صفقة تاريخية.. حكيم زياش يعزز صفوف الوداد الرياضي    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    الصحراء المغربية.. التقرير الأخير للأمين العام الأممي يجدد تأكيد الدعوة إلى التحلي بالواقعية وروح التوافق    هذه تفاصيل الدعم المباشر الذي ستشرع الحكومة في توزيعه على "الكسابة"    بعد 10 ساعات من المحاكمة... الحبس النافذ ل 16 شخصا في ملف "حراك جيل Z" ببني ملال    مرسوم جديد يحدد شروط إنجاز واستغلال منشآت الإنتاج الذاتي للكهرباء    الخطوط المغربية تطلق 63 رحلة أسبوعياً نحو الأقاليم الجنوبية بأسعار تبدأ من 750 درهماً    ترامب: سأتخذ قرارا بشأن الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي    المؤرخ بوعزيز يخاطب "جيل زد": المستقبل بين أيديكم.. لا تُعيدوا إنتاج الاستبداد    الأمين العام للأمم المتحدة يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    النيابة العامة تصدر دليلا لوحدة معايير التكفل بالأطفال المهاجرين وحماية حقوقهم    تمثل 22% من مجموع الإنفاق العام.. ميزانية 2026 ترصد زهاء 167.5 مليار درهم لفائدة نحو 51 "صندوقا خاصا"    الصحراء المغربية.. الأمين العام الأممي يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    بوريطة يدعو ببروكسيل الفاعلين الاقتصاديين البلجيكيين إلى الاستثمار في الأقاليم الجنوبية    الدوري الأمريكي لكرة القدم.. ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي الى غاية 2028    بايتاس: 165 ألف طفل سيشملهم دعم التعويضات العائلية الإضافية    كوتوكو الغاني: سنقاتل أمام الوداد    ايت قمرة.. سيارة اجرة ترسل سائق دراجة نارية الى المستشفى    تداولات بورصة البيضاء تنتهي حمراء    الرباط ضمن أفضل خمس وجهات عالمية في 2026    وزير الفلاحة: نتوقع إنتاج مليوني طن من الزيتون.. وسعر الكيلوغرام لا يتجاوز حاليا 5 دراهم (فيديو)    طقس الخميس.. سحب كثيفة وكتل ضبابية بعدد من المناطق    القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء توضح ل"اليوم 24" أسباب تأخر مواعيد مقابلات الفائزين في قرعة أمريكا    جامعة الكرة تقيم حفلا تكريميا على شرف المنتخب الوطني المغربي للشباب    وفاة الفنان محمد الرزين إثر معاناته مع المرض    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    الفنان محمد الرزين في ذمة الله    "ميتا" تقرر إلغاء 600 وظيفة في قسم الذكاء الاصطناعي    الرباط تخصص لهم استقبالا شعبيا كبيرا .. أبطال العالم فخورون باستقبالهم في القصر الملكي ويعبرونه حافزا للفوز بألقاب أخرى    كرة القدم ..المغرب يستضيف بطولة " فيفا يُوحِّد: سلسلة السيدات" لعام 2025 يوم 26 أكتوبر الجاري (فيفا)    جلالة الملك يبعث ببرقية تهنئة للأخ الكاتب الأول إدريس لشكر    تحت الرعاية الملكية السامية.. التزام مغربي متجدد لبناء فلاحة إفريقية صامدة ومبتكرة    فقدان آخر للفن..رحيل الفنان محمد الرزين عن 79 عاماً    جدد المغرب وبلجيكا، اليوم الخميس، التأكيد على إرادتهما المشتركة في تعميق شراكة استراتيجية ومهيكلة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتقارب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الكبرى    عاجل.. سكتة قلبية تنهي حياة أشهر "بارون المخدرات بدكالة" حمدون داخل سجن سيدي موسى بالجديدة...    الاتحاد الأوروبي يقر حزمة من العقوبات على روسيا تشمل حظرا على واردات الغاز    مذكرة توقيف دولية ثالثة يصدرها القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد المنفي في روسيا    بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزا صعبا على يوفنتوس في دوري الأبطال    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتهم الحكومة بحماية "المفسدين" وتعلن تضامنها مع رئيسها الغلوسي    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَادَّةُ "التَّرْبِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ" وَ سُؤَالُ "الْإِسْلَامِيِّ" وَ" الدِّينِيِّ"!
نشر في هسبريس يوم 11 - 07 - 2016


1.الإسلام هو الدين..!
دين الدولة المغربية هو الإسلام بنص الدستور. والإسلام، عند المسلمين، هو الدين وليس دينا من الأديان. هكذا اعتقد المسلمون المغاربة بمكانة دينهم منذ دخل الإسلام هذه البلاد السعيدة. ولم يفهموا، أبدا وقط، أن هذا الدين هو دين من "الأديان"؛ بل هو الدين الكامل، الحق، المهيمن على كل ما سبقه من دين، ومعتقدات. ولم يعتقدوا أبدا أن دينهم الإسلامي المحفوظ من لدن ربهم العزيز، هو دين كسائر "الأديان"، أو يمكن أن تضاهيه في الكمال، والوثوقية، والأحقية؛ فيصطف معها في وزان واحد، أو ترتيب واحد.
وكلمة دين لم ترد في كل النصوص الشرعية، والآثار الإسلامية، إلا بصيغة المفرد. ففي القرآن والحديث، لم ترد أبدا لفظة الأديان. لأن الإسلام، بكل بساطة، قد حسم مع كل الأديان التي سبقته، وجاء مُهَيْمِنا عليها؛ عقيدة، وشريعة، وسلوكا. كما لم يؤمن إلا بالإسلام كدين " إنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ "(آل عمران الآية،19). وإنما ورود الدِّين بصيغة الجمع جاء مع بدعة استشراقية غير بريئة، سميت ب"علم الأديان"، أو "فقه الأديان المقارن"، والتي انسلت إلى بلاد المسلمين، بعد أن أدرجت ضمن الفكر الإسلامي، كأحد التيمات الفكرية التي استهوت جماعة من الباحثين المسلمين للاشتغال الأكاديمي عليها، ضمن بحوث حققت جزءا من الأهداف الأيديولوجية للغرب العلماني، واللاديني، والمتمثلة في بسط فكرة مفادها، أن هذا الدين الذي هو الإسلام، ليس هو الدين السماوي، أوغير السماوي، الوحيد الذي يمكن أن تأخذ منه البشرية تشريعات ربها، بل ثمة "أديان" أخرى لها نفس الوزن، ونفس القيمة الدينية التي يمتاز بها الإسلام؛ بل فيها من أخلاق المعاملات، ما يجعلها الأقرب إلى روح العصر، الموسوم بالتعدد، والاختلاف!.
2. من خلفيات المفاضلة بين الإسلام و بقية "الاديان".
ولقد اشتغلت آلة التشكيك، والتشويه، تدمر الصورة المشرقة للإسلام، وتربطه بكل سوء، وقبح، وكراهية، وإرهاب،... في مقابل الحديث عن صورة جميلة، وراقية، ورائقة ل"لأديان" الأخرى. فبابا الفاتيكان-مثلا- هو رجل السلام العالمي، الذي يقدم للبشرية دروسا في الحب، والتآخي، والمواطنة. والدولة الصهيونية/اليهودية هي دولة تؤمن بالديمقراطية وتمارسها رغم الإجرام والهتك الذي تقترفه كل يوم في حق الأبرياء باسم الدين،... وهكذا في محاولات مستميتة لنزع قدسية الإسلام، وجماليته، وختاميته ( الدين الخاتم)، وكماله، من أذهان الناس، ومعتقداتهم. وكل ذلك ليس حبا في الدين، أو رغبة في جنوح الناس إلى التدين، ولكن الهدف هو بث عواصف التشكيك في أذهان المسلمين، لتحويل قناعتهم بخاتمية دينهم، وهيمنته، ومشروطية القبول به "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85)، وشرطية اتباع رسول الإسلام " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " (وفي رواية موسى وعيسى حيين) أي ما وسعه إلا أن يكون مسلما، وفطرية الخلق الأول: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).. و"إسلامية" ابراهيم الخليل عليه السلام الذي تحاججت اليهود والنصارى، كل طائفة منهم، حول انتمائه إليها:" مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران 67)... قلت: تحويل كل هذا إلى لا شيء؛ فيتحقق الهدف الأسمى وهو تحويل هذه المجتمعات، أو أفراد منها، إلى الاعتقاد بلا دين. وذلك حينما تتضارب بين يدي المسلم قناعاته السامية التي يمتحها من هذا الدين، بأفكار بشرية محرفة ومدسوسة في غيره من "الأديان"؛ فيفقد توازنه العقلي، وثباته القناعاتي، ويتحول، أمام افتقاده للمُحَصِّنات العقدية، إلى هَمَل، يخبط خبط عشواء، وينتهي إلى الكفر بدينه الإسلامي بل بكل "الأديان"، أو يتحول في أحسن الحالات إلى سواه من "الأديان" التي أجاد أتباعها التسويق لها في مقابل الشبهات والتشويهات التي تشتغل آلة الإعلام على تسويقها ضد الإسلام؛ بإظهاره، وإظهار معتنقيه، كهمج، ومصاصي الدماء، وكارهي البشر.
3. "التربية الإسلامية" وسؤال التسمية.. !
وليس مقصود هذا الكلام وفصُّه، سوى ما أثير مؤخرا حول عزم وزارة بلمختار تحويل اسم "التربية الإسلامية" إلى "التربية الدينية"، وتعديل المنهاج الدراسي لهذه المادة استجابة للمبادرة الملكية المنطلقة من المجلس الوزاري المنعقد يوم 6 فبراير 2016 بمدينة العيون، والتي طالب الملك من خلالها الحكومة ممثلة في وزارتي التربية الوطنية والأوقاف ب"مراجعة مناهج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم المغربي..."، واستنادا كذلك إلى القناعات الجديدة التي أسس لها دستور 2011، والتي تجعل من مبادئ الإنصاف، والمساواة، والقبول بالآخر، واحترام الآراء، والمواقف، والمعتقدات، إحدى الأسس المُؤَسِّسة للدولة الديمقراطية الحديثة، وهو الأمر الذي يُلزِم صناع القرار التربوي بالبلاد، وفي تماشٍ مع روح الإصلاح التربوي الجديد، أن يعيدوا النظر في العديد من مُفَرمِلات تنزيل مقتضيات هذا الإصلاح، وعلى رأسها، التناقض بين الأهداف البعيدة لهذا الإصلاح، والمتمثلة في تخريج جيل مواطن، يؤمن بالاختلاف، والمساواة، والتعدد، والاختيار،.. وما هو مبثوث في مقررات هذه المادة مما لا يتماشى مع هذه الروح، ويتطلب تعديلات جوهرية.
بيد أن الانفراد بهذه المادة، في عز التنزيل لمقتضيات الرؤية الاستراتيجية (15-30) والتدابير ذات الاولوية، والتعجيل بتعديل منهاجها الدراسي، وتغيير ملامحها الهوياتية من خلال تغيير اسمها الذي لم تعرف باسم سواه في كل الوثائق التربوية الرسمية، إلى اسم يحمل أكثر من دلالة أيديولوجية، ويفتح الأبواب أمام كل الدخيلات الفكرية والدينية الممكنة، وأمام غياب توضيحات ضافية من صناع القرار التربوي (مديرية المناهج واللجنة العلمية المكلفة بالتعديلات)، حول الدواعي الحقيقية الثاوية خلف هذا التعديل الاسمي للمادة؛ يجعل كل متتبع للشأن التربوي بهذا البلد يرتاب من براءة هذا "الإصلاح القياسي" !.
ولئن كان من نافل القول، أن نذكر بأن هذه المادة المقهورة، المظلومة، لا تمثل في الوعي الجمعي للتلاميذ المغاربة، سوى مادة للاستراحة والاسترخاء من عناء مواد المُعامِلات المسيلة لِلُعابهم، مما يجعل الإفادة منها، أو التأثر برسالتها التربوية، مما لا قيمة له في ميزان "الشحن المعرفي"، أو القناعة الفكرية، أو الأيديولوجية، نظرا ليُتْمِ ساعتها التحصيلية، وضعف معاملها الجزائي؛ فإن استهدافها في البرنامج الإصلاحي الجديد، من خلال تحويل اسمها/ هويتها من اسم يمتح من دين المغاربة الذي لا يعرفون دينا سواه، و يتأسس على إحدى المرتكزات القيمية التي أكدت عليها كل مصادر المراجعة الإصلاحية عبر تاريخ الإصلاح التربوي الذي عرفه المغرب، والتي لم تتحدث، قط وأبدا، عن التربية الدينية، وآخرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي أكد على ضرورة الاهتداء بمبادئ العقيدة الإسلامية، إلى اسم يحيل على تربية تنفتح على الدين بتعدد أساميه، واختلاف مصادره، والتأكيد على ذلك حتى قبل صدور بلاغ الديوان الملكي الذي لا يشير منطوقه، لا من قريب ولا من بعيد، إلى ما يوحي إلى المطالبة بهكذا تعديل مصطلحي، وذلك أثناء الإعداد لتنزيل التدبير الأول من التدابير ذات الأولوية(2015)، السابق للقرار الملكي(!)؛ قلت: إن هذا التعديل، الذي سيطال التسمية والتوصيف، والذي لم تتفضل الوزارة الوصية إلى حدود كتابة هذه الأسطر بشرح مبررات اعتماده، سيطلق يد المؤسسات التي خولت لها مديرية المناهج إعداد الكتاب المدرسي استنادا إلى خلاصات اللجنة "العلمية" التي أوكلت لها مهمة المراجعة، دون تدقيق لمعنى "الدينية"... لتقديم منتوجات ومواضيع "دينية" لا لون لها، ولا طعم، ولا رائحة. إذ سيكون مفتوحا أمام المؤلفين والخبراء التربويين من مختلف الديانات، والتوجهات، أن يقترحوا مواضيع لهذه المادة، ليس بالضرورة مواضيع موافقة لدين أغلبية المغاربة، الذي هو الإسلام، بل مواضيع لها علاقة بالدين، أيُّ دين، دون تحديد. فلن نستغرب أبدا إذا وجدنا في كتب التربية الدينية الجديدة مواضيع حول كيفية الصلاة عند اليهود، أو النصارى، إلى جانب كيفيتها عند المسلمين. أو مواضيع حول عقيدة التثليث، أو بنوة عيسى لله تعالى،... فلا غرو في ذلك، مادامت المادة هي تربية دينية، لا تخص دين دون دين !!.
4.ضمانتان ضد النزوح إلى التجفيف.. !
بيد أن هذا الإصلاح، إن سار على هذا المهيع، فلن يكون له عظيم تأثير على قناعات المغاربة المسلمين، التي لا يزحزحها مزحزح، ولم تؤثر فيها، عبر تاريخ المحن والصراعات، خلافاتٌ ولا افتراءاتٌ ولا شبهاتٌ؛ وذلك للاعتبارين التاليين:
1. المغاربة المسلمون، صغارا وكبارا، يأخذون دينهم من المساجد، ومن العلماء، والفقهاء، أكثر مما يأخذونه من المدارس. فلا يعلمون دينا آخر سوى الدين الإسلامي. وكل ما يؤمنون به حول "الأديان" الاخرى هو أنها "أديان" لغيرهم نحترم أهلها، ولا يمكن أن نعتمدها لا في الفُتيا ولا في عبادة الله عز وجل. وكل محاولة لإقناعهم بخلاف ذلك ستبوء بالفشل، خصوصا إذا تم ذلك عبر مادة فاقدة لما تعطي.
2. أساتذة المادة ومفتشوها، من الكفاءة، والنضج المعرفي والعلمي، والنباهة الفكرية، ما يخولهم أن يجعلوا من هذه المادة، مهما سُمِّيت، إسلامية أو دينية، أداة لتصريف روح الإسلام السمح، والوسطي الذي يساير العصر، ولا يتناقض مع كل جميل، ومعروف، بل مادة تصحح المفاهيم المغلوطة التي علقت في أذهان الكثير من المسلمين حول الأقليات الدينية، وترتقي بحس المتعلم المغربي إلى مستوى الاعتراف بالآخر الذي على غير ديانته، واحترامه، وتقدير انتمائه الديني، والسعي إلى مشاركته في الحياة الاجتماعية على قاعدة المواطنة التي توحد الجميع.
5. "التربية الإسلامية" والاقليات غير المسلمة.
إن التربية الإسلامية، في امتداداتها الواسعة؛ في البيت، والمسجد، والمدرسة، والمعهد،... والتي يتوجس منها اليوم، المصابون بالعمى الأيديولوجي، ظلت دائما صمام الأمان ضد كل مظاهر التطرف، والتزمت، والانغلاق. كما لعبت دورا كبيرا، مع ظهور الصحوة الإسلامية، في ترسيخ معاني الإخاء، والحب، والتقدير للمخالف، والاحترام لأهل المعتقدات المخالفة. بحيث اهتمت كل البحوث، والعروض التي اشتغل عليها رجالات الصحوة الإسلامية، خريجي هذه التربية الإسلامية، في هذا الإطار، بالتأصيل لهذا التقدير والاختلاف من الشرع الإسلامي الحنفي، الوسطي. فلم يعامل أهل الديانات الاخرى إلا كمواطنين مغاربة، كاملي المواطنة، لهم نفس حقوق المواطنين المسلمين، وعليهم نفس الواجبات.
وقد جمع العلماء المعاصرون من أبناء الصحوة الإسلامية، استنادا إلى النصوص الشرعية، حقوق غير المسلمين في بلاد المسلمين، في أمور تُظهر المدى الحضاري الراقي الذي بلغته معاملة الإسلام للأقليات غير المسلمة التي تعيش بين ظهراني المسلمين، وهي أمور سبق بها الإسلامُ القوانينَ الغربية التي تنظم اليوم العلاقة بالأقليات المسلمة في الغرب ، بعدة قرون. نورد منها:
· عدم إكراه أحد منهم على ترك دينه أو إكراهه على عقيدة معينة.
· من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائر دينهم ، فلا تهدم لهم كنيسة ولا يكسر لهم صليب.
· من حق زوجة المسلم الكتابية الذهاب إلى كنيستها أو معبدها.
· أباح الإسلام لهم كل ما أباحه دينهم من الطعام وغيره.
· ترك لهم الحرية في قضايا الزواج والطلاق والنفقة.
· الحماية من الاعتداء الخارجي، وذلك بمنع من يؤذيهم وفك أسرهم ، ودفع من قصدهم بالأذى .
· الحماية من الظلم الداخلي، أمر يوجبه الإسلام، ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إليهم بأي عدوان. والحماية المقررة لهم تشمل حماية دمائهم وأنفسهم وأبدانهم، كما تضمن حماية أموالهم وأعراضهم.
· ويتوجب تأمينهم عند العجز و الشيخوخة والفقر.
· جعل الإسلام من حقهم تولي وظائف الدولة كالمسلمين، إلا ما غلبت عليه الصفة الدينية كالإفتاء أو ما شابه...(1)
6. ختاما.. تخوف مشروع على عتبة المراجعة.
وأخيرا وليس آخرا، يجب أن ننبه على أن احترام المسلمين لأهل الديانات الاخرى، ومعتقداتهم وتربية الناشئة المغربية على هذا الاحترام، من خلال تعريفهم بحقوق هذه الأقليات، وحرمة دمائها، وأعراضها، وممتلكاتها؛ شيءٌ. والدعوة لحشر هذه المعتقدات و"الأديان" في صلب الموضوع التربوي، والتأسيس لمنهاج تربوي يوازي بين مختلف هذه "الأديان"، ويجعل من الدين الإسلامي دينا من الأديان، مع احتمالات النزوح عن تعاليمه لغيره؛ شيء آخر.
إذ التخوف الذي يمكن أن يشعر به كل أب مغربي مسلم، أو أم مغربية مسلمة، حينما يسمعون بعزم الوزارة الوصية على إحداث هذا التعديل في صلب إحدى مواد الهوية، هو أن يتم الترسيخ لمعتقد جديد لدى المغاربة يُشَرْعِنُ لإمكانية تغيير الدين، أو الأخذ من غير الدين الإسلامي، في مجالاتٍ، الاختلافُ بين الدين الإسلامي وسواه فيها، يعد جوهريا، ولا تقبل فيه أي مساومة أو تنازل، إذ تمثل الفيصل الفاصل بين الإيمان وعدمه.
وهي محاولات، لن يكون المغرب بدعا في اعتمادها؛ إذ سبقته إليها دول استجابت ل"لنصائح" الغربية، الأمريكية وسواها، وللنداءات العَلمانوية الداخلية، التي خاضت معاركها " الدنكوشوتية " ضد مدرسي هذه المادة تحت ذريعة مسؤوليتهم المعنوية في نشر الفكر المتطرف، وتخريج "الدواعش" والمتطرفين. ولقد اشتغلت هذه الدول، حينا من الدهر، على تعديل مناهج التربية الإسلامية، وتنقيتها من كل ما هو دين، وخلق، وأمجاد، وجهاد، ومعارك، وسيرة،...(2) وحولتها إلى هيكل بلا روح، واسم بلا معنى. غير أنها لم تستمر حتى عادت الشعوب إلى أصولها السمحة، واستمرت الحياة، وتخرجت أجيال وقد رمت وراء ظهرها منتوج هذا "الإصلاح" المفروض والمرفوض، الذي كلف الملايين دون جدوى ولا جودة..( فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض)[الرعد: 17].
دمتم على وطن..!!
(1) راجع مقالنا:" مفاهيم إسلامية ينبغي أن تصحح: "أهل الذمة": قراءة في المفهوم، واستنطاق للحقوق". المنشور بجريدة "الأيام" الاسبوعية (2003)، وبجريدة شتوكة بريس (2011).
(2) راجع مقالنا: هَلْ تَرْبِيَّتُنَا الدِّينِيَّةُ تُغَذِّي التَّطَرُّفَ وَالْإِرْهَابَ؟ . المنشور بموقع هيسبريس (2016).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.