مغاربة يعتصمون ليلا أمام البرلمان ضدّ الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة    السكتيوي: الروح القتالية وعزيمة اللاعبين كلمة السر في الفوز على تنزانيا    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    أول إعلان أممي من نوعه: غزة تعيش المجاعة.. و"حماس" تطالب بوقف الابادة    بلاغ: المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعبر عن ارتياحه لدخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ    عجز قياسي جديد يثير المخاوف بشأن متانة التوازنات المالية بالمغرب    المنتخب المغربي يهزم تنزانيا ويتأهل إلى نصف نهائي الشان    ترامب يحدد موعد قرعة مونديال 2026    دليل استرشادي من رئاسة النيابة العامة إلى قضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة    شبهة تضارب المصالح تضع منتخبين أمام مسطرة العزل بجهة الدار البيضاء    "بوكو حرام" تنفي مقتل زعيمها باكورا    مدغشقر تتأهل إلى نصف نهائي "الشان"    تشكيلة المنتخب المحلي أمام تنزانيا    استفحال ظاهرة اغتصاب الأطفال!    اعتقال ستيني متورط في قتل شرطي بإيموزار    فلوس الغرامة.. فلوس المهرجان    للمرة الثالثة: عودة الفنانة شيرين عبد الوهاب لطليقها حسام حبيب يشعل أزمة جديدة    طنجة : باشا يتعرض لاعتداء خطير وسرقة وسط المدينة    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    خنزير بري يتسبب في حادثة سير مميتة بأولاد غانم    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    لاعب سابق في صفوف المغرب التطواني يهاجر إلى سبتة سباحة    بعد تعليق حملة المراقبة.. ما مآل الدرجات النارية المحجوزة؟    الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية ويهدد صحة العمال    بوريطة يجري اتصالا هاتفيا مع نظيره المصري    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب    مداهمة منزل جون بولتون المستشار السابق لترامب الذي يشتغل مع الجزائر من طرف الFBI    حماس تطالب بوقف الحرب وفتح المعابر بعد إعلان الأمم المتحدة المجاعة في غزة    بولتون بين أيدي الFBI.. سقوط ورقة ضغط طالما راهن عليها نظام الجزائر والبوليساريو        بطولة إنجلترا .. مانشستر سيتي يجدد عقد مدافعه روبن دياز حتى صيف 2029    "تيكاد-9" يفضح محاولات انفصاليي "البوليساريو" ويؤكد دعم اليابان للحكم الذاتي المغربي    رسميا .. دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ لتخفيف الاكتظاظ السجني        السعودية تعزز خدمات العمرة: منصة إلكترونية متكاملة للمعتمرين دون الحاجة لوكالات أو وسطاء    فلاحو سهل صبرة بزايو يرفعون نداء استعجالي لإنقاذ محاصيلهم المهددة بالجفاف            بمناسبة عيد الشباب.. فرقة "المسيرة الخضراء" تبهر الجمهور بعرض جوي مذهل فوق سماء المضيق ومرتيل    إجراءات ضريبية محفزة لمغاربة العالم لا يعرفها الكثيرون    ضبط زورق محمل بطنين من الشيرا وتوقيف سبعة أشخاص    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    بعد التدخل المفاجئ لأخنوش: من يحمي حياة المواطنين وسط تغوّل الحسابات السياسية والمالية؟    الاصابة تبعد الهولندي فريمبونغ عن ليفربول ثلاثة أسابيع    المغرب يتصدر مستوردي الغاز الإسباني    تركيا تستعد لإطلاق شبكة الجيل الخامس ابتداء من سنة 2026    إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة        "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فردة حذاء أو يوميات الموت
نشر في هسبريس يوم 17 - 09 - 2010

الصورة، المؤثثة باستمرار للعالم العربي، تلك التي رسمته قابعا تحت مسامير حذاء عسكري ضخم يجتم على روح الجميع . طبعا، التفسير الوحيد الذي تشع به نحو الأفئذة و الأذهان، حالة القمع المهولة المسوغة لمصير المواطن العربي، وتعتقله في وقائعه ومشاعره وأحلامه وآهاته وأزمنته الماضية والمستقبلية.

لكن الفضائيات ، ستنحت أيضا صورة ثانية، تعكس مسيرة سفينة الموت التي تمخر عباب النزيف العربي، أقصد بذلك صورة ما وقع عليها تبئير فردة حذاء أو نعل، تناقلتها المحطات الإخبارية عبر العالم، بعد حادثة موت غير قابلة حتى للحكي، التهمت ما يكفي من الحرث و النسل، جراء قصف أمريكي دموي أو تفجير انتحاري طائفي، ثم يبقى الشاهد . تحترق الجثت الآدمية ، وتتفحم، وترش بالأسيد، كأنها بقايا لحم حاملة لفيروس فتاك. لكن، فجأة ومن قلب المحرقة تتسرب قطعة جلدية أو بلاستيكية، كي تشي بالجريمة و تصنفها ضمن سجلات التواريخ السوداء . الضمير الإنساني لا ينسى قط ، وهو يمرن ذاته على الوخز كي يدوم لا نهائيا.
يتضخم، حيز فردة الحذاء ، إلى أن تكتسي الرؤى قاطبة ، تبتلع كيان بلد بأكمله . لذا، فما العراق اليوم؟ إنه مقبرة بشرية متحركة، تخبر عن عتبتها كومة أحذية متناثرة . موت، ثم موت ، فموت ، هي أمريكا إذن؟؟ كوكب من الدم ، ولادة قيصرية، ومجيء إلى هذا العالم خطأ.ورطنا كولومبوس وإن بغير قصد . لن تصير عالما جديدا ، بل رب أمريكا ولا خير من ميعاد واحد . تتنفس دما، وتقتات دما، وبين الدم و الدم حكاية أمريكية ما. لا يوجد شعب فوق هذه الأرض، لم تستحم أمريكا بدمه.
قبل 20 مارس 2003، أشعلت أمريكا حد الاحتراق أسطورة رجل اسمه صدام حسين وجيشه ومخابراته ومدافعه وعملائه وجواسيسه ، فأضحى نظامه فوبيا حقيقية، يقض مضجع الغرب ولا ينام من هوله العرب، تنمو في بلده الرؤوس النووية كالفطريات، سيجمع الخليجيين ويلقى بهم جميعا في حظيرة للدواب كي يختفون إلى الأبد ، وسيصبح امبراطورا لكل المستضعفين . أما الإسرائيليون، فسيطحنهم ويصنع من تلوثهم لحما و شحما للأسود و الفهود التي تزأر غضبا داخل قصور ابنه عدي ...!!. انطلت شهب النزوات الهوليودية على أهل " الحكمة" العربية، أو في حقيقة الأمر استغبوا عمدا أنفسهم للانتهاء شر نهاية ، من "الولد الشقي" الذي أتعبهم كثيرا بتنطعه وهواجسه وهلوساته وعجرفته، بينما إخوته العرب قد استكانوا إلى حياة صغيرة جدا.
استبشر الإخوة بأمريكا، وتبادلوا التهاني فرحين. فأمريكا هي الثورة، ولا حزن مع أمريكا. أرسلها، الرب في طريق صحراء العرب رحمة بهم ، بعد أجيال طويلة من الجور و الظلم و التنكيل بالناس من قبل أنظمة سياسية تعيش تماما خارج دورة التاريخ . إذن، أمريكا ستلقي بهؤلاء الأوغاد في البحر، وتولي علينا من يخافنا لأنه يخافها.
مرت سبع سنوات، لم يتم تنصيب تمثال الحرية وسط بغداد ولا في مقاطعة من مقاطعاتها. كل ما حدث، أن أمريكا حسب التعبير المصري " خربتها وجلست على تلها" أو كما نقول نحن المغاربة " لا حمار ولا جوج فرانك".
هكذا، باسم التحرير الأمريكي، اختفى من ذاكرتنا وإلى الأبد، ما كان يسمى بالجمهورية العراقية ، بحضارتها الموغلة في القدم وعلومها وآدابها وذكائها وجمالها...، وأحلوا محلها ببساطة حفرة من حفر جهنم .
لم يعد من مسلك لمعرفة هذا السابق عراقا متمدنا ، وحاليا عراق التعتيم و العماء والظلامية و العقائدية القاتلة و العصبية و الطائفية و الشرذمة و الجماعة و الأقلية و القبيلة و العشيرة و الزمرة...، غير ما يحدده انبعاث حذاء هنا أو هناك.
ما من شك، في استبطان الجغرافية لمعانيها بالتاريخ، بيد أن مدى العراق الأمريكي قد أخل بهكذا قاعدة ، وتقطعت أوصاله إربا إربا ثم طويت صفحته إلى غير رجعة ، بتنكيل من التاريخ الأمريكي اللقيط الذي تلبسه عاصفة من الجنون ، تفوق هول إعصار كاترينا زمجرة و عنفا، كلما تعثرت تقارير ملفات استخباراته، بين نتوءات فطنة وبهاء شعوب غنية شديد الغنى بدواخلها.
أما، عن الإعلان الأمريكي الرسمي، بشروع وحدات جيشه في التراجع، فقد رسخ من جهة بشكل لا رجعة فيه، ثابت القوة وكذا النشل بين شعوب العالم المعاصر، بالتالي لا منظمة للأمم ولا مؤسسات دولية، ولاهم يحزنون. ثانيا، يعيد إحياء عناصر القضية بناء على متوالية لغوية تجمع بين السفسطة و التوليد اللغوي التائه: دخلوا؟ خرجوا؟ ولماذا دخلوا؟ وكيف لهم أن يخرجوا؟ وحين يخرجون متى سيدخلونها ثانية؟ وأين وكيف؟ هل الخريطة ذاتها ، كما أرادها صقور المحافظين الجدد، بمعنى العراق وسوريا وإيران ثم يسقط تباعا ما تبقى كأوراق الخريف؟ أم تغيرت الخطة؟ خاصة، أن استسهال المداخل ، وسوء التقدير كما فضحه النموذج العراقي، لن يراكم مزيدا من الفوضى الخلاقة، بل سيسرع لا محالة أكثر من ذي قبل في انهيار أمريكا . مع ذلك ، أي شركة للتأمين؟ سيطرق بابها أصلاء العرب، قصد المطالبة باستعادة العراق وتعويضهم عن "الهولدوب" Hold-up الذي جرى ذات واضحة نهار . لقد تصدعت ، الأرض إلى نصفين وابتلعت هذا البلد .
من بوسعه حاليا ، مع أحلك ظلمات كوابيسه، مجرد التفكير بأنه وطأ شبرا من العراق ، وهو الذي كان سابقا قبلة لتجار الذهب و الباحثين عن الغنائم . أمريكا، التي اقتحمت وتراجعت بجرة خطاب من طرف بوش ثم أوباما الذي كلف نفسه عناء التشدق بحزمة متواليات لغوية أبدى من خلالها افتخاره بعساكره وتضحياتهم الجسيمة ، ثم كفى الله العراقيين شر القتال . وكل تغييرمقبل ، وأنتم على سطو مسلح!!
لم يُترك فقط مصير العراق إلى أنياب الذئاب كما جاء على لسان طارق عزيز ، لكن خاصة فصيلة نادرة جدا من الضباع ، لأنه ما تبت أن وجدت حركة سياسية لبلد مقاوم، بهذا الفقد لأدنى شعور بالانتماء للوطن والدود عنه ، كما هو حال الذين فضلوا امتطاء ظهر الدبابات الأمريكية للتبشير بالعهد الديمقراطي ، وتثبيت أسس تجربة سياسية مغايرة لما أرساه صدام حسين. بيد، أن الأخير على الأقل ، أظهر وطنية صلبة ، حتى آخر رمق من حياته.وأرسى دعائم بلد علماني يسمو على كل عفن طا ئفي.
إذن ، سواء المالكي أو علاوي وكذا مرجعيات عمائم الشيعة ...، كل فريق منهم يخدم أجندة أجنبية أو طائفية، لذا كان حتميا استعصاء الإعلان عن اسم الوزير الأول ، بعد مرور ستة أشهر على إجراء الانتخابات. وتبين للجميع، أنه لا قيمة تذكر لإرادة الناخب العراقي، الذي أضحت قيمته من قيمة هندسات حذاءه، المرتهن بمزاج المحاصصة الطائفية و البحث عن مراكز الوجاهة و الثراء ، وتحاشي ساسته للمواقع التي تكثر مسؤولياتها ويقل مردودها.
العراقيون، كانوا على شفا هاوية، فسقطوا في أضعاف أضعافها، ربما يترحمون داخل قيرورة أنفسهم ، بالرغم من كل شيئ على أيام الماضي. لقد أظهرت لهم الخديعة الأمريكية ، الجنان الفيحاء وسط مستنقعات للتماسيح.
ونحن نقلب بعض جذور المشكل، يجدر بحق أن نصرخ بهستيرية في وجه أنفسنا قبل العالم ، ما جدوى استعادة الكويت وتضييع العراق؟ إننا يتامى بدون العراق.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.