انتحار أمينة ابنة العرائش ليس خبرا من أخبار «الحوادث» المتفرقة، إنه أكبر من ذلك. إنه صدمة للعقل الجماعي للمغاربة، وانتحارها ناقوس خطر بشأن تردي أحوال المهمشين والفقراء والمحرومين في مناطق المغرب غير النافع... لو أكملت أمينة دراستها، وكانت بجانبها عائلة متوسطة الحال، وعاشت وسط بيئة تحترم المرأة وتقدر الأنثى، لما كان مصيرها الموت بسم الفئران بعدما صارت تكلفة العيش عندها أكبر من فاتورة الموت. الآن لنوسع زاوية الرؤية.. هل تزوجت أمينة القاصر برغبتها أم إن أسرتها أجبرتها على الزواج، أم إن القاضي هو الذي زوج الفتاة من الشاب وطوى الملف؟ هل كانت أسرة أمينة الفقيرة تملك الخيار بين تزويج البنت درءا لما تعتبره فضيحة أو رفض هذا الزواج باعتبار أن ابنتهم قاصر وأن زوجها المستقبلي هو مغتصبها؟ هل أمينة انتحرت لأنها تزوجت بغير رضاها أم إن زوجها أساء معاملتها لأن الزوجين معا لم يكونا قد تأهلا بعد لتأسيس أسرة وبيت والتزامات؟ هل المشكل في القانون الذي يجعل المغرر بها تختار بين الزواج من الشخص الذي افتض بكارتها وبين سجنه، أم المشكل في ثقافة المجتمع والأهل الذين لا يفكرون في شيء عندما تقع الواقعة سوى في إخفاء معالم ضياع غشاء البكارة لدى الفتاة؟ ولو خير جل المغاربة بين دخول الشخص، الذي اعتدى على بناتهم، إلى السجن وبين زواجه بالضحية.. ماذا يختارون؟ الجميع في قفص الاتهام، وعلينا أن نتساءل ونضع أنفسنا في موضع قاض تطلب منه عائلتا الضحية والجاني معا طي الملف عن طريق الزواج عوض العار الذي يلحق البنت وعائلتها، والسجن الذي سيحطم مستقبل الشاب.. ماذا يفعل خصوصا عندما تذهب البنت القاصر إلى المخدع برضاها؟ جل الجمعيات النسائية التي تناضل في شارع محمد الخامس لا تنشغل بتوعية المجتمع ولا بإنتاج خطاب يستوعب عمق مشاكله. يطالبون اليوم بمنع زواج الفتاة أقل من 18 سنة، وهذا منطقي ومعقول، ولكن كيف سيتصرف قاض جاءته أسرة من البادية تطلب تزويج ابنتها البالغة 16 سنة؟ إذا رفض بدعوى أن قانون الأسرة يمنع ذلك، ستذهب الأسرة إلى الدوار وهي مقتنعة بأن ابنتها في سن الزواج، وأنها إن تأخرت إلى أن تبلغ 18 سنة فإنها تبور، وتزوج الفتاة بالفاتحة دون عقد فتضيع حقوق الفتاة غدا إذا هرب الزوج، أو إذا أنجبت أطفالا يعيشون بدون وثائق قانونية. ماذا يصنع القاضي.. هل يستعمل سلطته التقديرية ويميل إلى أخف الضررين، أم يطبق القانون ويضيع حقوق الفتاة. تزويج الفتيات الصغيرات اغتصاب لبراءتهن، هذا هو المبدأ العام، وللزواج المبكر أخطار كبيرة نفسية وعضوية على الفتاة، لكن عندما لا تدرس الفتيات لأن المدرسة غير موجودة، وعندما لا يحظين بالرعاية لأن البادية منسية، وعندما يولدن في أسر تعتبر الفتاة عبئا وخطرا على شرف العائلة والقبيلة، فماذا تصنع المسكينة؟ وماذا يفعل القاضي أو «العدول»؟ الوضع أكثر تعقيدا من تظاهرة أمام البرلمان يرجع أصحابها إلى بيوتهم في المساء يتابعون خلف التلفزة والكومبيوتر صورهم وهم يحملون اللافتات والشعارات، ويجمعون صورا للذكرى علها تفيد في معارك الكوطا من أجل دخول البرلمان والحكومة.