قنصلية المملكة بكورسيكا تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    المنتخب المغربي للفتيان يسحق كاليدونيا الجديدة ويعزز آمال التأهل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    الركراكي يوجه الدعوة لآيت بودلال لتعويض غياب نايف أكرد    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    في العودة إلى العتاد النقدي القديم المطلوب للتغيير    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البصري على فراش الموت بعد أن هزمه السرطان
نشر في هسبريس يوم 29 - 06 - 2007

نال المرض من إدريس البصري وألزمه الفراش مؤخرا، وتسربت أخبار، من هنا وهناك تفيد أن جهة ما تتفاوض معه بخصوص عودته إلى المغرب، كما أشار مصدر مقرب من الوزير المخلوع، إلى أن هذا الأخير يرغب قضاء أيامه الأخيرة ببلده. ""
خلال الخمس سنوات الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني، اعتقد الوزير المخلوع، إدريس البصري، أنه تكلف بتدبير أمور البلاد والعباد بالمغرب، متناسيا أنه خلال هذه الفترة كان غيره من المقربين للملك الراحل، مستشارين ورجال سياسة وبعض الشخصيات، تحت تأثير جملة من رجال الأعمال، كانوا هم كذلك يساهمون في الكواليس، وربما بقوة أكثر من البصري، في تدبير الأمور خلال هذه الفترة، لاسيما ابتداءا من 1994 -1995.
وقبل خرجاته وشطحاته الإعلامية، طالبت أكثر من جهة بمحاكمة إدريس البصري ومساءلته عن جملة من الجرائم، والكشف عن ثروته وثروات أبنائه وزوجته المتراكمة بفعل نفوذه وجبروته على امتداد أكثر من 3 عقود، إلا أن شيئا من هذا لم يتم، رغم أن الوزير المخلوع لوّح أحيانا مهددا بالكشف عن جملة من أسرار الدولة، فهل فعلا يشكل إدريس البصري خطرا على المغرب والقائمين على أموره؟ وهل توجد فعلا بحوزته أسرار دولة من شأنها إحراج المغرب، وبالتالي سيسلمها لنجله، هشام البصري، لتكون ذرعا يحميه من المساءلة والمتابعة بعد وفاة والده؟
مرض إدريس البصري
في البداية تضاربت الأخبار حول طبيعة مرض الوزير المخلوع، إدريس البصري، فهناك من قال إنه مصاب بمرض "الأزاهايمر" وإن علاماته بدأت تظهر عليه منذ مدة، إلا أنه تأكد مع مرور الوقت أنه مصاب بمرض التهاب الكبد الفيروسي، ورغم العملية التي خضع لها، كان المرض قد استفحل، مما نتج عنه إصابة بنوع من أنواع السرطان. لكن مهما يكن من أمر، فقد استفحل المرض حاليا حد جعل إدريس البصري يلزم الفراش بحيث لم يعد يقوى على مغادرته.
حسب أحد المقربين من الوزير المخلوع بباريس، منذ أن فرض عليه المرض المكوث بالبيت طريح الفراش، دأب ابنه هشام البصري، خلافا للسابق، على الجلوس بجانبه ساعات طويلة، رأسا لرأس، وذلك يوميا.
وقد يكون إدريس البصري، تحسبا للمستقبل، يمد نجله هشام، بأهم أسرار الدولة لتكون بمثابة حصانة له، تحميه من المتابعة والمساءلة بخصوص ملفات معروضة على أنظار القضاء المغربي.
ويؤكد نفس المصدر، أن إدريس البصري، وهو على فراش المرض، لم يعد يهمه الآن إلا العودة إلى المغرب والاطمئنان على أن ابنه هشام حتى لا يلحقه سوء بخصوص المحاسبة والمساءلة والمتابعة، ولعل أحسن وأجدى طريقة هي مده بما بحوزته من أسرار الدولة والأسرار الخاصة عن الملك الراحل الحسن الثاني، والعمل على إخبار القائمين على الأمور، بطريقة أو بأخرى، أن ابنه أضحى يحوز الآن تلك الأسرار.
في البداية أصيب إدريس البصري بوعكة صحية حادة وهو لا زال مقيما بالمغرب، وقد تحمل الملك محمد السادس كل مصاريف علاجه وسفره إلى الخارج، وقيل آنذاك إن علة البصري تكمن في الكبد وأن الأمر يتطلب زرع كبد للتصدي للمرض العضال.
بعد رحيله إلى فرنسا بدأت معلومات حول مرضه تطفو على السطح في بداية مارس 2005، وكان أول من صرح بإصابته بمرض عضال، محاميه محمد برادة، في إحدى الجلسات الخاصة بنازلة الدعوى التي جمعت بين الوزير المخلوع ومدير أسبوعية "ماروك هيبدو"، بمحكمة باريس.
ومن الجهات التي أكدت مرض إدريس البصري، الجنرال إدريس عرشان، الطبيب الخاص للملك الراحل الحسن الثاني، والذي كان طبيب البصري على امتداد 20 سنة بأمر من الملك نفسه، إذ أكد عرشان أن البصري مصاب بمرض بالكبد، وكان منذ زمن بعيد ينتقل إلى باريس مرتين في السنة للقيام بفحوصات هناك. وفي صيف 2003، نقل إدريس البصري على وجه السرعة من مطار الرباطسلا إلى المستشفى الجامعي "بول بروس" ب "فيلجويف" ضواحي العاصمة الفرنسية، وهو المستشفى المتخصص في أمراض السرطان، وقد قضى البصري صيف تلك السنة كاملا بالديار الفرنسية؛ آنذاك كانت خرجته الإعلامية الأولى، إذ صرح قائلا: "إن ما حل به من تدهور صحي كان نتيجة منعه من العلاج لمدة سنتين"، وفي هذا المضمار حمل المسؤولية للجنرال حميدو العنيكري وفؤاد عالي الهمة.
في أكتوبر 2003 عاد إدريس البصري إلى المغرب، لكن سرعان ما رجع إلى فرنسا في يناير 2004 لتلقي العلاج من جديد، والقصر الملكي هو من تحمل مصاريف تلك السفرة العلاجية، هذا ما أثبتته شهادة موقعة من طرف منير الماجدي، أدلى بها الأستاذ محمد برادة، محامي البصري، إلى المحكمة الفرنسية لتبرير غياب موكله عن الجلسة. وفي فبراير 2004 تأزمت وضعية البصري الصحية، وأدخل من جديد المستشفى وتحمل القصر الملكي مصاريف العلاج.
آنذاك استغل إدريس البصري تواجده بالديار الفرنسية لطلب اللجوء، وبدأت خرجاته وشطحاته الإعلامية تتناسل.
إن الذي كان يزدري كل الوزراء، وكل السفراء والولاة والعمال، والذي كان يتبجح بمعرفة كل الحقائق، والعالم بكل شيء من طنجة إلى الكويرة، والذي كان بمجرد مكالمة هاتفية يقلب الأمر رأسا على عقب، هو الآن طريح الفراش، ينخره مرض عضال، في إقامة تقع بحي "لاموييت" La Muette (الصامتة أو البكماء) بالمقاطعة 16 بالعاصمة الفرنسية، باريس، وبالضبط بزنقة "كونسيي – كولونيو"؛ في هذه الإقامة بالحي الفاخر الباريسي، خلال نهاية الستينيات، عاشت شخصية فرنسية وازنة طبعت تاريخ فرنسا والفرنسيين، إنه "بييرمينديس فرانس"، لكن اليوم لم تعد تلك الإقامة تحمل أي ذكرى لهذه الشخصية الفرنسية، إن الديكور الغالب عليها الآن يذكرنا بالمغرب، وبالضبط بسنوات الجمر والرصاص، التي يعتبرها إدريس البصري أزهى سنوات مشواره، لاسيما صور آل البصري بمعية الملك الراحل الحسن الثاني، أو إدريس البصري رفقة جاك شيراك وبعض الشخصيات الفرنسية الأخرى المحسوبة على اليمين.
لا يعيش هشام البصري مع والده بهذه الإقامة الفاخرة، وإنما فضل الاستقرار بشقة صغيرة بشارع "بينا" بالعاصمة الفرنسية ليظل قريبا من والده، حاميه وولي نعمته ومصدر ثروته.
قبل استفحال المرض الذي ألزمه الفراش، كان إدريس البصري يلتقي من حين لآخر ببعض الشخصيات الفرنسية، منها شارل باسكوا، وزير الداخلية في حكومتي شيراك وبلادور، و"بيير جوكس" وزير الدفاع سابقا، وجون لوي ديبري، وزير الداخلية سابقا، وجان بيير شيفينما، وزير التعليم والدفاع سابقا، وبيير مازو القاضي، وروبير باندينتر رئيس المجلس الدستوري سابقا.
العودة إلى المغرب
مرة أخرى، بدا أن إدريس البصري، وهو على فراش المرض، يفاوض من أجل العودة إلى المغرب، حيث يريد أن يقضي آخر أيامه وأن يدفن بتراب بلده وقتما وافته المنية. ورغم أن مقتضيات وفحوى هذه المفاوضات والمساومات لازالت مجهولة، فإن مصدرنا بباريس أكد أنها جارية بواسطة شخصية على علاقة بالدوائر القريبة جدا من المحيطين بالملك محمد السادس، وذلك بعد أن جند واستنفر إدريس البصري جملة من الوساطات، منها المغربية والفرنسية، ولم يستبعد مصدرنا إمكانية تأثير الوساطات الفرنسية في هذا المضمار.
قبل هذا الوقت، تخلى إدريس البصري عن مطالبته بالعودة إلى المغرب، ولم يعد يرغب البتة في الرجوع، خوفا من المساءلة والمحاسبة، خصوصا مع انطلاق محاكمة صهره السليماني بمعية أقرب العمال والولاة إليه، العفورة.
علما أن طلب الرجوع برز بقوة في غضون شهر مارس 2004، وقيل آنذاك إن مفاوضات جرت مع إدريس البصري بهذا الخصوص بباريس بواسطة أحد المقربين من دائرة الملك محمد السادس، وعندما حصل البصري على جواز سفره قيل إنه على وشك العودة إلى المغرب.
في ربيع 2005 أعطت السلطات المغربية الضوء الأخضر لرجوع الوزير المخلوع، إلا أن هذا لم يتم لأسباب ظلت غامضة، علما أن إدريس البصري استغل تواجد الملك محمد السادس بباريس في زيارته الرسمية للديار الفرنسية لطلب العفو عنه وحيازة جواز سفر من السفارة المغربية بباريس، وفعلا تسلم الجواز ومعه شيك بمبلغ أربعمائة مليون سنتيما كمكافأة نهاية الخدمة والتي ظل يطالبها ويستنكر عدم التوصل بها.
أسرار البصري
ماذا تخبئ جعبة إدريس البصري من أسرار؟
إنه تساؤل ظل يشغل الكثير من المغاربة، علما أن الوزير المخلوع بقي يكرر دون كلل، الملك محمد السادس ملكي المقدس وسيدوم كذلك.
لقد سبق لمصادر فرنسية أن أشارت في 2004 و2005 إلى تهديدات تفوه بها البصري همت الكشف عن أسرار الدولة التي بحوزته.
ظل الوزير المخلوع حتى الآن وهو على فراش المرض، يعتبر نفسه رجل دولة، وبالتالي من المفروض أن لا يفشي أسرار الدولة، وهنا تكمن "قوته"، بحكم عقليته السلطوية، في علاقاته مع القائمين على الأمور، باعتبار جهل عموم المغاربة طبيعة الأسرار التي يدعي إدريس البصري امتلاكها، والتي من شأنها إحراج النظام والقائمين على الأمور بالمغرب. لكن لنفرض أن بحوزته أسرار دولة خطيرة، فماذا سيستفيد من إفشائها؟ وهل لا يوجد من يكشف عنها إلا البصري؟
ربما تكون هناك أسرار دولة لا يمتلكها الآن إلا البصري بحكم نهج تدبيره للأمور الأمنية والداخلية، وبحكم اقترابه الخاص من الملك الراحل الحسن الثاني في إطار ما يمكن نعته بالعلبة السوداء أو الغرفة المغلقة، إذ عمل على أن تبقى تلك الأسرار محصورة عليه دون سواه.
إن نظرية إدريس البصري في التدبير والتسيير كانت تقتضي ألا تعرف جهة ما يجري في جهة أخرى، وهذا النهج في تدبير الأمور استوحاه من نظرية استخباراتية عممها، بدءا بالداخلية ثم شملت العمالات والولايات والمؤسسات الحساسة، وكان إدريس البصري يبعد كل من رأى أنه غير مستعد للخضوع لهذا النهج بتكليفه بمهام شكلية أو بتعيينه خارج المغرب.
ظل هناك سؤال يشغل بال عدد كبير من المغاربة، وهو هل إدريس البصري مكن الجزائريين أو الإسبان من بعض أسرار الدولة عندما كان في أوج حربه الضروس مع بعض المقربين من الملك محمد السادس؟ يظل سؤالا من الصعب بمكان الجواب عليه، لكن طرحه يبقى مشروعا استنادا إلى ما قام به إدريس البصري من قبل من تهديدات بهذا الخصوص، فهل تكفي عداوة هذا المسؤول أو ذاك لتبرير خيانته أو لتكون مسوغا يدفع الشخص إلى تسليم أسرار دولة لجهة أجنبية؟
أكد البصري أكثر من مرة، أنه لا يتوفر على أي وثيقة وليس بحوزته أي مستند، وكل ما بحوزته من أسرار هي في دماغه ويمكنه استحضارها بدقة وبتفصيل وقتما أراد، وربما لهذا تركه القائمون على الأمور يقول ما يريد ويكرر خرجاته الإعلامية دون أي اكتراث لما يتفوه به، ولم يسبق لأية جهة رسمية أن قامت بالرد أو التعقيب عليه أو تكذيبه، لقد تركوه حتى يفرغ "المزيودة".
وفي هذا الصدد أكدت إحدى المصادر العالمة والعارفة بملف الوزير المخلوع، "سيأتي يوم ليجد البصري نفسه خاوي الوفاض، وإن هذا اليوم لقريب"، وكان هذا التصريح في غضون سنة 2005.
إن القائمين على الأمور سعوا دائما إلى تقديم إدريس البصري كمنبوذ وطفيلي وانتهازي، رمز لماض يمقته أغلب المغاربة.
بحكم موقعه وقربه من الملك الحسن الثاني، واعتبارا لطبيعة مهامه والملفات التي كانت تحت يده وبعض المهمات الخاصة جدا التي كلفه بها الملك الراحل الحسن الثاني، وانطلاقا من المعلومات التي حصل عليها على امتداد مشواره الطويل، تمكن من مركزة جملة من الأسرار، منها ما تعلق بالمغرب ومنها ما ارتبط بفرنسا.
وتظل الأسرار الأكثر إحراجا، والتي بحوزته هي المتعلقة ببعض فترات حكم الملك الراحل الحسن الثاني وبعض القضايا المرتبطة بدول أجنبية وشخصيات وازنة منها، ويمكن تصنيفها إجمالا كالتالي:
· أسرار متعلقة بشخصيات وازنة لازالت حاضرة في دوائر صناعة القرار حتى الآن.
· ملف الصحراء والتعاطي مع القضية.
· فترات خاصة في عهد الملك الحسن الثاني.
· ملف المخدرات وتهريب الأموال إلى الخارج.
· أسرار متعلقة بالثروة الملكية.
قليلة هي الأسرار التي تم كشفها بخصوص الوزير المخلوع، البوليسي الأول في المملكة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، لأنه كان حذرا جدا، ولأن حب السلطة استولى على كل عواطفه، كان حريصا أشد الحرص حتى لا يمنح أية فرصة لخصومه، وقد ازداد اطمئنان إدريس البصري بعد خلعه عندما أيقن حق اليقين أنه لا يمكن أن يكون موضوع المساءلة والمحاسبة، ولا يمكن متابعته مهما كانت المعلومات المحصل عليها أو تصريحات من قدموا إلى المحاكمة من رجاله، بل حتى بخصوص ابنه هشام، رغم ضلوعه في جملة من الملفات المعروضة على القضاء الآن، إذ يبدو أنه لن يحاكم، لأن والده سلم له جملة من الأسرار لضمان عدم متابعته ومساءلته، وربما كان هذا ما يفسر عدم استصدار متابعة دولية في حقه لإحضاره للمغرب قصد المساءلة بخصوص ملف السليماني والعفورة ومن معهما، وملفات أخرى لازالت موضوعة على الرفوف.
طبعا هناك أسرار وجب أن تبقى حكرا على القائمين على الأمور، الملك والدائرة القريبة منه والوزير الأول والحكومة والقضاء وبعض أعضاء البرلمان والمؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وهي أسرار يتوفر إدريس البصري على جزء كبير منها وتخص عهد الملك الراحل الحسن الثاني، علما أن التهويل والمبالغة كانا سائدين بهذا الخصوص.
فمصطلح أسرار الدولة عندنا لا زال فضفاضا، وأية معلومة تهم القصر أو الثروات، حتى الطبيعية منها يمكن اعتبارها سرا من أسرار الدولة، ولعل ما حدث مؤخرا للدركي الذي أعلن عن اكتشافه للبترول بالمغرب غني عن التعريف.
فحتى أخطاء المسؤولين أو توقعات بتغييرات في قضايا وملفات كبرى قد تتخذ صفة أسرار الدولة عندنا، إذ كانت، ولازالت أحيانا، أسرار الدولة مثل الخطوط الحمراء أو المقدسات القابلة للتأويل في جميع الاتجاهات وحسب مزاج القائمين على الأمور.
إن عبارة "أسرار الدولة" أو "أسرار الدولة العليا"، قد تتسع لتشمل كل ما من شأنه التأثير على أمن الدولة ومصالحها، بما في ذلك بعض الأخبار السياسية، حيث يبقى الأمر مرهونا بتقييم القائمين على الأمور وموقع المهتم بكشفها والغاية من وراء ذلك.
إن مما جعل رجلا، مثل إدريس البصري، تظل بحوزته عدة أسرار من شأنها إحراج القائمين على الأمور والدولة، سيادة حجب المعلومات عن الشعب، وهو ما قاد الأنظمة عبر التاريخ، شيئا فشيئا، إلى خانة الدكتاتورية والإنعزال الجماهيري، كما كان عليه الأمر عندنا بالأمس القريب.
وقد بدأ يتبين في عهد الملك محمد السادس أن الانفتاح وتضييق رقعة المنع والحجب واعتماد المكاشفة يخدم المسار نحو الانتقال الديمقراطي، بالرغم من جملة نغمات نشاز كانت تحدث من حين لآخر، هذا باعتبار أن هناك معادلة دقيقة جدا يجب على الديمقراطيين والراغبين في انتصار الديمقراطية بالمغرب أن يحرصوا على الاهتداء بها، وهي أن الانفتاح على الشعب ومكاشفته لا يلغي أن تكون للنظام أسراره، لكن هذه الأسرار وجب أن تكون خاصة جدا وفي أضيق الحدود. علما أن لكل وزارة ومؤسسة عندنا أسرارها الخصوصية، لو اطلع المغاربة عليها لانفجروا غيضا وكمدا، وربما لهذا السبب عمل القائمون على الأمور على العمل بالقاعدة التي يقول بها السياسيون وعلماء النفس، والتي مفادها تجنيب أوسع الجماهير من الاضطلاع على الأسرار، لاسيما تلك المرتبطة باستشراء الفساد، لعدم تعريضهم لصدمات نفسية قد تؤثر على ديمومة الحيوية والنشاط في خدمة الوطن، لذلك ظل المسؤولون الكبار يجتهدون في عهد الملك محمد السادس على حجب جملة من الحقائق واعتبارها أسرارا لا يحق كشفها رغم أنها لا ترقى لتكون أسرار دولة وفق التعريف المتعارف عليه.
خلال فترة من الفترات ظهر أن فرنسا تخشى ما يحمله إدريس البصري بخصوصها من أسرار بمناسبة إثارة وضعيته غير القانونية وافتقاره لوثائق بالديار الفرنسية، إذ أخبرت باريس الرباط، أنها على استعداد لتمكين الوزير المخلوع من الوثائق الضرورية لشرعنة وجوده على التراب الفرنسي حتى لا يفكر في إحراج جملة من الشخصيات الفرنسية.
وهذا ما أكده أكثر من مصدر فرنسي، إضافة إلى أن فرنسا كانت في وضع حرج حينما حل بها إدريس البصري لتلقي العلاج، ولم يكن بمقدروها رفض ذلك حرصا على أسرار العلاقات بين البلدين، وفي ذات الوقت لم تكن ترغب في كهربة جو العلاقات بين باريس والرباط.
الالتفاتة الملكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.