شرعية تتجدد بالإنجاز والإجماع لا بالعناوين قرأت تحقيق لوموند كما قرأه كثيرون. العنوان لامع، محمل بإيحاءات "نهاية عهد"، واللغة مشغولة بذكاء صحفي يحسن فيه تركيب الصور والعبارات. لكن بين جاذبية العنوان وإيقاع السرد، هناك حقيقة لا يجوز القفز فوقها: القصر الملكي في المغرب كان ولا يزال واضحا وشفافا مع المغاربة بخصوص صحة جلالة الملك محمد السادس، وفق منطق مؤسسي يوازن بين حق الرأي العام في المعرفة وحق الإنسان، أيا كان، في الخصوصية والكرامة. ماذا تعني الشفافية حين تتحدث مؤسسة دولة الشفافية ليست بثا مباشرا لكل تفصيلة شخصية، وليست تسريبا يوميا لملفات طبية. الشفافية، في أعراف الدول الراسخة، هي التزام المؤسسة بإخبار المواطنين عند وجود أحداث تغير ترتيب الشأن العام أو تؤثر في تسيير الدولة. وفي المغرب، جرى هذا النهج مرارا: بلاغات رسمية صادرة عن الديوان الملكي حين يتعلق الأمر بإجراء طبي أو فحوصات، وصور وفيديوهات للأنشطة الملكية حين تتعلق الرسالة بالرمزية الوطنية والحضور المؤسسي، وبيانات واضحة عند التعيينات الكبرى أو القرارات الاستراتيجية. هذا ليس "تعتيمًا" كما قد يوحي به الخيال الصحفي؛ هذا هو معيار الدول التي تفصل بين ما هو شخصي محض وما هو مؤسسي يخص الشأن العام. اللغة التي تستدعي "الإشاعات" أو تقرأ الصور المجتزأة قراءة إسقاطية تضيّع البوصلة: نحن أمام مؤسسة تشتغل، ودستور يحدد بدقة من يفعل ماذا، ومنظومة تواصل تراكمت خبرتها خلال عقود. الشفافية هنا فعل مؤسسي متكرر، لا موجة انفعالية موسمية. من "سؤال من يخلف الملك" إلى "الامتداد التاريخي " أعرف هذا البلد جيدا، وأعرف أن سؤال "من سيخلف الملك؟" ليس ولم يكن يوما مادة للغموض أو التكهنات في المغرب. دستور 2011 واضح في باب الملكية وولاية العهد: وراثة مؤطرة بنص صريح وواضح، ضمن مؤسسة لها شرعيتها التاريخية والدستورية والرمزية. وبالتالي ف"السؤال" هنا ليس سؤالا؛ هو محاولة درامية لإدخال بلد بنظام ملكي دستوري عريق إلى قاعة امتحان افتراضي لا معنى له. الملكية عندنا ليست حزبا قد يفوز اليوم ويخسر غدا، وليست مزاجا فرديا يرتفع ويهبط. هي مؤسسة جامعة تستمد مشروعيتها من التاريخ (البيعة)، ومن الدستور الحديث، ومن الإجماع الوطني حول رمزيتها ووظيفتها الأساسية في حفظ أمن واستقرار البلد. بعبارة أوضح: الخلافة في المغرب امتداد شرعي محسوم النص، لا "لغزا" تديره غرف الأخبار في الجمهورية الفرنسية أو الجارة الشرقية. حين يبلغ النقاش هذا المستوى من التبسيط، علينا أن نعيده إلى إطاره: توجد ولاية عهد، ويوجد ولي عهد، ويوجد عقد اجتماعي وسياسي يجعل من الاستمرارية بديهة، لا مادة صحفية للتشويق كلما انخفضت زيارات الموقع. الخلط بين لغة الصور ولغة المؤسسات تحب الصحافة، بطبعها، المفارقات البصرية: صورة هنا، مشهد هناك، ومقارنة بينهما لصناعة "قصة". لكن الدول لا تدار بالصور. تدار بالقوانين، وبالزمن المؤسسي، وبالقدرة على اتخاذ القرار وتنفيذه. في المغرب، لم تتوقف عجلة القرار: إصلاحات اجتماعية واقتصادية كبرى، استثمارات استراتيجية في الطاقة والصناعة واللوجستيك، استعداد استثنائي لاستحقاقات رياضية وثقافية كبرى، ووتيرة عمل حكومي وإداري متواصلة داخل هندسة دستورية واضحة. كل هذا ليس "زخرفا" يغطي على فراغ، بل استراتيجية واضحة تثبت أن الدولة تشتغل بمنطق الاستمرارية، لا بمنطق "الفراغ بين صورتين". يبدو لي أن بعض القراءات الأجنبية وخاصة الفرنسية تقع مرارا في خطأين متلازمين: أولا، إسقاط تجارب انتقالية عاشتها جمهوريات مجاورة على تجربة مغربية مختلفة جذريا في شرعيتها وتاريخها. وثانيا، الخلط بين "الفضول" و"الحق في المعرفة". نعم، من حق الجمهور أن يعرف ما يمس الشأن العام، لكن لا يجب أن يتحول ذلك إلى تفويض مفتوح للتعليق على كل تفصيل شخصي أو لنسج فرضيات حول ما حسم نصا ومؤسسات. الشرعية تتجدد بالإنجاز والإجماع الملكية المغربية ليست "شرعية تقليدية" جامدة. هي شرعية مركبة تتجدد عبر الإنجاز (مشاريع، إصلاحات، اختيارات استراتيجية)، وعبر الإجماع الوطني حول رمزيتها ووظائفها. لذلك لا تستقيم، لا معرفيا ولا مهنيا، فكرة "نهاية عهد" تبنى على لغة الانطباعات خاصة إن جاء ذلك من جريدة اها رمزيتها في قاموس المهنية والأخلاقيات. العهود في المغرب تقاس بما ينجز على الأرض وبما يتراكم من ثقة بين الملك والمجتمع. وحين تتحدث الدولة ببلاغات رسمية، أو تدار الملفات بانتظام، فهذا يعني أن المؤسسة اختارت معيارا عصريا للشفافية: تخاطب حين يقتضي الشأن العام، وتبقي ما دون ذلك في دائرة الخصوصية التي يحميها الشرع والقانون والمغاربة. أكثر ما يميز النظام الدستوري المغربي هو هذه الطمأنينة المؤسسية: وجود رأس دولة يضمن استمرار الدولة، ووجود نص يرتب لحظات الاستثنائي قبل وقوعها، ووجود تقاليد راسخة في انتقال السلطة داخل نفس البناء الشرعي. حين نقرأ مقالات تبحث عن "قلق الخلافة"، علينا أن نذكر بأن القلق في التجارب التي يستشهد بها عالميا كان ينبع من فراغ دستوري أو تضارب شرعيات. هذا ليس حال المغرب. عندنا شرعية واضحة، وسياق قانوني محدد، ومؤسسة يجمع حولها المغاربة على اختلاف انتماءاتهم. هنا، لا تعيش الدولة تحت رحمة "التكهنات"، لأن التكهنات لا تحكم دستورا ولا تغير مسار مؤسسات. ما الذي نطلبه من الصحافة الأجنبية... ومن أنفسنا لا أطالب الصحافة الأجنبية بالمديح، ولا أطلب إعفاءها من النقد المشروع. أطلب فقط احترام ذكاء القارئ المغربي وذاكرة بلد يعرف نفسه. أطلب قراءة النصوص كما هي، واحترام المعنى الدستوري قبل بناء العناوين. وأطلب من أنفسنا أيضا أن نعيد دائما النقاش إلى أرضه الصلبة: حين نتكلم عن صحة الملك، نتكلم عن حق المواطن في الإحاطة بما يخص الشأن العام عبر البلاغات الرسمية؛ وحين نتكلم عن الخلافة، نتكلم عن نص دستوري حاسم وعن امتداد شرعي محسوم. ما عدا ذلك، هو زخرفة لغوية قد تمتع القارئ لحظة، لكنها لا تصنع معرفة تحدث فرقا. خلاصة الموقف أكتب هذا الرأي كي أضع المعنى في مكانه وفق ما أعتبره واجبا وطنيا: القصر كان واضحا وشفافا مع المغاربة بخصوص صحة الملك وفق متطلبات الجدة والمسؤولية، لا وفق شهية "التراند". ومسألة الخلافة في المغرب ليست "لغزا" ولا "معادلة مفتوحة" على الصدف والتأويلات؛ إنها امتداد شرعي ودستوري لملكية تحظى بإجماع وطني، وتتجدد مشروعيتها بإنجازاتها وبوظيفتها الجامعة. نعم، يمكن للصحافة أن تسائل وتنتقد وتشّكك في الفرضيات. هذا دورها. لكن عليها حين يتعلق الأمر بالمغرب أن تمسك الخيط من أوله: من الدستور الذي يحسم، ومن المؤسسة التي تخبر حين يجب الإخبار، ومن مجتمع يعرف جيدا أن قوته في استمراريته، وأن الاستمرارية عندنا ليست كلمة للاستهلاك، بل بنية دولة توحد ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وتبقى فوق منطق المواسم الصحفية والعناوين المعلقة في الهواء. صحفي ومستشار في التواصل