ذكرى ميلاد صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم.. مناسبة لإبراز جهود سموها من أجل النهوض بوضعية المرأة والطفل    اجتماع أخنوش بأعضاء مكتب جماعة أكادير: قضايا الأولوية بين أجندة المجلس وانتقادات المعارضة    المغرب يفتح أبوابه ل20 ألف طن من اللحوم البرازيلية    شي جينبينغ يستقبل رئيس مجلس الدوما الروسي ويؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو    بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027    دعوات للاحتجاج أمام ابتدائية عين السبع تزامنا مع محاكمة المدونة سعيدة العلمي    محكمة الحسيمة تدين شخصين بالسجن في قضايا هتك عرض قاصر        النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي تعلن برنامجا احتجاجيا جديدا بسبب مشروع القانون الأساسي    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله    303 وفاة بسبب المجاعة بقطاع غزة    بولتون ‬رأس ‬حربة ‬اللوبي ‬الانفصالي ‬بواشنطن ‬في ‬ورطة ‬جنائية ‬جديدة ‬تبدد ‬ما ‬تبقى ‬له ‬من ‬تأثير ‬و ‬مصداقية ‬    عائلتا الدريدي وبلهواري تحييان الذكرى 41 لوفاتهما بعد إضراب 1984        عمالات الدار البيضاء تطلق لقاءات تشاورية لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الدولار يتراجع في آسيا بعد إقالة ترامب لعضو بالاحتياطي الفيدرالي        توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    كيوسك الثلاثاء | أكثر من نصف المغاربة واعون بالتغيرات المناخية        الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله                    جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    أجواء جيدة تطبع استعدادات "المحلي"    الوداد يعزز صفوفه بوليد عتيق    أمطار خفيفة وحرارة مرتفعة ورياح نشطة.. هذا ما ينتظر المغاربة غدا    ترامب: الأمريكيون "يرغبون في ديكتاتور".. وسمكة عنيفة تأتي من الصين    إدانات دولية واسعة لقصف مستشفى في غزة.. وترامب لا علم له بالحريمة ولا يريد أن يراها    ولي العهد يستقبل 50 طفلا فلسطينيا شاركوا في مخيم "بيت مال القدس"    المندوبية العامة للسجون توضح بشأن تنفيذ قانون العقوبات البديلة        الدكتور المغربي يوسف العزوزي يبتكر جهازاً ثورياً لتصفية الدم يفتح آفاقاً جديدة لزراعة الأعضاء    موريتانيا تتخذ إجراءات وقائية بعد تسجيل حالة إصابة بمرض جدري القردة بالسنغال    منهج الشغف عند الطفل    في انتظار الذي يأتي ولا يأتي    انطلاق بيع تذاكر مبارة المغرب والنيجر    "الماط" يعلن رسميا رفع المنع الدولي    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين .. "عازمون على الفوز على منتخب السنغال لبلوغ النهائي" (السكتيوي)    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    «مهرجان نجوم كناوة».. رواد الفن الكناوي يلهبون حماس جمهور الدار البيضاء    بعد العودة من العطلة.. انعقاد مجلس الحكومة الخميس المقبل    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    فيديو يقود لتوقيف مختل بالدار البيضاء    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    مبابي يسجل هدفين ويهدي ريال مدريد فوزه الثاني في الدوري الإسباني    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"شيء من الهلوسة".. نهاية لم تكن تحت السيطرة
نشر في هسبريس يوم 16 - 10 - 2022

ما تبينت حقيقة المشاعر التي انتابتني حين سمعت وقرأت عن خبر الفاجعة التي حلت مؤخرا بمدينتنا العجائبية (ضحايا الكحول المسمومة): حزن على غضب على حسرة...وما جبنت يوما عن تناول موضوع مثلما حدث معي هذه المرة. صدمتي كانت عنيفة وكأنه لم يسبق لي أن شاهدت بعض مدمني الكحول (لالكول) على قارعة الطريق وجنبات الشوارع، أو عرفت بعضهم عن قرب، لكن العادة تقتل الفضول الإنساني، تعودنا على مشاهدة ظاهر معاناتهم، فما عادت تثير انتباهنا إلى أن استيقظنا على ضجة إعلامية تهاطلت فيها التعليقات وانهالت على رؤوسنا عبارات النعي والإخبار، بين ما يحمل حزنا أو يضمر ارتياحا وتشفيا، وبين من اعتبرهم ضحايا ومن أدانهم كعصاة آثمين. ثم تقارع الناس في تحديد مصائرهم الأخروية، فهذا يراهم شهداء ويغبطهم على الجنة وذاك يستعيذ بالرحمان من كفرهم ويتوعدهم بنار جهنم خالدين فيها.
ولا يخفى علينا أننا شعب يبدع في فن المحاكمات، ويتفوق في الإمساك بكل المهام، إذ نقوم بدور الخصم والحكم والجلاد.
أما هم فقد رفضوا هذا المجتمع، واختاروا طوعا أو قسرا الشارع، ملاذا ومسكنا لهم.. افترشوا الأرض والتحفوا السماء، ربما لأن رحابة الشارع كانت أحن عليهم من جدران البيوت، وربما لأنه يؤمن لهم الحرية الوهمية المنشودة، ولو في تعاطي الكحول والمخدرات.. هابوا النهار واستأنسوا بالليل، فانقضت عليهم ذئاب بشرية، تقتات على أوجاعهم، تستغل حاجة بقايا أجسادهم لما يسكن آلامها وعوز عقولهم لما يخدر وعيا أشقاهم، كي يتمكنوا من البقاء وليس من العيش، فقد وقعوا في قبضة الإدمان الذي لا يفرج بسهولة عن أسراه، ويوصد في أوجههم أبواب النجاة.
ثم رحلوا في ليلة، أتخيلها دهماء غير مقمرة، اختلط فيها عواء ذئاب شمت رائحة الموت بعويل صفارات الإنذار لسيارات الإسعاف التي كانت تركض هنا وهناك، تلتقط أجسادا بشرية منهكة يعتصرها الألم، لتلفظ أنفاسها الأخيرة، ربما غير آسفة على حياة لم تنصف أصحابها وعلى واقع هربت منه لهلوسة الإدمان.
تجرعوا مرارة الحياة، ولم ترحمهم قسوة الموت.. طلبوا الحياة التي هزمتهم، وهم يغترفون ماء الحياة، فانتصروا عليها بالموت.
في هذه المرة لم يتمكن الذئب البشري من ضبط الوصفة السحرية رخيصة الثمن لجلب السعادة، الراحة والثقة بالنفس المفتقدة... الوصفة التي تمنح المدمن في تيهه ما يفتقده في واقعه، وبين مطرقة الفقر وسندان الحاجة للمخدر افتقدوا الحق في العيش الكريم وضاع حقهم في الموت الكريم؛ وبين هذا وذاك تم اغتيالهم بماء الحياة، لتظل ذكراهم شاهدة على الأعطاب الاجتماعية التي تنخر واقعنا. وما استفز قلمي وأيقظني من سبات هول الصدمة هو مشهد أحدهم، كان يمر بجانبي في الشارع العمومي وهو يحشر أنفه داخل كيس بلاستيكي، فيبادره شخص على الرصيف الآخر ضاحكا: "صاحبي... زكلت الموت...".
أدركت حجم الكارثة التي لم تكن تطوراتها تحت السيطرة، انضاف لها تداول نبأ إصابة بعض الناجين من الفاجعة بالعمى.
فما ذنب هؤلاء المعذبين في الأرض، أذنبهم أنهم وجدوا في وطن لا يحمي أبناءه، والوطن قدر لا يختاره الإنسان؟ أم ربما إثمهم أنهم أبناء أسر لم تتمكن من احتوائهم وتتبع مساراتهم ضمن مجموع الإكراهات المتفاقمة؟ أم ربما أيضا أن معصيتهم هي تصرفات نزقة طائشة أو اختيارات خاطئة لوحت بهم لغياهب الضياع وجعلتهم يسقطون بين براثن الإدمان؟ هي إذن شبكة مركبة تتقاطع فيها الأدوار، لكن النتيجة كانت مأساوية لم يتمكن أحد من السيطرة على تطوراتها، موت جماعي، انتحار جماعي أو اغتيال جماعي.
التسمية صعبة والتصنيف عصي، أما تحديد المسؤوليات فمغامرة تحسب عواقبها، لكن المؤكد أنها مشتركة بين المؤسسات، المجتمع المدني والأسرة.
واليقين إن لكل واحد منهم حكاية، اختلفوا في تفاصيلها وتوحدوا في نهايتها المأساوية، كما اجتمعوا على تحويلها لأسطورة دراماتيكية، فاق عدد الضحايا فيها عدد شهداء غارة إسرائيلية على منطقة في قطاع غزة، ستذكر المدينة دوما بتقصيرها في حق أبنائها الذين رحلوا غصبا، وكأني بلسان حال بعضهم يردد مع الشريف قتادة ابو عزيز أمير مكة:
بلادي وإن جارت علي عزيزة.
وأهلي وإن ضنوا علي كرام.
حتى رحيلهم بتلك الطريقة لا نتبين ماهيته، أظلم أم خلاص لهم.
لكن المهم الآن هو الانتباه لحدث لم يكن عرضيا ولا اعتياديا، وحمله محمل الجد باعتباره ظاهرة اجتماعية تحتاج رصدا ودراسة، فإذا كان عدد الضحايا يفوق العشرين فما هو العدد الحقيقي للمدمنين والمشردين بمدينتنا؟.
إنه مؤشر على حقيقة أوضاع مدن الشمال بصفة عامة، والمدن المهمشة، المتناثرة أشلاؤها بين الفقر والجهل والمخدرات، والنتيجة تفشي ظاهرة الانتحار بأساليب متعددة، شنقا أو احتراقا بماء الحياة.
هنا تعطلت عندي لغة الكلام أو انتهى الكلام ولو أنني أكره هذه العبارة المشبوهة.
فلطفا يا الله لم تندمل بعد جراح حرائق الغابات والأنعام لتندلع حرائق الأرواح. نسألك اللهم رحمة ومغفرة لأرواح الضحايا والصبر والسلوان لذويهم، وإنا لله وإنا إليه لراجعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.