يونس مجاهد – رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عضو المجلس الوطني للصحافة// من المؤكد أن موضوع تأسيس المجلس الوطني للصحافة، قد حاز الإهتمام الذي يستحق، سواء من طرف المهنيين أو من طرف العديد من الفئات داخل المجتمع، وهو أمر طبيعي وصحي، يثبت الحيوية البالغة التي يتميز بها الجسم الصحافي، في المغرب، والأهمية التي يمنحها المجتمع لمهنة الصحافة، وهو أمر يعتبر مؤشرا إيجابيا على المكانة التي ينبغي أن تحتلها هذه المهنة. وقد إنتبهت مهنة الصحافة، منذ أن رسخت وجودها وموقعها في المجتمعات المعاصرة، الى الأهمية القصوى، لمعالجة مشاكل الأخلاقيات، في إطار توافق بين مكوناتها، على التنظيم الذاتي. ومن الواضح أن هذا التطور الذي عرفته المهنة، كان يستند على ركنين أساسيين، الأول، مهني، حيث أن الصحافيين قرروا هم أنفسهم التصدي لما يمكن أن ينحرف بمهنتهم عن أهدافها النبيلة، فوضعوا قواعد الكتابة والأجناس الصحافية، وتوافقوا على مواثيق للأخلاقيات، الثاني، حقوقي، يستمد أسسه من مبادئ حقوق الإنسان، خاصة الحق في تلقي الأخبار ونشرها وحرية التعبير، طبقا لضوابط تحترم كرامة الناس وكل ما يمكن أن يمس شرفهم أو يكون مناقضا لحقوقهم الأساسية. وضعت النقابة الوطنية للصحافة، قضية أخلاقيات المهنة، على رأس أولوياتها، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما تناسلت أسبوعيات، بشكل لم يسبق له نظير، كان هدفها هو الربح التجاري، على حساب المهنية والأخلاقيات. فنظمت النقابة ندوة دولية، للتعرف على التجارب الأخرى، وبعدها شكلت لجنة حكماء، برئاسة الأستاذ المرحوم، المهدي بنونة، قامت بصياغة أول ميثاق لما أسمته آنذاك “آداب المهنة”. وقد عملت النقابة على تعزيز هذه التجربة، بإنشاء الهيأة الوطنية المستقلة لأخلاقيات المهنة وحرية التعبير، التي جاءت نتيجة عمل دام سنتين، اشتغلت حوله النقابة، إلى جانب هيآت حقوقية أخرى، لبناء تصور لهذه الهيأة، تلاها اجتماع لأكثر من 300 صحافية وصحافي، في الدارالبيضاء سنة 2001، لصياغة ميثاق لأخلاقيات المهنة، وقد ترأس الهيأة الأستاذ مشيشي العلمي الإدريسي. كل هذه التجارب، كانت تحتاج لسند قانوني، وهو ما تمت بلورته، سنة 2005، في لقاء الصخيرات، الذي تم الإتفاق فيه على تعميم الدعم على الصحف، والتوقيع على اتفاقية جماعية وصندوق إجتماعي للصحافيين، وكذا مراجعة شاملة للقوانين المؤطرة للمهنة. ودام الإشتغال مع وزارة الإتصال، لمدة سنة، لإصلاح قانون الصحافة والقانون الأساسي للصحافيين المهنيين، وقانون لإحداث مجلس وطني للصحافة، غير أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، رفضت التوقيع آنذاك على الإتفاق، نظرا لأن مشروع قانون الصحافة كان يتضمن عقوبات سالبة للحرية. وفي مذكرتها اللجنة الإستشارية لمراجعة الدستور، دافعت النقابة عن مشروع التنظيم الذاتي للمهنة، وهو ما ورد في الفصل 28 من الدستور، في صيغة أن السلطات العمومية تشجع على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة بها. وبناءاً على هذا المبدإ الدستوري، تأسست لجنة علمية يرأسها الأستاذ المرحوم، محمد العربي المساري، بمشاركة فاعلة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي توصلت إلى اتفاقات شبه نهائية حول القوانين الثلاثة، عرفت صياغتها القانونية، تعديلات بعد ذلك. لذلك فإن المجلس الوطني للصحافة، ليس سوى نتاجا لمخاض طويل، شرع المهنيون في الإعداد له، خلال سنوات طويلة، وارتبط بتطلعاتهم لتطوير مهنتهم، على مختلف المستويات القانونية والأخلاقية والمهنية والإجتماعية، وهو ما جاء مفصلاً في صلاحيات المجلس. وقد كان النقاش الذي رافق الحملة الإنتخابية لهذا المجلس، غنيا بالدلالات، رغم ما شابه في بعض الأحيان، من انحراف عن الأخلاقيات، لكن الجزء الغالب من المهنيين إعتبر أن هذه الهيأة قد تشكل فرصة ليتولى المهنيون شؤونهم بأنفسهم. ومن خلال اللقاءات المكثفة بين الصحافيين، التي تمت آنذاك، تجلت الأهمية القصوى التي يوليها المهنيون، لأربعة محاور، وضعوها على رأس إنتظاراتهم؛ الأول، يتعلق بالسهر على احترام الأخلاقيات، الثاني، تنظيم المهنة، الثالث، الإهتمام بالجانب الإجتماعي، الرابع، التكوين والتكوين المستمر. ومن المؤكد أن هذه الإهتمامات، إلى جانب المساهمة في إصلاح القوانين وإنجاز الدراسات حول القطاع، ليست سوى إستمرارا لسنوات طويلة من النضال الذي خاضه المهنيون، بهدف الإرتقاء بمهنتهم، في إطار الوفاء للمسؤولية الإجتماعية، الملقاة على عاتق المهنة.