"اخرجوا من كنيستنا" هكذا صرخت سيدة مسيحية أمريكية بعد أن تسللت الجمعة الماضية داخل الكاتدرائية الوطنية بواشنطن، وكانت عبارتها مطلقة في وجه نحو 100 مسلم ومسلمة جلسوا يستعمون ﻷول خطبة جمعة نظمتها كنيسة مسيحية بتنسيق مع منظمات إسلامية، في حدث وصف بالتاريخي ووسم بعنوان "بناء أرضية مشتركة لنبذ التشدد". وفيما خصص الإعلام الأمريكي، كما المنابر التي تناولت الخبر بالعالم الإسلامي، فقد خصصت حيزا مهما لهذه الخطوة الجريئة، احتفاء بهذا التقارب المسيحي الإسلامي، إلا أن احتجاج المرأة الأمريكية على التواجد الإسلامي داخل المبنى المسيحي، نقض ذلك "الإجماع" الذي صوره الإعلام، وأثار في المقابل سؤال واقعيا: هل يسمح المسلمون للمسيحيين بأداء مناسكهم وقداسهم داخل أكبر المساجد، كما قبلت بذلك الكاتدرائية الوطنية بواشنطن، التي تعد مرجعا دينيا وتاريخيا في الديانة المسيحية؟ الفزازي: المساجد ليست كوكتيلا للعبادات من وجهة نظر شرعية إسلامية يرى الخطيب والداعية محمد الفزازي أن القرآن قد حسم في عدم السماح للمسيحيين بالصلاة في مساجد المسلمين، كما قال الله تعالى "وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا"، مضيفا "إذا سمحنا لهم بالدخول لبيوت الله فإنهم سيدعون بإسم الرب والروح القدس والمسيح وغيره"، مشددا بقوله "المساجد خاصة بالمسلمين ولا يجوز تحويلها إلى معابد وكوكتيل للعبادات غير الإسلامية". في مقابل ذلك، رحب الفزازي، ضمن تصريح لهسبريس، بالحوار بين أصحاب وأتباع الأديان السماوية "في القاعات والمؤتمرات.. لكن نؤدي صلاتنا في المساجد ويؤدون صلاتهم في الكنائس"، فيما أشار إلى أن الإسلام دين تسامح ولا يكره أحدا على اعتناقه بالقوة. ويرى الخطيب بمسجد طارق بن زياد بطنجة أن تحويل المساجد "التي فتحت للتوحيد إلى بيوت للقول بالرب والمسيح وروح القدس.. خروج على الأصل"، مضيفا في مقابل ذلك أن الدين لا يمنع من أن يصلي المسلم داخل الكنائس بشرط عدم تواجد الصلبان، مستندا في ذلك على قول الخليفة عمر بن الخطاب "لولا الصليب لصلينا فيها"، وإلى قوله تعالى في القرآن الكريم "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ". الكنبوري: مذاهب إسلامية تعيق التعايش رأي الفزازي وجد له من يخالفه، حيث لا يرى الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الديني، ادريس الكنبوري، العيب في صلاة المسلمين داخل دور العبادة غير الإسلامية في أرض الغربة، على أن منطق التعايش بين الديانات طبيعي ومطلوب "ﻷن المسلم مطالب في تلك المناطق بإثبات قدرته على التعايش خاصة وأنه يعد أقلية في أمريكا مثلا أمام الساكنة التي تدين غالبيتها بالمسيحية". ويعلق الكنبوري، في تصريح لهسبريس، على حدث صلاة الجمعة داخل كاتدرائية واشنطن، باعتباره أمرا عاديا بالنسبة للمسيحيين، "لأن الكنيسة تسعى بذلك إلى التعريف بديانتها والمراهنة على التبشير". إلا أن هذا المنطق يبقى غير مقبولا من وجهة نظر "إسلامية" غير خاضعة للإجماع، على مستوى بعض المذاهب، يضيف الكنبوري، حيث تمنع أدبيات تلك المذاهب دخول "أهل الكتاب" للمساجد، "فبالأحرى أن يؤدوا فيها صلواتهم وطقوسهم الدينية"، مستدركا بالقول إن هذا الموقف يحضر بقوة عند من أسماهم "المذاهب المتشددة التي تأثرت بتركة الحروب الصليبية والأوضاع السياسية في زمنها". وأشار الباحث في الشأن الديني إلى أن المشرق العربي ظل، في تاريخ مضى، يحافظ على التعايش بين المسلمين والمسيحيين، بما في ذلك تبادل دور العبادة، داعيا إلى إعادة النظر في بعض الأفكار والمذاهب التي تمنع هذا التعايش حاليا عبر تكريس قيم التسامح والتركيز على النقط المضيئة في كل الديانات السماوية. واستبعد الكنبوري تحميل الحركات الإسلامية الحالية مواقف تلك المذاهب "المتطرفة" في أدبياتها تجاه المسيحيين، مشددا على وجود اجتهادات تخالف هذه الأخيرة، "لكن العائق الذهني للمواطن والترسبات التاريخية التي ورثناها يمكن أن تصطدم مع دعوات التسامح والتعايش مع المسيحيين خاصة من شاكلة مبادرة كاتدرائية واشنطن"، محيلا في ذلك إلى العريضة التي وقعها عدد من التيارات الإسلامية حين الدعوة لحضور إجراء قداس مسيحي بكنيسة الرباط عقب تفجيرات 16 ماي، داعيا إلى التركيز في العلاقات بين معتنقي مختلف الأديان على "النقط المضيئة فيها عوض المظلمة منها، التي قد تنتج لنا حالة مت التطرف".