إننا في القرن الواحد والعشرين؛ لم يعد يخفى على أحد ما أصبحت تعيشه مدينتُنا أو وطنُنا من اختلالاتٍ في ظل التطور الذي عرفته التكنولوجيا في العالم، وانتشار الوسائط الاجتماعية، وتطور الذكاء الاصطناعي. ونعلم جيدًا أن شبابنا يتقن ويتفنن في استعمال كل ما يتعلق بالشبكة العنكبوتية. بهذا، فنحن كشعبٍ وحكومةٍ ومعارضةٍ لا نحتاج من يذكرنا أو يشرح لنا اختلالاتنا، ويسرد لنا التاريخ سردًا ناقصًا وسلبيًّا باختياره ما شاء منه، ضاربًا ما قدمت مقاومتُنا الباسلة من دماءٍ طاهرةٍ لتصل البلاد إلى هذا المستوى من حرية التعبير – ولو بنواقصها. فعندما نجد من غادر أسوار السجن قريبًا بعفوٍ ملكيٍّ يطعن في أهل فاس ويشكك في وطنيتهم؛ في خرافةٍ صرَّح بها حين زعم أن المارشال اليوطي استشار أهل فاس في فرض الحماية، مقتصرًا على تجارتهم، حيث سألوه: "هل ستتضرر مصالحهم بفرض الحماية؟" وحسب زعمه، طمأنهم اليوطي فسلَّموا وقالوا له: "لا ضير". وهنا سأفتح قوسًا: فلا أظن أن أحدًا من المغاربة يقبل بالاستعمار. وإن أردت الكلام عن التاريخ، فتكلم عنه في شموليته لا بمنطق الانتقاء والتجزيء. أليس من أسس حزب الاستقلال فاسيًّا؟ ألم يشارك هذا الحزب في حكوماتٍ عدةٍ وفي أحلك حقب التاريخ في البلاد؟ إن ممارسة السياسة تقتضي الثقافةَ والعلمَ والنزاهةَ وضبطَ النفس من أجل الحفاظ على كرامة المواطن وأمن البلاد ودرء المخاطر. وهذا ما ظلت عليه البلاد إلى أن جاء أصحاب الكلام الشعبوي والمغالطات والكذب والبهتان؛ ك"العفاريت" و"التماسيح". ولكي أغادر منطقة العموميات، سأسرد بعض حالات من يصبون الزيتَ على النار ويضحكون على الذقون. وأبدأ ب"كبير سدنة المعبد" الذي أطلق العنان للسانه، وغدا يسب ويشتم يمينًا وشمالًا. وهنا سؤالٌ يطرح نفسه: من الأكثر خبثًا؟ هل من سنَّ قوانينَ أهلكت النسلَ والحرثَ، أم من طبقها؟ فكلاهما وجهان لعملة واحدة. ها نحن نعيش الآن حملةً انتخابيةً سابقةً لأوانها. ولكي لا أجانب الصواب، أقول إن المغاربة – جلهم إن لم أقل كلهم – يعرفون ما يجري في وطننا الحبيب. لهذا، فالمطلوب من هذه الأبواق المأجورة بالمقابل أن يعطونا الحلول لا أن يشخصوا لنا الآفات. فالمواطن المغربي في هذا الوقت لم تعد تنطلي عليه لغةُ الأرقام الزائفة والكلمات الرنانة. ولا أنكر أن هناك تطورًا كبيرًا في إنجاز البنى التحتية، وكذا سنٍّ وتتميمٍ وتغييرٍ وحذفٍ لمجموعةٍ من القوانين التي لم تعد تراعي حركية مجتمعنا. إن المثقف يمكن له أن يثمِّن هذه التحولات، لكن عامة الناس لا ترى إلا ارتفاع البطالة – حسب مصادر رسمية – وِالتهاب الأسعار، وانخفاض القدرة الشرائية، وتدني مستوى التعليم والصحة، وارتفاع أعمال العنف في الشارع؛ مما سرَّع بإخراج الفصل 507 من القانون الجنائي... فالمواطن المغربي توَّاق إلى حملة انتخابية ببرامج سياسية واضحة ومبسطة ليقتنع بها عامة الشعب؛ حتى لا نكرر ما عشناه من اختلالاتٍ على المستوى المعيشي بسبب "كبير سدنة المعبد" الذي لا علاقة له بتسيير الشأن العام – هو وخدمة معبده. وفي الأثر: "لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين". وعلميًّا، قال ألبرت أينشتاين: "مَن ينتظر نتيجة مختلفة لتجربة بنفس المقادير والظروف، فهو مخطئ ابتداءً وانتهاءً".