صحفي هولندي يرجح انتقال زياش إلى أياكس أو تفينتي    إنقاذ مهاجرين غير نظاميين في البرتغال وسط إجراءات ترحيل صارمة    المغرب ضيف شرف الدورة ال 21 لمعرض بنما الدولي للكتاب        توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء        رحيل الفنانة التشكيلية المغربية نجوى الهيتمي عن عمر يناهز 46 سنة    احتجاجات متواصلة في المدن المغربية تنديدا باستهداف الصحافيين في غزة وتجويع القطاع    مليلية ‬المحتلة ‬تعيد ‬صياغة ‬هندستها ‬القانونية ‬وسط ‬تصاعد ‬الخطاب ‬اليميني ‬في ‬إسبانيا ‬    عائلات المعتقلين المغاربة في العراق تطالب بكشف حقيقة أنباء مقتل سجناء في سجن الحوت    بطولة أمم إفريقيا للمحليين 2024.. لا خيار أمام "أسود الأطلس" سوى الفوز    حكيمي وبونو... أيقونتان مغربيتان تقتربان من معانقة المجد الكروي العالمي    الرجاء الرياضي يعير لاعبيه أنور العلام وكريم أشقر إلى نادي رجاء بني ملال    ‮«‬تدارك ‬الفوارق ‬المجالية ‬والاجتماعية‮»‬ ‬أولوية ‬مشروع ‬قانون ‬مالية ‬2026    القنيطرة تحتفي بمغاربة العالم وشعارها: الرقمنة بوابة لتعزيز الروابط وخدمات القرب    ابتسام لشكر أمام وكيل الملك بالرباط    رئيس كوريا الجنوبية والرئيس الأمريكي يعقدان قمة في 25 غشت    مواقف ‬المغرب ‬الثابتة ‬التي ‬لا ‬تتزعزع ‬في ‬سياق ‬محيط ‬إقليمي ‬غير ‬مستقر    شركة الإذاعة والتلفزة تختتم أبوابها المفتوحة للجالية بلقاء حول إذاعة "شين آنتر"    وَقاحةُ سياسي‮ ‬جزائري‮ ‬بالدعوة للتظاهر ضد النظام المغربي‮ تجد صداها عند‮ ‬أنصار‮ «‬التطرف الاسلامي» ‬وبقايا‮ ‬«القومجية»‮ ‬وفلول «البيجيدي‮» ‬المتنطعة باسم‮ ‬غزة‮!    توقيف عدائين سابقين بعد تعنيف قائد خلال وقفة احتجاجية أمام مقر جامعة ألعاب القوى بالرباط    غلاء الخدمات السياحية وعزوف مغاربة الخارج عن قضاء عطلتهم بالمغرب يجر الحكومة للمساءلة البرلمانية    المغرب يمد يد العون للبرتغال بطائرتي كنادير لمواجهة حرائق الغابات (فيديو)    تمديد هدنة الرسوم الجمركية يرفع أسعار النفط    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    كرة القدم.. المدافع زابارني ينتقل إلى باريس سان جيرمان        ارتفاع أسعار النفط بعد تمديد الولايات المتحدة والصين هدنة الرسوم الجمركية    بسبب جرائم حرب الإبادة في غزة.. فرنسا توقف تجديد تأشيرات عمل موظفي "إلعال" الإسرائيلية    مجلة "فوربس" تتوج رجل الأعمال المصري كامل أبو علي رائدا للاستثمار الفندقي في المغرب        "شين أنتر" تختتم احتفالية بالجالية    الدوزي يلهب الحماس في "راب أفريكا"    الرباط تحتضن أولى نسخ "سهرة الجالية" احتفاءً بأبناء المهجر (صور)    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    اعتقال عسكريين في مالي بعد محاولة انقلابية على المجلس الحاكم    الأحزاب والانتخابات: هل ستتحمل الهيآت السياسية مسؤوليتها في‮ ‬تطهير السياسة من المرشحين المشبوهين‮ ‬وتقديم الأطر النزيهة لمغرب المستقبل؟    وفاة السيناتور الكولومبي أوريبي.. الأمم المتحدة تجدد دعوتها لإجراء تحقيق "معمق"    ضبط وحجز 1.8 طن من الآيس كريم غير صالح للاستهلاك بموسم مولاي عبد الله أمغار    مهرجان "راب أفريكا" يجمع بين المتعة والابتكار على ضفة أبي رقراق    حين يلتقي الحنين بالفن.. "سهرة الجالية" تجمع الوطن بأبنائه    بعد نشر الخبر.. التعرف على عائلة مسن صدمته دراجة نارية بطنجة والبحث جار عن السائق    كان يُدَّعى أنه يعاني من خلل عقلي.. فحوصات تؤكد سلامة الشخص الذي اعترض السيارات وألحق بها خسائر بطنجة ومتابعته في حالة اعتقال    مالي وبوركينا فاسو والنيجر توحد جيوشها ضد الإرهاب    سيرغي كيرينكو .. "تقنوقراطي هادئ وبارع" يحرك آلة السلطة الروسية    المغرب يشارك في معرض بنما الدولي للكتاب    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة    الدولة والطفولة والمستقبل    هل يمكن أن نأمل في حدوث تغيير سياسي حقيقي بعد استحقاقات 2026؟    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق الانسان بين الكونية والخصوصية
نشر في هسبريس يوم 16 - 01 - 2015

لعل أول ما يلفت انتباهك بشكل واضح أثناء مناقشة ولو عامة مع أحد أعضاء منظمة العفو الدولية مثلا، هو تأكيد الجميع على كون حقوق الانسان بصفة عامة حقوقا كونية مقدسة تتجاوز في احترامها و تقديسها اللون والجنس والموطن والمعتقد والدين، إلى هذا الحد كل ذلك معقول بل مطلوب، فالإنسان ليحصل كافة حقوقه يكفي أن يكون إنسانا من بني ادم، وهو قد حضي بالتكريم من لدن خالقه عز وجل منذ أول الخليقة فقد قال عز من قائل: "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقناهم تفضيلا"
و هكذا فقد كرم الله عز وجل الإنسان أيما تكريم وضمن له رزقه من الطيبات و سخر له البر والبحر، كل ذلك لأنه الأفضل عنده على سائر المخلوقات، ولعل أجل ما أكرم به الإنسان، نعمة العقل الصافي الذي يدله أول ما يدله على عظمة الخالق عز و جل و على روعة هذا الكون واتساقه، والذي يضم بالإضافة إلى كل الطيبات التي يجب أن يسعى المرء في طلبها، وبعض الخبائث التي يجب عليه تجنبها وهو ما يدخل في إطار الابتلاءات المختلفة للإنسان والتي بعقله المنير يتعامل معها بايجابية. ومن هنا نطرح السؤال التالي: على أي مقياس ووفق أي معيار تتحدد حقوق الإنسان بشكل عالمي وكوني، بحيث يجب على كل الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها احترامها ؟
للاجابة لابد من الرجوع و لو بشكل سريع و بعجالة إلى انبثاق وانبعاث هذه الحقوق وفق نمطها الغربي الحديث، أما حقوق الإنسان كقيم إنسانية مجردة وصافية فقد تناولتها كل الشرائع وفي مقدمتها وبشكل مستفيض وواضح الرسالة الخاتمة كما سنرى.
أما بشأن حقوق الانسان في الغرب فبعد أن عاش هذا الاخير عصورا من الظلام امتدت لقرون طويلة، استفاق أبناءها على أشعة شمس الحضارة الاسلامية فغرفوا منها ما وسعهم ذلك، إلى أن انعتقوا من أغلال الجهل وقيود التخلف التي كانوا يتخبطون فيها في خضم دين محرف يقيد العقول والأرواح من أن تنطلق في هذا الكون الفسيح، وهكذا وبعد هذا المخاض وعدد من الصراعات الدامية التي تلتها اصلاحات دينية أعقبها انفتاح علمي وتطور حضاري على أنقاض الحضارة الإسلامية.
على اثر ذلك ظهرت أثناء وبعد عصر الأنوار، ومع ما عرفته هذه الفترات من حروب دامية أهلكت الحرث و النسل وامتهنت كرامة الإنسان أيما امتهان، بعد كل ذلك ظهرت عدد من الإعلانات والمعاهدات حول حقوق الإنسان استهدفت أولا حقوق الجنود في الحروب، إلى أن اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789 والتي تضمنت عددا من حقوق الإنسان والمواطن، وبعد سنوات من التطور تبلورت مجموع هذه الحقوق في إعلان عالمي لحقوق الإنسان تبنته عدد من الدول تحت مظلة الأمم المتحدة وذلك في 10 دجنبر 1948 بعد حربين عالميتين خلفت ضحايا بالملايين، وقد تضمن هذا الإعلان ضمن مواده حقوقا سياسية واقتصادية و ثقافية حاولت الاحاطة بكل الجوانب . و تجدر الاشارة الى أن كل هذه التطورات والإعلانات و المعاهدات منذ عصور الظلام في أوربا إلى يومنا هذا لم تشهد مشاركة ذات بال لأي دولة أو فعالية إسلامية. هكذا وكما يعرف الجميع فان أصول هذه الحقوق بشكلها الحديث ذات منبت غربي قح، وقد جاء استجابة لحاجات إنسانية قد تشترك في بعضها كل الانسانية الا أن معضمها جاءت على مقياس الانسان الغربي المنعتق حديثا من ربقة دين مسيحي محرف، كان فيه رجال الدين والرهبان يسيطرون على رقاب الناس و أموالهم بل وحتى مستقبلم الاخروي فيما عرف ببيع صكوك الغفران، وهو ما ساهم بعد ها في انتاج مجتمعات تعبد الحرية ولو كانت متوحشة وعلى حساب الآخرين وتقديس الانعتاق من كل القيود التي أدمتها على مر قرون من سيطرة الكنيسة الظالمة على كل مناحي الحياة، ولذلك فقد كان حريا بهم فعلا الانعتاق الذي أفضى بهم في غياب ضوابط شرعية كونية منظمة من خالق الأكوان، إلى انحراف و زيغان ظاهر عن جادة الصواب وسبيل السنن الكونية الإنسانية الصحيحة، لتنتج مجتمعات شبه حيوانية لا يوجد فيها للأسرة مكان إلا نادرا، وصحيح أن هذه المجتمعات قد أنتجت ما نراه من طفرة علمية وصناعية وتكنولوجية لم يسبق لها مثيل، والتي لازال المسلمون للأسف يفكون رموزها فبالأحرى اللحاق بها، ولاغرو في ذلك، فقد أخذوا بناصية السنن الكونية العلمية التي بثها الله تعالى في الكون وأفسح المجال لأي إنسان أن ينعم بالاخذ بها .
أما عدا ذلك فان مجتمعات أوربا وأمريكا والغرب عموما فهي مجتمعات هشة أخلاقيا متفككة أسريا، وهي تفتقد لحرارة وحنو الأمومة وعطف و رعاية الأبوة الحقيقية وحضن الأسرة المتكاملة إلا قليلا، وهو وضع يتفاقم يوما بعد يوم لتصل الأسرة إلى مفهوم غريب حقا حيث يعرفها أحد الباحثين الغربيين بأنها:"مجموعة من الأشخاص يعيشون في مكان واحد " ليتلاشى بذلك مفهوم الأب الرؤوف و الأم الرؤوم و الأخ أما الجد والجدة فلا نكاد نجد لهما مكانا في مخيلة اطفال الغرب فمعظمهم في دور العجزة، أما العلاقة بين الجنسين فأصبحت في بساطتها تمارس كما يمارس حديث بسيط عابر بينهما، ليغيب حتى ذلك الاطار الجميل و المشوق والنظيف للعلاقة الحميمة، فتتحول إلى مجموعة من الممارسات الحيوانية التي لا ضابط لها في من سن أو مكان أو زمان، مما ينتج كما يرى أي عاقل مجتمعا من أولاد الزنا مما يعمل على تشتيت الأسر وضياع الأنساب .
و لكن الطامة الكبرى هي حين ينهب أثمن حق في الوجود و هو حق الحياة ممن لايستطيع حتى الدفاع عن نفسه بدعوى حماية الحريات وإعطاء مجال أوسع للحرية الجنسية دون امكان مضايقة أطفال قد يأتون عن طريق الخطأ، و ان حصل فلا ضير في التضحية بهم من أجل حرية الأجساد الحيوانية، والحديث هنا عن قضية الاجهاض التي بات رواد حقوق الانسان ينتصبون للدفاع عنها بكل قوة وتأتي مقرونة مع قضية الحرية في اختيار وممارسة الجنس مع الشريك المفضل بكل حرية، وهنا يقع هؤلاء الفرسان المدافعون بشراسة عن حقوق الانسان في تناقض واضح و انحراف فاضح، فيضمنون من جهة حرية متوحشة تأباها الفطر السليمة، ليعتدوا على أسمى حق في الوجود وهو حق الحياة الذي لا يملك أحد سلبه حتى من نفسه، وذلك بأن يطلبوا إجهاض وقتل جنين و مشروع انسان لاذنب له إلا أنه جاء في إطار منظومة أخلاقية منحرفة تقدس اللذة حتى على حساب الحق في الحياة، التي قال فيها الله تعالى "وأنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا" سورة ......
أما بعد فهذه هي الكونية التي يدافع عنها دعاة حقوق ا لإنسان للذود عنها على أنها حقوق كونية لا تعترف الا باحترامها و لا تفرط في أي منها، فتقدمها وتعتبر كل من تجرأ على مناقشتها متخلفا ومنتهكا لحقوق الإنسان ومتحيزا إلى فئة على حساب أخرى. فعن أي كونية نتحدث اذا كنا نهضم حق أزيد من مليار انسان حول العالم في احترام مقدساتهم وخصوصياتهم؟ أليست المقدسات والمعتقدات أولى بالاحترام، على أن يتم مناقشة ما يلاحظ فيها من اعوجاج بهدوء. أما حقوق الإنسان على النمط الغربي فقد أصبح دينا مقدسا سيواجه كل من يرفضه بالهجوم الشرس والتحقير و الانتقاص. والسؤال هنا هو على أي معيار تعتبر هذه الحقوق على ما هي عليه كونية ؟ إن كان منبتها جاء في بقعة صغيرة من الارض نتيجة لخصوصيات معينة في أوربا، ليأتي من يقول بفرضها على العالم حتى دون مناقشتها .
فإن كان أحد أعظم الحقوق هو حق التعبير والاختلاف، فاني أقول بلسان العقل و صوت المنطق أن كونية حقوق الإنسان إنما جاء بها الاسلام الذي أرسل به محمد عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ".... و ليس هناك من يضمن هذه الحقوق لجميع الناس بالتساوي المطلق إلا خالقهم و بارئهم، وهو من سخر لهم الكون الفسيح وهو لم يتركهم يهيمون على وجوههم عبثا وإنما أرشدهم إلى سبيل الرشاد بأن ضمن لكل انسان حقوقه الكاملة بما لا يتعارض مع الفطر السليمة والأذواق الراقية في تكامل معجز لا يكرم أحدا على حساب أحد، ولا يغفل حق مهما صغر، وهو ما يعطي مجتمعا أكثر صحة و يضمن حقوقا للإنسان تصلح أن تكون كونية بل دنيوية و أخروية.
-باحث وفاعل جمعوي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.