إعالميداوي: هيكلة البحث العلمي مسألة استراتيجية لمواكبة التحولات المتسارعة في مجالات الابتكار والاستثمار التكنولوجي    35 منتخبة و7 فرق سياسية مكونة لمجلس جماعة طنجة تتضامن مع البرلمانية الدمناتي    وزارة العدل تنفي تسريبات إلكترونية وتؤكد سلامة أنظمتها المعلوماتية    افتتاح التسجيل لزيارة معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية    التزوير واستعماله وانتحال هوية الغير يقود زوجين إلى الاعتقال        خلق حوادث سير وهمية وشهادات مزورة.. 5 سنوات سجناً لمتهم نصب على شركات التأمين    مصر: لا دخول للأجانب دون إذن مسبق    قائد "أفريكوم" يؤيد نقل مقر القيادة الأميركية من أوروبا إلى المغرب    المغرب: استغلال الجزائر لقضية الصحراء يروم زعزعة الاستقرار الإقليمي    "الكاف": بفضل الدعم الهيكلي للجامعة المنتخب المغربي للسيدات يشهد تحولا عميقا    دكاترة التعليم يحتجون بالرباط للمطالبة بالترقية والاعتراف الأكاديمي    "الأخضر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    المغرب والنيجر يعززان الشراكة الاستراتيجية: سفير جديد يفتتح مرحلة جديدة من التعاون الثنائي    حجز سيارات ومخدرات بإساكن وتارجيست وكتامة إثر حملات تمشيطية واسعة ومكثفة    الصويرة: 350 فنانا و40 معلما و54 حفلا موسيقيا خلال الدورة 26 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم    الصين تعلن إلغاء الرسوم الجمركية كلياً لصالح 53 دولة إفريقية    رئيس أمريكا: اكتمال الاتفاق التجاري مع الصين    العالميّة المغرورة.. بقامتها الأقصر من قارورة !    أمسيدر رئيسا مؤقتا لجامعة ابن زهر    وزارة العدل تنفي تسريب معطياتها وتؤكد سلامة أنظمتها المعلوماتية    الضمانات النووية: المغرب يحصل للمرة الأولى على أعلى مستوى من الضمان من لدن الوكالة الدولية للطاقة الذرية    وزارة الداخلية تعفي والي جهة مراكش آسفي وتعين واليا بالنيابة في انتظار قرار جديد    القضاء يدين "فيديو الطاسة" في طنجة    الرجاء الرياضي يعلن موعد جمعه العام ويمهد لتغيير في قيادته    خدمات التجارة غير المالية تثير التفاؤل    "نوردو" يسعد بالغناء في "موازين"    مهرجان حب الملوك 2025: احتفال على إيقاع الاحتجاجات واستياء من «إقصاء» الفعاليات المحلية    أسس ومرتكزات الإصلاح الديني    ما الذي تبقى من مشروع الثقافة الوطنية؟    أكاذيب جزائرية    تطوير بنكرياس اصطناعي ذكي لتحسين إدارة السكري من النوع الأول    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    النظام السوري الجديد يفرض على النساء ارتداء البوركيني ويمنع على الرجال الظهور عراة الصدور في الشواطئ العامة    13 منتخبا حجز مقعدا له في نهائيات كأس العالم 2026 لحد الآن مع نهاية التوقف الدولي    صيادلة يبرزون الاستخدام الصحيح لجهاز الاستنشاق    الحرس الملكي ينظم المباراة الرسمية للقفز على الحواجز ثلاث نجوم أيام 20 ، 21، و22 يونيو الجاري بالرباط    مصدر مسؤول ل"الأول": الجامعة مستاءة من أداء "الأسود".. ولقجع يدعو الركراكي إلى اجتماع عاجل    بيان عاجل حول انقطاع أدويةاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من الصيدليات وتأثير ذلك على المصابين وأسرهم    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    ماسك يعبر عن أسفه: "تجاوزت الحد مع ترامب"    إعفاء واليي فاس ومراكش بعد مخالفة توجيهات عيد الأضحى    طاهرة تعود بقوة إلى الساحة الفنية بأغنية جديدة بعد غياب طويل    انطلاق عملية "مرحبا 2025" لاستقبال المغاربة المقيمين بالخارج    مزور: لدينا إمكاناتٌ فريدةٌ في مجال الهيدروجين الأخضر تؤهّلنا للعب دورٍ محوريٍّ في السوق الأوروبية    الوزيرة السغروشني: الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعمل على تسريع بروز كفاءات تتماشى مع تحديات المستقبل (صورة)    تتويجا ‬لجهود ‬المملكة ‬في ‬الاستثمار ‬الاستراتيجي ‬والرؤية ‬الواضحة ‬لتعزيز ‬قدرة ‬البلاد ‬التنافسية ‬واللوجستية..‬ ميناء ‬طنجة ‬المتوسط ‬يواصل ‬مشوار ‬التألق ‬و ‬الريادة    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    الصين تطلق ثورتها الكهربائية من المغرب: استثمارات ضخمة وشراكات استراتيجية تؤسس لعهد صناعي جديد    مانشستر سيتي يعلن تعاقده مع اللاعب الهولندي تيجاني رايندرس    وداد فاس يبلغ نصف نهائي كأس التميز على حساب نهضة بركان    مهنيو صنف السويلكة بالجديدة يعبرون عن احتجاجهم و رفضهم لمقترح مشروع تهيئة مصايد الصيد لوزارة الصيد البحري    النائب البرلماني يوسف بيزيد يتدخل لنقل جثمان مغربي من الجزائر الى ارض الوطن    نصائح صيفية مفيدة في تفادي لدغات الحشرات    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    كأنك تراه    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    









نموذج تطبيقي
نشر في كود يوم 28 - 09 - 2013

تنشر جريدة (المساء)، عبر حلقات مشوقة ومثيرة، استجوابًا مع السيد عبد الله القادري (ضابط متقاعد ورئيس حزب) يسترجع من خلاله الرجل ذكرياته. كلام القادري يجب أن يُؤخذ، طبعا، بنوع من الحذر والاحتياط، فقد تدفع الرغبة في تصفية الحساب مع منافسين وخصوم وزملاء متفوقين أو النزعة العدائية المغالى فيها إزاء رموز اليسار والمعارضة السابقة، مثلاً، إلى التركيز على وقائع دون أخرى أو التجني على أشخاص معينين..إلخ. ومع ذلك، تظل حلقات الاستجواب مفيدة للباحثين، فهي تقدم معلومات لم يسبق أن أُذيعت أو وردت في مرجع آخر، وهي تسلط المزيد من الضوء على طريقة في الحكم انتُهجت مند حصول المغرب على استقلاله، وهي تقدم عناصر جديدة وإضافية لفهم ظاهرة (الأحزاب الإدارية) وعلاقاتها بمركز القرار. ومن ثمة، تدفعنا هذه الحلقات إلى التساؤل عما إذا كنا قد نجحنا ،اليوم، في حل مشكلة سياسية اسمها (الأحزاب الإدارية) وطوينا صفحتها وحررنا الساحة السياسية من مخلفاتها وآثارها أم لا، علمًا بأن المغرب لن يحقق انتقاله الديمقراطي إلا إذا تمكن من حل تلك المشكلة.
الأحزاب الإدارية هي أحزاب وُجدت بقرار من سلطة مركزية يُفترض فيها أن تكون محايدة في الصراع السياسي، وهي أحزاب أعلن عن تأسيسها مسؤولون سامون يحتلون موقعًا حساسًا في الدولة ويتمتعون بنوع من القرب الخاص من القصر ويحظون بثقته.. المحجوبي أحرضان، مؤسس الحركة الشعبية، كان عاملاً على الرباط؛ وأحمد رضا اكديرة، مؤسس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، كان المدير العام للديوان الملكي ووزير الداخلية؛ وأحمد عصمان، مؤسس التجمع الوطني للأحرار، كان وزيرًا أول وصهرا للملك؛ والمعطي بوعبيد، مؤسس الاتحاد الدستوري، كان وزيرًا أول.
والأحزاب الإدارية هي أحزاب زُوِّرَتِ الانتخابات لصالحها وجرى التغاضي عن المخالفات المرتكبة من طرف مرشحيها، وتمَّ دعمها بوسائل الدولة المادية والمعنوية، وتمَّ البحث لها عن مرشحين من الأعيان، وحظيت بوضعية امتيازية مقارنة بالأحزاب الأخرى، الأمر الذي مسَّ بتكافؤ الفرص بين المتبارين في حلبة الصراع السياسي.
والأحزاب الإدارية هي أحزاب تعتبر أن مهمتها الرئيسية هي حماية الملكية وإفشال "المؤامرات" المحوكة ضدها والالتزام، بصورة عامة، بمبدأ الطاعة المطلقة ومسايرة وتثمين ودعم كل ما يصدر عن القصر من مبادرات وقرارات وتوجيهات وبرامج ، بدون أي تحفظ، وتنفيذ كل ما يُطلب منها باسم القصر، حتى ولو تطلب الأمر تغيير المواقف بين عشية وضحاها (قضية الأكرية في البرلمان)، وحين يقع أحد القادة في خطيئة عدم الانضباط الحرفي للتقاليد المرعية وفروض الولاء المتعارف عليها فإنه يعرض نفسه للعقاب والإبعاد (حالة المحجوبي أحرضان في مرحلة من المراحل).
والأحزاب الإدارية هي أحزاب ترفع شعار الليبرالية الاقتصادية، ولكنها، في العمق، لا تولي كبير أهمية ل"قضية" البرنامج ولضرورة التقيد به، رغم نشره، مادام البرنامج المعول عليه هو برنامج الملك ومادام الاجتهاد المطلوب هو تدبير الصيغ العملية لحسن تطبيق البرنامج الملكي.
والأحزاب الإدارية هي أحزاب تتسامح كثيرًا إزاء الوسائل المستعملة من طرف أعضائها، خاصة في المجال الانتخابي، ولهذا فإن سجل مخالفات الأعضاء يتضمن أضعاف ما تتضمنه سجلات أعضاء الأحزاب الأخرى.
والأحزاب الإدارية هي أحزاب ينخرط فيها الفرد وهو يشعر بأنه أسدى إلى الدولة خدمة، وأن العمل الحزبي لا يمكن أن يكون بدون أثر إيجابي مباشر على حياة الفرد ومعيشته.
وحين نحاول استعراض لائحة الأحزاب الإدارية التي عرفتها بلادنا، نلاحظ أن الحركة الشعبية حزب إداري من نوع خاص، فهو حالة معقدة، إذ ظهر في فترة لم يكن القصر فيها قد سيطر على دواليب الإدارة كاملة، وكان هناك غضب حقيقي إثر تجاوزات منسوبة إلى حزب الاستقلال، ولم تكن الدولة العميقة قد استكملت هيكلتها، وعبَّر عن حاجة موضوعية إلى بناء فضاء تعددي وسلطة مضادة داخل الحقل الحزبي، ولم يكن الحسن الثاني قد تولى الملك، ورافق ظهور الحزب سجن واعتقال بعض أعضائه، الأمر الذي يعني، ربما، أنه لم يكن، حين نشوئه، حزبًا إداريًا مائة في المائة، إلا أنه كان مقربًا من القصر وتتطابق مصلحته مع مصلحة هذا الأخير في الحد من نفوذ الحركة الوطنية، ولكن الحركة الشعبية، في ما بعد، استكملت مقومات الحزب الإداري الذي يقبل بوضع نفسه رهن إشارة القصر وتحت توجيهه وفي خدمته.
وهناك من يعتبر أن الإتحاد الوطني للقوات الشعبية نفسه هو أيضًا حزب إداري مادام عبدا لله إبراهيم كان رئيسًا للحكومة في لحظة تأسيسه، لكن الحزب كان عمليًا موجودًا على الأرض قبل هذه اللحظة، مشخصًا في مناضلي ما كان يُعرف بالجناح التقدمي لحزب الإستقلال.
قبل نشر حلقات استجواب القادري، كنا لا نتوفر إلا على شهادات محدودة موثقة بالكتابة عن علاقة الأحزاب الإدارية بجهاز الدولة (مذكرات عبد الكريم الخطيب التي تشير إلى دور الحسن الثاني في انضمام الحركة الشعبية إلى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية – شهادة عبد العزيز المسيوي التي تشير إلى أن الملك هو من اقترح على الاتحاد الدستوري، بعد وفاة المعطي بوعبيد، أن يتم العمل بنظام التناوب في رئاسة الحزب إلى حين انعقاد المؤتمر..إلخ). اليوم، ها هو عبد الله القادري يمطرنا بوابل من المعطيات الوفيرة عن حالة محددة بالضبط، هي حالة الحزب الوطني الديمقراطي، باعتبارها نموذجًا تطبيقيًا لمفهوم الحزب الإداري؛ والجديد، أيضًا، أن الرجل لا يشعر بأي إحراج في تقديم تلك المعطيات، وفي الانتماء إلى ذلك الحزب مادام الأمر اقتضه ضرورة خدمة الملكية. لقد أفصح القادري، دفعة واحدة، عما كان الآخرون يترددون في التصريح به علنا، انطلاقًا، ربما، من أن وجود مثل هذا الحزب، بالمواصفات التي عدَّدها، ليس بالأمر الشاذ سياسيًا والخارج عن المألوف وليس بالظاهرة التي ما كانت لتوجد، بل يعتبر أن لها ما يبررها !
القادري يؤكد، إذن، أن الدليمي والبصري أخبراه بأن الملك الحسن الثاني يطلب منه الانخراط في العمل السياسي في برشيد لأن المنطقة "ما فيها مايتشاف وفيها غير المعارضة"، بمعنى أن إحدى المهام الأساسية للأحزاب الإدارية هي ملاحقة المعارضة السابقة في معاقلها والعمل على قص أجنحتها وحصر امتدادها. ويؤكد القادري أن السبب في ظهور الحزب الوطني الديمقراطي، المنشق عن التجمع الوطني للأحرار، هو أن الملك الراحل أراد أن يعاقب أحمد عصمان الذي أُصيب بالزهو بسبب توفره على فريق كبير، وأن الملك هو من اختار تسمية الحزب الجديد، وأن الدولة دعمت هذا الأخير "لأن أصدقاءنا –يقول القادري- كانوا كلهم في الدولة"، وأن عصمان كان يقول إن الدولة تمنح لكل واحد نصيبه، فلا ضرورة للعمل "الميداني" الملموس مع الناس، وبالنسبة إلى التجمع الوطني للأحرار "في وقت الانتخابات –يقول عصمان- الدولة غادي تعطينا النصيب ديالنا"، وأن البصري كان يقول : "أتظن أن الحملة هي التي تضمن النجاح، والله اللي ما بغيناه يدوز لا داز"(*)، وأن الملك كان يرسل أحد مستشاريه إلى قادة الحزب الوطني الديمقراطي ليشير عليهم بما يجب عمله في هذه القضية أو تلك...إلخ.
والخلاصة أن النموذج التطبيقي الذي يتحدث عنه القادري يحمل كامل مواصفات الأحزاب الإدارية التي ينبع قرار تأسيسها من فوق، ويتم تكليف وجوه مقربة بقيادتها، ووزارة الداخلية تمنحها حصتها من المنتخبين حتى وإن لم تكن تستحقها، أي عمليًا، بتزوير النتائج؛ وهناك من كان يقرر مكان هذه الأحزاب ويحدد لها ما يجب أن تعمله وما يجب ألا تعمله، ويتم دعمها من طرف الدولة لمواجهة أحزاب المعارضة آنذاك.
والأخطر من كل هذا أن القادري الذي طُلب منه أن يمارس السياسة هو نفس القادري الذي كان على رأس وحدة العتاد الحربي في الجيش، ولما خرج للعمل في القطاع الخاص، فتحت أمامه نفس الوحدة إمكانات تجهيز "كل" أوراش الجيش فتضاعف رقم معاملاته إلى درجة أنه صرح للجريدة : "لم أعد أعرف من أين يأتيني المال". لكن، ما لم يفصح عنه القادري هو مدى وجود علاقة ما أو عدم وجودها بين "الطلب" الذي وُجِّهَ إليه لممارسة السياسة من خلال حزب إداري و"الكيفية" التي جعلت الأموال تتهاطل عليه من خلال صفقات كانت تجريها شركته مع الجيش..
تصريحات القادري(**) تناولت نموذجًا من الأحزاب إدارية المنشأ، والتي عُرفت في عهد الحسن الثاني، فهل هناك أحزاب أخرى إدارية المآل؟ وهل عهد محمد السادس قطع مع فكرة إنشاء وتعهد حزب أو أحزاب إدارية وحَلَّ، بصورة نهائية، المشكلة التي ورثها عن العهد السابق؟.
جريدة "المساء"
19 شتنبر 2013 العدد 2173
الصفحة 01-07
(*)– وبالنسبة إلى الحزب الوطني الديمقراطي، خاطب البصري عبد الله القادري قائلاً، حسب شهادة هذا الأخير : "كنتم في انتخابات 1984 لن تحصلوا حتى على برلماني واحد ولكن الحسن أوصى بأن نرخف عليكم ففعلنا وحصلتم على 24 نائبًا".
(**)– في حلقات الاستجواب المنشورة إلى حدود كتابة هذا المقال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.