جلالة الملك يترأس بالمضيق حفل استقبال بمناسبة عيد العرش المجيد    الولايات المتحدة تبرز ريادة جلالة الملك لفائدة السلام والازدهار، وتشيد بالشراكة الدائمة مع المملكة المغربية    الخطاب الملكي يُنصف الاتحاد الاشتراكي ويقطع مع صمت الحكومة    بأمر ملكي.. أولى طائرات الدعم المغربي تهبط في غزة وسط الحصار    أخبار الساحة    إنفانتينو: المغرب أضحى ضمن النخبة العالمية لكرة القدم    بعد عقد جمعه العام، أولمبيك الدشيرة يطمح لموسم متوازن ضمن فرق النخبة الأولى    اختلاف الرؤية وتجديد الأساليب الشعرية في ديوان «.. ودثرتني»    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم    رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي: الدبلوماسية الاقتصادية المغربية جعلت من المملكة قطبا حقيقيا لإفريقيا    انضمام البرتغال وألمانيا إلى المملكة المتحدة وكندا في الاعتراف بدولة فلسطين شتنبر المقبل    إقالة مدير لجنة الحكام في "كاف" وحكام أجانب مرشحون لقيادة "كان" المغرب 2025    تنسيق أمني يطيح بسيدة في قضية تتعلق بحيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية        تسليم جثة مهاجرة للسلطات المغربية بعد احتجازها لسنة ونصف بالجزائر    الرئيس اللبناني يفاجئ الجميع بشكر المغرب من داخل القصر الرئاسي الجزائري        احتفالية ثقافية راقية تخليدا لعيد العرش المجيد.. حضور دبلوماسي رفيع في مهرجان ربيع أكدال-الرياض    أسعار النفط تواصل الصعود لليوم الرابع وسط مخاوف من تراجع الإمدادات    رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي: الدبلوماسية الاقتصادية المغربية جعلت من المملكة قطبا حقيقيا لإفريقيا    برنامج التميز 2025: المغرب يعزز تنافسية قطاع الزرابي والخزف من خلال التكوين، التأهيل والتصدير    الرئيس اللبناني يؤكد سحب سلاح حزب الله وتسليمه إلى الجيش    مساعد الركراكي يعود إلى تروا الفرنسي لقيادة الفريق الرديف    بمناسبة عيد العرش.. خريبكة تحتضن الجائزة الكبرى لسباق الدراجات    ارتياح كبير لنجاح السهرات الفنية بعمالة البرنوصي سيدي مومن    حقوقيون: العفو الملكي عن محكومين بالإعدام خطوة إنسانية تعزز الحق في الحياة وتدفع نحو إلغاء العقوبة نهائياً    الدار البيضاء تحتضن النسخة ال13 من "نجوم كناوة"    خسائر شركة "رونو" تعادل 11,2 مليار يورو    أنفوغرافيك | يوازي ترتيبه بلدان تمر بأزمات.. المغرب في مؤشر الرعاية الصحية العالمي 2025        ارتفاع سعر الصرف الفعلي الحقيقي بنسبة 1,2 في المائة سنة 2024    بينهم أطفال ومجوعون.. إسرائيل تقتل 25 فلسطينيا منذ فجر الخميس في قطاع غزة    مشاريع قطب التنشيط "أكادير فونتي" لا تزال قيد الانتظار    هذه توقعات أحوال الطقس لهذا اليوم الخميس        الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ميدفيديف يرد على ترامب: لسنا إيران    حادث اصطدام بين سيارة ودراجة نارية يخلف قتيلين ضواحي الحاجب    تشيلي.. إجلاء أكثر من مليون شخص تحسبا لوصول تسونامي    المنتخب المحلي يضمن 200 مليون قبل انطلاق "الشان"    إجلاء أكثر من مليون شخص في التشيلي تحسبا لوصول تسونامي    العسكر ينهي حالة الطوارئ في بورما    هولندا.. ذئب يهاجم طفلاً ويجرّه للغابة.. والسلطات تُحذر السكان    سينما الشهرة.. النجومية معركة بين الرغبة في التفرد والخوف من النسيان    لقاء يتناول الأمن السيبراني بالقنيطرة    الريسوني توضح شروط الاستفادة من العقوبات البديلة والفئات المستثناة منه    اسبانيا.. هذا ما صرح به المغربي الذي فجر احداث توري باتشيكو أمام المحكمة        الميوعة والبؤس الجامعي… حين تتحول الجامعة إلى مسرح احتفال لا مختبر فكر    الفن فقد أحد أكثر وجوهه نقاء وتواضعا .. وداعا لطفي لبيب الفنان الجندي الذي شارك في حرب أكتوبر ورفض تكريم الاحتلال    ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استثمارنا في صحافة استقصائية عربية
نشر في هسبريس يوم 03 - 12 - 2009

بعد انطلاقة قناة الجزيرة بأشهر قليلة عام 1996، حزمت أمري وقررت أن أطرح على إدارتها فكرة بدت للبعض "مجنونة": أن يسمحوا لي بالاختفاء شهرين كل شهرين كي أعود إليهم بتحقيق تليفزيوني مدته 45 دقيقة. ولأن القاعدة في العمل التليفزيوني العربي حتى ذلك الوقت على الأقل كانت العكس تقريباً بشكل ساخر، وهي أن تختفي لمدة 45 دقيقة كي تعود بما يوازي شهرين من المواد المصورة، فقد أشاحت الإدارة عني مستهزئة وكدت أدخل في دورة اكتئاب مهني.
بعدها بأشهر قليلة، لسبب ما، قرر رئيس مجلس الإدارة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، أن يمنحني فرصة لإعداد حلقة تجريبية يتم تصويرها في حدود محل إقامتي، لندن، بميزانية تكاد تكون صفراً. اخترت أن أبحث في موضوع الجمرة الخبيثة الذي كان محل اهتمام دولي آنذاك بعد تسريب معلومات عن تورط الحكومة البريطانية السابقة في تسهيل تصدير مواد مزدوجة الغرض إلى العراق. وقتها كان محظوراً تصدير تلك المواد المدنية التي يمكن تطويعها للأغراض العسكرية.
بمعايير الأمس كان ذلك التحقيق في رأي من شاهدوه فتحاً على طريق مفهوم عربي جديد للصحافة التلفزيونية الاستقصائية. ذلك إلى حد أن إدارة القناة قررت إذاعته أكثر من مرة، وهو ما لم يكن من المخطط له، كما عاد على القناة، المنبوذة من الحكومات العربية وقتها بشكل خاص، بجائزة التحقيقات في المرة الأولى والأخيرة التي شاركت في مسابقات مهرجان القاهرة للإنتاج الإذاعي والتليفزيوني عام 1998.
ورغم أن تاريخ الصحافة العربية المكتوبة يحتفظ ببعض المحاولات الخجولة في هذا المجال، فقد وضعت القناة الوليدة التي كانت تزيد شعبيتها يوماً بعد يوم يدها على منطقة جديدة على أعين المشاهدين العرب. كنت أدرك أن هذه المنطقة الجديدة مليئة بالأشواك، وأن هذه الأشواك تتسع في بلادنا كي تشمل النواحي المهنية والأمنية والقانونية والسياسية والثقافية، وحتى الذهنية والنفسية والاجتماعية.
فأولاً، من الناحية المهنية، لم تنتشر بعد في مؤسساتنا الصحافية ثقافة الجودة التي تتطلب إدارةً فاهمة وتدريباً متواصلاً وفريقاً متكاملاً وميزانية واقعية ووقتاً كافياً لعملية الإنتاج.
ورغم أن من النادر أن تجد مديراً أو رئيساً للتحرير لا يتغزل في مزايا التحقيقات الصحافية المتعمقة فإن من النادر أيضاً أن تجده متحمساً (ل) وقادراً (على) ترجمة ما يقول إلى واقع، لأسباب تتعلق به هو نفسه أحياناً وتتعلق أحياناً أخرى بما يعتقد أنه أكبر منه. إن تخلفنا في هذه الناحية لا علاقة له بالجينات الوراثية، وإذا لم نستطع التغلب على هذا النوع من المشاكل المرتبطة بمطبخنا نحن الصحافيين فلن نستحق ببساطة شرف البدء في مواجهة النوعيات الأخرى من المشاكل.
وثانياً، من الناحية الأمنية، لا تَصْدُق مقولة إن الصحافة "مهنة البحث عن المتاعب" بقدر ما تصدق على هذا اللون من الصحافة. وهو ما يضع مفهوم "حساب المخاطرة" في قلب العمل الاستقصائي انطلاقاً من مبدأ أنه لا يوجد خبر يستحق أن يموت الصحافي من أجله. ورغم بداهة هذا المبدأ فإن ثمة أسباباً كثيرة تدعونا إلى القلق خاصةً في منطقة من العالم حديثة العهد بهذا اللون الصحافي المتطلب، مليئة بصغار الصحافيين الذين يتلهفون على إثبات ذواتهم في ظل غياب أبسط درجات الاحتياط. إنها توليفة مبشرة، لكنها يمكن أن تتحول بسهولة إلى توليفة مدمرة. يقع جانب من المسؤولية لتفادي ذلك على أقسام الإعلام في الجامعات وعلى المؤسسات الصحافية من خلال ما يمكن أن توفره من إعداد علمي ومعنوي ومادي متوافق مع بيئة التحقيق. لكنّ الجانب الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق الصحافي نفسه؛ فهو الذي سيموت إذا كان لابد أن يموت أحد وهو الذي يمكن أن "يقرر" أن يعيش كي يتمكن من كشف ملابسات موضوع آخر.
وثالثاً، من الناحية القانونية، لا يخلو أي تحقيق صحافي جاد من زاوية قانونية؛ فالصحافة الاستقصائية تركز بوجه خاص على أمور غامضة معقدة لها، عادةً، علاقة بالفساد والإهمال، وتسعى في معظم الأحيان إلى الإجابة عن أسئلة تبدأ ب "كيف؟" و"لماذا؟"، وتطبق في سبيل الحصول على ذلك أحياناً أدوات وأساليب ربما لا تتمتع بالمستوى المثالي من الشفافية والقانونية. ولا شك هنا في أن التحدي الأكبر يكمن في أن تحصل على سبق صحافي من دون أن تضطر إلى كسر القانون أو إلى التخلي عن الأخلاق. يتطلب ذلك بطبيعة الحال ثقافة قانونية حادة وقراءةً متأنية لمعطيات التحقيق وتوثيقاً لا لبس فيه للمعلومة وصياغة دقيقة للكلمة.
ورابعاً، من الناحية السياسية، ما تزال غالبية الحكومات العربية ترى في تمكين المواطن من المعلومة خطراً على استقرارها، وهي حقيقة لا بد للصحافي الاستقصائي أن يفهمها وأن يضعها بذكاء في إطار الواقع من دون أن يتخلى عن هدفه الذي خُلق من أجله: الوصول إلى الحقيقة وإيصالها إلى المواطن، حاكماً كان أو محكوماً.
بالنظر إلى واقع العالم العربي فإن ذلك يعني في معظم الأحيان تقلص مساحة احتمال الخطأ أمام الصحافي، وهو ما يمثل تحدياً مشوقاً يضاف إلى التحديات الأخرى. لا تختلف كثيراً الآليات التي تحكم علاقة الصحافي بالسياسي عن تلك التي تحكم علاقته ببائعة الهوى؛ فكلاهما يريد أساساً أن "يستخدم" الصحافي لغرض أو لآخر. لكنّ أمام الصحافي دائماً طريقاً ثالثة إذا استطاع تحديدها استطاع الوصول إلى ما يريد واستطاع أيضاً أن يعيش ليوم آخر.
وخامساً، من الناحية الثقافية، تمثل الثقافة العربية، وهي ثقافة شفهية في أساسها، تحدياً أمام صحافي يحاول الوصول إلى أرقام و نِسَب وإحصاءات أكثر من محاولة التطريب والنشوة وانتزاع آهات الإعجاب. وبرغم أنه لا يوجد بالضرورة تعارض بين الاثنين فإن اقتناء حقيقة جافة يمثل في ثقافتنا العربية مجرد خطوة لا يكتمل تقديرها إلا بامتلاك القدرة على عرضها في صورة أصيلة جذابة، وهي مساحة صحافية فنية ما تزال في حاجة ماسة إلى الاستثمار. كما ما تزال مجتمعاتنا في حاجة إلى التعود على أن اهتمام الصحافي بمعرفة عدد الرجال المصريين الذين تزوجوا نساءً يحملن جوازات سفر إسرائيلية لا يعني بالضرورة أنه جاسوس.
*رئيس تحرير ومقدم ومعد برنامج "الكلمة الأخيرة" على قناة أو تي في(OTV)، كبير المراسلين الاستقصائيين على قناة الجزيرة سابقا، المنتج المنفذ ومقدم برنامج التحقيقات الاستقصائية "سري للغاية" سابقا، مؤلف مشارك لكتاب العقول المدبرة للإرهاب.
عن الغد الأردنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.