الأصل في حركة 20 فبراير يرجع إلى من أطلقها الذي نعرف جميعا أصله وفصله لذلك فهي ليست مستقلة وتوجهها هو توجه يساري، أراد من أراد وأبى من أبى، وهذا شيء إيجابي. ولأنها تطالب، من بين ما تطالب به، ب'الديمقراطية والعدالة الاجتماعية " وتقول لا لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، فهي أيضا ديمقراطية واشتراكية في نفس الآن، وهذا هو الأهم. والاشتراكيون في بلدنا، كما يعرف الجميع، هم ملل ونحل، فمنهم الإصلاحيون ومنهم الاشتراكيون الديمقراطيون ومنهم الراديكاليون...الخ. والأغلبية من هؤلاء الاشتراكيين، تفاعلت مبكرا مع الخطاب الملكي ل9 مارس وأعلنت عن مقترحاتها لتعديل الدستور في اتجاه إقامة الملكية البرلمانية وهو معطى بقدر كبير من الأهمية يجب على قوى اليسار أن تستمره، على الأقل في المرحلة الراهنة، من أجل إنتاج خطاب موحد يمكن الانطلاق منه للتأثير في ميزان القوى. إن أغلبية قوى اليسار قد أكدت بما لايدع مجالا للشك عن استعدادها للنضال من أجل الإصلاح أو التغيير من داخل النظام الحالي نفسه، الذي هو نظام رأسمالي، لذلك فهي إصلاحية وهذا ليس عيبا، ولكن العيب هو أن تستمر في محاولتها الهادفة إلى مغالطة الرأي العام تعسفا والقول بعكس ذلك وهو ما لن يكون إلا في صالح البعض الآخر من اليسار الذي بات يتفنن في تقطير رفاقه السم سالكا في ذلك كل السبل من التنابز بالانتماءات الحزبية إلى إنتاج خطابات التخوين والإدانة والتخبيث. .... خطاب لا يختلف عن ذلك القبلي في شيء عدا أنه انتقل من القبيلة إلى الحزب. وكل هذا يحدث، بينما أعداء الشعب الحقيقيين من الرجعيين وحماة الحفاظ على الوضع القائم والمستفيدين منه ماضون دون هوادة في مخططاتهم لكسر شوكة التغيير. وواهم من يعتقد أن هذا الخطاب التخويني هو خطاب نقدي يروم المراجعة والتصحيح والتغيير بل هو خطاب قدحي يقوم على التشهير والتحذير من مخاطر التعامل مع أشخاص بعينهم، الذين ليسوا في الحقيقة سوى منافسين لهم، بهدف إقصائهم حتى تخلو لهم الساحة لوحدهم للاستفراد بحمل لواء اليسار، واحتكار الخطاب باسم الطبقات الشعبية. سلوك سياسي لا يمكن تفسيره إلا بالإعاقة الفكرية لأصحابه وترهل حمولتهم الإيديولوجية إلى درجة أصبحوا معها غير قادرين حتى على تحليل المنظومة الاجتماعية والسياسية القائمة. لذلك أعتبر أن مبادرة اليسار الديمقراطي والمتمثلة في تنظيم مناظرة وطنية من أجل صياغة وثيقة دستورية بمضمون واضح المعالم لنظام الملكية البرلمانية يعتبر مبادرة في الاتجاه الصحيح تقتضيه الظرفية الراهنة ويجب أن تتلوه مبادرات أخرى من أجل صياغة تصور واضح لمجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وكما أبانت التجارب في العديد من الدول الأخرى فإن الإصلاحية لم تكن في أي يوم من الأيام لتشكل تهديدا لمجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإنما التهديد الحقيقي الذي من حقنا جميعا الحذر منه هو أن تنزلق -باسم الإصلاحية- إلى الليبرالية المتوحشة، وهذا هو حال بعض أحزابنا السياسية التي بات يسيطر على زمام أمورها التيار اليميني الوصولي الذي لم يعد يهمه من الممارسة السياسية سوى الوصول إلى السلطة السياسية والمادية اللتان يحتكر توزيعهما في وقتنا الحاضر المخزن. وللدلالة على ذلك يكفي أن نذكر أن الخطاب السياسي الذي كان سائدا قبل 20 فبراير كان متمحورا حول الانتخابات ولا شيء غير الانتخابات، وكان مجالنا السياسي حينها يبدو كما لو كان مجالا للصراع حول الاستوزار والعموديات والرئاسيات الجماعية، والمناصب...الخ، وهي كلها مواقع مدرة للدخل والسلطة. ومن هنا يمكننا صياغة تعريف مبسط لمن لازال يستعصي عليه فهم طبيعة نظامنا السياسي المسمى ب"المخزن"، لنقول إن المخزن هو نظام سياسي يحكتر، حد الاستبداد، السياسة والمال ليعيد توزيعهما، عبر عملائه ووسطائه وفق شروطه الخاصة. والمخزن هو أيضا نظام اجتماعي واقتصادي، وإن كان يقوم على أساس استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، فهو نظام متفرد غير معروف في التجربة الغربية، وهو الاعتبار نفسه الذي يجعلنا نحتاط من استيراد مفاهيم أجنبية جاهزة ومحاولة تطبيقها حرفيا على مجتمعنا، ذلك أن المفاهيم، بحسب الدكتور عبد الكبير الخطيبي، هي وقائع تاريخية ولا تأخذ بنيتها إلا داخل تفكير خاص وأحداث معينة في الزمان والمكان وتندرج في إطار كتابات لها منطقها الخاص. ولكل هذه السبب ندعو باقي القوى الديمقراطية بهذا البلد إلى التواضع ورفع القبعات احتراما وتقديرا لشباب 20 فبراير الذين لولاهم لما أطلق هذا الفعل النضالي وبهذه الجرأة ضد الاستبداد ومن أجل مجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.