صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: نتنياهو "متوتر جدا" من مذكرة اعتقال دولية محتملة ضده على خلفية ارتكابه "جرائم حرب"    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    مسؤولون في الخارجية الأمريكية يقولون إن إسرائيل قد تكون انتهكت القانون الإنساني الدولي    حزب الاستقلال يجدد الثقة في نزار بركة أميناً عاماً    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    على هامش المعرض الدولي للفلاحة.. تتويج المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    بوزنيقة.. إعادة انتخاب نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    الحصيلة المرحلية للحكومة في قطاع التعليم: من أجل أن تكتمل الصورة    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب العربي وتامزغا أو صراع الحقيقة والوهم
نشر في هسبريس يوم 27 - 11 - 2009

لفكرة الوحدة في المجال التداولي العربي الإسلامي تاريخ مديد، وقد اغتنت بفعل التجارب العملية والاجتهادات النظرية التي تعود إلى مرحلة التأسيس المرتبطة بالثقافة العربية. وهي فكرة ازداد غناها بالانفتاح على الفكر الحديث والاطلاع على تجارب الآخر ممثلا في الغرب على وجه الخصوص. وإذا كان هذا الأخير مجسدا في أوروبا تحديدا، قد تعامل مع الوحدة بعيدا عن الارتجال، فأقام أولا اتحادا يهدف إلى تحقيق أوروبا الاقتصادية، ثم بعد ذلك تحقيق أوروبا السياسية، فإن الكثير من التجارب الوحدوية في المنطقة العربية، للأسف، قد افتقدت لهذا النوع من التعامل العقلاني المتدرج، مما حكم عليها في أغلب الحالات بالفشل أو التوقف ومراوحة مكانها.
وقد كان من الأمور التي أدت إلى إفشال هذه المشاريع في مراحل مبكرة، حصر فكرة الوحدة في معنى إقامة الدولة الواحدة التي تلغي الدول الأخرى، وهو ما تم التنظير له في مرحلة الاستعمار وما بعد نهايته مباشرة، وذلك لكون الوحدة آنذاك كان يُتَعَامَل معها بوصفها فكرة تحررية قبل أن تكون برنامجا واضح المعالم، ولأنه فيما بعد تم التفكير فيها بشكل رومانسي لا يستحضر المعوقات ولا العقبات الموضوعية التي يجب تذليلها، قبل الشروع في تطبيق الفكرة وإنزالها إلى أرض الواقع.
والملاحظ أن فكرة اتحاد المغرب العربي رغم ما يكتنف مسارها التطبيقي من تعثر، إلا أنها نظريا على الأقل، ركزت على فكرة التدرج هي الأخرى كما هو مثبت في المعاهدة التي تحدد مبادئ الاتحاد وأهدافه وتضع هياكله وأجهزته، بحيث يمكننا القول بأنه لو تم حل بعض الإشكاليات السياسية العالقة بين بعض الدول، لأمكن للاتحاد أن يحقق الكثير لمختلف دول المنطقة، خاصة أنه قد روعي في فكرة المغرب العربي ما تتوفر عليه المنطقة من إمكانيات بشرية وطبيعية واستراتيجية، تؤهلها لمواجهة التحديات ومواكبة التطورات المرتقبة في العقود المقبلة.
لقد أُسس اتحاد المغرب العربي على عدة أسس ثقافية ورمزية، ذَكر من بينها إعلان مراكش الدين واللغة والتاريخ والتطلعات والمصير، كما ذكر الأسلاف الذين ساهموا في إشعاع الحضارة العربية الإسلامية والنهضة الثقافية والفكرية، التي اتُخِذَت سندا للكفاح المشترك من أجل الحرية والكرامة. ويمكننا القول بأنه ليس صحيحا ما يروجه البعض من أن هذه العناصر ثانوية في بناء الوحدة، وأن المهم هو الاقتصاد. فحقيقة الأمر أن اللغة والرموز والدين والتاريخ، بالإضافة إلى قيمتها الرمزية، لها قيمة اقتصادية لا تنكر؛ ولتأكيد ذلك يكفي معرفة ما تنفقه المجموعة الأوروبية من مبالغ مالية طائلة على الترجمة للتواصل فيما بين أعضاء البرلمان الأوروبي, بينما العربية تيسر لنا ذلك مجانا، ليس فقط بين أعضاء الاتحاد، بل بين شعوب المنطقة ككل.
إن هذه المكونات الأساسية كلها، والتي تحظى بنوع من القبول التلقائي لدى شعوب هذا الفضاء الجغرافي الواسع، تم الشروع في خلخلتها والتشكيك في قيمتها من طرف بعض الأصوات التي تدعي تمثيل التوجه الأمازيغي، والتي انخرطت في عملية تشويش على فكرة الاتحاد، والتهوين من قيمتها في وجدان المواطن العادي، بحيث تتخذ من عدم تحقق هذا الاتحاد بشكل مقنع، ذريعة للتهجم على الفكرة من أساسها والطعن في أهميتها ودورها السياسي، بحجة أنها فكرة وهمية، مقترحة فكرة بديلة تعتبرها أكثر قدرة على تحقيق ما تعد به فكرة اتحاد المغرب العربي.
وقبل أن ننخرط في عرض آراء أصحاب هذا القول ونعمل على الكشف عن خلفياته الخفية، أرى لزاما توضيح إحدى أساسيات الوحدة التي ستوجهنا أثناء عملية التحليل والحفر في هذا المفهوم، وهي أن كل فكرة وحدوية كما نفهمها، هدفها ضمان مصالح مجموعة من الأطراف التي تنخرط فيها، فالوحدة إذن وبتعبير واضح، هي نوع من تضافر الجهود وتكامل القدرات، من أجل قطع المسافات الطويلة في وقت قصير وتحقيق التنمية المنشودة مع توفير الطاقة والجهد، بتعبير وجيز وبليغ نقول الوحدة هدفها تسهيل الحركة.
ومشروع هذه طبيعته، لا بد أن يثير قوى أخرى من داخل الدول المتوحدة أو على حدودها أو تقع بعيدا عنها وتجمعها بها مصالح، وهي قوى ليس من مصلحتها أن تتم هذه الوحدة، لذلك فإنها تنخرط في عملية معاكسة للمشروع ومحاولة إفشاله. ومن هذا المنطلق ظهرت بعض المشاريع التي تقدم هي الأخرى مشروعا “وحدويا" على مستوى السطح، لكنه في عمقه يخفي عملية نسف للوحدة من أساسها. فالوحدة كما قلنا هي أداة لتسهيل عملية الحركة نحو هدف ما، بينما هذا النوع من المشاريع المضادة، والتي تطرح من طرف جهات أخرى، هدفها الأساس هو إبطاء عملية التوصل إلى تحقيق الهدف وإعاقة الحركة من أساسها.
وهذا الموقف هو نفسه الموقف الذي اتخذ لمواجهة إطار وحدوي آخر، هو الوحدة العربية التي طرحت حسب تصورات عدة، فهي الأخرى لم يكن من السهل قبول قيامها من طرف بعض القوى، خاصة أنها قامت على أسس تمس بمصالح الأخر، ولأنها تتعلق بالمنطقة العربية التي هي منطقة استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة إلى الصراعات الدولية، من هنا فقد ذهب الجابري في مناقشته للفكرة إلى أننا " ليس في إمكاننا نحن العرب أن نفكر في شؤوننا بمقتضى إرادتنا ورغباتنا وحدها، بل لا بد من أن ندخل في الحساب إرادات ورغبات ومطامح الدول الكبرى. وهذا لا يعني قط أنه علينا أن نستسلم أو أن نساوم، كلا، أبدا. إن ما أريد قوله هو أن مشروع الوحدة الذي نطمح إليه لن يغير واقعنا وحده، بل واقع العالم كذلك. ومن أجل هذا يجب أن لا يكون تفكيرنا في الوحدة وعملنا من أجلها في مستوى خطورة وأهمية التغيير الذي ستحدثه في واقعنا ومنطقتنا وحسب، بل أيضا في العالم كله، أعني في خريطته السياسية والاستراتيجية والاقتصادية".
ما هي الفكرة التي ترفع في مواجهة اتحاد دول المغرب العربي والتي يراد من خلالها تحقيق أهداف في ظاهرها وحدوية وفي حقيقتها تجزيئية؟ إنها ما يسميه بعض النزوعيين من نشطاء الحركات الأمازيغية في المغرب والجزائر وليبيا ب "تَامزْغَا"؛ وهي لفظة لا وجود لها في كتب التاريخ بل هي ارتبطت أصلا بالأدبيات الفرنسية التي ظهرت في فترة الاستعمار، وهي تعبير آخر لما كان يسمى آنذاك ب « panberbérisme » "القومية البربرية" التي تم طرحها من طرف علماء الاجتماع والمؤرخين والضباط الفرنسيين لاتخاذها أداة لفصل جهات البلد الواحد عن بعضها البعض، ولضرب العمق العربي للمنطقة ككل، وعزلها عن المحيط العربي، وبالتالي إحكام القبضة عليها.
و"تامزغا" كما تقدمها هذه الأدبيات النزوعية، تمتد من مصر إلى جزر الكناري ومن البحر الأبيض المتوسط إلى عمق الصحراء الكبرى مشتملة على موريتانيا ومالي والنيجر، ولغتها وهويتها هي الأمازيغية. والملاحظ على هذا التعريف الذي نجده منتشرا بكثرة في العديد من المواقع الإليكترونية وفي بعض الكتابات، هو عدم واقعيته إذ يدرج دولا أكثر عددا من تلك التي يشملها الاتحاد المغاربي. ونعلم أن توسيع رقعة أي اتحاد هي نوع من التعقيد الذي يتطلب جهودا إضافية ويطرح مشاكل جديدة، فنقد الاتحاد المغاربي بوصفه وهما، كان يُلزم أصحاب هذه الفكرة بتقديم اقتراح يقلص من عدد الدول لا العكس لأن هذا ما يفرضه المنطق.
كما أن الحديث عن اللغة والهوية الأمازيغيتين لهذا الكيان، يزيد من تعميق المفارقة التي يقوم عليها هذا التصور، إذ في الوقت الذي يمكن تعليل الحديث عن اتحاد المغرب بوصفه عربيا، بكون اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين مختلف هذه الدول، فإن اللغة الأمازيغية المتحدث عنها من طرف أصحاب هذا الرأي، لا وجود لها على أرض الواقع، إذ الموجود هو مزيج من اللهجات التي يصعب التواصل بين أصحابها داخل البلد الواحد على أن يتم التواصل بها بين البلدان المختلفة. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، وما يرفع درجة تعقيدها أن هذه اللهجات تكتب بأحرف مختلفة؛ فمرة تكتب بالعربية ومرة باللاتينية ومرة بحرف تيفيناغ الذي تبنته أكاديمية محمد السادس للثقافة الأمازيغية بالمغرب، أو بتعبير أصح تبنت إحدى صيغه المتعددة التي لا تُلزم لا الجزائر ولا ليبيا إذا ما فكرا في تبني نفس الحرف لكتابتها.
كما أن هذا الكيان يقوم على الإقصاء، فمن منطلق عداء أصحابه لكل ما هو عربي، لا يتوقفون عن الدعوة للقطع مع المشرق، وهي دعوة تعتبر صدى لما خطط له أصحاب الفكرة في بدء ظهورها، أي فرنسا التي كانت ترى في المشرق عمقا للمغرب يمده بالدعم لتحقيق الاستقلال، لذلك عملت على عزل المنطقة ووصلها بباريس العاصمة التي أريد لها أن تعوض فاس ومراكش والقاهرة وبغداد والقيروان... في المتخيل المغاربي. وإذا كان لفرنسا تسويغها السياسي للعمل على قطع الأواصر بين المغرب والمشرق، فإن مسوغات حاملي فكرة تامزغا ترجع لأسباب ثقافية بحيث أن "تامزغا" هي الجدار الذي سيوقف عملية انتشار اللغة العربية، كما أن لها بعدا سياسيا يتمثل في إفراغ الساحة المغاربية من صدى القضايا العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين التي لا يتوقف أصحاب هذا الفكر عن الدعوة إلى فك ارتباط الدول المغاربية بها، لأنها قضية لا تهمها من قريب أو بعيد. وعلى العكس من ذلك، فإن اتحاد المغرب العربي يشكل مرحلة أساسية في طريق الوحدة العربية، كما يؤكد إعلان مراكش، كما أن من أهدافه تعزيز كفاح الشعب العربي الفلسطيني من أجل التحرير واستعادة كافة حقوقه الوطنية الثابتة.
وبقدر ما ينفتح اتحاد المغرب العربي ليشمل كل مكونات شمال إفريقيا من زاوية ثقافية بالدرجة الأولى، فإن كيان "تامزغا" يضيق بشكل لافت، لانطلاق أصحابه من تصور عرقي. فأحد الشعارات الذي يرفعه أصحاب هذه الفكرة، خاصة في الجزائر والمغرب، يتمثل في تصريح أصحابه بكونهم ليسوا عربا، وهو تصريح يخفي نوعا من التزوير للتاريخ والواقع، إذ ينطلق من منطلق أن العربي لا يمكنه أن يعني إلا ما هو عرقي، وبما أن صاحب هذا الشعار لا يتوقف عن التأكيد على أنه أمازيغي، فهو يعطي لهذا التصريح الثاني بعدا عرقيا كذلك، فيصبح كل ممن يدعي الانتساب إلى أحد هذين "الطرفين" منغلق على نفسه، ويصبح هذان المكونان لا تنافذ بينهما، بينما تاريخيا العروبة تتضمن الأمازيغية ولا تلغيها، إذ أن الكثير من النصوص تؤكد أن الأمازيغ تاريخيا نظروا لأنفسهم بوصفهم عربا، على اعتبار أنهم لم يقيموا نوعا من القطيعة بين العروبة والإسلام كما حدث في بعض دول المشرق.
وبالدرجة ذاتها التي يتم بها نفي أي علاقة لدول شمال إفريقيا بالعالم العربي، من طرف أصحاب فكرة تامزغا، فإنهم يستحضرون المكون الإفريقي مع التركيز عليه بقوة. ونحن لا ننكر هذا المكون، بل إن إعلان مراكش يذكره صراحة: "واقتناعا منا بأن كيانا مغاربيا متطورا سيمكن دولنا من دعم العمل المشترك مع باقي الدول الإفريقية الشقيقة من أجل تقدم قارتنا الإفريقية وازدهارها"، إلا أن استحضار هذا المكون الأصيل في سياق نفي أية صلة بما له علاقة بالعالم العربي من طرف حاملي فكرة "تامزغا"، يضفي عليه أبعادا سياسية واضحة، تتمثل في توطيد العلاقة بفرنسا التي فرضت لغتها على كل الدول الإفريقية التي خضعت لاستعمارها، والتي اتخذتها لغة رسمية لها. والغريب في الأمر أن هؤلاء لا يتوقفون عن انتقاد دساتير الدول المغاربية والتشهير بها في المحافل الدولية لترسيمها للغة العربية، بينما لا أحد منهم يشير إلى دساتير هذه الدول الإفريقية التي تمارس الإقصاء الممنهج على اللغات المحلية بترسيمها للغة الفرنسية التي تهيمن على كل القطاعات الحيوية بهذه الدول.
إن الأمازيغية بوصفها مكونا من مكونات هويتنا لا يُقبل التقليل من قيمتها، وهي عندما تطرح في إطار "تامزغا"، وبتحميلها لمضمون عدائي للمكون العربي، يتم تحويلها إلى أداة لإعاقة الحركة نحو الوحدة، لذلك فقد حاولنا تبيان خلفيات هذا الطرح وكشفنا عن بعض أبعاده الخفية. إن اتحاد المغرب العربي لا ينفي الخصوصيات، بل على العكس من ذلك يفسح لها المجال للتعبير عن ذاتها، ولكن من داخل كيان نتقاسم فيه الكثير من العناصر المشتركة، مما يحافظ على التنوع في إطار من الوحدة، التي تحول الحدود القائمة بين دول المغرب العربي إلى خطوط تماس، بدل الإبقاء عليها في شكل سدود تمنع التواصل بين فضاءات هذا المحيط الجغرافي الواحد. فبدل الإبقاء على فكرة "تامزغا" بوصفها أداة للتشويش على اتحاد المغرب العربي، فإنه يلزم إعادة النظر فيها وتخليصها من رواسب التأسيس لتتحول إلى أداة إيجابية؛ فالأفكار كما هو معلوم، حتى ولو اختفى واضعها وانفصلت عن شروط ظهورها أول الأمر، فإنها تظل تنقل معها تاريخها وخلفياتها، وتظل تحقق أهداف واضعها الأول ما لم يتم الوعي بكل أبعدها وتطهيرها من العناصر السلبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.