معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    نشرة إنذارية: طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    ضد علال الفاسي... ضد عبد الرحيم بوعبيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    بنعلي وقيوح يبحثان التعاون العملي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    "مجزرة جديدة"… إسرائيل تقتل 40 فلسطينيا بينهم 16 من منتظري المساعدات    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    جوفنتوس يكتسح العين الإماراتي بخماسية    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    حرائق الواحات بالمغرب… تهديد للبيئة وخسائر اقتصادية    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    وسيط المملكة: مؤسسات الوساطة تواجه تحديات التحول الرقمي وتأمين المساواة في ولوج المرافق العمومية    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    اجتماع تنسيقي لأغلبية مجلس النواب يثمن "الانتصارات" الدبلوماسية ويؤكد "أولوية" الحق في الصحة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    كيوسك الخميس | إسبانيا تشيد ب"التنسيق النموذجي" مع المغرب في إطار عملية مرحبا    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    بنهاشم مدرب الوداد : "كنا قادرين على تسجيل هدفين في الشوط الأول أمام السيتي    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    اصابة دركي اصابات بلغية في عملية لاحباط عملية للتهجير السري وتوقيف 30 حراكا    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معضلة تزويج القاصرات والتحايل على القانون
نشر في هسبريس يوم 13 - 03 - 2012

قضية زواج القاصرات التي طفت على السطح مؤخراً، وتناقلتها وسائل الإعلام، قضية مؤلمة، سببها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والعادات المهترئة. شهد المغرب مؤخرا جدلا كبيرا حول معضلة تزويج القاصرات بعد التقارير التي نشرت حول مخالفة زواج القاصرات لقانون الأسرة الذي يمنع زواج الفتيات اللائي يبلغن أقل من 18 سنة.
هذه الظاهرة متفشية في مختلف البلدان العربية والإسلامية. ففي السعودية قرأنا عن قضية الطفلة "بريدة" التي زوجت من مسن ثمانيني وعمرها لا يتجاوز 12 سنة. وفي مصر كشفت وزيرة الدولة للأسرة والسكان سابقا السيدة مشيرة خطاب عن دراسة حديثة أجريت على 3 مراكز بمحافظة 6 أكتوبر أظهرت أن نسبة زواج القاصرات بهذه المراكز بلغ 74 بالمائة، مقابل مبالغ مالية.
وهذه عائلة سعودية تستنجد بجمعية حقوق الإنسان بعدما قرر والدهم تزويج أختهم والتي تبلغ الحادية عشرة من عمرها من رجل أربعيني متزوج. وهذه "رشا" باعها والدها وهي طفلة في العاشرة كزوجة رابعة لرجل "ثمانيني" .
في العام 2008، هربت الطفلة اليمنية "نجود علي" البالغة من العمر ثماني سنوات من بيت زوجها، 42 عاما، في أحد أرياف اليمن وسافرت بمفردها إلى العاصمة صنعاء في سيارة أجرة، حيث ذهبت إلى المحكمة تطلب من القاضي تطليقها من زوجها، وهو ما حصلت عليه بالفعل وألغي الزواج.
وبعد سنتين على مرور تلك الحادثة، ما زالت قضية زواج القاصرات تثير جدلاً في اليمن. وقد أدى إدراج مشروع قانون يحدد سن زواج الفتيات عند ال17 عاماً إلى إثارة جدل سياسي وديني.
وفي المغرب صرح الشيخ محمد المغراوي، أحد رموز السلفية بالمغرب، أنه يجوز الزواج بقاصر ولو كان عمرها لا يتعدى 9 سنوات، وخلف هذا التصريح الدنيء ضجة المجتمع المدني، وقرر محامون وحقوقيون رفع دعوى ضد هذا الشيخ.
هذه القصص وغيرها هزت وسائل الإعلام، وجميعها تحمل عنوان "زواج القاصرات"، والذي لم يعد مجرد ظاهرة عادية بل انتشر في جميع الدول العربية والإسلامية.
ونسمع عن قصص خيالية تتعلق بالتجارة في الإناث، بمن لا تزيد أعمارهن عن 13 – 15 عاما، لتصنع في مجتمعاتنا معاناة صامتة وسكوت عن هذه الكارثة الاجتماعية، وهذا شكل مخجل لتخلفنا وظلمنا واستبدادنا،وتجسيد صريح لمجتمعنا الأبوي الذكوري المفتري.
أولئك الذين يتاجرون ببناتهم باسم الولاية والوصاية والسترة، ما هم في الواقع إلا مجرمون اجتماعيون يستغلون سلطتهم من أجل الربح السريع.
ويمكن للباحث طرح مجموعة من الأسئلة حول زواج القاصرات: هل تحكمه سيادة التقاليد والأعراف، أم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية هي التي تعصف بمصير فتيات بريئات؟ كيف تتم عملية تزويج القاصرات وما هي العوامل والأسباب التي تبرر هذا النوع من الزواج؟
وما هي المخلفات النفسية والجسدية التي يسببها الزواج المبكر؟ هل يمكن أن تصبح الزوجة القاصر أما قادرة على تحمل مسؤولية الأمومة بشكل جيد؟ وهل القوانين وحدها كافية للقضاء على هذه الآفة الاجتماعية؟ هذه أسئلة سنناقشها في هذا المقال.
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لزواج القاصرات
هناك أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية تساعد على تفشي هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة. يعتبر زواج القاصرات بالمغرب من الظواهر التي تندرج في إطار الثقافة الشعبية. ومن أشكال هذه الثقافة التقاليد البالية التي تفيد أنه يجب على الفتيات أن يقبلن بأول زوج يطلب أيديهن، حتى لا ينعتن بالعوانس. ذلك أن ضياع هذه الفرصة يقود إلى تهميش الفتاة اجتماعيا وإخضاعها للسلطة الأبوية التي تتداخل فيها طقوس شعبية ومفاهيم غيبية مثل: السعد/ السر المدفون/ السترة/الشرف، إلخ، وهي معتقدات تحظى بالقبول على مستوى المتخيّل الجمعيّ، لكنها تزيد من عزلة الفتاة ومن تحقير نفسيتها.
وهناك عدد من العائلات تتحايل على القانون وتخرقه من أجل تزويج قاصرات، لأنها تخاف من الرذيلة والفساد والضياع حفاظا على عرض وشرف العائلة، غير أنه أحيانا ما ينتهي هذا النوع من الزواج بالطلاق بطفل أو اثنين.
و يتم تشكيل البنية الذهنية والنفسية للفتاة وفق تربية أسرية واجتماعية تقليدية تحطم حب الأنا عندها وتقتل رغبتها في معارضة الرأي الآخر، إذ لا يحق لها التعبير عن مشاعرها وما يخالج صدرها من رغبات، ذلك أن المعتقدات الثقافية المتحجرة تشجع الفتاة على الطاعة والاحترام للأعراف والتقاليد. ولهذا لا غرابة في وجود حالات عديدة من زواج القاصرات بأزواج مسنين.
أما الأسباب الأخرى فتتعلق بالفقر والحاجة. حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة توجد 700 ألف أسر مغربية على عتبة الفقر ولاسيما في العالم القروي. وقد أحرز المغرب تقدُّماً لافتاً في محاربة الفقر خلال العقد المنصرم ساهمت فيه كل من الجهات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء. وذكرت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الفقر سجلت تراجعاً في البلاد، إذ انتقلت من نسبة 3.15% عام 2001 إلى 14.2 % عام 2004، ثم نزلت النسبة إلى مستوى أقل 8.9 %، عام 2007.
لكن تجربة المغرب لها محدوديتها الخاصة نظرا لاتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء على الرغم من الجهود المبذولة للحدّ من الفقر. لهذا السبب، ينبغي وضع سياسات عامّة أكثر ملاءمة لإعادة توزيع الدخل وأفضل استهدافاً للفقراء والشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع المغربي.
كما يعد الجهل أحد الأسباب الأساسية لتفشي ظاهرة زواج القاصرات. تفيد نتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2004 أن نسبة أمية المغاربة الذين تصل أعمارهم 10 سنوات فما فوق قد ناهزت43 في المائة. في حين يصل عدد الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة 10 ملايين شخصا ثلثهم من النساء، وهو ما يعادل 65 في المائة من النساء أغلبهن في البوادي والمناطق النائية.
ورغم تبني الحكومة لاستراتيجية وطنية ناجعة لمحو الأمية، إلا أن النتائج تبدو متواضعة في هذا الشأن ودون طموح بلوغ الأهداف المسطرة والمتمثلة في تقليص النسبة العامة للأمية إلى أقل من 20 في المائة في أفق 2012 و المحو شبه التام للأمية في أفق 2015 . ومؤخرا وعد رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران بالقضاء على هذه الآفة بصفة نهائية مع حلول سنة 2020. أول ضحايا الهدر المدرسي بالمغرب هم الفتيات بنسبة 58.4% وأطفال البادية بنسبة 80%، و40% من الأطفال المغادرين يحترفون الآن مهنا مختلفة.
ومن المشاكل التي تحول دون تطبيق المدونة الفهم الخاطئ للدين عند العامة، مما يعرض الفتاة للظلم والقهر والتعنيف ويجردها من كل حقوقها بدعوى الحفاظ على التقاليد والأعراف البالية.
ويستند الذين يعارضون السن القانوني للزواج إلى مقولة أن الإسلام لم يحدد سنا معينا للزواج، غير أن الأصل في الإسلام هي المقاصد وليست الألفاظ. ويستغلون سلطة الولي كما في الحديث الشريف "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، رغم أن هذا الحديث ينص أن الولي لا يلزم ابنته أن تتزوج من رجل لا ترغب فيه، لأن الرسول (ص) اعتبر موافقة المرأة على الزواج وعلى المهر من شروط صحة الزواج.
ولقد حددت المدونة المغربية سن الزواج في 18 سنة بالنسبة للذكر والأنثى لتحصيل التقارب النفسي والعقلي والعمري حتى تضمن استقرار الحياة الزوجية. وقد أفتى بعض الفقهاء مثل المستشار المصري حمادة الصاوي بأن زواج القاصرات يعتبر استغلالا جنسيا للأطفال يجب معاقبة من يقوم به سواء الأبوين أو المحامين أو الوسطاء.
ففي نظرنا الأب الذي يزوج ابنته القاصر لرجل في عمر جدها يعتبر فاسقا ويجب عقابه، ولابد أن يكون العقاب ردعا لمواجهة هذه الظاهرة التي تنتشر بقوة في بعض القرى والمناطق المهمشة، ولاسيما أن هناك دراسات تبين أن هذا الزواج لا يستمر وهو باطل شرعا وقانونا لأنه غير موثق. كما تجب الإشارة إلى الخصوصيات الثقافية والعادات والتقاليد وبعض الإكراهات المادية التي تدفع بعض الأسر في منطقة الأطلس المتوسط والريف و الصحراء إلى تزويج الفتاة القاصر عن طريق ما يسمى بزواج الفاتحة. وهو كالزواج العادي لكنه لا يُقيد رسميًا عند الجهات المختصة، وبعض العلماء يُحرمه بسبب عدم تقييده عند الجهات المختصة ؛ لما يترتب عليه من مشاكل لا تحصى بسبب ذلك.
ويصعب على المحاكم التعامل مع قضايا شائكة من هذا النوع، خصوصا بعد أن يسفر هذا الزواج عن أبناء يكون مصيرهم الجهل والبطالة والفقر كمصير آبائهم وأمهاتهم. ولهذا ينبغي على المحاكم والقضاء توثيق عقود الزواج والتأكد من أوراق الزواج وكونها مطابقة للسن القانوني الذي حدده المشرع في 18 سنة.
وتتعرض الفتاة القاصر أحيانا للعنف المعنوي والجسدي والاستغلال الجنسي ولسوء المعاملة لدرجة أن عددا كبيرا منهن ينقطعن عن الدراسة من أجل الزواج. وفي حالات كثيرة ينتهي هذا النوع من الزواج بالطلاق.
وفي المغرب كشفت إحصائيات مصدرها وزارة العدل أن حالات تزويج القاصرات في ارتفاع مقارنة بالعام 2007، حيث تم تزويج 31000 فتاة قاصر في 2008 مقابل 29847 حالة في 2007، وارتفع العدد إلى حوالي 34000 سنة 2010. وحسب الإحصائيات الرسمية فإن 11 في المائة من حالات الزواج هو زواج قاصرات.
وتمنع مدونة الأسرة الفتيات والشباب الذين لم يبلغوا سن 18 من الزواج إلا بإذن القاضي حيث مكنت هذه الثغرة آلاف الأسر من تزويج بناتها قبل السن القانوني.
تشير المدونة في المادة 19 إلى اكتمال " أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية". المشرع من خلال هذا الباب يكون منسجما مع المواثيق الدولية وخاصة نص اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أن " الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة. "
لكن المشرع، من خلال المادة 20، ينتقل من الكونية الحقوقية إلى الخصوصية الاجتماعية المحلية تقييدا منه لسلطة المرجع الكوني،إذ يعتبر أن " لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي" كما أن " مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن ".
ونعتبر أن هذا تقصير في مدونة الأسرة، لكونه ساهم في رفع نسبة زواج القاصرات بموجب ممارسة صلاحيات القضاة. أما المقاييس التي يعتمدها القاضي لمنح الإعفاءات هي عادة متباينة، فيتم قبول أغلب الطلبات، وهذا يشجع الأسر على مواصلة هذه العادة، رغم أننا كنا نعتقد أن المدونة ستغير كل شيء. وصرح وزير العدل سابقا السيد عبد الواحد الراضي أن القضاة لا يمنحون تلقائيا الإذن بالزواج للقاصرات باعتبار أنه تم رفض 7 في المائة من الطلبات حسب الوضع الاجتماعي الخاص لكل فتاة.
فكيف تتحمل طفلة عمرها 12 أو 15 أو 16 سنة مسؤولية الزواج وتربية الأطفال علما أنها في حاجة أن تعيش طفولتها وتتابع دراستها، وتصون كرامتها. فهذا يعد بحق اغتصابا للطفولة بكل أبعاده النفسية والجسدية. فكيف تنظر الدولة لهذا الموضوع وهل من عقوبات مادية وزجرية على من يتزوج طفلة لا يتجاوز عمرها 15 سنة؟ في نظرنا ينبغي إصلاح المدونة من أجل الحد من صلاحيات القضاة وتوضيحها بشكل كامل ومحدد فيما يخص زواج القاصرات.
العواقب الوخيمة لزواج القاصرات
أما عواقب زواج القاصرات فلا تعد ولا تحصى ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الانقطاع عن الدراسة والعنف الأسري والاضطرابات النفسية و أحيانا الطلاق أو الانتحار، ناهيك عن انعدام كل الشروط الصحية والنفسية للفتاة وانتهاك حقوق الطفل. كما لا يخفى أن حالات عديدة من الفتيات يتعرضن لحالات من النزيف يهدد حياتهن الهشة صحيا، بفعل الحمل المبكر الذي لا يخضع لأي مراقبة طبية أو بفعل الاغتصاب المصحوب بالضرب في إطار العلاقة الزوجية.
لا شك أنه أصبح من الضروري إصلاح المدونة بعد 9 سنوات من تنفيذها على أرض الواقع. وعليه نرى أن مسؤولية جمعيات المجتمع المدني تتجه نحو مسارين: مسار ممارسة الضغط المدني لحذف المادة 20 من مدونة الأسرة، ومسار التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة اقتصاديا واجتماعيا و أخلاقيا.
ولا يفوتنا أن نشيد بالمجهودات الجبارة التي تقوم بها الدولة من أجل محاربة الأمية والفقر والهشاشة (عبر برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والحملات الوطنية لمحو الأمية وتنمية العالم القروي) إضافة إلى دور جمعيات المجتمع المدني من أجل القضاء على هذه الآفة الاجتماعية، من خلال تكثيف الجمعيات النسائية والحقوقية لجهودها مع التنسيق مع باقي الحركات الديمقراطية، والانفتاح على كل الإطارات الحقوقية والمدنية المناهضة لزواج القاصرات. وانتقد الناشطون في عدة جمعيات مؤخرا الطريقة التي طبقت بها مدونة الأسرة والتي كان من المفروض أن تضع حدا لزواج القاصرات.
خاتمة
ختاما نؤكد تفشي ظاهرة تزويج القاصرات لاسيما في البوادي والمناطق النائية لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية أهمها الفقر والجهل، الشيء الذي يعد انتهاكا للطفولة وتجاوزا لقوانين مدونة الأسرة، مع التنبيه أنه ينبغي معاقبة كل من يساهم في هذا الممارسة المشينة. وقد حان الأوان لتنزيل الدستور الجديد ومحاربة هذه المعضلة الخطيرة بزجر هكذا سلوكات وتغيير العقليات.
ورغم كون مدونة الأسرة المغربية رائدة على الصعيدين الجهوي والعالمي، ينبغي مراجعتها لتجريم تزويج الطفل القاصر الذي له عواقب وخيمة مدى الحياة على الفرد والمجتمع اقتصاديا واجتماعيا.
كما نقترح وضع استراتيجية وطنية مندمجة لإشراك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتوفير مشاريع مدرة للدخل للأسر الموجودة في وضعية اجتماعية صعبة، والقيام بحملات تحسيسية على الصعيد الوطني من طرف وزارات العدل والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية، وتوفير الحماية والوقاية للأطفال وصيانة حقوقهم في التعليم والتكوين والتغطية الصحية، وتدعيم نشاط المجتمع المدني لمحاربة تزويج الفتاة القاصر، وتشجيع الأبحاث الميدانية حول هذا الموضوع ونشرها تعميما للفائدة، وإصلاح مدونة الأسرة وسد ثغراتها وتوحيد المساطر في جميع المحاكم على الصعيد الوطني من أجل تقييد شروط تزويج القاصر وألا يحصل الاستثناء على حالات أقل من 17 سنة، ومحاربة كل أنواع العنف ضد المرأة بتلاؤم مع المواثيق الدولية، وإيجاد سياسات عمومية لتحقيق المساواة بين الجنسين، وتفعيل المساعدات الاجتماعية في محاكم الأسرة كآليات مساعدة للقاضي في ملفات الزواج، مع تركيز وسائل الإعلام على هذه القضية لأننا نحتاج فعلا إلى إعلام قوي يقنع المجتمع بخطورة هذه المشكلة ويقوم بتوعية الأسر بخطر زواج القاصرات.
*باحث وكاتب مغربي
رئيس المعهد الدولي للغات والثقافات بفاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.