المغرب يخلد الذكرى ال46 لاسترجاع وادي الذهب    وادي الذهب: أيقونة السيادة المغربية ومسار التنمية المستدامة    الجامعي يهاجم الرميد بعد تدوينته عن ابتسام لشكر: "أصبحت قاضي شارع تقمع حرية الأخرين في التعبير"    أسعار النفط ترتفع    ارتفاع أسعار الذهب مدعومة بتراجع الدولار    مصر تدين "ما يسمى بإسرائيل الكبرى"    متى تخرج مصر من المنطقة الرمادية؟    جامعة الدول العربيه تدين تصريحات إسرائيلية عن اقتطاع أجزاء من دول عربية لإقامة إسرائيل الكبرى    غوغل تعتزم إنفاق 9 مليارات دولار لتوسيع بنية الذكاء الاصطناعي    "شان 2024": مباراة مصيرية للمنتخب المغربي أمام نظيره الزامبي    بورنموث يضم دياكيتي لاعب تولوز    الاتحاد الألماني يرفع قيمة جوائز كأس ألمانيا    إنجاز تاريخي.. حكيمي يصبح ثالث أكثر لاعب إفريقي تتويجاً بالبطولات    الأمن يلاحق شبكة إجرامية عابرة للحدود بعد حجز كوكايين بطنجة    حقيقة اعتداء أشخاص على سائق سيارة بتارودانت    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    أهم منصات الصين الإعلامية الرسمية ترد التاريخ للمغرب بنشر خريطة المغرب بصحرائه موحدة    الكويت.. وفاة 13 شخصا وحالات عمى لأفراد من جنسيات آسيوية بسبب تناولهم لخمور فاسدة    حين تتحطم الأكاذيب على جدار الاستخبارات المغربية الصلب    إسترجاع وادي الذهب ملحمة بيعة وإنتصار في مسار إستكمال الوحدة الترابية    ذكرى استرجاع وادي الذهب: محطة تاريخية مهمة في مسار الوحدة الترابية للمملكة    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للانترنت    فريد الصمدي مدير مهرجان السلام والتعايش ببروكسيل يكرم في العاصمة الرباط    اصطدام عنيف بطنجة البالية يُسفر عن انقلاب سيارة وإصابة أربعة أشخاص    المعركة في سماء شفشاون .. الطائرات في سباق مع الزمن!            هل يتحقق حلم حكيمي؟!    "قطبية" دوغين و"مدينة" أفلاطون    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    أب أبكم وابنه يلقيان حتفهما غرقاً في حوض مائي بنواحي قلعة السراغنة    باريس سان جرمان يحرز كأس السوبر الأوروبية على حساب توتنهام    المحلي ينهي الاستعدادت للقاء زامبيا            منحة سنوية بقيمة 5000 درهم لأساتذة المناطق النائية    المداخيل الجمركية بالمغرب تتجاوز 54,79 مليار درهم وتواصل صعودها    وفاة مبدع «نجمة أغسطس» و«اللجنة».. صنع االله إبراهيم    "آخر اختيار" يتوج بجائزة أفضل فيلم روائي بالهند    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    "مناجم"... رقم المعاملات يبلغ 4،42 مليارات درهم عند متم يونيو 2025    المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية    رواج ينعش استعمال "كتابة النساء" في الصين            الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    نائب يميني متطرف يستفز المغرب برفع العلم الإسباني على صخرة محتلة قبالة الحسيمة    ذكرى استرجاع وادي الذهب.. المشاريع الملكية تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي وتنموي متكامل        تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    تسكت تتألق في أمسية "رابافريكا"    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهلاً يا "مجاهدي" الماوس والكي بورد!
نشر في السند يوم 13 - 03 - 2011

لا يمكن لأحد بكامل عقله إلا أن يحيي ويقف إجلالاً وإكباراً لثورة الاتصالات المباركة التي حررت الشعوب من سطوة الإعلام الموجه ذي الاتجاه الواحد، وجعلت كل فرد يمتلك جهاز كومبيوتر أو موبايلاً وحساب انترنت ناشراً بامتياز، بعد أن كان مجرد نشر جملتين
في صحيفة حلماً بعيد المنال بالنسبة لملايين البشر.
ولا يمكن في الآن ذاته أن ننكر الدور الإيجابي الذي لعبته مواقع الاتصال الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر في تنظيم الثورات الشعبية التي حدثت في تونس ومصر وليبيا اليمن والأردن والبحرين والكويت والتي ستحدث قريباً في بلدان عربية أخرى كثيرة. وقد تعجب أحد الخبراء الإعلاميين الأمريكيين قائلاً: "لقد اخترعنا فيس بوك في أمريكا ليكون وسيلة للتواصل الاجتماعي بين الناس لا أكثر ولا أقل، فإذ بكم أنتم العرب تستغلونه خير استغلال لتنظيم الثورات".
كما يجب التنويه بدور مواقع الفيديو الشهيرة كيوتيوب وغيره في رصد الثورات بالصوت والصورة وتوفيرها لبقية وسائل الإعلام، خاصة في الدول التي لا يمكن فيه للفضائيات أن تغطي أحداثها بسبب الرقابة الصارمة. وكما هو معروف فقد نجح الكثير من الشباب في تصوير أحداث تونس وغيرها بالموبايل ليتم إرسالها لاحقاً إلى يوتيوب وغيره كي تكون شاهداً موثقاً على تلك الثورات وأحداثها.
لكن مهلاً قليلاً، فمن الظلم الفادح أن يذهب بنا الحماس بعيداً لنعزو تلك الثورات العظيمة للفيس بوك، ففي ذلك طبعاً الكثير من المبالغة والتهويل السخيف لأسباب موضوعية كثيرة.
أولاً الدول العربية ليست كأمريكا في استخدام الانترنت، فبينما يدخل إلى الشبكة العنكبوتية في الولايات المتحدة أكثر من ثمانين بالمئة من الشعب الأمريكي، فإن نسبة استخدام الانترنت في العالم العربي متدنية للغاية ليس مقارنة بأمريكا بل حتى ببلدان العالم الثالث الأخرى. فعدد سكان مصر البالغ أكثر من ثمانين مليون نسمة لا يشكل مستخدمو الانترنت فيها سوى نسبة ضئيلة للغاية. وفي سوريا لا يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت ثمان مئة ألف شخص من اصل أكثر من ثلاثة وعشرين مليون شخص. وحدث ولا حرج عن بلدان المغرب العربي والسودان والصومال. ولا أبالغ إذا قلت إن ملايين العرب في تلك البلدان لا يعرفون معنى فيس بوك، فما بالك أن يكون لهم حساب فيه، ناهيك عن أن شراء جهاز كومبيوتر يعتبر بالنسبة للسواد الأعظم من سكان مصر وغيرها حلماً بعيد المنال. لا بل إن بعض الدول تقدم قروضاً للطلاب يدفعونها على مدى سنوات من أجل شراء لاب توب.
وبناء على ذلك، لا يمكن القول إن ثورة مصر العظيمة أنجزها شباب الفيس بوك. لا أبداً هذا كذب بكذب ومجافاة للحقيقة. لقد خرج في المدن والقرى ملايين المصريين من عمال وفلاحين وسكان المقابر والعشوائيات والصعيد. ولا أعتقد أن هؤلاء خرجوا وشكلوا ثقلاً ثورياً عظيماً بفضل الفيس بوك المزعوم. وأنا على يقين أن معظمهم لا يعرف معنى الفيس بوك. وقد أخبرني ثائر ليبي أن العديد من الثوار الليبيين الذين يناضلون الآن في ساحات الثورة لم يدخلوا يوماً موقع الفيس بوك أو غيره. صحيح أن بعض الليبيين في الخارج فتح صفحات على فيس بوك، ودعا فيها للثورة، لكن العبرة ليس في نضال الماوس والكي بورد.
ولو سلمنا جدلاً أن الفيس بوك لعب بعض الدور في الثورات، لكن علينا أن نسأل: أليست خدمة الانترنت في العديد من الدول العربية خدمة بطيئة، وتعل القلب في كثير من الأحيان، مما يجعل مستخدميها يضيقون ذرعاً في مواصلة الاستخدام، خاصة وأنه في بعض البلدان العربية التي يطبلون ويزمرون فيها لتأثير "الجهاد الالكتروني" من الأسهل أن تسافر إلى لندن لتوصيل رسالة على أن ترسلها عبر البريد الالكتروني بسبب سرعة الانترنت السلحفاتية المقصودة.
ومما يبعث أكثر على الضحك، أن بلداً مثل تونس التي يعود لها الفضل في إنجاز أول ثورة عربية مباركة كان بن علي يخنق التواصل الالكتروني بوحشية عز نظيرها، لا بل إنه أنشأ وزارة خاصة بالانترنت، واشترى أجهزة كومبيوتر عملاقة بملايين الدولارات كي يتحكم بخدمة الانترنت وبمستخدميها. بعبارة أخرى، فإن الشباب التونسي كان يعاني الأمرين في تعامله مع الشبكة العنكبوتية، مما يؤكد أن الثورة التونسية لم تنجزها الانترنت ولا فيس بوكها المزعوم. وإن حدث فبدرجات ضئيلة جداً.
وحدث ولا حرج عن جمهوريات الخوف الأخرى التي تأخذ بطاقة الهوية من كل شاب يريد الدخول إلى مقهى انترنت كي تراقبه وترهبه، بحيث يصبح مجرد الدخول إلى موقع الكتروني محجوب جريمة تودي بمرتكبها إلى غياهب السجون لعشرات السنين. وحدث ولا حرج عمن يفتح مدونة، أو يكتب عبارة معاتبة لهذا الرئيس أو ذاك، فمصيره جهنم أقبية وزارات الداخلية دون أدنى شك.
والمضحك في الأمر أيضاً أن البعض يتشدق بتأثير الفيس بوك وغيره، ثم يشتكي من حجبه. فكيف أثر ذلك الموقع في الثورات إذا كان محجوباً أصلاً في بعض الدول، ناهيك عن أن الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا استطاعت قطع الانترنت والتحكم بها بجدارة قبيل الثورات وأثناءها، مما جعل التواصل الالكتروني صفراً. وبصراحة علينا أن لا نبالغ في تأثير الانترنت من الآن فصاعداً، لأن الحكام يستطيعون قطعها بكبسة زر. ناهيك عن أن وزارات الاتصالات العربية تستطيع أن تلغي كل خدمات التواصل على الهواتف الجوالة أيضاً بكبسة زر، مما يجعل التواصل "الالكتروني الثوري" المزعوم ضرباً من المحال.
لا أريد طبعاً أن أبدو كأني أنال من الثورة الالكترونية لصالح البث التلفزيوني الفضائي، لكن الشمس طالعة والناس قاشعة كما يقول المثل الشعبي. فلولا التغطية التلفزيونية لما أخذت الثورات ذلك البعد العظيم. كم عدد الذين كانوا يتابعون الثورات عبر الانترنت، وكم عدد الذين كانوا يتابعونها عبر الفضائيات التي كانت تغطي الحدث لحظة بلحظة؟ طبعاً لا مقارنة أبداً.
هل يريد معشر الفيس بوك أن يقول لنا إن الملايين التي أسقطت الطغاة العرب خرجت تحت تأثير الفيس بوك أو تويتر؟ فعلاً كذبوا الكذبة وصدقوها.
إن أكبر دليل على أنها ثورة فضائيات بالدرجة الأولى أن أي حراك شعبي في أي بلد لا تسلط عليه الفضائيات المؤثرة الضوء سيموت في مهده. وكم من البلدان العربية تشهد الآن حراكاً وتململاً وحتى مظاهرات وبوادر ثورات، لكنها لا تحظى بالتغطية التلفزيونية اللازمة بسبب التركيز على الثورة الليبية المتصاعدة، وبالتالي لن تتطور كثيراً وربما تراوح مكانها، إذا لم تخمد وتُنسى.
قد يقول البعض إن الفضائيات اعتمدت في بعض الأحيان على الصور التي بثتها الانترنت, وهذا صحيح. لكن لو لم تعد الفضائيات بث صور الانترنت لظل تأثير تلك الصور محدوداً جداً.
لم أسمع حتى الآن أناساً من البلدان العربية التي تشهد بعض الحراك الشعبي يشتكون من قلة التغطية لحراكهم في الانترنت أو على صفحات فيس بوك، لكنهم غاضبون جداً من الفضائيات التي يزعمون أنها لا تعير حراكهم الاهتمام الإعلامي المطلوب. بعبارة أخرى فالعتب موجه في التقصير ليس للإنترنت بل للفضائيات. فهي التي تحرك الثورات فعلاً من خلال الصورة والكلمة المسموعة اللتين ما زالتا بالمفهوم الإعلامي حتى الآن أقوى من أي سلاح آخر. ناهيك طبعاً عن أن السواد الأعظم من الشعوب تتابع التلفزيون بنسب مهولة لا يمكن مقارنتها أبداً "بشوية العيال" الذين يتابعون الانترنت. ولا أبالغ إذا قلت إن تقريراً تلفزيونياً واحداً عن هذا البلد أو ذاك يساوي في تأثيره تأثير كل المواقع الالكترونية التي يتابعها العرب مجتمعين. حتى إن البعض علق قائلاً: سنؤجل مظاهراتنا لأن الفضائية الفلانية مشغولة بتغطية ثورة أخرى.
كتب مارك لينش، المحاضر في جامعة جورج واشنطن والمتخصّص في وسائل الإعلام العربية: "قد لا تكون الفضائيات سبب هذه الثورات، لكن من المستحيل الاعتقاد أنّ كلّ ما حصل كان يمكن أن يتحقق من دونها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.