهذا العالم أمثال الخطابي وعمر المختار وكيفارا وهوشي منه ولومومبا...لان هؤلاء حسب فانون امنوا بقدرة شعوبهم على التحرر حتى لو كانت هذه الشعوب لا تملك شيئا غير إيمانها بعدالة قضيتها، واثبتوا بالملموس المادي والدليل القاطع أن الشعوب إن أرادت فعلت وان عزمت أنجزت، وفي هذا الإطار انتقد فانون الذي جمع بين التنظير والممارسة من خلال مشاركته في حرب التحرير الشعبية بالجزائر، العديد من يقينيات الماركسية اللينينية- رغم انه مفكر ماركسي- فمن خلال دراسته للبنيات الكولونيالية، تجاوز فانون ثنائية الاستعمار و الخاضعين للاستعمار، ورفض " الجدل" الذي اعتبر أن مرور دول العالم الثالث من الاستعمار ضرورة تاريخية لتحول مجتمعاتها نحو الحداثة والاشتراكية، فبالنسبة لفانون فان أحد هذين الطرفين زائد ويجب أن يزول. وهذا الزوال عليه أن يكون تاما و شاملا وبلا رجعة : " إن محو الإستعمار على أي مستوى درسناه هو إحلال نوع إنساني محل نوع إنساني آخر كليا شاملا مطلقا بلا مراحل انتقال" ويذهب فانون بعيدا في تحليله ليؤكد أنه لا وساطة بين طرفي العالم الكولونيالي، وأن الحدود الفاصلة بينهما هي الثكنات ومراكز الشرطة والدرك، لأن هذا العالم مطلوب منه أن يبقى منقسما إلى عالمين وإلا ما عاد عالما كولونيالي.
كما كان مولاي موحند محل تقدير من الحركات القومية العربية في كل من العراق ولبنان وسوريا وفلسطين إضافة إلى قيادة ثورة الضباط الأحرار بعد1952، في الوقت نفسه وظفت الحركات السياسية المغاربية شخصيته العالمية من اجل الترويج لنفسها عربيا ودوليا. وعلى الصعيد الغربي كان لكفاح الخطابي صدى كبيرا رغم الكتابات العنصرية والاستعمارية والتضليل الإعلامي الغربي والذي كان يصور الحاضنة الشعبية للمقاومة و المجاهدين الريفيين همجا معزولين ومجردين عن أي قيم حضارية وإنسانية. وقد تمكن مولاي موحند من ربط اتصالات عديدة بشعوب العالم وبمنظمات عديدة ساهمت بفعالية في التعريف بكفاح الريفيين، ويمكن الإشارة في هذا الصدد لجهود اليساريين الفرنسيين والإسبانيين والأممية الثالثة ، وكانت شعارات التضامن الأممي والحملة الأممية المناهضة لحرب الريف تتلخص في أربعة مبادئ أساسية أولا: السلم الفوري مع الريف، ثانيا: الجلاء عن المغرب، ثالثا: استقلال المغرب، رابعا: التآخي. وكانت وسائل هذه الحملة متعددة: كراسات وملصقات، ومناشير وإعلانات صغيرة وترويج عرائض تطالب بالصلح الفوري مع الريفيين، وكانت التجمعات تظل هي الشكل المفضل لدى الحركات اليسارية، هكذا تم إحصاء من 15 مايو إلى 15 أكتوبر 1925 مائة وخمسة تجمعا في المنطقة الباريسية وأربعمائة وثمانية وخمسين تجمعا في الأقاليم الأخرى. كما ساهمت النقابات العمالية بشكل كبير في هذه التعبئات كنقابة س.ج.ت الوحدوية. وتعددت المنابر الإعلامية اليسارية التي ساهمت في التعريف بنضال الريفيين ك"الاومانيتيه" و"الثورة البروليتارية". واخذ يتشكل في صفوف المثقفين تيار جديد معاد للاستعمار من خلال مجلات أدبية وفلسفية عديدة: مثل"الثورة السريالية" التي ظهر عددها الأول للوجود سنة 1924 و"فلسفة" مجلة طلبة السوربون وكذلك "كلارتي" التي رثت إحدى افتتاحياتها استسلام الخطابي معتبرة "انهيار الجبهة الريفية…هي هزيمة كبيرة للبروليتاريا الفرنسية". كما تم توظيف الأغنية من اجل نفس الهدف حيث ذاع صيت أغنية كانت متداولة بشكل كبير في أوساط العمال والشباب والجنود الفارين من الخدمة وهذه مطلع الأغنية:
تحت الشمس المغربية
نهلك جوعا وعطشا وبؤسا
لماذا المضي عند الريفيين؟
الذين هم في وطنهم، ولماذا شن الحرب؟
وبالتآخي سيتركون أخيرا
المغرب للمغاربة.....
من جهة أخرى كانت لدى القائد الخطابي رؤية واضحة للاستعمار فهو عنده مشروع تدميري استلابي للإنسان والوطن غير قابل للتجزيء. من هذا المنطلق دعا إلى التضامن مع كفاح شعوب العالم من اجل نيل استقلالها واتضح هذا بشكل جلي عندما وجه نداءه إلى شعوب المغرب والجزائر وتونس التي كان يجند المستعمر الفرنسي العديد من شبابها لمحاربة حركة التحرير في الهند الصينية قائلا: "إن واجبكم أيها الإخوان هو أن توفروا دمكم وأرواحكم، وان تحفظوها إلى غاية اليوم الذي لن يكون فيه مخرج آخر سوى أن نهب دماءنا للدفاع عن حريتنا ولاسترجاع سيادتنا، إن انتصار الاستعمار ولو في أقصى العالم، هو هزيمة لنا وفشل لقضيتنا، وانتصار الحرية في أية بقعة من بقاع العالم، هو انتصار لنا وعلامة على قرب استقلالنا. فكونوا إذن مع بلدكم ولا تكونوا عليه…"كما انه وجه عدة رسائل وخطابات لشعوب العالم من اجل التعريف بقضية الريف والحرب العادلة التي
يخوضها رفقة شعبه، ومن ضمنها الشعب الأمريكي الذي خاطبه قائلا:" أحييك أيها الشعب -الأمريكي- المحترم، باسم الشعب الريفي الفتي والذي يعاني دائما من أهوال الحرب نتيجة إيمانه مثلكم بالحرية، إن الشعب الريفي يتمنى أن ينال يوما مكانة مماثلة لمكانتكم، والتي أحرزتموها نتيجة الجهود والتضحيات الضرورية من اجل تطلعاتكم، في فترة كنتم خلالها في كامل إيمانكم بها، كما كل الريفيين الآن".
ويمكن القول في الأخير أن استحضار شخصية الخطابي في سياقنا اليوم له أكثر من دلالة ورسالة. فالرجل بشخصيته الأممية و العالمية كما أثبتت الأحداث والوقائع، ساهم في تحرير الأمم من قيود الاستعمار وكان الحاضر الغائب بفكره ومدرسته الثورية في كل الحركات التحررية العالمية خلال القرن العشرين وكان وما يزال نبراسا للشعوب التواقة للحرية من أمريكا الجنوبية إلى أسيا وإفريقيا وكان شعاره أينما انتصرت الحرية فهذا مكسب لنا وأينما انتصر الاستعمار فهذه هزيمة لنا، وفي هذا جواب واضح على كل من يريد أن يختزل محمد بن الكريم الخطابي في شعار معين أو أيديولوجية معينة، فشعاره كان تحرير الإنسان بما هو إنسان و أيديولوجيته كانت هي من لا يكون شاهداً على عصره ، شاهداً على صراع الحقّ و الباطل في مجتمعه ، فلا يهم أن يكون "إسلاميا" أو يساريا أو قوميا أو أمازيغيا أو ريفيا أو حتى خطابيا، أو أن يكون في أي موقع و مكان واقفاً في محراب العبادة، أم جالساً على مائدة الخمر الأمر سيان.
سفيان الحتاش
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.