الصحراء.. مخطط الحكم الذاتي المغربي هو "الخيار الأفضل" لمستقبل المنطقة    المغرب يُؤيد منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    القنصل العام للسنغال بالداخلة ينفي وجود مهاجرين سنغاليين عالقين بالصحراء المغربية    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    المغرب يشيد بطلب حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة غزة    حماس تقول إن هجوم رفح "لن يكون نزهة"، ونتنياهو يتعهد ب"الصمود" إذا أوقفت واشنطن إرسال الأسلحة    مدرب عالمي يهاجم بقوة المغربي حكيمي    طقس حار وضباب اليوم السبت بهذه المناطق    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    فيديو لمعلمة تصفع طفلاً من ذوي الإعاقة يثير موجة استياء في الأردن    اسبانيا تدرس طلبا تقدمت به المغرب لتسليمه مجرم خطير    تزايد أعطاب أسطول النقل الحضري يسائل البكوري    معلومات استخباراتية مغربية تطيح بمهرب مخدرات مشهور بإسبانيا    سحب 317 "رخصة ثقة" من "سيارات الأجرة في مدينة واحدة بسبب ممارسات مخالفة للقوانين    طقس السبت.. أجواء حارة ونزول قطرات مطرية بهذه المناطق    أفغانستان: مصرع 62 شخصا شمال البلد بسبب الفيضانات    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    هل تدق بريطانيا اخر المسامير في نعش "البوليساريو"؟    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    بأگادير : وبحضور الاستاذ عزيز الرباح انتخاب السيدة سميرة وكريم رئيسة فرع جهة سوس ماسة لجمعية المبادرة "الوطن أولا ودائما"    اضطرابات في حركة سير القطارات ما بين 12 و26 ماي نتيجة أشغال تأهيل منشآت التشوير    منتخب "لبؤات الأطلس" يكتسح الجزائريات    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    143 دولة تدعم عضوية فلسطين بالأمم    حماس: إسرائيل تعيد الأمور للمربّع الأول    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا بالمغرب    مزور تستقطب شركة عالمية رائدة للمغرب    تصفيات كأس العالم لكرة القدم النسوية لأقل من 17 سنة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الجزائري    خبراء يناقشون حكامة منظومات التربية    "الطاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    لحجمري ينصب 3 أعضاء جدد في الأكاديمية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    تفاصيل قاعدة عسكرية مغربية جديدة لإيواء الدرونات والصواريخ    الشبيبة التجمعية بطنجة تلامس منجزات وتحديات الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    "طاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"        بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    أصالة نصري تنفي الشائعات    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الثانية لغيابه،بيروت تعاتب محمود درويش
نشر في هسبريس يوم 12 - 08 - 2010

في الذكرى الثانية لغيابه، بيروت تعاتب محمود درويش "لماذا تركت الحصان وحيدا"
على هذه الأرض ما يستحق الحياة. صبايا جميلات وفتيان وسيمون. وبضع رجال خط الشيب رؤوسهم. كانوا حوالي مائة. شغلوا كل مقاعد مسرح بيروت الصغير بعين المريسة. وران الصمت عميقا حين اعتلى المخرج الفلسطيني نصري حجاج الخشبة ليقدم شريطه الوثائقي "كما قال الشاعر" وليقدم اثنتين من الشخوص التي ظهرت فيه.
حصان وحيد وراء كثيب من الرمال. يجاهد كي يحرر نفسه من ربقة قيود لا مرئية. يصارع طويلا قبل أن ينطلق حرا ولكن وحيدا . وبيروت التي أحبها درويش وعاش حلوها ومرها وقال فيها "بيروت نجمتنا. بيروت خيمتنا" تتذكر الشاعر الجميل في الذكرى السنوية الثانية لرحيله (9 غشت 2008) وتهمس "لماذا تركت الحصان وحيدا".
يبدأ الشريط بكتابة "إن التشابه للرمال وأنت للأزرق.."، فمحمود يربأ بنفسه أن يشبه أحدا. مياه زرقاء صافية. خرير. وديوانه الجميل "لا تعتذر عما فعلت" ينزلق على صفحة الماء وتسير به المويجات الخفيفة بعيدا إلى حيث الأزرق، إلى حيث الأفق اللانهائي.
أصابع هبة القواس وهي تعزف على البيانو. ذراعاها ترتجل موسيقى قوية عذبة .تلين حينا وتقسو حينا. وعيناها على قصيدة محمود درويش "لاعب النرد" بخط يده المنمنم الجميل. صوتها يترنم بمقطع من شعره فيما لا يظهر من زميلتها سوى شبح يجول في مقر مجلة "الكرمل" التي رأس الشاعر تحريرها ذات زمن، وفي مقر مركز الأبحاث الفلسطيني الذي أحاله المجرمون صفصفا يبابا.
لا تقرأ بصوتها من شعر درويش لأن مخارج حروفها "ضيعوية" كما قالت عند تقديم المخرج لها ولزميلتها هبة القواس.
لا يظهر محمود درويش في هذا الشريط الوثائقي، الذي كان يفترض أن يوثق لمسار حياته. فقط صوته المميز وهو يلقي عددا من قصائده. فقط صوره وهو في أوج كبريائه. فقط حضوره الرمزي في بيت أهله بحيفا "فقريته البروة محاها النازيون الجدد من الوجود". مكتبه ومكتبته وسرير نومه وغرفته في عمان وركوة قهوته وهي تغلي على النار. غرفته في فندقه المفضل "ماديسون" بباريس. وغرفة مستشفى المركز الطبي بتكساس الذي شهد غيابه الأبدي. أماكن كلها تذكر به وتشتاق لحضوره البهي.
تتنقل الكاميرا بين عدد من بلدان العالم الأخرى. رام الله ومدرج جامعة دمشق والأردن وتونس. وشعر محمود درويش يقرأ بلغته الأصلية ومترجما إلى العديد من اللغات .
نمر مرقص معلم درويش في كفر ياسيف "قضاء عكا"، والشعراء أحمد دحبور وجمانة حداد وداليا طه ولوركا سبيتي يقرأون باللغة العربية، والشاعر والديبلوماسي الفرنسي دومينيك دو فيلوبان بللغة الفرنسية، والكاتب النيجيري وول سوينكا "نوبل 1986" باللغة الإنجليزية خلال زيارة له إلى تانزانيا، والكاتب البرتغالي الراحل خوصي ساراماغو "نوبل 1998" باللغة البرتغالية من منفاه الاختياري بإحدى جزر الكناري، والشاعر الأمريكي مايكل بالمر باللغة الإنجليزية في سان سيباستيان بإسبانيا، والشاعر الكردي شيركو بيكاس باللغة الكردية، والشاعر الإسرائيلي إسحاق لاؤور باللغة العبرية.
تلميذات مدرسة ابتدائية بفلسطين يرتدين وزرات موحدة ويرددن جماعة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". تعلو أصواتهن " كان اسمها فلسطين، صار اسمها فلسطين"، تعلو التصفيقات ل"سيدة الأرض ..أم البدايات..أم النهايات..".
ساعة إلا دقيقتان ويختتم الشريط. ما ضر لو كانت الدقيقتان المتبقيتان من عمر الساعة عن مغرب محمود درويش الذي أحب الشاعر وأحبه الشاعر ومحضه من الود أصفاه وقال في مسرحه الوطني محمد الخامس "ولي ...في مدينة الرباط مكان شخصي هو مسرح محمد الخامس. هناك تمتليء نفسي بما ينقصها من ضفاف. ما أعرفه عن نفسي - وهو قليل- يكفي لأن أتوحد مع هذا المعبد المفتوح لمفاجآت الإلهام. وللمغاربة أن يقولوا نحن من أوحى إليه...".
يقول المخرج الفلسطيني لوكالة المغرب العربي للأنباء "كانت الميزانية المخصصة للشريط غير كافية فاكتفينا بما صورنا ".
الشريط، الذي دعت لمشاهدته مؤسسة التعاون ونادي لكل الناس ببيروت، مقاربة شعرية أخاذة لحياة محمود درويش شاعرا وأديبا وإنسانا من إخراج نصري حجاج وإنتاجه وتأليفه، وتصوير جوسلين أبي جبرائيل، وموسيقى هبة القواس، ومونتاج ما رتشيلو دالويزيو.
وبدعوة من لجنة أصدقاء الشاعر، حضر أيضا إلى مسرح دوار الشمس جمهور مختلف. حوالي مائة أيضا. أغلبهم ممن عرفوا محمود درويش شخصيا خلال مقامه ببيروت بعد خروجه من الأرض المحتلة وبعد محطتين للإقامة سريعتين في موسكو والقاهرة.
وبنبرة مسرحية شفيفة، تلا روجيه عساف وجوليا قصار وجمانة حداد مقاطع من مطولات كتبها محمود درويش في بيروت أو لبيروت "أحمد الزعتر" و"قصيدة بيروت" و"مديح الظل العالي".
وقدم الإعلامي والشاعر زاهي وهبة قصيدة بعنوان "أقلام محمود درويش" التي أهداها إياه أحمد درويش "شقيق الشاعر"، كما قدم صقر أبو فخر شهادة شخصية عن لقاءات جمعته بدرويش في مراحل مختلفة من إقامته ببيروت أو زياراته لها.
حضر الإنشاد أيضا إذ أدت الفنانة جاهدة وهبي، يرافقها عازفان، مقاطع من قصائد لدرويش، كما حضر الفن التشكيلي من خلال تنويعات على قصائد وصور للمحتفى بذكراه أنجزها الفنان محمد شمس الدين.
ورأى الروائي إلياس خوري، في ورقة نقدية، أن محمود درويش أصر على مسألة الهوية من الداخل من خلال ثلاث قصائد في فترات متفاوتة من حياته هي "عاشق من فلسطين" و"بطاقة هوية" و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" في ديوانه "ورد أقل" (1986 ) فيما أكد على صياغة الهوية من خلال قراءة الآخر مدخلا لاكتشاف الذات ومساءلة الاحتلال في قصيدة "عابرون في كلام عابر" 1988.
احتفاء حضاري بشاعر إنساني فذ، لم يكتب شعارات بل كتب استعارات كما قال صديقه إلياس خوري، مات و"ترك لنا متعة القراءة وعبء التأويل". ومات "لأن الشعر كبر فيه، وما أراد للقصيدة أن تنتهي". على هذه الأرض ما يستحق الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.