يحلّ، من جديد، اليوم الوطني للمهاجر، الذي يصادف العاشر من غشت من كل سنة. وككل عام، تُنظّم الأنشطة الرسمية بهذه المناسبة، ونتذكّر أن هناك ما يقارب ستة ملايين ونصف المليون من المغاربة يعيشون خارج أرض الوطن، يشكّلون جسرا إنسانيا واقتصاديا وثقافيا بين المغرب والعالم. هؤلاء المغاربة، الذين يخدمون التنمية في بلدان إقامتهم، لا يترددون في خدمة وطنهم الأم بمختلف الوسائل؛ وعلى رأسها التحويلات المالية، التي بلغت سنة 2024 ما يقارب 120 مليار درهم. جالية يُوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رعاية خاصة، لا يدّخر جهدا في الدفاع عن حقوقها ويؤكد دائما على ارتباطها الوثيق بالعرش العلوي المجيد ومقدسات الأمة. هذه الجالية المنتشرة في أكثر من 100 دولة، في مقدمتها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وكندا والولايات المتحدةالأمريكية ودول الخليج وبعض الدول الإفريقية، لا تبخل على وطنها وتقدّم له الغالي والنفيس. ومع ذلك، فهي تواجه تحديات متزايدة، لا سيما تصاعد الخطاب العنصري في أوروبا، وخصوصا في إسبانيا مؤخرا، حيث أصبح اليمين المتطرف، بقيادة حزب فوكس، يستهدف المهاجرين والمغاربة بشكل خاص، في ظل تواطؤ مقلق من الحزب الشعبي الإسباني. من بين الأمثلة المؤلمة ما وقع في بلدية "توري باتشيكو"، حيث تم الترويج لخطاب تمييزي صادم، إضافة إلى حملة دعائية بمدينة "الإيخيذو" (نواحي ألمرية) تضمنت صورا عنصرية، في محاولة مفضوحة لتأجيج الكراهية، فضلا عن القرار الأخير في بلدية "خوميا" (ضواحي مورسيا) بمنع إقامة صلاة العيد في الأماكن العمومية، في خرق واضح لمبادئ العيش المشترك. ومن جهة أخرى، منذ المصادقة على دستور 2011، الذي منح مغاربة العالم حقوقا غير مسبوقة، لم تُفعّل أغلب هذه الحقوق. وقد ظلت الحكومات المتعاقبة، من حكومة بنكيران الأولى إلى الحكومة الحالية، تتقاعس في تنزيل المقتضيات المتعلقة بالمواطنة الكاملة للجالية. في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء في 6 نونبر 2024، وجّه جلالة الملك محمد السادس نداء صريحا للقطيعة مع هذا التقاعس، داعيا إلى إحداث نقلة نوعية في السياسات العمومية تجاه مغاربة العالم؛ من خلال ثلاث ركائز أساسية: 1 تجديد مجلس الجالية المغربية بالخارج، وإنشاء المؤسسة المحمدية لمغاربة الخارج. يكون المجلس هيئة استشارية، بينما تضطلع المؤسسة المحمدية بدور تنفيذي يجمع الجهود ويضمن الحكامة في تدبير ملف الهجرة. 2 رقمنة وتبسيط المساطر الإدارية، وتسهيل الولوج للخدمات بالنسبة لمغاربة المهجر. 3 تشجيع الاستثمار وتثمين الكفاءات المغربية بالخارج، في ضوء ضعف مساهمة الجالية في الاستثمار، والتي لا تتجاوز 10 في المائة من حجم تحويلاتها. إن مستقبل التنمية في المغرب يمرّ عبر تفعيل دور الكفاءات المغربية في الخارج، ليس فقط عبر التحويلات المالية؛ بل من خلال شبكات معرفية ومهنية متخصصة، على غرار ما قامت به دول كالصين والهند وتايوان وجنوب إفريقيا وكولومبيا، التي وظّفت جالياتها لتقوية الاقتصاد الوطني. ولذلك، فإن مساهمة مغاربة العالم يمكن أن تكون من خلال العودة النهائية لبعضهم، أو عبر انخراط مؤقت في مشاريع محددة، أو من خلال نقل الخبرات، وإنشاء شبكات جغرافية وموضوعاتية مرتبطة بقطاعات حيوية؛ مثل الطاقات المتجددة والصناعة والتكنولوجيا والسياحة والفلاحة. إن اليوم الوطني للمهاجر، رغم رمزيته، يجب ألا يظل موعدا موسميا لتبادل الخطب والوعود؛ بل ينبغي أن يكون محطة لمراجعة السياسات، وتثمين المكاسب، ومواجهة التحديات المتزايدة داخليا وخارجيا. كل عام والجالية المغربية بخير، وكل عام والمغرب يحتفي بأبنائه في كل أنحاء العالم.