عمر هلال يُخرس وزير الخارجية الجزائري    نور الدين مفتاح يكتب: سوريالية بالفرنساوية    ما العلاقة التي تربط المغربية كريمة غيث بنجم الزمالك المصري؟    خوفا من مافيا يتزعمها مغربي.. ولية عهد هولندا هربت إلى إسبانيا (فيديو)    الأمم المتحدة.. بمجلس الأمن سجال محتدم بين هلال ووزير الخارجية الجزائري بشأن البحر المتوسط    بلاغ جديد وهام من وزير الداخلية    موهبة كروية جديدة تُشغل الصراع بين المغرب والجزائر    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة    طقس الخميس... أجواء حارة بعدد من الجهات    ممثل الصبليون فالأمم المتحدة تلاقى دي ميستورا وأكد ليه موقف مدريد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    تحداو ظروف الحرب وخرجو يبدلو الجو.. مئات الفلسطنيين قصدو البحر فغزة باش يستمتعو بالما والشمش (فيديو)    نفاد تذاكر نصف نهائي "كان الفوتسال"        لماذا أصدرت شركة أبل تحديثاً لهواتفها يعالج الرمز التعبيري للعلم الفلسطيني؟            حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية    ملف "انفصال القبايل" عن الجزائر يصل الأمم المتحدة!    نشرة الأخبار: رقم قياسي في الملل    تفكيك شبكة دولية للتهريب الدولي للمخدرات وغسل الأموال بمراكش    حجز كميات كبيرة ديال القرقوبي فطنجة    الرياضية: الكاف ما غيعاودش يدير السوبر ليگ الأفريقي    دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد يثأر من السيتي ويتأهل لنصف النهائي    فرنسا ترمي بورقتها الاقتصادية الثقيلة للمناورة بالمغرب    رغم الاستيراد.. توقعات بارتفاع صاروخي لأسعار أضاحي العيد    لقاء مهني إسباني مغربي بطنجة لتدارس استدامة مصايد الأسماك ببحر البوران    دياز وريال مدريد ربحو مان سيتي بالبيلانتيات وتأهلو لدومي فينال شومبيونزليگ    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    زاكورة.. جمعية للرفق بالحيوان تنقل الدابة التي تم بتر أطرافها إلى مراكش (صور)    الجيش ينقذ عشرات المهاجرين الأفارقة من الغرق بسواحل العيون    "سانت كيتس ونيفيس" تجدد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه وتؤيد الحكم الذاتي    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    أوزين ل"كود": كنتأسفو على هدر الزمن التشريعي بسبب الصراع على رئاسة لجنة العدل والتشريع وكنتمناو من الاتحاد الاشتراكي يستحضر التوافق كيف تافقنا من اللول    الأمثال العامية بتطوان... (575)    الملك محمد السادس يعزي سلطان عمان إثر الفيضانات التي شهدتها بلاده    إيران تستعرض أسلحتها مستبقة ضربة عسكرية وشيكة    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    القطاع البنكي المغربي معر ض لمخاطر مناخية مادية    تبادل الضرب والجرح بالسلاح الأبيض يُوقف ثلاثة أشخاص في صفرو    ميناء العرائش : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 8 % خلال الربع الأول من العام    المغرب يتأخر في مؤشر عالمي لجودة الحياة    كوثر براني تصدم متابعيها: 99 في المائة من الرجال "خونة"!    ندوة أكاديمية بالمضيق بعنوان " النقد والتحقيق بحاضرة الثقافة تطوان"    "اكتظاظ مطار مراكش"..مصدر: حالة شبه دائمة بسبب إقبال فاق التوقعات    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    المغرب يحتضن فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في نسختها الثانية    الجمال الفني والثقافي المغربي يلتقي بالأدب الإنجليزي في "حكمة الجنوب"    مجلس الأمن يصوت على طلب فلسطيني    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    "محطات من تاريخ السينما بالمغرب".. موضوع محاضرة بكلية الآداب بالجديدة    شقيق رشيد الوالي يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    لأول مرة خارج المغرب.. عرض 200 قطعة من الحُلي الأمازيغية التابعة للقصر الملكي    الأمثال العامية بتطوان... (574)    علماء أمريكيون يحذرون من تأثير مادة "الباراسيتامول" على صحة القلب    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليس في اﻻختلاف رحمة
نشر في هسبريس يوم 03 - 01 - 2016

لست أدري لم يسحب على لفظ "الجدل" صفة من بدهيات القيم وآداب اﻻختلاف. إذ نشعر باﻻمتعاض الشديد واﻻفتقاد المبرح ﻷدنى حدود اللياقة عندما نختلف ونتبدل. فكيف بالرحمة أن تهوي على مناشفنا ونحن في فتنة قد أذكتها نيران اﻷنانية وقلبتها شجون الغيرة وعاركتها أبواق الزعيق وصراخ الجاهلية؟.
وأحيانا يشك البعض منا وهو يدلف بالحديث عن إواليات الحوار الديمقراطى وفن المواجهة مع الخصم، بعد أن استأثرت به لواعج القول وبياناته ليجد نفسه محاطا بكم هائل من التمويه واﻻستخفاف بالخصم المحاور.
فيستبد بالكلام ويغلو ويسخط، وهو في كل هذا وذاك يجد نفسه محاصرا بردات الفعل، دونما حاجة لتمتين حجاجه المبطنة، بغير قليل من دفاعات معطلة أو مكيفة بمزاجات لاتبقي ولا تذر.
وأينما وليت وجهك فثمة خلاف لا يحدوه جهد ولا يمتد به زمن، دون ترويع للنفس وتشكيم للحقائق، بلا رحمة ولا شفقة. وبدون أدنى حياء للتنازل عن مساع للكلام عقيمة وضعيفة
وإنما جعل للسابق في الجهل بقوة اللسان ﻻ بقوة العقل ووحدة البرهان، ما لم يتأسس به وقود العرفان الذي يقبع في عزلته المغمورة دونما حاجة للاستبلاد ودفع اللسان للجحيم.
ولهذا فاﻻستدلال بالرحمة من جهة بيان مقامها عند أصحاب الحكمة من الاختلاف مردودة وقابلة للخطإ، من موقع كونها ﻻ تسد نهم البدل في موضع ننشد فيه الحلم والسلم والاحتذاء باﻷخلاق الطيبة والنزوع إلى هدوء الخاطر. ولهذا قال الشاعر العربي فيمن يداري طعم التنابز بالحلم والتؤدة كرد فعل إيجابي، رغم اﻻختلاف الشديد:
وذو سفه يخاطبني بجهل/ فآنف أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما/ كعود زاده اﻹحراق طيبا
ولم يتوانى الفكر العربي القديم منه والجديد في توصيف مناطق الاختلاف بكونها مجاهرة بالتتوير على الرأي والالتفاف عليه. وهي من باب أولى أن تجهز بشكل استشعاري على مواطن التباس القول وسقوطه في التحوير والترقب والنفي.
وفي ذلك يرى شوبنهاور أن اختلاف البشر نتاج اصطراع فكري. وفي نفس المعنى يرصد ابن خلدون هذا اﻻصطراع "في النفس مرده إلى تنبيه العقل عن مغالبة الطباع" . وفي نفس السياق يروم الجرجاني هذا النوع من غلبة الطباع إلى "فتور اللغة عند إسرافها في تحويل الحجة إلى نقيضها". "
فهل يصح بعدئذ إرغام مآل الجدل العقيم والحوار اﻷليم أن يكون مبدأ للرحمة وملاذا لها؟
إن مثالية سارت على ركبها العبرة مع سيرورة متقطعة حملت معنى "في الاختلاف رحمة" لقمينة بالتأمل والتدبر وإعمال العقل.
فقد يطوي الزمن جملا ليست لها قيمة في ذاتها، مع ما تحمله من روح صافية ولين جانب وسمو فكرة. لكنها في اﻵن ذاته تظل علامة واقعة في ذرى استنباتات لغوية بأبعاد وأنماط مغايرة تماما، لما هو مكرس لوجودها وفعلها في حياة الناس.
إذ ﻻ يراد بالاختلاف الجنوح إلى تحصين اﻷهواء من علل اﻷغلاط والركون إليها دون مواربة وبتطرف يغالي الغلو ويطمح إليه. وإنما الاختلاف في الجوهر صون للحقيقة من الغلبة الناشز ومواءمتها بالمحبة والقدرة على العطاء.
ولما غصبت ثقافة الإقصاء وناورت لتقليم أظافر الآخر، استقالت لغة الحوار وامحت جذورها، ولم يعد بالإمكان تمكين المتحاورين من معرفة اتجاه البوصلة.
وأغلب الظن أن القضية جانبت الخصاص النفسي الكامن خلف صورة الحوار وأهدافه، قبل تدبير من يمثله، وأين يكون، ومن يشرف على إدارته وتوثيقه أيضا؟
ولهذا تجد الحلقة المفقودة فيما يستتبع الجوانب الأهم في عملية الاختلاف. إنها المقاصد العملية التي يقوم عليها الحوار، بما هو آلية لترسيخ مبادئ سامية، منها التوافق والإنصات والإقناع، علاوة على الاحتكاك والتجريب واستغوار ثقافة وسلوك الآخر..إلخ، من أجل بناء صرح التواصل وصيرورته.
لنعترف مبدئيا بشغور كل هذه الخصائص السوسيولوجية والنفسية لدى غالبية من يجنحون للتباهي بإمكانيات استعمال لغة الحوار خريطة للطريق، نحو نجاعة تنموية إنسانية راقية. لأن القابلية لدى هؤلاء تقوضت بفعل انتحال الفكر السياسي للصفة الأدبية المبتغاة من رصد الحوار قناة لفن إدارة السلوك المدني الحر.
فالسياسيون اتخذوا الوقف الحواري مطية للمغامرة والمهاترة والاستقواء. بل إنهم انفرطوا في عقد الاسترزاق بالسياسة، بالانصياع البراغماتي للغة الحوار الخشبية، التي لا تليق إلا لأسواق البيزنس ومطاردات البورصة. فأسقطوا عرش الرحمة من على كرسي الحوار، نتيجة حتمية لأفول قيمتها الاعتبارية ورمزيتها في إشاعة الخير والفلاح.
هكذا يمكن استحضار النموذج المغربي بكل أبعاده الاجتماعية والسياسية والفكرية، وحتى الشعبية، في غرائبية قل نظيرها، حيث اختلافنا وعدم قدرتنا على تدبير الحوار حقيقة مرة وحاصلة مع سبق الإصرار والترصد.
طيلة سنوات ونحن مستبعدون عمليا من ملامسة مستويات الحوار باختلافنا وبائتلافنا، بانشدادنا لطعم الجلوس جميعا على مائدة واحدة، وبقفزاتنا غير المحسوبة تحت سياط العسف والعنف اللفظي وتقويض رأي المخالف وتدمير مرجعيته، وكذا عدم الاعتراف والانحراف عن ملامسة أسس الخلافات، مهما كان حجمها ووقعها وموقعها.
من أهم مبررات وجودنا الديمقراطي (الافتراضي)، مدى جاهزيتنا لتقبل الآخر مهما اختلفنا معه. وأسمى من ذلك أن نمارس الديمقراطية الاجتماعية من داخل السلوك الاجتماعي والثقافي، وليس من خارجه. يقول عالم الاجتماع البريطاني أنتوني غيدنز:"في مقدور السياسة الاجتماعية العامة أن تؤثر بوضوح في ما تحدثه أي درجة من عدم المساواة في مقدار الاستبعاد الاجتماعي وحدته".
هذا المنظور المتطور في معنى الاستبعاد والاندماج يطرح أكثر من سؤال حول الخصوصية الثقافية والاجتماعية في المجتمع غير المفتوح، الغير قابل للحوار والتعدد.
لكن بإزاء ذلك يمكن الحديث أيضا عن إيقاظ الحواس الأخرى التي تجعل من رؤية الإنسان لقبول العيش الواحد المشترك وتدبير مناطات الخلاف مؤشرا إيجابيا للبنية الاجتماعية وراهنية تصويبها لفهم المساواة ثقافة متجددة ووقودا ديناميا لتحريرنا من عقدة الأنا المنتفخة والفارغة.
*باحث وإعلامي من مراكش
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.