مدينة آزمور التي تعيش هدوءا غير طبيعي على ضفاف مصب نهر أم الربيع. مدينة تاريخية رغم الإهمال الذي طال مواقعها الأثرية لسنوات طوال، والتي لم يلتفت لها إلا مؤخرا وبشكل محتشم ومحتشم جدا، مما يدعونا للقول بأن الثقافة والتاريخ سيظلان لسنوات أخرى آخر إهتمامات مسؤولي هذا البلد، ويضيع بالتالي على مواطنيه موارد رزق هم في أشد ما تكون الحاجة إليها. بأزمور أيضا عدد من الزوايا يتجاوز عددهن أصابع اليد، وأيضا العديد من أضرحة الأولياء والصالحين والوليات أيضا، فمن مولاي بوشعيب الردّاد "عطاي العزارى" أو "السّارية" كما يسميه المحليون، إلى سيدي وعدود أو "عبد الودود"، فسيدي المخفي، ثم سيدي عالي واعلامو، وسيدي علي بن غيث وعبورا للضفة الأخرى لأم الربيع نجد للاعيشة البحرية وللايطو واللائحة طويلة بشكل يجعل مقولة "في أزمور كل خطوة بولي" صحيحة، ويجعل من المدينة محجا ومزارا لكل أهل النية الباحثين عن قضاء أغراضهم، والإجابة عن أسئلة معاناتهم، وأيضا لزوار تستهويهم هاته الفضاءات وتثير فضولهم بشكل غير عادي.
ديري النية والحاجة مقضية:
لازمة لا يمل القائمون وكذا زوار أضرحة الأولياء والصالحين من ترديدها، وحث الكل على عدم الحياد عنها، مع إحترام طقوس الزيارة كما هو منصوص عليه عند أهل العْرْف من القائمين والعارفين بشؤونها، والتي لن نتمكن من التعرض لها جميعها وسنقتصر على أشهرها على الإطلاق. مولاي بوشعيب الرداد والمشهور بعطاي العزارا، والذي تزوره النساء بحثا عن المولود الذكر (العزري)، وبقراطيس شمع وتمر وفْتوح، ولربما بعلاقة جنسية مع شباب بمحيط الولي، تعود المرأة بعَزْريّها في أحشائها، فمع بركة عطاي العزارى لا مجال للإنتظار...
وجهة ثانية للزوار وبالضبط للزائرات وخاصة اللواتي إستعسر عليهن دخول القفص. للاعائشة البحرية أو البحراوية وحتى النهرية كما يسميها البعض، إختلفت الروايات بشأنها: فمن فارسة ملثمة مجهولة قادت أرامل المقاومين، بعد وفاة زوجها في كمين نصبه الفرنسيون له، لتعيش منتقمة لنفسها ولمثيلاتها حتى وفاتها. إلى عاشقة مُتيمة بمولاي بوشعيب إبان طلبه العلم بالعراق، حيث عَسُر زواجه بها، لتقطع المسافات لاحقة به بعد عودته لبلده، وبمجرد نزولها بضفاف أزمور تُخبر بوفاة الحبيب.. وهناك من تحدث عن سقوطها عن بغلتها وموتها على ضفاف النهر، حيث ضريحها الحالي..
زيارة للا عيشة تتم بعبور النهر عبر مراكب معدة لهذا الغرض، أو بإمتطاء عربات تجرها الدواب إنطلاقا من وسط أزمور، ولربما عبر طريق معبد يفضي لمسلك مهترئ يودي لمقام الولية، والذي هو عبارة عن محل متواضع يضم الضريح محاطا ببراريك لمجدوبات متخصصات فمن ضريب ألدون، إلى قول السمية، ففراكة الأطفال والرضع وهكذا...
الزائرات في أغلبهن ممن إستعصى عليهن بناء عش للزوجية، ويرون أنهن ملزمات بالإستعانة ببركات الولية، حيث الطقوس تشابه سابقها حيث قرطاس الشمع، والفتوح والهدية مع كتابة الراغبة في الزواج إسمها واسم من ترغب به زوجا وإلا فاسم من وهم الخيال بإستعمال الحناء على حائط الضريح المخصص لهذا الغرض، والذي غدا أشبه بجدارية تشكيلية، حيث تختلط الأسماء بدوِيُّها وحضريُّها فمن: فاطمة إلى عيشة إلى لبنى فلمياء، كل مرفوقة بإسم ذكري حيث تحضر الأسماء جميعها.. لتعرج الراغبة صاحبة النية طبعا، على البئر للإغتسال والتخلص من التابعة، عبر رمي الملابس الداخلية والمشط وخصلات من شعرها، بعد شراء سطل ماء من بئر الضريح، يختلف ثمنه بين البرودة والسخونة.
فاطمة (إسم مستعار) من أولاد فرج تحدثت لنا بعفوية عن زيارتها للاعيشة منذ سنوات بعد تأخر العريس في طرق الباب، وبعد إغتسالها ورميها لتابعتها جاء العريس دون تأخير.. قبل أن تضيف: بنت أختي أيضا عاشت نفس المشكل، وبمجرد زيارتها تقدم شابان لخطبتها في أسبوع واحد...
بللاعيشة أيضا شباب يبحثون عن علاقة سهلة مع زائرات الضريح، والمستعدات لتصديق أي شيء، ولربما لفعل أي شيء لحصول المبتغى.
غير بعيد عن للاعيشة ترقد للايطو، والخاصة بالزوجات اللواتي ضقن ذرعا بتصرفات أزواجهن، الخارجين عن الطوع، حيث ترفع النساء أصواتهن بعد تخطيهن لمجامر المقام بجمل من قبيل: "أللايطو اللي جابو يحطو". وبطبيعة الحال: النية والزيارة والفتوح عناصر لا غنى عنها لبلوغ المقصود.