تمنيت من أعماق قلبي لو عاش مراسل جريدة لوموند الفرنسية بالجزائر (بول بالطا) الذي توفي في يناير 2019، حتى الحادي والثلاثين من أكتوبر 2025، والمعروف بكونه صديق الجزائر الكبير، الذي سجل مع الرئيس هواري بومدين أكثر من خمسين ساعة من الحوارات الصحفية والمقابلات الشخصية، خلال أعوام 1973 و1978، ليرى عكس ما كان يدبج به مقالاته المعادية للمغرب، حتى يعيش أجواء عملية تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية، تنفيذاً للقرار الملكي الوارد في خطاب جلالته السامي إلى شعبه الوفي، في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 2797. وأعوذ بالقارئ من مقال صدر بجريدة لوموند ديبلوماتيك شهر أغسطس 1975، وهو مقال موجود على الإنترنت بعنوان: Le Sahara occidental suscite les convoitises de ses voisins، وفيه يورد مغالطات كثيرة، لا تخرج عن الخط التحريري لجريدة باعت نفسها للشيطان مؤخراً في خرجات لم تكن جديدة ولكن لها امتدادات تاريخية. مقال يرى من خلاله (بول بالطا) كيف أن النزاع حول الصحراء المغربية كان من أحد أعقد ملفات إنهاء الاستعمار في إفريقيا. فبعد أكثر من ثمانين عاماً من السيطرة الإسبانية، تحولت المنطقة في أوائل السبعينيات إلى ساحة صراع سياسي واقتصادي بين المغرب وموريتانياوالجزائر وإسبانيا، مع بروز فاعل جديد هو جبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال. وكيف أن جذور القضية تعود إلى الاتفاقيات الاستعمارية الموقعة بين فرنسا وإسبانيا في بدايات القرن العشرين، والتي قسمت مناطق النفوذ في شمال إفريقيا دون اعتبار للروابط القبلية أو الامتدادات الجغرافية الطبيعية. ولم تُحكم إسبانيا سيطرتها الكاملة على الصحراء المغربية إلا سنة 1934، وجعلتها "إقليماً إسبانياً" رسمياً عام 1961. مبرزاً أنه وبعد استقلال المغرب سنة 1956، تبنّى الزعيم علال الفاسي مفهوم "المغرب الكبير"، الذي يشمل موريتانيا والصحراء الغربية، معتبراً أن المنطقة جزء تاريخي من المجال المغربي. وكيف أضفى الملك محمد الخامس رحمه الله الطابع الرسمي على هذا المطلب في خطابه بمحاميد الغزلان عام 1958، مؤكداً رغبته في «استرجاع الصحراء». وكيف أن التطورات اللاحقة – استقلال موريتانيا (1960) والنزاع الحدودي مع الجزائر (1963) – زادت المشهد تعقيداً. رغم توقيع اتفاقات حسن الجوار بين الرباطوالجزائر لاحقاً، ظل ملف الصحراء مصدر توتر دائم بين دول المنطقة. وقد أبرز الكاتب كيف أن المغرب كان في البداية يرى في تقرير المصير أن يمنح السكان خيارين فقط: البقاء تحت السيطرة الإسبانية أو العودة إلى "الوطن الأم". وهو ما تجسد اليوم عبر الحكم الذاتي، كما أن موريتانيا تبنّت موقفاً معتدلاً، معتبرة أن القبائل الصحراوية تربطها بها علاقات إثنية وتاريخية، دون المطالبة الصريحة بضم الإقليم. وكيف أن الجزائر رفضت أي شكل من أشكال الضم، مؤكدة دعمها للأسطوانة المشروخة التي بيَّن الزمن أنها متجاوزة – "لحق غير القابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير مصيره". ومع اقتراب سنة 1975، أعلنت إسبانيا نيتها تنظيم استفتاء في الإقليم، وهو ما أثار مخاوف المغرب من "تأسيس دولة مصطنعة" تحت نفوذ مدريد. وفي خضم هذه التوترات، رفعت الرباط القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لبحث "الروابط القانونية" بين المغرب والصحراء. وخلال زيارة لجنة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق عام 1975، برزت إلى الواجهة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) التي كانت قد تأسست عام 1973 بقيادة الولي مصطفى السيد. حقيقة واحدة خلص إليها الكاتب في مقاله هي أن مستقبل شمال إفريقيا بأكمله مرتبط بمآل هذا النزاع، وهي حقيقة لم يكتب له القدر أن يعيشها مع المغاربة، رغم أنه كان محقاً في شيء واحد، هو أنها ستكون نقطة انطلاق لتكامل مغاربي حقيقي إذا تم حله بالحوار، وهو ما كان منطلقاً في مبادرات جلالة الملك محمد السادس إلى الجزائر في خطبه المتعددة المبنية على الاحترام والتقدير وحسن الجوار.