إنجاز تاريخي وغير مسبوق ذلك الذي حققه المنتخب الموريتاني لكرة القدم، بعدما هزم نظيره الجزائري الذي تعثرت أقدام لاعبيه على ملعب السلام بمدينة بواكي وسط ساحل العاج ضمن المباراة الأخيرة من دوري المجموعات لبطولة "الكان" عن المجموعة الرابعة؛ فبعدما استسهل الإعلام الجزائري خصم منتخب بلادهم متوقعين أن يحقق رفاق محرز وبونجاح نتيجة إيجابية، جاءت النتيجة النهائية معاكسة لتحليلات الأستوديوهات إثر فوز موريتانيا بهدف مقابل لا شيء، ليُودع بذلك "ثعالب الصحراء" البطولة القارية وليصعد منتخب بلاد شنقيط إلى الدور المقبل للمسابقة. وفي وقت خرج فيه مئات الموريتانيين للاحتفال بهذا الإنجاز، سارت تحليلات إعلام الجزائر لما بعد المباراة في اتجاه إلقاء اللوم على المدرب جمال الماضي الذي طالبه بعض "المحللين" بالاستقالة؛ فيما قال متتبعون إن هذه الهزيمة غير المتوقعة ليست إلا نتاج ما أسموه "عسكرة الرياضة وكرة القدم"، مسجلين أن النظام العسكري في الجزائر أسهم في تخريب كرة القدم الوطنية في هذا البلد إثر تحويلها إلى أداة من أدوات تكريس شرعيته وضرب خصومه الإقليميين ونشر سمومه في المنطقة. قضية وجودية وفريق سياسي شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، قال إن "كرة القدم والرياضة صارت بالنسبة للنظام العسكري الجزائري، خاصة في السنوات الأخيرة، قضية وجودية بالنسبة له؛ فهو يستغلها في تنويم الشعب الجزائري وصرفه عن المطالبة بحقوقه، كما يستغلها أيضا بشكل سياسوي مفضوح لصالح تحقيق أهدافه وأجندته السياسية التدخلية والدبلوماسية في ضرب صارخ لكل المبادئ والاتفاقيات التي تؤطر الممارسة الرياضية في العالم". وأضاف بن زهرة أن "الخطاب الرياضي الجزائري نفسه أصبح متماهيا إلى حد كبير مع الخطاب السياسي الذي تتبناه النخب الحاكمة في هذا البلد والقائم على بث التفرقة والكراهية ونشر السموم وتبني نظرية المؤامرة؛ وهو ما بدا جليا من خلال استعمال الإعلام الجزائري في تحليلاته لمصطلحات سياسية محضة واتهامه للمغرب باحتكار القرار وتعيين الحكام داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وضربه أيضا للسيادة الموريتانية وإهانته لشعب هذا البلد من خلال نشر أكاذيب تتعلق بتكفل المغرب بنفقات منتخب المرابطين للمشاركة في بطولة الكوت ديفوار". ولفت المصرح لهسبريس إلى أن "التسويق لنظرية المؤامرة هاته، سواء في المجال السياسي أو الرياضي أو الثقافي، أضحت متلازمة بهذا النظام وصارت بذلك حالة جنونية أصابت مخ الحكام في الجزائر وعقول صانعي القرار في دهاليز قصورها"، مسجلا أن "النظام العسكري حوّل المنتخب الجزائري بممارساته من فريق وطني يمثل كل الجزائريين في المحافل الرياضية إلى فريق لممارسة السياسة وضرب الخصوم؛ وبالتالي حق القول هنا إنها إذا عُسكِرت خُرِبَت، وهذا ما يحدث للرياضة في هذا البلد". وخلص الناشط الجزائري المعارض إلى أن "هذه الوضعية من الطبيعي جدا أن ينهزم معها المنتخب الجزائري، وأن يخرج من الأدوار الأولى للمسابقات القارية؛ ذلك أن حجم الضغوط السياسية التي تُمَارس على اللاعبين والتي تضاف إلى الضغوط والانتظارات الشعبية لا يمكن أن تخلق منتخبا ينافس بكل أريحية على حصد الألقاب، وتؤثر بشكل كبير على نفسية اللاعبين. وهذا أمر معروف، ولنا في تاريخ كرة القدم عديد الأمثلة على ذلك". عسكرة الرياضة وأزمة بنيوية من جانبه، أوضح وليد كبير، صحافي جزائري معارض، أن "الخلط بين السياسة والرياضة ليس بأمر جديد على النظام الجزائري، حيث سبق أن حاول هذا الأخير توظيف فوز المنتخب الجزائري بكأس أمم إفريقيا سنة 2019 وإبان الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر من أجل عسكرة الرياضة وتخدير عقول الشعب"، موضحا أن "توالي هزائم المنتخب الوطني، آخرها مع أمام موريتانيا، ليست إلا نتاج هذه العسكرة ومحاولة التوظيف السياسي لكرة القدم من أجل تصفية الحسابات السياسية مع ما يفرضه ذلك من ضغط كبير على المدربين واللاعبين على حد سواء". وأضاف كبير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "النظام الجزائري، وبعدما فشل في تمرير خطاباته وفرض أجندته بالوسائل السياسية والدبلوماسية المتعارفة عليها، لجأ إلى توظيف الرياضة واستثمر فيها بسوء نية من أجل تدجين عقول الجزائريين أولا واستغلالها ثانيا في صراعاته السياسية والإقليمية مع بعض الدول ومحاولة تشويه صورة هذه الأخيرة". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "الخطير في الأمر ليس فقط التوظيف السياسي لكرة القدم أو للرياضة عموما من طرف هذا النظام؛ ولكن الأخطر من ذلك هو أن رموز هذا الأخير، وعلى رأسهم قائد الجيش وكذا إعلامه، وبفعل سياساتهم العنصرية والعدائية والتي تجاوزت كل الحدود والمجالات، لم يتمكنوا سوى من تشويه صورة وسمعة الجزائر ليس فقط في أذهان الأنظمة السياسية.. ولكن، وللأسف الشديد، حتى الشعوب أيضا". وخلص إلى أن "الفشل لا يوجد فقط على مستوى المنتخب الجزائري؛ ولكنه أضحى أزمة بنيوية تهم منظومة الحكم بكاملها في هذا البلد الذي والذي وبقرار عسكري بات يراكم الخيبات الواحدة تلو الأخرى، والضحية في الأخير هو الشعب الجزائري المغلوب على أمره"، مضيفا أن "الممارسات السياسية والرياضية والإعلامية التي يقوم بها هذا النظام لا يمكن إلا أن تُسجل بمداد أسود في سجله الحافل بالانتكاسات التي سيحاول بالتأكيد البحث عن كبش فدية آخر لإلصاقها به".