مساء للاحتفاء بالإبداع الشعري شهدته السبت أصيلة، في منتداها الثقافي الثالث والأربعين، الذي توجّ بجائزة "تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي" الشاعر الكاميروني بول داكيو. وفي جوّ استحضار ما يستطيعُه الشعر رغم أن "عالمنا ليس بخير"، كما قال رئيس لجنة التحكيم، تذكر الحاضرون شعراء أحياء وراحلين، توّجوا بالجائزة، فضلا عن الشاعر الذي عمّدت باسمه، مع اتفاق على أن غياب الجسد لا علاقة له بالاستمرار في الحياة. وتمسكا بتقليد الجائزة، زار الحضور حديقة الشاعر تشيكايا أوتامسي بأزِيلا، التي تتوسّطها قصيدة له، تتقاسمها لغات ثلاث: فرنسية وعربية وإنجليزية. واستقبل الشاعر بول داكيو الجائزة ب"سعادة"، متحدثا عن تواضعه وتتيّمه بأن يكون بينَ هؤلاء الشعراء الكبار من القارة، المتوجين سابقا، مع ذكره أسمائهم واحدا واحدا. ووصف المتوّج هذه الجائزة بكونها من الأكثر فعالية في القارة اليوم، مبرزا دورها في "تقوية المؤسسة الأدبية" بإفريقيا، وتشكيل "رافعة لشعراء القارة"، ثم اختتم كلمته متحدثا عمن تحمل الجائزة اسمه، قائلا: "تشيكايا أوتامسي شاعر كبير من الكونغو، عاش بينها وبين فرنسا، وهو مناهض للاستعمار والعنصرية وكل تمييز، وله إحساس بالإنسان". وحيّى محمد بنعيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، بول داكيو "تحية رمزية"، واصفا إياه ب"الشاعر الإفريقي البارز (...) الأديب والمناضل والناشر، والفاعل الثقافي المرموق". ووصف المتحدث التتويج بكونه "اعترافا بما تمثله كتابات داكيو من تجربة فنية استثنائية، وحساسية فريدة في حقل الشعر الإفريقي الفرنكفوني، ولما تستبطنه دواوينه الخصيبة والغزيرة والمسترسلة في الزمن من سجايا جمالية أخاذة". وواصل بنعيسى متحدثا عن أسلوب داكيو المختلف في "الكتابة الشعرية الإفريقية الفرنكفونية، بالنظر إلى انتصاره الواضح لممكنات التشكيل والتجريب الشعريين، وتعبيره عن انشغالات الذات الفردية والجماعية ببصيرة كاشفة". من جهته، قال عضو لجنة التحكيم السينغالي أبو مباو إن اختيار تتويج هذا الشاعر تم ل"قوته التعبيرية، وانخراطه النضالي طويل الأمد، ودفاعه عن التعدد الثقافي وامتزاج الأجناس." أما عضو اللجنة الناقد والأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين، فتحدث عن مسار إعادة اكتشاف بول داكيو، الذي له حضور في المغرب وقرأَ شعره، وعن الانحياز لهذا الاختيار لكون الجائزة تقدم ل"شاعر يعكس بقدر كبير من الشجاعة والإبداع روح الجنوب وإفريقيا"، وداكيو شاعر "يحمل إفريقيا جرحا"، في استشهاد بالشاعر لامين صال. ورأى ماجدولين في هذا التتويج "دعوة إلى ترجمة الشاعر وإدخاله إلى ثقافة أخرى، وإلى اللغة العربية التي هي جسر لكي يُتداول لدى قراء آخرين"، قبل أن ينفي عن موسم أصيلة "الانتصار لفن الشعر بهوية ما"، لأن هذه الجائزة تنتصر ل"أن ننتمي إلى إفريقيا كفكرة وحلم بالمستقبل". الشاعر أمادو لامين صال، رئيس لجنة التحكيم، أخذ من جهته بيد الجمهور في زيارة للقصيدة "بيت الحب، ومكان الحلم والحقيقة والتشارك والكرم"، التي "تحمل الحرية، والعدالة"، كما جال به في "أصيلة التي اختارت الحلم والجمال بدل القبح"، قبل أن يقول: "للمغرب بيت في قلبنا، فالمغرب ليس بلدا أو مملكة، بل قارة للفكر"، و"أصيلة بسمة مغربية، هي بسمة القلب". وبعد حديثه عن جائزة "تشيكايا أوتامسي"، التي "تشرف الشاعر وأصيلة والمغرب وإفريقيا والعالم"، تطرق لامين صال إلى ترشيح داكيو "الشاعر الكبير الذي عرفه أوتامسي وقدره حيا"، قبل أن يستدرك قائلا إن الراحل "لم يمت". واسترسل الشاعر في سرد بين مرتبتي الواقع والحلم: "عالمنا ليس بخير، يُخيف، مع ذلك علينا رفض الفرار (...) وُلدنا لنحب، لنعيش مع بعضنا البعض، ومن يؤمن بغير هذا لن ينتصر أبدا"، قبل أن يتطرق إلى الوضوح الحصري ل"الحب، والأخوة، والقصيدة"، ليحمّل بعدها مستمعيه مسؤولية "الحفاظ على كرامة الحلم".