تعتبر ظاهرة الإدمان على المخدرات من الظواهر الكونية، نظراً لانتشارها الواسع، في المجتمعات سواءً المتقدمة أو السائرة نحو النمو والتقدم؛ بحيث أنها لم تعد تقتصر على منطقة دون أخرى بل أصبحت فيروساً يغزو العالم بأسره. مما يكبد الدولة والمجتمع خسائر فادحة، كما أنها أصبحت تهدد الأفراد بالإصابة ببعض الإضطرابات النفسية والعقلية مما أصبح مشكلاً جسيماً. لكن الجديد في الظاهرة هو تفاقم مشكلة الإدمان بعد أن تعقدت صوره المختلفة، و دخلت المخدرات الصناعية جنبًا إلى جنب مع المخدرات الطبيعية، و أكثر من ذلك أصبحت فئة الشباب المستهدف الأول لهذا الوباء، حيث يرى مصطفى سويف في دراسة له حول البحوث الجنائية و الإجتماعية من عام 1982 حتى عام 1987 ، أن تعاطي المخدرات غالبا ما يبدأ في سن 15 – 17 سنة، أي العمر الخطر الذي يحتاج للعناية النفسية و الجسمية بدلا من تدميره بالمخدرات.(1). وتعد فئة الشباب المؤشر الرئيسي لصحة أي مجتمع أو إضطرابه، فالشباب كغيره من أفراد المجتمع له رغبات وحاجات فيزيولوجية، ونفسية و إجتماعية، يسعى لتحقيقها و إشباعها، لكنه إذا فشل في تحقيقها بسبب عقبات ذاتية أو بيئية تضطرب صحته الجسمية و النفسية، وتنتج هنا أزمات و إنحرافات نفسية و إجتماعية بسبب إختلال التوازن والتوافق نتيجة للتوتر والقلق و الإحباط و الصراع المتزايد، وهنا تظهر الإضطرابات النفسية والعقلية التي لا تعدو أن تكون إلا وسيلة من وسائل التعبير عن المعاناة التي يعيشها الفرد في حياته اليومية. والمخدرات عرفت منذ القدم، حيث إستعملها الإنسان لجلب المنفعة وتسكين الألم والأوجاع، إلا أن مخاطرها على الفرد لم تكتشف إلا منذ عهد قريب، ولاتزال الأبحاث جارية بهدف تحديد مخاطرها على الصحة النفسية و العقلية للفرد . وفي محاولة من مصطفى سويف لحصر أهم أنواع الإضطرابات والمشكلات المترتبة على تعاطي المواد المخدرة (وكان بتكليف من هيئة الصحة العالمية عام 1989) أمكن حصر 26 إضطرابًا صحيًا بدنيًا و 35 إضطرابًا نفسيًا، بالإضافة إلى 55 إضطرابًا إجتماعيًا. وورد ضمن إضطرابات الصحة النفسية حالات الخلط الذهني التسممي، والتفكير الإضطهادي، التهور العقلي، والنوبات الذهانية الحادة، الإكتئاب، والهلاوس، إضطرابات النوم والنوبات الشبيهة بالصرعية.(2) إن الإدمان على المخدرات من المشاكل التي تعوق تقدم المجتمع كما و كيفا، لأنها تلحق الأذى بكل من الفرد و المجتمع على السواء، و قد حظيت هذه الظاهرة بالكثير من الدراسات التي تناولتها من نواح مختلفة؛ قانونية، فارماكولوجية، سيكاترية… إلا أن دراستها كمشكلة نفسية لم تحظ بالإهتمام الكافي. فقد قررت معظم الدراسات أن الإدمان على المخدرات شأنه شأن المرض النفسي، الذي ينشأ من خلال تجمع مجموعة من العوامل منها ما هو نفسي كامن، و منها ما هو بيئي يساعد على ظهور هذه الإضطرابات الكامنة في صورة إنحرافات شتى، قد تكون إحدى صورها الإدمان على المخدرات.(3). ويعتبر الإكتئاب من أكثر الإضطرابات النفسية شيوعاً في العالم ، وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى وجود أكثر من مئة وأربعين مليون مكتئب في العالم. وتتفق الدراسات على ترشيح إصابات الإكتئاب للإزدياد، وإن إختلفت في تحديدها للأسباب المحتملة لهذه الزيادة. لهذا كان الإكتئاب موضوع متابعة ودراسة مستمرة. كما أن للإكتئاب مظاهر عدة وأشكال متنوعة وأسباب مختلفة تتراوح بين التبدلات الدماغية والاضطرابات الهرمونية والانفصال والفقدان والأزمات المادية والخبرات السلبية المقيتة. وتشير الدلائل إلى أن شخص من أصل خمسة أشخاص يمرون مرة خلال حياتهم بطور اكتئابي، وأن نصف الذين يمرون بطور اكتئابي يحتاج للعلاج بسبب شدة ما يعانون. وبالتالي يعد الاكتئاب، إلى جانب القلق، إضطراب العصر بحق، والذي ما زال يتطلب المزيد من الأبحاث والدراسات لإيضاح الوجوه والعوامل المختلفة له، لما يسببه من أضرار وإعاقات على مستوى الفرد والمجتمع. ومن ناحية أخرى يعد التشاؤم والميول التشاؤمية المتعلقة بالذات والعالم المحيط، من المركبات الأساسية للاكتئاب.(4). و بما أن ظاهرة الإدمان على المخدرات معقدة و متعددة الأبعاد، فسأحاول معالجتها من ناحية العلاقة الموجودة بينها و بين الإصابة بالإضطرابات الإكتائبية التي يعاني منها الشباب. فهناك من الباحثين من يرى بأنها علاقة سببية تبادلية، في حين يذهب البعض الآخر إلى القول بأنها ليست علاقة حتمية. ومن خلال الدراسات الميدانية (5) التي أقيمت يتبين أن الإرتباطات السببية بين الإدمان على المخدرات عند الشباب و التمظهرات الإكتئابية التي يعانون منها، لا توجد بينهما أية صلة حتمية لكنهما ببساطة متعايشتان، أي بمعنى آخر تواجد أحد الإضطرابين يشجع الوقوع فريسة للإضطراب الآخر. كما أن فئة الشباب هي المستهدف الأول لظاهرة الإدمان على المخدرات، وأغلب الإضطرابات النفسية التي تظهر لديهم قد تسبق، أو تترافق، أو تلي انسحابهم من تعاطي هذه المواد. لذا فإنه من المفيد أن ننظر إلى سلوك تعاطي المخدرات و أثره في حياة الفرد بمنظار أوسع، وهذا بسبب إتجاهاته و أبعاده المستقبلية، فقد لوحظ على سبيل المثال عدم إقتصار الشباب على تعاطي مخدر واحد بل يتعاطون مجموعة كبيرة من المخدرات، كما أنه و حتى مع الزعم بأن التعاطي مرتبط بنوع من الفضول و تجربة شيء جديد، إلا أنه في الحالات الشديدة يكون نتيجة إضطراب مزمن في الشخصية، خاصة الإضطرابات السيكوباتية التي لوحظت في أغلب الحالات، و يتعاطى بعضهم المخدرات من أجل التخلص من إضطرابات سابقة، و بالمقابل الإدمان يتسبب في إضطرابات نفسية أخرى و يجعلها أشد ظهوراً، لهذا يجب تكثيف الرعاية بهذه الفئة، و إنشاء مراكز متخصصة لتوعيتها و رعايتها، بدلا من تهميشها و معاقبتها. الهوامش: 1- حسين فايد ، سيكولوجية الإدمان، المكتب العلمي للكمبيوتر و النشر و التوزيع، ص 13 2- سويف، مصطفى ( 2001 ) مشكلة تعاطي المخدرات بنظرة علمية. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص22 3- د. عفاف محمد عبد المنعم، الإدمان، دراسة نفسية لأسبابه و نتائجه، دار االمعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2003 ، ص 25 4- د. سامر جميل رضوان ، الاكتئاب والتشاؤم مجلة العلوم التربوية والنفسية “دراسة ارتباطية مقارنة ” المجلد 6 العدد 2 يونيو 2005 ص13 5- للإطلاع على الدراسات الميدانية : – حسين فايد، سيكولوجية الإدمان ، المكتب العلمي للكمبيوتر و النشر و التوزيع، بدون سنة النشر، ص 23 ص24 ص 25 . – عفاف محمد عبد المنعم، ( الإدمان، دراسة نفسية لأسبابه و نتائجه)، دار. المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2003 ص106 ص 107 ص127 ص 137 . – فاطمة صادقي، علاقة الاضطرابات النفسية بالادمان على المخدرلت عند الشباب (دراسة ميدانية بمنطقة تمنراست)، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير / تخصص علم النفس العيادي سنة 2006 ص16 .