في خطوة مفاجئة.. ملقة الإسبانية ترفض استقبال مباريات مونديال 2030    أسبوع الفرس 2025 (بطولة المغرب للخيول القصيرة).. ليا عالية ناضوري تفوز بلقب الفئة "أ"    311 ألفا و625 مترشحة ومترشحا ممدرسا حصلوا على شهادة البكالوريا برسم دورة 2025    الطالبي العلمي: المغرب جعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة أساسية في سياسته الخارجية في مجال التعاون جنوب-جنوب    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    سلطات بني ملال تكشف تفاصيل مثيرة عن واقعة "خزان أولاد يوسف" وتؤكد نجاة المعتصم    سلطات أجدير تشن حملة لتحرير شاطئ الصفيحة من الاحتلال العشوائي    ترامب يعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على المكسيك والاتحاد الأوروبي    الوزير بنسعيد يُشرف على إطلاق مشاريع تنموية بإقليمي زاكورة والراشيدية ويُعطي انطلاقة ترميم مدينة سجلماسة التاريخية    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولار    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    واقعة برج بني ملال تفتح نقاشا حول محدودية وسائل التدخل وغياب التجهيزات المتقدمة    تقديم العرض ما قبل الأول لفيلم "راضية" لمخرجته خولة أسباب بن عمر    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    حادثة اصطدام مروعة بين دراجتين ناريتين تخلف قتيلين ومصابين بتطوان    جلالة الملك يهنئ رئيس الجمهورية الديموقراطية لساو طومي وبرانسيبي بمناسبة ذكرى استقلال بلاده    ليفربول الإنجليزي يعلن سحب القميص رقم 20 تكريما للاعبه الراحل ديوغو جوتا    غزة.. مفاوضات وقف إطلاق النار تواجه "تعثرا نتيجة إصرار إسرائيل على الإبقاء على سيطرتها على 40 في المائة من القطاع"    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"                تواصل الانتقادات لزيارة "أئمة الخيانة والعار" للكيان الصهيوني    "البام": مسيرة آيت بوكماز تؤكد الحاجة إلى مكافحة هشاشة الجماعات القروية    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    شركات مغربية تفوز بصفقة تهيئة طريق ملعب بنسليمان استعدادا لمونديال 2030    الجزائر وباريس .. من وهم الذاكرة إلى صدمة الصحراء    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    تونس في عهد سعيّد .. دولة تُدار بالولاء وتُكمّم حتى أنفاس المساجين    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    إيران تنفذ حكم الإعدام العلني ضد "بيدوفيل قاتل"    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    "البيجيدي" يطلب رأي المؤسسات الدستورية بشأن مشروع قانون مجلس الصحافة    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    الركراكي يترقب انتقالات لاعبي المنتخب المغربي خلال "الميركاتو" قبيل مباراتي النيجر والكونغو    اجتماع بمراكش لاستعراض سير المشاريع المبرمجة في أفق تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030    عقوبات أميركية تطال قضاة ومحامين بالمحكمة الجنائية لإسقاط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    حكمة جزائرية تثير الجدل في كأس أفريقيا للسيدات بعد نزع شعار "لارام"..    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    البرلمانية عزيزة بوجريدة تسائل العرايشي حول معايير طلبات عروض التلفزة    انقلاب سيارة بطنجة يُسفر عن 7 إصابات    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الغش
نشر في هسبريس يوم 19 - 06 - 2015


هل من حلول جادة للقضاء عليها؟
كثر الحديث هذه الأيام عن الغش في الامتحانات، وخاصة حينما اشتد غضب بعض الناس، لما علموا أن أسئلة مادة الرياضيات لمستوى الباكالوريا قد تسربت، فازداد الوضع سوء، فاضطرت معه الأكاديمية المسؤولة إلى إعادة الامتحانات بوضع أسئلة جديدة.
لكن إذا أردنا أن نحلل ظاهرة الغش ينبغي أن لا نتطرق إليها ونعالجها على مستواها الجزئي، وإنما أن نضعها في إطارها العام والكلي، وضمن سياق تنامي الظاهرة وتطورها، فنبحث عن الأسباب الحقيقية التي تنمي الظاهرة وترعاها، وتمدها بالحياة والاستمرار. أما معالجة أفراد الظاهرة وجزئياتها بانتزاعها من إطارها العام، فيعطي حكما أشبه بنظر الأحول الذي لا يرى الأشياء كما هي، فتأتي أحكامه وفق الحول الذي أصاب عينيه. وهذا ما يفعله بعض الناس إما جهلا منهم، وإما عمدا.
إن ظاهرة الغش اكتسحت اليوم -إلى حد ما- كل المجالات، ودخلت جميع المؤسسات، وهيمنت على فكر كثير من الناس إلا من رحم الله. حتى قال أحد الطلبة، لما ضبط في حالة غش: "إني لست وحيدا، إنهم وزراء ويغشون" فأراد هذا "المسكين" أن يسوغ غشه بغش غيره. وقد نحتاج في رصد الظاهرة إلى أن نحذو حذو ابن الجوزي رحمه الله، في كتابه (تلبيس إبليس)، فنرصد جميع طبقات المجتمع ومرافق مؤسسات الدولة كيف دخلها الغش من كل أبوابها، كيف دخل على فئة عريضة وكبيرة من الحكام والمحكومين؟ فنحتاج مع ذلك إلى كبار المختصين من علماء النفس وأطبائه، وعلماء الاجتماع وخبرائه، وعلماء الشريعة والقانون وجهابدتهما.
وفي تقديري فإن الغش يستشري في المجتمع بشكل هرمي، أعني من الأعلى إلى الأدنى، من بعض المسؤولين على مؤسسات الدولة. ولم يحصل ذلك إلا بسبب غياب روح المسؤولية، والجدية في العمل وتفشي الأنانية، وانعدام النزاهة والعدالة الاجتماعية، والتساهل في المتابعة والمحاسبة، بل انعدامها في كثير من الأحيان. ونحن نرصد بعض مظاهر الغش، التي تشكل الظاهرة، وهي:
غش الحكام وكبار المسؤولين في الدولة للمواطنين، يتجلى هذا الغش في التلاعب بالمال العام والتحايل عليه، والسطو عليه. وقد كشفت ثورات الربيع العربي عن الأموال المكدسة والمهربة للحكام الذين خروا من فوق عروشهم، وشعوبهم تعيش فقرا مدقعا، وبطالة مفظعة. ويظهر هذا الغش أيضا في الانتقائية في تطبيق القوانين، فيعفون على هذا، ويعاقبون ذاك، بحسب مصالحهم وأهوائهم. فلا يشمل تطبيق القوانين إلا فئة من المجتمع. وينبغي على هؤلاء الحكام والمسؤولين الكبار ومن يدور في فلكهم، وينسج على منوالهم، ويسلك طريقهم أن يتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "«مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» [صحيح البخاري]
وقال صلى الله عليه وسلم«مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ» [صحيح البخاري]
قَالَ بن بَطَّالٍ: "هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ فَمَنْ ضَيَّعَ مَنِ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ أَوْ خَانَهُمْ أَوْ ظَلَمَهُمْ فَقَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ الطَّلَبُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحَلُّلِ مِنْ ظُلْمِ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ وَمَعْنَى حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَيْ أَنْفَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَعِيدَ وَلم يرض عَنهُ المظلومين." [فتح الباري ابن حجر]
غش رجال التعليم، وهذا أشد وأخطر من غش الحكام، لأن هذا النوع من الغش يفسد العلم والتربية، وذلك لما للأستاذ من تأثير نفسي وأخلاقي على معظم تلاميذه وطلابه. وإن أفحش شهادة الزور شهادة رجال التعليم والتربية. فكم من رسائل جامعية نوقشت والله يعلم أن التقارير التي كتبت عنها، كانت شهادة زور وكذب، وتزويق وتنميق في الكلام. وكم من المباراة لولوج التعليم العالي كانت زورا وباطلا، لأن نتائجها كانت قبلية والمباراة شكلية، فيمنح المنصب لغير الأكفاء ويبعد عنه النجباء، حتى صدق فينا قول ابن زنباع في زمانه "يحط الجيادا ويسمي الحميرا". أما عن وحدات الماستر والدكتوراه، حيث ينبغي أن تكون هناك معايير دقيقة لاختيار الطلبة النجباء والأكفاء لإتمام دراستهم بالسلك الثالث، فحدث ولا حرج، فقمة الغش والمحسوبية، فأصبح بعض الأساتذة مثله مثل البقال في البيع والشراء، والذي يدفع أكثر سواء من الداخل أو الخارج، أو من تجمعه به مصالح شخصية أو ببعض أقاربه فهو المحضوض وغيره فمنبوذ ومرفوض، وهذا فساد وإفساد شديد وخطير في مجال العلم والتعليم والتربية، يوشك إن لم يتدارك، أن يذهب بمصداقية الشهادة المغربية.
وهنا أحب أن أنبه إلى أن المشكلة الحقيقية في التعليم في رجاله والساهرين على تنفيذ برامجه وخططه، وليس في البرامج مهما يكن فيها من ضعف، إذ إن فساد العنصر البشري يؤدي لا محالة إلى إفساد البرامج التعليمية على مستوى تنزيلها والصدق في تبليغها.
غش الأحزاب ونواب الأمة لمن نوبوهم عنهم وصوتوا لأجلهم وعلى برامجهم، التي كثيرا ما تشدقوا بتشنيف الأسماع عن فاعليتها وجدواها، وكأنها المفتاح السحري للخروج من الأزمات والنكبات، فتنكروا بذلك لكل وعودهم وعهودهم. ويظهر كذلك غش هذه الطبقة –طبعا أنا لا أعمم- حينما لا تنصح بكل إخلاص وجدية للحكومة والشعب، وإنما تتفانى في الحصول على مصالحها الشخصية، أو لأولى النعمة عليها، الذين يحركون خيوطها مثل الدمى متى شاءوا وكيف شاءوا. وأفحش غش عند هؤلاء حينما يتنكرون لمبادئهم من العدل والكرامة والحرية والديمقراطية إذا تعلقت حقوقها بخصومهم أو المخالفين لهم، فما لهم لا ينطقون ويثرثرون؟ نعم لا ينطقون لأن هذه المبادئ في عقولهم مفاهيم مجزئة، أو تراكيب تجزيئية، تفتقد إلى النظرة الكلية الإنسانية العادلة، البعيدة عن الانتماءات الضيقة.
وصفوة القول أن ما ذكرته هنا لا يساوي شيئا أمام خطر ظاهرة الغش وتناميها في مجتمعنا، وقد اكتفيت بذكر ثلاث طبقات لها مكانتها وخطرها في بناء الدولة والنهوض بها، وهي: طبقة الحكام والمسؤلين الكبار، وطبقة رجال العلم والتعليم، وطبقة الأحزاب. وليعلم الجميع أن الغش حرام شرعا، ومجرم قانونا، ومرفوض عقلا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [صحيح مسلم]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.