التقدم والاشتراكية يدعو إلى تعزيز الدبلوماسية البرلمانية والجبهة الداخلية للدفاع عن مغربية الصحراء    حادثة سير مميتة بطنجة.. مصرع سائق دراجة نارية إثر اصطدام عنيف    احتفالية نزاهة الملحون بمكناس تعرف مشاركة من مدينة العرائش    الموسم الفلاحي .. توقع تسجيل زيادة بنسبة 41 في المائة من محصول الحبوب الرئيسية    وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    البواري: 80 بالمائة من مربي الماشية بالمغرب "كسابة" صغار ونشتغل على إعادة تشكيل القطيع الوطني    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    نتنياهو يعلن المصادقة على توسيع إبادة غزة بما في ذلك احتلالها    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    لفتيت يستقبل الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الموريتاني المكلف باللامركزية والتنمية المحلية    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    للا حسناء تلتقي السيدة الأولى لأذربيجان    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة التهديد بارتكاب اعتداءات جسدية قاتلة في حق مرتادي الملاعب الرياضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في مذكرة نادي قضاة المغرب
نشر في هسبريس يوم 03 - 01 - 2015


بشأن التراجعات الدستورية لمشروع التنظيم القضائي
وضع نادي قضاة المغرب مذكرته المطلبية لدى وزارة العدل بشأن إصلاح الاختلالات والتراجعات الدستورية الأساسية التي اعترت مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي انطلاقا من أهدافه المحددة في القانون الأساسي ،وانسجاما مع مقتضيات المقاربة التشاركية الدستورية لجمعيات المجتمع المدني بشأن إعداد السياسات العمومية للدولة ،وتبعا لكونه جمعية مهنية مواطنة تروم المساهمة في تطوير الأداء التشريعي بما يخدم المصلحة العليا للمواطن و الوطن ؛ويسعى للرفع من النجاعة و الفعالية التي يضطلع بها القضاء من أجل ضمان ظروف أمثل لحماية حقوق و حريات الأفراد و الجماعات ؛
أولا : الأهداف الموجهة لرؤية النادي؛
يروم النادي من مذكرته العمل على تحقيق الأهداف التالية :
الهدف الأول : ضمان احترام المبادئ و القواعد الدستورية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية تنظيما و ممارسة ؛
الهدف الثاني : تجسيد التزام المغرب اتجاه المنتظم الدولي بشأن التنزيل الأمثل لمختلف التوصيات الأممية والدولية بشأن استقلال السلطة القضائية بشقيها القضاء الجالس و القضاء الواقف ؛
الهدف الثالث : ضمان انسجام تشريعي بين مختلف أجزاء المنظومة التشريعية المتعلقة بمنظومة العدالة ؛
الهدف الرابع : تبليغ رؤية قاعدة النادي إلى الجهات المسؤولة عن وضع المسودة و الدفاع عنها وفق الآليات الممكنة و المتاحة ، تجسيدا لروح المسؤولية الملقاة على عاتق الأجهزة المنتخبة .
ثانيا: الانتقادات الموجهة لمضامين المسودة : إن نادي قضاة المغرب ، و انطلاقا من مسؤوليته التاريخية أثار انتباه واضعي المشروع لمجموعة من المغالطات التي تضمنتها المسودة المذكورة ، و يعتبرها محاولة للالتفاف على المكتسبات الدستورية التي حظيت بها السلطة القضائية و على رأسها مكسب الاستقلالية و ضرورة الابتعاد على كل أنواع التأثير على القرار القضائي .
و في هذا الصدد فإنه يطالب بإعادة النظر سريعا في كل مقتضى من شأنه مس هذه الاستقلالية ، و التراجع عنه و الالتزام بروح الدستور و منطوقه كما جاء في خطاب جلالة الملك .وذلك من أجل تجاوز ما يلي :
-المساس بالاستقلال المالي و الإداري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، و ذلك من خلال وضع يد السلطة الحكومة المكلفة بالعدل على هذا الاستقلال ؛
-التدخل المباشرة و غير المباشر في شؤون السلطة القضائية من خلال وضع الآليات التي تبقي للسلطة الحكومية موطئ قدم في تسيير و تدبير و مراقبة العمل القضائي ، و خاصة من خلال الدور الذي أريد للمسير أن يلعبه من جراء فرض الرقابة عليه من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل من جهة و تمكينها من التقارير المتعلقة بالجمعيات العمومية ،
-الخرق السافر للمقتضيات الدستورية من خلال جعل الخريطة القضائية التي تعتبر العصب الأساسي للسلطة التنظيمية من اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالعدل و التي تود ممارسة التأثير عليها بموجب آلية المراسيم التي أعطت لنفسها حق المبادرة فيها و إبقاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية مجرد جهة استشارية ؛ و هو الأمر المخالف للدستور وفق ما جاء في الفصل 71 الذي يجعل التنظيم القضائي و إحداث المحاكم يدخل في نطاق القانون و من اختصاص السلطة التشريعية و لا يمكن بأي حال من الأحوال التسليم للمرسوم بالعبث في تلك الخريطة، لما فيه من محاولة للتأثير ، كما لن يجدي نفعا في هذا السياق التوسل باستشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية . كما أن اعتماد المرسوم للتأثير في الخريطة القضائية لا يدخل و لو بالإشارة في صميم مقتضيات الفصل 92 من الدستور مادام هذا الأخير قد أدخله في نطاق القانون .؛ زيادة على ذلك فإن مجرد مرسوم صادر عن جهة حكومية لتغيير معالم التنظيم القضائي كاف لجعل هذه الجهة متحكمة في القرار القضائي و استقلاليته و استقلال السلطة القضائية و يشكل مدخلا مقنعا لذلك التدخل . و مما يؤكد عليه النادي في هذا الصدد هو ضرورة احترام ما ورد بالدستور و خاصة في فصله 113 من إشارة إلى حق المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إصدار التوصيات المتعلقة بوضعية القضاء و منظومة العدالة و التي يدخل من جملتها إمكانية إبداء الرأي في شكل الخريطة القضائية بل و اقتراح توصيات في هذا الباب .
و مما يرتبط بسلطة الجهة الحكومية المكلفة بالعدل في التأثير على القضاء ما تضمنته المسودة من توظيف لآلية المرسوم من أجل التدخل في التوزيع الداخلي للعمل القضائي للمحاكم ، وهو ما تروم المسودة إلى شرعنته من خلال إجازة إحداث غرف بالمحاكم بناء على مرسوم .
كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المسودة عملت على تقليص هامش الحريات التي أصبح يتمتع بها القضاة كما عملت على التضييق على الحريات الأساسية للقضاة باعتبارهم مواطنين أولا و أخيرا ، و يبدو ذلك من خلال ما تضمنه الفصل 7 : ” … تبتدئ السنة القضائية في فاتح يناير وتنتهي في 4. ديسمبر، حيث تعقد المحاكم جلساتها دون انقطاع وتنظم بكيفية لا يترتب عنها توقفها أو تأجيلها. ” و كذا الفصل 21 من المسودة و الذي ينص على : ” يرتدي القضاة بذلة أثناء الجلسات فقط، وتحدد أوصاف هذه البذلة بقرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يرتدي موظفو هيئة كتابة الضبط بذلة أثناء الجلسات فقط، وتحدد أوصاف هذه البذلة بمرسوم. ” و ما يمكن أن يقال على مثل هذه المقتضيات هي أنها صيغت في شكل ردة فعل على النضالات التي خاضها نادي قضاة المغرب من أجل تكريس استقلالية حقيقية للقضاة ، و هو ما يظهر النية المضمرة لحرمان القضاة من حقهم الطبيعي في الاحتجاج و السعي في إخراس صوتهم من خلال مثل هذه المقتضيات التي لا تمت لدستور 2011 و روحه بصلة كما لا تأخذ بعين الاعتبار ما تضمنته المواثيق و العهود الدولية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية و ضمان حق القضاة في ممارسة الحقوق الأساسية .
و مما يثير الاستغراب في المسودة هو التراجع عن القضاء المتخصص كتجربة رائدة كان على واضع المسودة العمل على تطويرها فإذا به يتراجع عنها ، لكون المبررات التي وضعها واضعو هذه المسودة في هذه النقطة تبقى واهية و لا أساس لها إذ أن دور القضاء المتخصص كما لا يخفى على ذوي الشأن من المتخصصين من الأهمية بمكان ، لذلك فإن نادي قضاة المغرب يطالب بضرورة تطوير القضاء المتخصص و العمل على الزيادة في عدد المحاكم المتخصصة بدل الاكتفاء فقط بالغرف المتخصصة . و هنا يؤكد بأن الدستور المغربي لسنة 2011 لم يتحدث عن الغرف المتخصصة و إنما تحدث عن المحاكم المتخصصة ، و كما هو معلوم فإن حكم الدستور فوق كل اعتبار و لا يمكن الارتكان لإرادة أية جهة ما دامت تلك الإرادة مخالفة لمقتضيات الدستور . وكما لا يفوته أن يذكر بضرورة استكمال صرح ثنائية النظام القضائي بتتويج هيكلة القضاء الإداري بمجلس الدولة طبقا للفصل 114 من الدستور والتوجيهات الملكية السامية. مما فرض التأكيد وبقوة وبمسؤولية بأن الظرف التاريخي حان لتأسيس هذا المجلس لتحقيق ازدواجية القضاء بما يهدف إليه من تطوير القضاء الاداري لترسيخ مبدأ المشروعية وسيادة القانون وحماية المواطنين من شطط الادارة.
أما بخصوص الجمعيات العمومية فإنه في الوقت الذي كان القضاة و منذ زمن بعيد ينادون بضرورة دمقرطة عمل الجمعية العمومية و جعلها شاملة لجل أنواع المحاكم و على اختلاف درجاتها بما فيها محكمة النقض ، فإن النادي يشير إلى خطورة تغافل هذا المطلب و العمل في المقابل على تعميم تجربة محكمة النقض على باقي محاكم الموضوع بما يضفي الشرعية على قرارات المسؤولين القضائيين من خلال جعل تلك القرارات تبدو ديمقراطية عن طريق تمريرها عبر قناة تمت تسميتها بمكتب المحكمة . و في هذا الصدد فإن نادي قضاة المغرب يثير الانتباه إلى أن الإبقاء على هذه الوضعية بالشكل الحالي الذي ورد بالمسودة يشكل ضربة قاضية لمبدأ الاستقلال الفعلي و الحقيقي للسلطة القضائية ، و بالمقابل يؤكد على ضرورة تطوير أداء الجمعية العمومية التي تعتبر اللبنة الأساسية لدمقرطة عمل السلطة القضائية كما هو معمول به في جميع النظم القضائية الديمقراطية .
إن التراجع الخطير للمسودة مؤشر مقلق للاستقلالية على مستوى إضعاف مركز القضاة أمام المسؤولين القضائيين ، ففي الوقت الذي عملت مسودتي القانونين التنظيميين لرجال القضاء و المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تكريس نظام التنقيط و جعله سيفا مسلطا على رقاب القضاة ، ها هي مسودة مشروع قانون التنظيم القضائي تعمل على إكمال الصورة من خلال إضعاف كل من قضاة الأحكام و قضاة النيابة العامة أمام المسؤولين القضائيين بما يشكل تراجعا عن روح و منطوق الفصل 110 من الدستور . و لا يجادل أحد أن ما تضمنه الفصل 18 الذي ينص على أنه : ” يمارس مهام النيابة العامة قضاتها، تحت سلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ومراقبة وتسيير رؤسائهم المباشرين.” فكيف لقاضي النيابة العامة أن يمارس مهامه تحت وطأة سلطة المسؤول و ما يملكه من أدوات و آليات تجعل قاضي النيابة العامة خاضعا و بين أن يلزم هذا الأخير بضرورة اتباع التعليمات الكتابية القانونية فقط دون غيرها ، و كيف يمكن التمييز – في ظل مثل هذه المقتضيات – بين التعليمات الكتابية القانونية و غير القانونية أم أن واضعي المسودة اعتبروا سلفا أن ما يصدره الرؤساء المباشرين هو تعليمات قانونية ؟ و مما يزيد من التعجب في هذا الباب ما ورد الفصل 103 و ما يليه من الباب الثاني المتعلق بالإشراف و المراقبة القضائية لمحاكم أول درجة و محاكم ثاني درجة ، و هنا تجدر الإشارة إلى أن هذه المسودة تضمنت مقتضيات خطيرة من قبيل ما جاء بالفصل 104 الذي ينص على أنه : ” يمارس الرؤساء الأولون لمحاكم ثاني درجة مراقبتهم على جميع قضاة الأحكام العاملين بها ” و الفصل 106 الذي ينص على أنه : ” يمارس رؤساء محاكم أول درجة مراقبتهم على قضاة الأحكام العاملين بها “، مما يجعل استقلال القاضي في خبر كان و يقوض كل أركان الباب السابع من دستور المملكة . فكيف يمكن التأكيد على استقلال القاضي في الوقت الذي يكون فيه هذا الأخير تحت رحمة المسؤول القضائي ؟ و كيف يمكن الجمع بين مراقبة عمل القاضي من قبل المسؤول القضائي سواء بالنيابة العامة أو قضاء الحكم و إمكانية التأثير على قراراته في الوقت الذي تعطى فيه الشرعية للمسؤول ليمارس كل أنواع التأثير بصورة شرعية و قانونية ؟
إن الأمر يشكل تجاوزات بحق تتخطى مضمون المحتوى الدستوري من جهة و تخل بالتزامات المغرب الدولية و ما صادق عليه من مواثيق و اتفاقيات ، و ضرب لمقتضيات الدستور الذي يؤكد على سمو تلك الاتفاقيات على القانون الداخلي ، كما ينبه جميع المتدخلين في العملية التشريعية بدءا من واضعي مسودة القانون إلى المحكمة الدستورية ( المجلس الدستوري ) مرورا بالبرلمان إلى ضرورة تدارك الأمر ، وغيرهم من الفاعلين إلى تحمل المسؤولية التاريخية للدفاع عن استقلال السلطة القضائية .
ثالثا: الخطوط العريضة للبدائل المقترحة من طرف النادي ؛
و انطلاقا من رؤية نادي قضاة المغرب باعتبار جمعية مهنية فاعلة ، فإنه يرى ضرورة بسط الخطوط العريضة للبدائل المقترحة من طرفه .
فيما يتعلق بالجمعية العمومية يؤكد النادي على المطلب القديم و المتجدد لقضاة المملكة و المتعلق بضرورة إصلاح و تطوير آلية الجمعية العمومية ، إذ أن هذه الجمعية تعتبر مدخلا أساسيا من مداخل الإصلاح الحقيقي للسلطة القضائية و تجسيد استقلالها على أرض الواقع. وفيما يتعلق بسلطات المسؤول القضائي فيجب التأكيد على
أن ما ورد بالمسودة من سلطات رقابية قد شكلت تراجعا ليس فقط على المكتسبات الدستورية المؤسسة لاستقلال القاضي ، و إنما تراجعت عما كان معمولا به منذ 1974 . إذ في الوقت الذي كان من المنتظر أن تتحقق الاستقلالية المنشودة لقرار القاضي ، تمت تقوية دور و سلطات المسؤول القضائي الرقابية على القاضي من خلال تمكين المسؤولين القضائيين رئيس أول و رئيس محكمة و وكيل عام و وكيل الملك من بسط سلطان رقابته على القضاة العاملين معه ، مما يفرغ فكرة استقلال القاضي من كل مضمون .
و في هذا السياق يمكن القول بأن ما جاء من مقتضيات في هذا السياق يعتبر تراجعا خطيرا و صريحا عن مقتضيات الفصل 110 من الدستور الذي مكن قضاة الأحكام و قضاة النيابة العامة من استقلال قراراتهم .
ولاشك أن السبيل الأمثل لتحقيق الشروط القانونية لعمل القاضي ، أن تجسد مضامين الدستور في مسودة المشروع و ذلك من خلال العمل على تقوية الضمانات التي يجب أن يتمتع بها قاضيي الحكم و النيابة العامة أثناء مزاولة مهامهما. و على ذلك فإن الأمر يستوجب إعادة النظر في مضمون المادة 9 من المسودة بما يحدد طبيعة و نطاق الإشراف من جهة لرفع اللبس في العبارة ، و حتى تقطع الطريق عن كل التأويلات ، و من جهة أخرى يجب إعادة النظر في مضمون المواد 103 و ما بعدها و تجسيد روح و منطوق الفصل 110 الذي يؤسس لمفهوم الاستقلال الحقيقي لقاضي الحكم و مفهوم التبعية القانونية و القائمة على التعليمات الكتابية المستندة على القانون لمسؤول النيابة العامة بدل التبعية العمياء كما أرادت المسودة أن تؤسس لها.
فيما يتعلق بالحقوق و الحريات فإن ما يثير الاستغراب بحق هو نية واضعي المسودة محاولة التشريع في مجال لا يدخل في نطاق اختصاصهم ، بل إن الدستور نفسه حصنه من كل تعديل و لو على مستوى الدستور . و في هذا السياق يجب ذكر الفصل 175 من الدستور الذي حدد نطاق المراجعة الدستورية و ما لا يمكن أن تشمله تلك المراجعة ؛ و مما لا يمكن أن تشمله المراجعة المكتسبات في مجال الحقوق و الحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور باعتباره أسمى قانون بالبلاد و الذي ما فتئ جلالة الملك يؤكد على ضرورة احترام قواعد روحا و منطوقا . هنا يجب التساؤل عمن أعطى الحق لواضعي المسودة للمس بالحقوق الأساسية للقضاة و كذا الموظفين ليحرموهم من إمكانية ممارسة حقوقهم و حرياتهم الدستورية الأساسية ، و تجدر الإشارة هنا إلى ما ورد بالمادة 7 عندما تمت الإشارة الضمنية إلى منع توقف و تأجيل الجلسات و المادة 21 التي نصت على قواعد لباس البذلة و التي لا تعتبر من اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في ظل الدستور الجديد من كل الأوجه . فكل ذلك يعتبر مسا خطيرا بأهم حق يتمتع به القضاة ليس في المغرب فحسب بل في كل الدول الديمقراطية حتى العريقة منها ، و الذي أكدت عليه المواثيق و الاتفاقيات الدولية ألا و هو الحق في الاحتجاج . كما أنه كان على واضعي المسودة أن يجعلوها مقتضيات نابعة من المصلحة الوطنية العليا و نبذ كل أسباب الاحتجاج من خلال ضمان ضوابط عمل قانونية تمكن القاضي من الاشتغال في ظروف ملائمة بدل التعامل بنفس ردة الفعل على الحركات الاحتجاجية التي قام بها نادي قضاة المغرب و التي جسد من خلالها بعضا من حقوقه الدستورية فقط .
لذلك يتعين التراجع عن هذا المنحى الخطير الذي طبع مسودة القانون ، و الذي مس بالحقوق و الحريات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل مواطن فضلا عن القاضي الضامن لتك الحقوق و الحريات كما جاء به الدستور .
و في ختام مذكرته لم يفت نادي قضاة المغرب التأكيد أن أسلوب الحوار لا يزال هو الطريق الوحيد لتجاوز كل الصعاب و تجاوز كل العقبات ، و أن الإنصات المتبادل بين مختلف فعاليات منظومة العدالة و الإدارة الانتقالية المكلفة بالعدل و كذا الإدارة القضائية المقبلة هو السبيل الأمثل للسير في طريق الاستجابة للنداء الملكي السامي بشأن الالتزام بالمضمون الدستوري منطوقا و روحا ، و تنزيل مقتضياته تنزيلا ديمقراطيا لتحقيق مطلب القضاء المواطن الحامي للحقوق والحريات والحافظ للأمن القانوني والقضائي.
-نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة عضو مؤسس بنادي قضاة المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.