لم يعد الحضور المغربي في إسبانيا محصورا في سوق الشغل، بل تحول منذ سنوات الى مكون اقتصادي فعلي، يشكل احد الاعمدة الحيوية في الدورة التجارية، خصوصا في قطاع تجارة القرب الذي اصبح رهينا بمجهود آلاف المشاريع الفردية التي يديرها ابناء الجالية المغربية. ووفق بيانات وزارة الإدماج والضمان الاجتماعي، بلغ عدد العمال المستقلين الأجانب في إسبانيا اكثر من 419 ألف شخص مع بداية سنة 2025، يتصدرهم المواطنون المغاربة بازيد من 76 ألفا، ينشط أغلبهم في التجارة والمطعمة والخدمات الأساسية. - إعلان - في مدينة ماتارو الكتالونية، سلطت عطلة الصيف الجارية الضوء على الدور المركزي الذي يضطلع به المغاربة في تأمين حاجيات السكان اليومية، بعد ان سجل خلال شهر يوليو إغلاق جماعي لعشرات المحلات التجارية في حي "سيردانيولا"، عقب سفر عدد كبير من أصحابها لقضاء العطلة الصيفية في بلدانهم الأصلية. غياب هؤلاء التجار انعكس مباشرة على الإيقاع اليومي للحي، اذ يضطر عدد من السكان المحليين الى الانتقال نحو احياء مجاورة للتموين، او لتامين خدمات بسيطة كالخبز، الخضر، اصلاح الهواتف او الحلاقة. وتقدر مصادر مهنية محلية أن أزيد من 40 في المئة من الوحدات التجارية النشيطة في "سيردانيولا" تدار من طرف مهاجرين من خارج الاتحاد الاوروبي، على رأسهم المغاربة. ولا يقتصر هذا الاعتماد المحلي على حي "سيردانيولا" فحسب، بل يشمل أيضا حي "روكافوندا"، الذي يعد من ابرز مناطق تمركز الجالية المغربية في مدينة ماتارو.. وتفيد بيانات رسمية صادرة عن سلطات المدينة الكتالونية، أن أزيد من 55 في المئة من سكان "روكافوندا" ينحدرون من اصول اجنبية، غالبيتهم من بلدان شمال افريقيا. وفي توصيف متداول داخل أوساط الجالية، تشبه بعض مناطق الحي بني مكادة في مدينة طنجة التي ينحدر عدد كبير من المهاجرين منها، من حيث كثافتها السكانية، وحضور الاقتصاد الصغير غير المهيكل، وشبكة التموين المرتبطة بالمبادرات الفردية. وقد أسهم استقرار الجالية المغربية في هذه الاحياء منذ عقود في بناء نموذج اقتصادي محلي مواز، تركز فيه المقاولة الصغرى على تلبية الحاجيات اليومية عبر محلات الخضر، الجزارة، التموين، الحلاقة، اصلاح الهواتف، وصيانة الاجهزة المنزلية. ويجمع فاعلون محليون على أن غياب هذه الشبكة التجارية خلال أسابيع الصيف يكشف حجم الارتباط البنيوي بين استمرارية الحياة الحضرية ووجود هذه الفئة من التجار، الذين يؤمنون الحد الأدنى من الاقتصاد الحي، خارج المنصات الكبرى أو سلاسل التوزيع. في مدينة ماتارو، التي تضم اكثر من 22 ألف مقيم اجنبي حسب المعهد الإحصائي لكتالونيا، تعد الجالية المغربية المكون الاجنبي الاول عدديا، كما تحتل موقعا متقدما من حيث عدد الرخص التجارية المستخرجة، وفق معطيات غرفة التجارة. ورغم محدودية التمثيلية المؤسساتية لأبناء الجالية في البرامج الحضرية، يظل تأثيرهم ملموسا في الحفاظ على دينامية اقتصادية داخل الأحياء المتوسطة، من خلال نموذج يعتمد على التشغيل الذاتي، وتراكم الخبرة، والاعتماد المتبادل مع الزبناء المحليين. وتعكس حالة حي "سيردانيولا" هذا الواقع بوضوح، إذ لا يمكن فصل استقرار الحركة التجارية فيه عن استمرارية المحلات التي يديرها مغاربة واسيويين، والتي أصبحت خلال السنوات الأخيرة جزءا من العادات الاستهلاكية اليومية لساكنة الحي.