أخنوش : الحكومة ستسخر كافة الإمكانات لمواكبة مسار تنزيل ورش إصلاح منظومة العدالة    ‬في ‬الرد ‬على ‬تشنجات ‬الأمانة ‬العامة ‬للعدالة ‬والتنمية    سلوفاكيا تدعم مبادرة الحكم الذاتي    البواري: الفلاحة الصغيرة حصلت على 55% من أموال المخطط الأخضر والداخلية ستشرف على دعم الماشية ليصل للمستحقين    غزة.. مقتل 52 فلسطينيا جراء غارات إسرائيلية ووفاة 29 طفلا لأسباب مرتبطة بالجوع    لقجع : 2030 ليس مجرد مونديال إنها انطلاقة مغرب جديد    غرناطة تسحر الحاضرين في الرباط: عرض سياحي يحتفي بالإرث الأندلسي ويعزز الروابط بين المغرب وإسبانيا    المنتخب النسوي U17 يختبر جاهزيته أمام كوريا    مراكش.. شرطي يستعمل سلاحه الوظيفي لتحييد الخطر الصادر عن مختل عقلي    مندوبية التخطيط: الفقر متعدد الأبعاد انخفض بشكل شبه شامل بين سنتي 2014 و2024    عدد زوار فضاء الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة ناهز مليونين    مصرع أسرة كاملة في حريق منزلي بإقليم شفشاون    هشام جيراندو يورط أفراد من عائلته ويتسبب في إدانتهم بالحبس والغرامة    احتجاجات دولية بعد إطلاق إسرائيل النار باتجاه دبلوماسيين في الضفة الغربية    الملك يعتز بالروابط المغربية اليمنية    إصابة سبعة أشخاص في حادث اصطدام بين سيارة أجرة وسيارة لنقل العمال بطنجة    رغم قرار الإلغاء.. إقبال على شراء الأضاحي وارتفاع أسعار اللحوم يربك الأسواق    الهدهد والطيور الاثنا عشر .. عرض تربوي فني يوقظ وعي أطفال سيدي مومن    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    مندوبية التخطيط: تراجع الفقر متعدد الأبعاد بنسبة 45% في الجماعات الأكثر فقرا    التوقيع على اتفاقية لتنزيل جائزة محمد السادس الدولية للسلامة الطرقية بلايبتسيج    شهادات للبيع وترقيات بالرشوة    "العدالة والتنمية" يدين استهداف إسرائيل للسفير المغربي بالرصاص ويطالب بإسقاط التطبيع    فاس: الجامعة الأورومتوسطية تضع بنياتها الرياضية المتطورة رهن إشارة الجامعات الملكية المغربية للرياضة    الكفيف ولذَّة الكفوف    حوار مع سلافوي جيجيك يحذر فيه من "جدران غير مرئية جديدة"    الدولار يتراجع وسط مخاوف مالية وبتكوين تواصل الصعود القياسي    كأس العالم للأندية: فيفا يفتح نافذة انتقالات استثنائية من 1 إلى 10 يونيو    كأس العالم للأندية: مهاجم ريال مدريد اندريك يغيب عن المسابقة بسبب الاصابة    تقارير.. مودريتش قد يودع جماهير ريال مدريد أمام سوسيداد    جامعة الكرة تكشف البرنامج الكامل لمباريات السد    "نساء المحار" في تونس يواجهن خطر التغيرات المناخية و"السلطعون الأزرق"    تراجع أسعار الاستهلاك في أبريل 2025.. انخفاض ملحوظ في المواد الغذائية والمحروقات    ONMT يطلق حملة "نتلاقاو فبلادنا" لتشجيع السياحة الوطنية    الوزيرة السغروشني تكشف من قبة البرلمان عن 5 مبادرات لتعزيز الذكاء الاصطناعي بالمغرب    طقس الخميس .. أجواء حارة نسبيا وزخات رعدية بعدة مناطق    مقتل موظفين بسفارة إسرائيل بواشنطن    ناصر بوريطة يقصف بقوة: دبلوماسية الحقيقة تربك عسكر الجزائر وتُسقِط الأقنعة    أمام نظيره الجنوب إفريقي وعلى مسمعه: ترامب يدين 'الإبادة الجماعية' ضد الأقلية البيضاء    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني تسجل رقماً قياسياً بعدد الزوار في دورتها السادسة بالجديدة    من تطوان إلى إشبيلية.. مسيرة فنية تحتفي بجسور الثقافة بين المغرب وإسبانيا    مقتل موظفيْن إسرائيليين في واشنطن    إسبانيا تراقب عن كثب تقارب المغرب وكوريا الجنوبية بشأن قضية الصحراء    مدرب نهضة الزمامرة: الزعيم استحق التأهل إلى ربع نهائي كأس العرش    الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض يؤكد التزامه باستقلال القضاء وحماية الحقوق والحريات في كلمة تنصيبه الرسمية    كرة القدم والاستثمار .. المغرب يسرع الخطى نحو كأس إفريقيا والمونديال    الفنانة سمرا تصدر "محلاها ليلة".. مزيج إسباني عربي بإيقاعات عصرية    تتويج المواهب الشابة في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم المغربي القصير بالجوال    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    باحثون بريطانيون يطورون تقنية جديدة تسرع تشخيص أورام الدماغ    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    طنجة تحتفي بالثقافات في أولى دورات مهرجان الضفاف الثلاث    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    تلك الرائحة    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحية " الحكرة " .. رسائل سياسية في عز "البلوكاج" الحكومي
نشر في هسبريس يوم 19 - 12 - 2016

يذكرني المدخل الفانتازي لمسرحية " الحكرة" التي وقعتها الكاتبة والصحفية المغربية بديعة الراضي، وأخرجها السيناريست المبدع محمد الزيات بمشهد مسرحي مفتون بالأضواء ضاج بالحركية للمسرحي العالمي الايسلاندي ايفون دو بريك، حيث تتآكل الخشبة على إيقاع البياض الموشوم بذاكرة شيخ سكير{ هو كاساندرو} يتمايل على شرخ الذاكرة، معترضا ومغامرا في الزمان يتصيد عطور ومواقيت الأصيل قرب نهر {سوغان}..
نفسها المعادلة النصية لتلك التداعيات الغارقة في البوح والسادرة في انتشالها للمخزون العقلي، تحاول بطلة "الحكرة"قامت بتشخيصه الفنانة ماجدة زبيطة، انتشاله من غرابة الزمن ونفوق الضمير المستلذ،وهي تهطل مكابدة وجرأة زائدة قبيل صعودها الركح .. اختراقا لحواجز الجمهور تحت وقع ارتطامات بين رؤية النفق وتأويل المكان، الذي يصير بعد العذاب الشديد من الاحتجاج والاندغام في لجج الهوس وتأثيرات المحيط..
منذ البداية يتراءى حجم الضياع الذي تعيشه القضية، تلك التي تعانيها سيرورة وطن يتعلل بالديمقراطية، الكلمة المهضومة بتكريس التيه وضمان استقوائه. تبرز تيمة التعالي في فكرة النص المسرحي كما لو أنها تقدم وجهة نظر في التباسات السياسة، في تعثرها تحت سياط الشعودة وتبئير التدين، ليصير قبرا وتغييبا للحقيقة.
تحاول البطلة الوحيدة لمسرحية "الحكرة" أن تستعيد من خلال تردادها المغامر لفكرة الوطن والشعب وماخور الاستعداء روح الولاء للعقل البديل، حيث يصحو منطق رؤية الحياة كما هي دون ملونات سياسوية. يندمج الوطن في إنسانه، والانسان في وطنه، وتماثل فكرة الاندماج تلك الصورة الفارقة التي تحتضنها الممثلة وهي تعاقر حجب الستائر وتنشد من خلال علائقها المتقاطعة والمرسومة بظلال الغائبين المغيبين، الذين غادروا الحياة قسرا، عمر بنجلون وفرج فودة وفرحات حشاد ومصطفى العقاد .. الخ .. بمثابة اغتيال للعقل العربي ومحنته المستمرة.
يشتعل الرأس حدادا وينظر كفيفا ندوبا ممزقة على مدى عقود، وليس ثمة أفقا مفتونا بالأمل غير اختضاب وانتظار ومجهول وغياب عن العالم..
ربما كانت تعابير الممثلة ماجدة زببيطة التي تجسد الرهق والتأسي بماورائيات القول، وبالتنكيل أحيانا بالأشياء السرابية كناية عن شرب سجائر هي ممحاة للعودة عبر الشجو والقراءة بالأشعار وتفريغ الآلام وتثبيطها من الوقوع في الخراب ..
شيئا فشيئا يتصاعد الكرسي على طرفي جسد منهك ومنقوع بشراشف الهجر والتداوي بمآسي انهيار قيم وأخلاق السياسيين، دعاة الاصلاح وبائعي الأهواء وسماسرة الدين . تستمر أيقونة النص المسرحي في استدعاء الجمهور لتوثيق صلة الضمير الغائب بالحاضر مما تبقى من جدليات:
* تقريب فكرة التغيير عبر قوالب مسرحية تثور فيها حواس الاسترجاع إلى أحداث وأزمنة وأمكنة ساهمت في إثارة تيمات سياسية وفكرية ..
*وتبادل أدوار الايقاع الواحد في الركح بميزات تتأول فيها ميازيب استنطاق العقل الجمعي واسترداد تفوقه وقوة حضوره الرمزي..
*وانطلاقة دوال هذا الاسترجاع في حماسية اللحظات الحاسمة من عمر الوطن، نموذج استعادة حركة 20 فبراير وما بعدها، ووحدوية الاهداف النضالية الشبابية التي أحدثت قطيعة ابستمولوجية مع الفكر الجامد، أو الفكر الجائع، كما سمته المسرحية.
المتاح في عناق النص المسرحي محاولته الإصغاء للحلم، لليوتوبيا في أجلى تصاريفها، بالقبض على الهارب في انزياح شاهق عن حقيقة العالم الخلفي، عن غرائبية تنهض بإواليات تستنزفها أقنعة الستائر المعلقة بين السماء والأرض، لا تحجبها العين المجردة ولا مواويل أصوات حرى، تنبعث من هنا وهناك..بل ردود أفعال وتحللات وغيوم ملبدة .. مؤبدات تصول وتجول، مثل القهرية الناهضة بأعباء وأثقال متراكمة..
في لغة مسرحية "الحكرة" ينبري شجن كاتبته المبدعة الراضي بغير قليل من الانبهار بشعريات الثوار ونثرياتهم المعتقة بنبيذ البوح ورصد الأحزان الثاوية.
لغة عالية تعيد للمسرح عنفوانه ومجده الضائع. ويحيل في ثناياه مزيجا من تلاوين شعراء المهجر، الواقعية الاجتماعية بدايات المسرح العربي، خصوصا تجربة جبران خليل جبران في مسرحيته " إرم ذات العماد " وفريدة الشاعر ميخائيل نعيمة "الأباء والبنون" ..
ويستوعب المخزون اللغوي لمسرحية "الحكرة" عربية فصحى ولهجة مغربية دارجة ترابطا سيميائيا نابضا بالحس العربي القومي والانتماء للوطن هوية لا مناص من رحمها.
وفي هذا الترميز البديع لحضور أهم مقومات الهوية في التدليل براهنية السؤال الهوياتي العابر للنص المسرحي، انتصار للتاريخ والانسان العربي واتساع موطئه اللسني واللوني والجغرافي والمصير المشترك...
أخيرا ليست "الحكرة" نصا مسرحيا إسقاطيا، ولا تنويعا إبداعيا في سياق تراكمات نظيرة، وليس أيضا فكرا التباسيا لحركية ناشزة . إنه بكل وعي ومسؤولية خطاب تحرري، تغتمره امرأة بأداء وصيف، يرمم يوميات استنزاف معقدة، فيها السياسي والاجتماعي ومقاربة النوع وثقافة المساواة وحقوق ضائعة ومتاهات ومقاربات في الراهن والمستقبل...
يميط نص "الحكرة" اللثام عن طابوهات تزييف الحقائق، عن الضحك على الشعب، عن فرضيات في السياسة وأسرارها، عن زمنية تتحرك تحت حالات إرباك وتشويه..
ويترك النص الثائر جملة من الانتقالات المبيتة كأدوات لتفكيك ما لا يفكك، في البحث عن أشكال جديدة لاندماج النص المسرحي مع واقعية تستوعبها مستويات تلقي الجمهور، انكسارا واعتذارا .. وأحيانا أخرى توثيقا للحظة انكشاف ظاهرة "الحكرة" التي بدأت تخفو في مخيلة الممارسين لحقول الابداع المسرحي والسينمائي بعد انغلاق هوة العلاقة بين الفن والمواطن.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.