يحتفل الشعب المغربي، يوم الأربعاء، بالذكرى الخامسة عشر على تولى الملك محمد السادس لسدة الحكم في البلاد، بعد وفاة والده الحسن الثاني، حيث مرت 15 سنة شهد فيها المغرب تحولات بالجملة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. على المستوى الدستوري، سجل حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية والفقه الدستوري بجامعة سطات، أن الملك محمد السادس ورث إطاراً دستورياً يحظى بتوافق ورضا غالبية القوى الوطنية والديمقراطية، مستدركا "بأنه توافق هش لأنه يرتبط بترتيب سياسي لتدبير المرحلة بين هذه القوى وبين الملك الراحل، أكثر ما يرتبط بصيغة مؤسساتية قادرة على أن تشكل دستور "الانتقال الديمقراطي المأمول". تأجيل ملف الإصلاحات الدستورية وعند مقارنته بين عهد الملك محمد السادس، وبين العهد السابق أشاد القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، "بالتطور الذي شهدته الهندسة الدستورية المغربية"، مبديا تحسره على مستوى الانحدار الذي تعرفه النخبة السياسية، موضحا "أن دستور محمد السادس ربما كان محتاجاً إلى النخبة السياسية والحزبية للملك الحسن الثاني". وفي تقييمه للحصيلة المؤسساتية والدستورية للعهد الجديد، أكد طارق على "حقيقة واضحة تتجلى في كون النظام السياسي عمل لمدة أكثر من عقد على التأجيل المستمر لملف الإصلاحات الدستورية، قبل أن يكون للربيع العربي رأي آخر في الموضوع". وأبرز طارق أن "التأجيل سينطلق من خطاب أولوية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ثم من الدفاع عن تأهيل الأحزاب بدل تأهيل الدستور، ثم من فكرة اكتمال النسق المؤسساتي والحاجة فقط إلى إصلاحات تنقل صلاحيات المركز إلى الجهات". وأوضح نفس المتحدث أن "الكمون الذي عرفه المطلب الدستوري لدى القوى الديمقراطية، باستثناء اليسار الجذري وبعض فعاليات المجتمع المدني، ساهم في غياب الإصلاح الدستوري عن أجندة الدولة طوال ما يفوق العشر سنوات من عهد الملك محمد السادس". تحويل الماكرو سياسي إلى جزئيات ومن جهة ثانية أشار طارق إلى أن الدولة نجحت في السنوات الأولى للعهد الجديد في تحويل النقاش من الإطار الماكرو سياسي، إلى إطارات جزئية، مثل القضاء، والجهوية، والتنمية البشرية، وحقوق الإنسان، وذلك في مقابل النزوع ''الدستوراني'' لامتدادات الحركة الوطنية، ممثلة في الكتلة خلال التسعينات، والتي قدمت ملامح تصور إصلاحات سياسية ودستورية متكاملة شكلت جوهر العملية السياسية الصراعية/التوافقية مع الدولة. ويضيف طارق أنه سيبرز توجه واضح للحفاظ على الإصلاح كسياسات عمومية وكشعار سياسي وكبرنامج للدولة، لكن مع الحرص على إعطائه أبعادا أكثر تقنية وأقل تسييسا، حيث يختزل فيما يعرف بالحكامة، وهو ما كان من شأنه أن يجعل الخيار التحديثي ينتصر على خيار الحداثة. الملكية حاملة لخطاب إصلاحي طارق شدد على أن بداية العهد الجديد عرفتت الكثير من التحولات التي شهدتها مسألة المطالبة بالإصلاح، مشيرا إلى أن الفاعل الحزبي لم يعد وحده يحتكر المطالبة بالإصلاح، لأن "إيديولوجيا الإصلاح أصبحت تقريبا ضمن دائرة المشترك العمومي داخل البلاد، والمؤسسة الملكية أصبحت كذلك حاملة لخطاب إصلاحي". واسترسل المحلل ذاته بأنه "في كثير من الحالات تأتي مبادرات إصلاحية قوية من حيث لا ننتظر، مثل حالة قضية المرأة والتي تم من خلالها استثمار الفصل 19 من الدستور السابق، والذي تحول هنا من رمز للمحافظة إلى بؤرة للتحديث" وفق تعبيره. "النظام السياسي طور آليات جديدة وداخلية لخلق مطالب الإصلاح، حتى لا يظل أسيرا لمعادلة أو لخطاطة توزيع العمل بين القوى السياسية كمُطالبة بالإصلاح والدولة كمُطالبة بالإصلاح"، يقول البرلماني عن حزب "الوردة" الذي ساق مثالين على ذلك، هما "تقرير الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية". وأبرز في هذا الاتجاه أن رهان الدولة كان في هذه الحالة هو خلق مرجعيات حديثة للإصلاح، وتكسير احتكارية اليسار والحقل الحزبي لمطلب الإصلاح، ثم تحقيق ما يمكن تسميته ''باختصار دورة المطالب''، وهذا ما يجعل النظام السياسي متحكما بشكل أكبر في تدبير أجندة الإصلاح. 20 فبراير والسؤال الدستوري وتطرق حسن طارق إلى أن حركة 20 فبراير، التي رفعت شعار إسقاط الفساد والاستبداد، أعادت بعد عشر سنوات من التأجيل المستمر، الملف الدستوري بقوة للنقاش، في سياق التفاعل مع الربيع العربي، حيث أعادت الحياة إلى شعار "الملكية البرلمانية"، بالإضافة للخطاب الملكي لتاسع مارس2011. واسترسل أن "العودة ستعرف من جهة تحولاً على مستوى الانتقال من ملف يتم تدبيره ضمن هامش نخبوي، إلى ملف يتملكه الشارع والفاعلون الاجتماعيون والمجتمع المدني"، مشيرا إلى أن الحركة أدت إلى معالجة جذرية لبراديغم الإصلاح". وقال طارق إن سياق دستور 2011، لا يرتبط فقط بعودة الإشكالية الدستورية إلى الواجهة كعقدة مركزية لأي إصلاح، وبالحاجة إلى إصلاح "السياسة" و"المؤسسات"، مشددا على أنه يرتبط بالعمق المجتمعي الذي انطلقت منه المطالب الدستورية، وبدور الشارع في احتضان هذه المطالب، ثم باتساع غير مسبوق لدائرة الحوار العمومي حول قضايا الدستور. وأعاب المتحدث على "الحكومة تغييبها للمعارضة في بلورتها للقوانين التنظيمية التي صادقت عليها بالرغم من أن الدستور خول للمعارضة مكانة متميزة كقوة اقتراحية قبل أن تكون رقابية"، مستغربا من مصادرة الحكومة حق المعارضة في سن العديد من مقترحات القوانين التي تقدمت بها. وأعطى طارق المثال، في هذا السياق، بمسودة مقترح قانون المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، أو ذلك المتعلق بتقديم العرائض الدستورية الذي تقدم به فريق الأحرار، حينما كان في المعارضة ورفضته الحكومة بدعوى أنها تتوفر على مخطط تشريعي. وشدد على ضرورة إشراك لحكومة المعارضة في صياغة القوانين التنظيمية، لأن إقصاء المعارضة فيه إضعاف لصورة الحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي"، مضيفا أن "هناك اليوم شركاء دوليون للًمغرب يتتبعون هذه التجربة، وأي تأخير أو تماطل في تطبيق مقتضيات الدستور معناه تعطيل للأجندة الإصلاحية التي أقدم عليها المغرب إبان بروز الربيع العربي".