بعد قراءتي للكتاب المُعنون ب: العادات والتقاليد الشعبية بالريف، للدكتورة والأستاذة الجامعية "كريمة بوعلال"، الصادر قبل شهور قليلة عن دار النشر "ديوان" بمدريد، الطبعة الأولى نونبر 2024. يمكنني التأكيد على أن هذا الإصدار يُشكل إضافة نوعية جد مهمة للمكتبة الريفية المكتوبة باللغة الإسبانية، لا سيما عند تناوله لمختلف العادات والتقاليد الاجتماعية بشكل دقيق ومُركز.. يتطرق هذا الكتاب إلى أهم الطقوس الدينية والثقافية والاجتماعية التي تمارسها قبيلة "آيث ورياغل" وقبيلة "إبقوين" خلال الفصول السنة الأربعة مثل: "عاشوراء" و "رعانصاث" وثقافة "الوشم" عند النساء، ثم ثقافة "إزران" أو الأدب الشفهي الريفي... الذي كانت تتغنى به النساء الريفيات أثناء اجتماعهن في إحدى الحفلات والمناسبات الخاصة مثل: الأعراس، "ثويزا" (العمل الجماعي الذي يقوم به سكان المداشر لمساعدة بعضهم البعض في عملية الحرث أو الحصد أو بناء منزل تقليدي لأحدهم بالحجر والطين...). ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول رئيسية، كل فصل يحتوي بدوره على عناوين فرعية موضحة لتلك العادات والتقاليد التي كانت الحياة في الريف لا تستقيم إلا بمظاهرها المُتنوعة وأشكالها الغنية والمختلفة.. بالإضافة إلى تقديم عام حول الكتاب يضم نظرة شاملة عنه وما يعالجه بالتدقيق. استهلت الدكتورة كريمة بوعلال الفصل الأول بالحديث عن الصناعة التقليدية بالريف التي كانت بمثابة العمود الفقري للاقتصاد المحلي ببعض المناطق من قبيلة "إبقوين" ودورها المحوري في جلب السياح إلى تلك المناطق، حيث تساهم بنسبة كبيرة جدا في تغطية الحاجات الأساسية للنساء الريفيات، ومن أبرز هذه العادات: "الفرن التقليدي الريفي" و "مطحنة الحبوب" التي كانت تُدار باليد، وصناعة الفخار من قبل النساء لاستعمالاتهن اليومية، ثم صناعة الألبسة وبعض الوسائل المُستَعملَة في عملية الحصد خلال فترة الصيف، نظرا للحرارة الشديدة التي تتميز بها جبال الريف الوعرة. أما الفصل الثاني فيعالج الحفلات الدينية والثقافية وكذا العلاج التقليدي بالأعشاب والنباتات، حيث هذا التقليد يكتسي شعبية واسعة في الأوساط الريفية، خاصة عند النساء... ومن أبرز الحفلات التي يحتفل بها الصغير والكبير بالريف والمغرب عموما هي "عاشوراء" وما يليها من طقوس خاصة بها، كما يتطرق أيضا إلى بعض مظاهر الاحتفال بيوم ولادة الرضيع وبعد مرور أسبوع أو أسبوعين من تاريخ خروجه إلى الوجود.. كما يشرح هذا الفصل أيضا طقوس "الختانة" عند الريفيين القُدامى واستعمالات "الحناء" عند النساء الريفيات ورمزية "الوشم" على وجوههن في الثقافية الأمازيغية والريفية خاصة. كما خصصت الأستاذ كريمة بوعلال جزء مهم من هذا الفصل للحديث عن عادة جد منتشرة في الأوساط الاجتماعية الريفية وهي زيارة الأضرحة والقبور من قِبل الفتيات اللواتي لم يسعفهن الحظ في الزواج أو النساء اللائي لم يرزقن بالأولاد بعد، يذهبن إلى هذه القبور من أجل طلب العفو والبركة من الوليّ المدفون في أحد هذه القبور، عبر تنظيم رحلات جماعية من وإلى الأضرحة لزيارتها خلال أيام الإثنين والخميس والأحد... حسب كل قبيلة. بينما خصصت الدكتورة كريمة الفصل الثالث للأدب الشفهي الريفي، واعتبرته نافذة إلى فهم الثقافة الريفية الأصيلة، حيث ذكرت فيه بعض الأبيات الشعرية التي كانت تُقال أثناء التجمعات النسائية للترويح عن النفس من جهة، والحفاظ على هذا الجنس الأدبي الشعبي الذي يعيش تراجعاً مخيفا في السنوات الأخيرة والمُهدد بالانقراض إذا لم يتم تدوينه، من جهة ثانية. وتجدر الإشارة إلى أن الفقرات الأخيرة من هذا الفصل، تناولت دراسة مقارنة بين الثقافة الإسبانية والثقافة الريفية من خلال الأمثال الشعبية والعبارات المسكوكة، حيث أوردت كاتبة هذا الكتاب الغني بمظاهر الثقافة الأمازيغية بالريف، بعض أوجه التشابه والاستعارة والمجاز في الثقافتين ومدى تأثير الأولى على الثانية، والثانية على الأولى، لا سيما وأنهما تعايشتا خلال فترة الاستعمار الإسباني للمغرب ولمنطقة الريف بين 1912 و 1956.. يعتبر هذا الكتاب بمثابة حصن جامع للثقافة المحلية بالريف وملجأ للأجيال القادمة التي غابت عنها ثقافتها الأصلية من أبناء الجالية الريفية القاطنين في الخارج، كما يُعتبر أيضا إضافة نوعية وقيّمة للمكتبة الريفية بما يحتويه من معلومات غاية في الأهمية حول الثقافة الشعبية بالريف لقبيلتي: "آيث ورغايل" و "إبقوين".. وفي الأخير دعت الدكتورة كريمة إلى الحفاظ على كل أشكال هذه الثقافة الشعبية الغنية التي صمدت لقرون من الزمن، عبر تدوينها وتعليمها للأجيال القادمة وممارسة كل أشكالها التي ما زالت حيّة وصالحة لعصرنا الحالي. ________________________ نبذة مُختصَرة عن مؤلِّفة الكتاب: كاريمة بوعلال حاصلة على الدكتوراه في تخصص الدراسات الإسبانية من جامعة غرناطة بإسبانيا، وهي حالياً أستاذة جامعية وباحثة في قسم الدراسات الإسبانية بكلية متعددة التخصصات في الناظور، التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، عضو في فريق البحث: "الثقافة وآداب البحر الأبيض المتوسط والعالم الإسباني" في كلية متعددة التخصصات بالناظور. كما أنها عضو في المختبر: المجتمع، الخطاب والاندماج. استراتيجيات الصناعة الثقافية، التواصل والبحث الاجتماعي، في جامعة محمد الأول بوجدة. يشمل مجال بحثها الرئيسي: اللسانيات، علم الأمثال الشعبية المقارن، الدراسات الثقافية والتعليم.. لديها العديد من المشاركات في اللقاءات والمؤتمرات على المستوى الوطني والدولي. وهي مؤلفة لعدة مساهمات في الكثير من المؤتمرات ومقالات المجلات والكتب... من بين منشوراتها البارزة: -"استعمال الأزمنة الفعلية في الإسبانية. الجانب النظري" (طبعة دييوان مايريت، مدريد، 2021). -"ألغاز شعبية ريفية. تجميع وترجمة ودراسة" (طبعة خدمة النشر، مليلية، 2021). - "اقتراحات تعليمية لتعليم وتعلم الإسبانية في المجال الجامعي المغربي" (طبعة دييوان مايريت، مدريد، 2023)، وغيرها.. وليد البورماقي: أستاذ اللغة الأمازيغية - تطوان. بتاريخ: 12 يوليوز 2025.